منى عباس فضل
مدينتنا المنامة عروس الخليج؛ تبدو هادئة وادعة هذا
الصباح، شوارعها تكاد تكون خالية من حركة العربات والمتجولين، إنه يوم إجازة رسمية
بمناسبة الأول من أيار، عيد العمال العالمي.
هدوء مدينتنا يحجب وراءه ظلالاً من الحزن والضجر؛ بعض من
التشنج والتململ، فمنذ سنوات وتحديداً منذ الحراك الشعبي في ثورات الربيع العربي،
والمسيرة العمالية التي كان يتصدرها الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين في هذا
اليوم ممنوعة؛ لا يسمح له ولا لمنظمات المجتمع المدني بالخروج في مسيرات احتفالية وسط
شوارع العاصمة بهذا المناسبة ورفع الشعارات كما عهدنا ذلك في بدايات الألفية مع تدشين
المشروع الإصلاحي وإطلاق الحريات السياسية والنقابية.
في إطار الاحتفالات العالمية بيوم العمال؛ كانت تخرج
مسيرة نقابات عمال البحرين في شوارع العاصمة؛ بشيء من النشوة والحماس والحافز الذي
يحذوه الأمل؛ تشاركهم في هذا الكرنفال منظمات المجتمع المدني بمختلف القطاعات؛ من جمعيات
نسائية وشبابية وحتى الجمعيات السياسية قبل إقفال أبواب بعضها بالشمع الأحمر بتطبيق
لأحكام قانون العزل السياسي وانحسار نشاط بعضها الآخر بسبب تصحر الحياة السياسية وترهل
الحال.
ولطالما علت الإعلام زاهية بألوانها في تلك المسيرات وبما
تمثله من ثقل لمنظمات سياسية وأهلية ونسائية وشبابية، من بينها رفرفت بعض من
الأعلام الحمراء التي تتوسطها مناجل العمال وقبعاتهم لكن علم البحرين المتداخل باللون
الأحمر والأبيض يبقى هو الأعلى يرفرف شامخاً في العلا؛ رمزاً للوطن والهوية.
شعارات تلك المسيرات كانت متحركة عابرة للطوائف تعبر بكل
حمولتها عن مطالب المرحلة للعمال وعن نبض الشارع واحتياجات الناس، ("لا تنمية
حقيقية بدون عدالة"، "نتحدى الصعاب لمستقبل وظيفي آمن"، "عمالتنا
الوطنية.. ثروتنا الحقيقية"، "لا للفصل التعسفي لا لفصل النقابيين لا
لتهديد الأمن الوظيفي لأي عامل"، "تأسيس نقابات القطاع الحكومي تعززا
لمشروع الإصلاح والديمقراطية"، "أجر عادل يساوي حياة كريمة"،
"لنعمل معاً من أجل وحدتنا العمالية"، "عاشت حركتنا
العمالية"، "1600 سائق أجرة مهددون بقطع الأرزاق وتسريحهم من
مهنتهم"، "نناشد المسؤولين لحماية هذه الشريحة من التسريح وقطع الأرزاق؛
جمعية سواق سيارات النقل العام")؛ وفي المسيرة التي أعقبت الحراك الشعبي
بظروفه الصعبة والملتهبة؛ علت هتافات حناجر العمال بقوة في مسيرة الأول من مايو
"لا تراجع لا تراجع، فصل العمال جريمة، باطل باطل فصل العمال، بالروح بالدم
نفيدك يا بحرين، كرامة حرية..إلخ".
اليوم حضرت احتفال الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين بهذه المناسبة تصدرها شعار "البحرنة قرار.. وليس اختيار"، كتب حسن الحلواجي نائب الأمين العام في نشرة الاتحاد بهذه المناسبة: "أصبحت البطالة قضية وطنية، ولهذا فالبحرنة قرار بحاجة إلى تغييرات جوهرية في سوق العمل، إلى مراجعة شاملة لمدخلات ومخرجات هذا السوق، إلى خطط وبرامج تجعل من هذا السوق بيئة حاضنة مرغبة للعمالة الوطنية، إلى خلق وظائف بأجور ذات قيمة مضافة، وإلى استراتيجيات تضمن تكافؤ الفرص، ولأن تكون سوق البحرين نقطة جذب للمستثمر مع الحفاظ على أولوية استفادة العمالة الوطنية من عائد هذه الاستثمارات، ويحتاج إلى اصلاح التشوه في سلاسل الإمداد التي ترفده بعمالة وافدة. البحرنة قرار يحتاج لإعطاء أولوية التوظيف للعمالة الوطنية التي أصبحت نسبتها لا تتعدى الـ (20%) في المؤسسات والشركات، قرار يحتاج إلى زيادة النسبة، وإلى قصر بعض المهن والوظائف على البحرينيين، يحتاج إلى بحرنة مراكز اتخاذ القرار في الشركات والمؤسسات الكبرى التي تساهم في رفد اقتصاد البحرين؛ ما يعني الحاجة إلى مراجعة سياسة الخصخصة، خصوصاً وإن أغلب القطاعات التي تم خصخصتها تعتمد على العمالة الوافدة وبأجور غير مجزية وبيئة عمل غير مواتية لاحتضان العمالة البحرينية في ظل رقابة منقوصة من الجهات المعنية.
