الخميس، 18 نوفمبر 2021

نظرة جندرية لقضية المعلقات

 

د.منى عباس فضل

 تمثل حملات المدافعة عن حقوق النساء مدخلاً إلى مناقشة قضايا المرأة البحرينية ورصداً لعلاقتها بالمجتمع وإثارة الأسئلة عما إذا كان الأخير ينحاز إلى صفها من حيث المفهوم "الجندري" أم لا؟

 حملات المدافعة تكشف عن حالة التسلط والغبن الذي تعيشه المرأة في ظل قوانين وتشريعات تعتريها النواقص والعيوب في تفاعلها وتشابكها مع منظومة الأعراف والقيم والعادات والتقاليد والثقافة السائدة، كما إنها تعري مواقف الاتجاهات الذكورية العقائدية المحافظة في محاولة الانتقاص من المنجزات التي حققتها النساء في مجالات الشأن العام والتعليم والعمل والفكر والثقافة بل حتى في استحقاقهن للمساواة القانونية التي ليست بمستوى طموحات ونضالات الحركة النسائية البحرينية بعد.

 لقد سادت ولا تزال مفاهيم ذهنية واتجاهات سلوكية تعزز من دونية النساء ودورهن في المجتمع خلال عقود من الزمن؛ وصار لازماً تقويم هذا الوضع وبسط النقاش حوله والتصدي له، لاسيما وحملات المدافعة تميط اللثام عن التعصب والتشويه لدور المرأة في الحياة ومكانتها؛ ذلك على الرغم من إبراز الجانب الرسمي للمنجزات المتحققة التي تعكس تطور واقع النساء في التعليم والعمل وإقرار التشريعات والقوانين في مشاهد اختزالية يستعرض من خلالها سرديات وبيانات إحصائية تتناغم مع الاستخدام المفاهيمي الحداثي لتمكين المرأة ومساواتها بالرجل من جهة، ومن جهة أخرى محاولة تطويع تلك المفاهيم بما لا يلزمه كطرف بإحداث تغييرات جوهرية على التشريعات والقوانين المتعلقة بقضايا النساء ومساواتهن القانونية.

 ولعله من المفيد الإشارة إلى تسيّد الرؤية الرسمية المتفاهمة مع الرؤية الدينية بصورة معلنة وغير معلنة وبصفتهما سلطتين تخترقان المجتمع وتتوليان تثقيف الأفراد كل بطريقتها وغاياتها حول أهمية دور المرأة ومكانتها في الأسرة والمجتمع؛ وبتوظيف آليات متعددة للتعبيرعن ذلك، هذا المشهد غالباً ما يضعنا في مواجهة حالة من الإزدواجية والتناقض بين ما يقال وبين ما يمارس فيما يتعلق بحقوق النساء الإنسانية ومساواتهن ومعاناتهن من التمييز القانوني.

 المتتبع للواقع، سيلاحظ التحاشي الرسمي لأي تصدٌ مباشر عند الحديث عن التمييز وعدم المساواة البارزين في "قانون الأسرة" وغيرها من التشريعات التي تركت ضمناً وعملياً في يد المؤسسة الدينية بشقيها رغبة في تأكيد الطابع الديني للدولة وبما يحافظ على سيادة الرجل في المنزل والحياة الزوجية، مما أدى إلى بروز اتجاهات متناقضة وإلى وضع غريب ملتبس يتسم به حال المرأة البحرينية التي حققت المنجزات ولا يزال التعاطي معها يتم عملياً بشكل دوني وقاصر، ولنا في القضية التي شهدها المجتمع مؤخراً وأثارت سجالاً من خلال حملة "معلقات ينتظرن الإنصاف" بين مؤيد ومعارض مثالاً يعكس اختلالاً صارخاً في "قانون الأسرة" الذي يستوجب إجراء التعديلات على بنوده لتحقيق المساواة القانونية، وقبلها حملة إلغاء المادة "353" من قانون العقوبات التي تجيز زواج المغتصب من ضحيته وغيرها مما يمثل نماذج فاقعة على التمييز القانوني بحق النساء. 


تمييز ولامساواة قانونية

عربياً حتى لا نقول محلياً، تعد قوانين الأسرة والأحوال الشخصية نموذجاً بارزاً للتمييز بين الجنسين، وبرغم تأكيدنا على التقدم المتحقق في الجوانب التشريعية المتعلقة بقضايا النساء، إلا إن قوانين "كقانون الأسرة والحماية من العنف الأسري، والعقوبات والجنسية" وغيرها لا تزال جامدة نسبياً لجهة تحقيق مبدأ المساواة، وهي تواصل تقويض الشخصية الكاملة للمرأة ومكانتها، إضافة إلى إنه لم يمسها التغيير بعد مضي سنوات من نفاذها والعمل بها كما هو مع "قانون الأسرة البحريني" الذي صدر في 19 يوليو 2017.

 ولو أمعنّا النظر في المواد التي تحكم معاملات الزواج والطلاق والحضانة والميراث منه؛ سنجد أنها تنكر على المرأة الكثير من الحقوق التي يحميها قانون الحقوق الإنساني الدولي، وهي ترسخ ذلك مؤسساتياً من خلال المكانة المتدنية المقررة للمرأة في الأسرة حيث قوضت موقفها القانوني عندما تعاملت معها باعتبارها قاصراً وخاضعة على الدوام لوصاية أفراد أسرتها من الذكور، فهي بنظر هذه الأحكام جزءً من تنظيم الأسرة، لا كفرد مواطن يتمتع بحقوقه المستقلة والمتساوية مع حقوق الرجل.

 لهذا شهدنا التنمر وفزعة الحملة المضادة للمعلقات عبر وسائل التواصل الاجتماعي بتغريدات للاتجاهات الدينية والمحافظة بوسم "حملة تدمير العلاقات الزوجية" باعتبار أن حملة "المعلقات" من وجهة نظرهم حملة "أكاذيب وتلفيق وذات أهداف ابتزازية، ويراد منها التعدي على أحكام الشرع في المحاكم الجعفرية وهدفها تسهيل الطلاق وتدمير الأسرة..إلخ". في حقيقة الأمر عكس هذا السجال مدى الاستعصاء في إحداث التغيير في بنود "قانون الأسرة" ومقاومته من خلال التلويح باتهامات المس بالشريعة وإضفاء القداسة على القانون وباستحضار القيم والأعراف الاجتماعية التقليدية والثقافة السائدة تجاه المرأة.

 ليس خافياً أن "قانون الأسرة" بما يتضمنه من إجراءات مستمد من الشريعة؛ عملياً لا يتماشي مع الأحكام التي تنص على المساواة في الدستور، وهو يقوم على فرضية أن الرجل أعلى مرتبة من المرأة فيقدم له مزايا في الأسرة بمجالات "الولاية والزواج والطلاق والميراث وحضانة الأطفال" وهي مزايا تنكر عملياً على النساء أو تقدم لهن منقوصة كما يتضح من مادة الخلع "95/2أ" فضلاً عن المادة "353" من "قانون العقوبات" التي تفسح المجال للجاني "المغتصب" من الإفلات من العقاب. إن في هذا انتهاكاً لحق المرأة في المساواة أمام القانون وعدم التعرض لأي تمييز في الزواج والطلاق، وهي حقوق كفلتها المعاهدات الدولية التي صادقت عليها الدولة كـ"اتفاقية السيداو" والعهدين الدولين السياسي والاقتصادي وغيرها. 


التمييز في قانون الأسرة البحريني: الزواج والطلاق

من خلال مواد القانون المتعلقة بالزواج والطلاق يبرز التناقض بوجود نظامين متوازيين وغير متكافئين بين الجنسين، فحسب الفقه السني في القانون تشترط المادة (28-أ) إذا كانت الزوجة بحرينية ينبغي الحصول على رضا الولي عند إثبات عقد الزواج، وهذا بالطبع ينال من رضا المرأة وفيه تمييز ضدها ولاينسجم مع مقتضات المادة (16-أ/ب)، من "اتفاقية السيداو".

 وثمة أوجه لتسويغ الوضع التمييزي القائم، يتم عبر الحديث عن تحصين حقوق المرأة في عقود الزواج من خلال تضمينها شروطاً تنص على حقوق معينة منها؛ كالحق المتساوي في الطلاق، بيد إن الكثيرات وتبعأً للأعراف لا يستطعن ممارسة حق التفاوض بشأن هذه الشروط إلا فيما ندر بسبب الحرج الاجتماعي ووصمة العيب كما إن معظم العائلات ترى في إعطاء المرأة حق الطلاق أسوة بالرجل أمراً غير مقبول ومعيب، ومن الناحية العملية يمارس أولياء المرأة الذين تعتمد عليهم في تمثيل مصالحها، نفوذاً كبيراً في عملية الزواج والطلاق، ما يعني استمرار القيود المفروضة على استقلاليتها والخيارات المتاحة لها إذا ما قررت إنهاء الزواج.

 ضمناً ينص "قانون الأسرة" أن البت في الطلاق هو في يد طرف واحد وهو الأكثر حكمة -أي في يد الرجل-. فالرجال من وجهة النظر الشرعية والمجتمعية التي يروج لها؛ حكماء "تماماً كما أورد الشيخ هاني البناء في خطابه رداً على حملة "المعلقات"، وإن المرأة غير عقلانية وعاطفية بشأن الاختيارات المهمة في حياتها، غير راشدة وتميل إلى السلوك الاندفاعي وبأنها مترددة ومتقلبة المزاج وتحتاج إلى توجيه وحماية، وقد تتسرع في رفع دعوى الطلاق ولا تتوافر على الحرص في الحفاظ على كيان أسرتها مقارنة بالرجل. 

خيارات المرأة في الطلاق

وحين يسعى الزوج إلى الطلاق فهو يوقعه متى ما شاء إلى حكم الرجعة في القانون الذي يكرس حقه في الطلاق بإرادته التحكمية المنفردة دون علم الزوجة وحضورها مما يخلق العديد من المشكلات، فيما يتوجب على المرأة خوض غمار إجراءت قضائية معقدة مثقلة بالصعوبات ومستهلكة للوقت وباهظة التكاليف، كما إنها تفاضل بين خيارين، أحلاهما مر؛ أولهما طلب التطليق للضرر والشقاق بما يستغرقه من وقت طويل نسبياً لكنه يسمح لها الاحتفاظ بحقوقها المالية؛ إذا ما تم تنفيذ أحكام دفع النفقة وإعالة الأطفال، وعليها تقديم أدلة إثبات للعيب والضرر الذي لحقها، وكثيراً ما يكون ذلك بناءً على شهادة شهود عيان، وبعد المرور بعملية التوفيق الأسري الإجباري، وتقديم هذه الأدلة يشكل عبئاً ثقيلاً يقع على كاهلها لإثبات استحالة دوام العشرة مع زوجها، مع ملاحظة أن شهادتها تعادل نصف شهادة الرجل، وتعتبر ضرورة تقديم الشهود عائقاً كبيراً أمام حصولها على الطلاق بسبب الضرر الجسدي، وهنا ننوه إلى أن القانون في الشق الجعفري لا ينص على حق المطلقة في التعويض في حالة الطلاق التعسفي.

 أما خيار المرأة الثاني فيتمثل برفع دعوى مخالعة الزوج التي لا تحتاج إلى تقديم أدلة على الضرر، وإنما تقوم على التنازل عن حقوقها في النفقة وفي مؤخر الصداق وأن تدفع إلى زوجها مقدم الصداق أو أي مبلغ يطلبه، وكما جاء في الشق الجعفري برضا الزوج: "للزوجة أن تطلب إنهاء عقد الزواج بالخلع ببذل منها ورضا من الزوج."، وذلك بسبب استحالة الحياة معه. 


قصور المخالعة

تلجأ بعض النساء إلى الخلع وفي تصورهن أنه أسرع من التطليق لضرر، ولأنهن غير مطالبات بتقديم الأدلة على وقوعه أو توفير الشهود، وقد يدفع بعضهن إلى الاستدانة لتغطية تكاليف الحصول على حريتهن، وعليه إذا كان المقصود بالخلع هو الإسراع بعملية الطلاق وتيسيره وتقصير إجراءاته، فإنه ومن خلال وضع "المعلقات" وجدنا أنه يستغرق وقتاً طويلاُ  بسبب المنازعات حول مبلغ البذل الذي يتعنت بشأنه بعض الأزواج والإصرار على طلب بذلٍ يفوق المهر بسبب ما منحه القانون لهم، حيث تتعرض الزوجات إلى الابتزاز الذي دللت عليه شهادات "المعلقات" اللواتي تحدثن عن معاناتهن، الأمر الذي يضعنا أمام وضع تعجيزي خصوصاً عند عدم رغبة بعض القضاة في الحكم بطلاق الخلع.

 من هنا فإن القانون يجيز صراحة التمييز ضد المرأة في الزواج وعند الطلاق، إذ تم تقنين وضعها في مرتبة ثانية بعد الرجل في الأسرة، كما يعني أن هناك قبولاً بالأنماط السلوكية الانتقامية والعنفية التي يمارسها بعض الرجال ممن يعلقون زوجاتهم عند طلب المرأة للطلاق بالضرر وبالخلع كما لاحظنا في الحملة المضادة "تدمير العلاقات الزوجية"، أو بالسماح بتزويج الجناة من ضحاياهن بعد اغتصابهن حسب المادة "353" خوفاً من الفضيحة، إن في ذلك هدراً لحق المرأة في المساواة وانتهاكاً للإلتزام بتنفيذ "اتفاقية السيداو". 

تطور الحراك النسائي الحقوقي

استناداً إلى ما سبق، نجد أن القوانين والتشريعات المرتبطة بقضايا المرأة تقع في طليعة أجندة المدافعة للحركة النسائية عن المساواة، ولهذا تنظم الحملات منذ سنوات من أجل إيجاد القوانين وإجراء المزيد من الإصلاحات عليها بما يتناسب وتعدد أدوار المرأة ومساواتها بالرجل، لاسيما وأن القوانين القائمة ونموذجها "قانون الأسرة" تعتريها النواقص وهي موضع اختلاف في وجهات النظر والرؤى بسبب المواقف الدينية المحافظة التي تتعامل مع موادها بقدسية وجمود يقوض حقوق المرأة. 

 أثبتت حركة المدافعة عن حقوق النساء بإنها في مسار تتقاطع فيه العناصر الذاتية بالموضوعة الدينية والإيديولوجيه الحداثية والتقليدية، الأمر الذي جعل من نشاطها أكثر تشابكاً وتعقيداً، رغم تطور قضايا النساء الذي تطور معها اهتمام الجانب الرسمي والمدني، وصار مجال معالجتها لا يقتصر على الحركة النسائية متمثلة في الجمعيات النسائية والاتحاد النسائي البحريني وحدهم، وإنما نجد اهتماما من المنظمات الحقوقية ومختلف فئات المجتمع العمالية والشبابية بتعدد اتجاهاتها، وبالتالي نحن بصدد خلفيات متعددة؛ سياسية ودينية واجتماعية وثقافية جعلت من طبيعة النشاط النسائي يتسم بصعوبة الطرح والمعالجة خصوصاً مع توظيف العديد من القنوات التي لجأت إليها الحركة النسائية لايصال أصوات المعلقات ومن يقع عليهن العنف والظلم بمختلف الأشكال؛ وهذا بالطبع يعكس التزامها وقناعتها فيى التعبيرعن معاناتهن وإيصال مشكلاتهن إلى المجتمع الأمر الذي يفرض على الباحث والمتابع تناول هذا الحراك في تشابك أبعاده المتعددة وباختلاف تفاعلها.

 لاشك أن الحركة الحركة النسائية البحرينية حققت بجهودها المستمرة والمضنية جزءاً مهماً مما كانت تطالب به منذ سنوات، ومعظم ما تم إحرازه جاء بفضل الناشطات الحداثيات في الجمعيات النسائية والاتحاد النسائي البحريني؛ كذلك لا يمكن إغفال دور الدولة في تدخلها الإيجابي لمساندة تلك المطالبات وإن ضمن حدود رؤيتها وأهدافها، فضلاً عن موازرة هيئات الأمم المتحدة وبعض المنظمات الدولية التي تساند الدفاع عن حقوق المرأة وتعتبرها جزءاً لا يتجزأ من حقوق الإنسان، لاسيما مع ظهور العديد من القوانين والتشريعات الدولية التي تنص على مبدأ المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات التي غدت من الشعارات الرئيسية في أجندة وبرامج هذه الجمعيات وغيرها.   

استغلال قضايا المرأة

مع حركة التغيير التى يمر بها المجتمع، أدركت الحركة النسائية أبعاد الاهتمام العالمي بالمرأة وتمكينها من حقوقها وأدوارها في كافة المجالات السياسية والقانونية والاقتصادية في ظل حراك سياسي وطني ومناخ ثقافي طالما سعى إلى إرساء مجتمع ديمقراطي يرتكز على أسس المساواة في المواطنة بين أفراده؛ ومع إن القضايا الحقوقية للنساء ظلت معزولة نسبياً عن أجندة العمل السياسي ولم تدمج في برامج عمل الجمعيات السياسية إلا في حالات استثنائية ومحدودة، ومرجع ذلك باعتقادنا إلى عوامل ذاتية تخص طبيعة تكوين الحركة النسائية وتوجهاتها، وموضوعية تحكمها القيود والقوانين التي تتظم أنشطة الجمعيات الأهلية والتي تحرم عليها ممارسة النشاط السياسي، على الرغم من أن بعضها على علاقة وطيدة غير معلنة بمواقف بعض الاتجاهات الفكرية والإيديولوجية والسلوكية في الجمعيات السياسية سواء تلك التي تناصر قضايا المرأة أو التي يفتقر أغلبها إلى مواقف محددة فيما يخصها أو من يعبر منها عن مواقف التيارات الدينية، ففي كل الأحوال هناك اختلاف في الآراء والمواقف حتى في داخل الجمعية السياسية نفسها حين يتم عرض قضايا المرأة التي غالباً ما تتحكم فيها المواقف الظرفية والآنية أو الاستهلاك الخطابي والديني والتوظيف السياسي الضيق الرؤية خصوصاً في فترات الانتخابات للاستفادة من أصوات النساء. 

 بشكل عام تميزت الحركة النسائية في دفاعها عن حقوق المرأة بمستوى من الوعي الذي تراكم لديها وقاد إلى الاقتناع بأن المرأة البحرينية التي تشكل نصف المجتمع هي ثروة بشرية تختزن القدرات العقلية التي تساهم في بناء المجتمع وشريك أساسي في التنمية المستدامة، كما يسجل لها في مسار نشاطها الحقوقي مرورها بمنعطفات مهمة منذ الثماينيات انعكست على مطالباتها بسن قانون موحد للأحوال الشخصية وآخر لمناهضة العنف ضد المرأة وحمايتها منه فضلاً عن مساواتها في حقوق المواطنة ومطالبة الدولة بالتوقيع على الاتفاقيات الدولية "كالسيداو" و"حماية الطفل" وغيرها والالتزام بتنفيذ بنودها ورفع التحفظات عنها، إضافة إلى مساهمتها بإعداد التقارير ووضع مرئياتها التي ساعدت أصحاب القرار في صياغة القوانين الخاصة بالنساء سواء عند إعادة قراءتها أو مراجعة بنود مسوادتها.   

لحظة تحول نوعي

وهي اليوم تواصل جهودها التي لمسناها عبر "حملة المعلقات"، حيث تضاعفت الأصوات النسائية وشكلت لحظة مفصلية من لحظات التحول في المدافعة عن الحقوق والانتقال من ضغط الواقع والشكوى منه إلى المطالبة المباشرة بزيادة الضغط على الدولة لإحداث إصلاح في النظام القضائي لإنصاف المعلقات وممن يتعرضن للعنف؛ إنها في مرحلية قطيعة مع الظلم واللامبالاة والتعسف باستخدام القانون، ومع الخطاب الذكوري المزدوج بشأن دور المرأة وحقوقها، وجاءت تمثلات ذلك في الجرأة والموضوعية برفع سقف المطالبة والمحاججة تجاه مواقف وردود أفعال التيار الديني المحافظ، كما ووضعت الجانب الرسمي أمام مستوجباته؛ مطالبة إياه ببذل المزيد من الجهود والتسريع بإحداث التعديلات لسد النواقص في التشريعات والقوانين المناهضة للعنف والمعنية بحقوق المرأة ومساواتها بالرجل "كقانون الأسرة" و"قانون الانتخاب" و"قانون الجنسية" بما يسمح بمنح الأم جنسيتها لأبنائها عند زواجها من أجنبي وإلغاء المادة "353" من "قانون العقوبات" المتعلقة بالاغتصاب، وسعياً وراء توسعة حقوق المرأة وحمايتها مع الطفل والأسرة، والتزاماً بنصوص الدستور والميثاق الوطني في حق المرأة بالمواطنة الكاملة، وتحقيقاً لمستوجبات المعاهدات الدولية التي وقعت عليها. 

ومنه يمكن القول أن الحركة النسائية البحرينية قد حققت في مساعيها اختراقاً نوعياً لحالة الظلم واللاعدالة التي جسدتها حالة المعلقات والمطلقات والمعنفات وتقييد حقهن في الطلاق والانتقاص من أهليتهن في منح جنسيتهن لأبنائهن وغيرها، إن مطالباتها بتعديل القوانين والتشريعات تحقيقاً للمساواة يمثل حاجة أساسية تتعلق بمبدأ المواطنة الكاملة والشاملة للمرأة البحرينية وأي تطور يحدث بشأنها لاشك يمثل إنجازاً مهماً وعملاً جريئاً على طريق الدفاع عن حقوق الإنسان، لم لا وقضايا البحرينيات اليوم ومعاناتهن تفرض نفسها بحدة على الساحة المحلية وتستقطب اهتمام المجتمع وتجاوبه.

 

لجم الحراك النسائي

إزاء هذا الواقع نجد أن هناك من يحاول وقف عقارب الساعة، وكبح لجام الحراك النسائي ومطالباته بتعديل التشريعات وإنصاف المرأة؛ بإضفاء طابع القداسة على "قانون الأسرة" وتعزيز رؤيته التقليدية بشأن دور المرأة باستحضار النص الديني والموروث المذهبي وفتاوى المرجعيات الدينية لترسيخ منطق الوصاية والتشكيك في أهلية المرأة التي يتم التسويغ لها بما يعرقل آلية الدفع بقضايا المرأة ومشكلاتها إلى الأطر الرسمية أثناء إعداد مشاريع القوانين والتشريعات أو تعديلها بالاستعانة بمرئيات الاتحاد النسائي والجمعيات النسائية، إن هذا يعرقل نمو المجتمع وتطوره ويعمل على تكريس دونية المرأة وتهميش دورها فيه، فوضع المعلقات لا يبعث على الارتياح وهو مرفوض من الناحية الإنسانية والقيمية، وهو يعني في ذات الوقت أن هناك مسألة جوهرية لم تتغير بعد إقرار "قانون الأسرة" ونفاذه، وإن المرأة لا تزال تفتقد للتعامل معها كذات فاعلة تحقق كيانها كمواطنة تتمتع بكامل الأهلية والحقوق وتتحمل كافة الواجبات كما نص عليها الدستور وأقرتها الشرعة الدولية. 

لقد انقسم المواطنون بشأن المعلقات إلى من هم مع رفع الظلم من حيث المبدأ، ومن هم معارضون للحملة؛ وجزء كبير من التوجه المعارض يستند إلى رؤية عقائدية طائفية محافظة يستحضر الدين والنص والتأويل ويقدم مفهوماً ينظر إلى المرأة من خلال تلك الأقنعة التي تجعل منها ذاتاً تابعة للرجل، وثمة من يلجأ فيهم إلى تهميش قضاياها ويشوهها ويفرغها من محتواها، وهي رؤية تتخطى أصحابها وراء العادات والتقاليد وهوية الانتماء الفرعى والقيم الثقافية والدينية في وجه المطالبة بأي تعديل وتغيير لتطوير وضعية المرأة والتشريعات المتعلقة بمساواتها لاسيما في "قانون الأسرة"، فكل تلك القضايا بالنسبة لهم لا تمثل أولوية. 

يقابل ذلك؛ الرؤية التي يتبناها الحداثيون في محاولتهم وضع قضية المرأة ضمن كفاحها ونضالها السياسي والاجتماعي والاقتصادي العام، ومن منطلق أن تحرر المرأة وحصولها على حقوقها لا ينفصل عن التحرر المجتمعي العام، وهي تتماهى ورؤية المدافعات في الحراك النسائي في شقه الحداثي الذي يعمل على مناهضة العنف الموجه ضد النساء وحمايتهن من مختلف أشكاله، ونشر ثقافة المساواة كقيمة وممارسة وإحداث تغير في مختلف القوانين والتشريعات التي تكرس التمييز ضدها، فضلاً عن تمكينها من المشاركة الحقيقية في مواقع القرار السياسي والتشريعي وتعزيز الصورة الإيجابية عنها في وسائل الاعلام والتربية، لهذا فإن أبعاد الخطاب النسائي الحداثي يتمحور حول إقصاء المرأة وتهميشها والعنف الذي يطالها، على الرغم من التنميط الذي تعمل على أسسه الحركة النسائية وضعف دينامية هياكلها التنظيمية في عملية المدافعة وقصورها في بناء شراكات فاعلة بين أطراف المدافعين عن حقوق النساء وبتأثير من تعدد الخلفيات الثقافية والمرجعية للجهات القائمة عليها وغاياتها التي يتشابك فيها أحيانا الشخصي بالعام. 

الخلاصة

في نهاية التحليل يتضح أن الحركة النسائية البحرينية تجاوزت مستوى المطالب، بتقديم مرئياتها ووجهات نظرها بجرأة أكبر وأكثر تنظيماً وإصراراً ووعياً معرفياً يستند إلى مرجعية حقوقية مفاهيمية تعطي قوة للمطالبات في تطوير التشريعات والقوانين التي تمس حقوق المرأة، وهذا ما يمكن تلمسه من خلال تأسيس مراكز للاستماع والتوجيه الأسري والقانوني والنفسي في الجمعيات النسائية سعياً وراء كسر الصمت وصيانة لكرامة المرأة وانسجاماً مع هويتها ورفع مكانتها وبما يتوافق ومنظومة المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وبالتالي فإن حملات المدافعة عن قضايا النساء، تنطلق من مرجعية حداثية توافقية تتقاطع بحكم حراكها الحقوقي بشكل مباشر وغير مباشرة مع النشاط السياسي والثقافي ومع التطور الاجتماعي والاقتصادي الذي يمر به المجتمع، وهذا حتما يتقاطع مع مواقف الحكومة ويتشابك مع مضامين المرجعيات التنموية والحقوقية الدولية في جوانب متعددة، مما يتراءى للبعض بأنها صوت صدى للحكومة أو إنها لا تبالي بأوضاع النساء السياسيات وتهمل قضاياهن، في الوقت الذي سجلت فيه حضورها ومواقفها التاريخية في كل المنعطفات السياسية وشاركت بقدر ما سمح لها الظرف في الحراك السياسي ووثقت مواقفها في الدراسات والإصدارات ومنها تقارير الظل الأول والثاني للسيداو وغيرها.   

لقد استطاعت حملات المدافعة عن النساء توسيع دائرة المساندة والتضامن باستنهاض جرأة الحالات التي تعرضت إلى العنف والتعسف من استخدام القانون، فعبرت بأصواتها الجريئة عن حالها المعلق منذ سنوات وما تتعرض إليه من ابتزاز مادي وأخلاقي، الأمر الذي استفز المشاعر واستنطق العواطف الإنسانية وأثار الاستنكار حيال ما تعانية المعلقات من تعسف وعنف ولامساواة وفي هذا مكسب للحركة النسائية البحرينية. 

إن ذلك يستوجب على الدولة تبني إصلاحات تشريعية وقضائية وإدارية تضمن تكافؤ الفرص أمام النساء للحصول على الطلاق، والإسراع في معالجة الإجراءات القضائية التحيزية التي تعطل حصولهن عليه، خصوصاً لجهة القوانين والإجراءات التمييزية التي تضع العراقيل أمام المرأة وذلك بهدف تعزيز قدرتها في السيطرة على حياتها وجسمها ومما يمنحها القوة ويقلص مساحة الإفلات من العقاب التي يتمتع بها الرجال حالياً في علاقتهم مع النساء، وأن لا يكتفي المجتمع بالردود التي جاءت في سياق احتواء الوضع واستيعابه في الإطار الديني والطائفي بالاعتراف بوجود مشكلة لكن تفسيرها ووضع الحلول لها لا يزال يدور في رحى إعادة إنتاج السلطة الذكورية ومنظورها التي ترى مكانة المرأة ودورها ينحصر كربة أسرة وأم فقط. 

المنامة – 18 نوفمبر 2021