أما كلمة الأمين العام عبد القادر الشهابي وبما تضمنته من
مطالب وما أورده في نشرة الاتحاد فهو يلخص حالة البلاد والعباد؛ حيث ذكر "أن
المعاناة المعيشية تشتد من حيث استشراء التضخم وموجة الغلاء وزيادة الضرائب وتآكل الأجور
وضعف القدرة الشرائية، إلى جانب العجز الأكتواري لصناديق التأمين الاجتماعي مما
ينذر بمخاطر على أوضاع المتقاعدين ويهدد الرفاه الاجتماعي، وكذلك الآثار السلبية
لقانون التقاعد الجديد على مجمل نظام التقاعد ومستقبل المتقاعدين ويمثل عقبة
لإدماج المواطنين في سوق العمل، هذا السوق الذي هو أصلاً بحاجة إلى إصلاح واستدامة
للصناديق التقاعدية، مطالباً بإصلاح حقيقي لمعالجة جذور المشكلة والبدء بحوار
أطراف الإنتاج الثلاثة.
وأضاف "هناك صعوبات اقتصادية والوضع المعيشي في تراجع،
والخدمات الصحية والتعليمية ومخرجاتها لم تعد بالمستوى المطلوب، ارتفعت نسب
البطالة وشحة الوظائف، وانسحب التراجع إلى البنية التحية من سكن وطرق ومواصلات،
تفاقم الدين العام ووصل إلى (17 مليار دينار) يعني (أكثر من 100% من الناتج المحلي
الإجمالي)، إنها وصفة صندوق النقد الدولي السيئة واللاإنسانية، بتقليص المصروفات (أجور
القطاع العام؛ يعني تسريح موظفي الصحة والتعليم، يعني شبح الخصخصة الذي يفاقم المشكلات
الاقتصادية في البلاد) وطرح الشهابي سؤالا عليهم: هل تسريح العمال وتقليص حقوق
المتقاعدين ووقف توظيف العاطلين واستمرار تدفق العمالة المهاجرة للسوق المحلي يحقق
التوازن المالي؟ كاشفاً بأن هناك مطالبات ملحة لرفع مستوى المرتبات وتعديل الأجور،
ووقف استنزاف الاقتصاد بجلب العمالة الأجنبية على حساب الوطنية.
في حسابه ومن على منصة الانستغرام كتب النقابي المخضرم يوسف
الخاجة الذي تحمل المتاعب والمصاعب والمخاطر بصبر وكان رئيساً لنقابة شركة (BAS) باس خدمات مطار البحرين لمدة 31 سنة وفصل من عمله على خلفية حراك
2011، كتب: "يمر علينا يوم العمال العالمي والوضع العمالي في أسوء حالاته،
حيث الأجور المنخفضة التي لا تتناسب والغلاء الفاحش في البلاد ولا تكاد تكفي لسد
أبسط احتياجات الأسرة وطابور من المفصولين بحجج واهية ولغياب تشريعات الحماية
للعامل بالإضافة إلى بطالة منتشرة تكاد تطال كل بيت في وقت تزاحم فيه الأيدي
العاملة الأجنبية المواطنين في أرزاقهم، فأي احتفاء بالعمال يقام اليوم؟!
ختاماً مع كل مظاهر الظلال وسطوة التوحش في أرجاء عالمنا،
تبقى مناسبة الأول من مايو فرصة تبرز من خلالها معاناة العمال ومطالبهم لتحقيق
العدالة الاجتماعية، وحيث تتفاوت مظاهر الاحتفال بهذا العيد من مكان إلى آخر؛ إلا
إن القاسم المشترك بين هذه الاحتفالات هو الاحتجاج على خصخصة الخدمات، والغلاء
والتضخم وارتفاع مستويات المعيشة والمطالبة بزيادة أجور العمال وتحسين ظروف عملهم
في بيئة لائقة وخفض نسب البطالة.
تبقى مساحة الأمل مشرعة نتقدم عبرها بخالص التهاني لعمال
وعاملات البحرين وفي العالم أجمع بمناسبة يوم العمال العالمي؛ الأول من أيار 2023.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق