الجمعة، 22 نوفمبر 2019

بالبرتقالي لا للمادة "353"


منى عباس فضل
برغم فداحة القضية، إلا إن صور النساء المشاركات في الحملات البرتقالية التي تتوجه في دعواتها وتحديداً في 25 تشرين الثاني/نوفمبر للقضاء على العنف ضد المرأة، تشيء عن مظاهر إصرار على العمل وكثير من التحفز والابتسامات. هذه الابتسامات في حقيقتها تعبير صارخ عن الرفض والاحتجاج المعلن تجاه انتهاكات العنف التي ترتكب بحق الضحايا والأبرياء كما هي إعلان عن التضامن معهم والموازرة، منطلقين من أحلامهن بمستقبل خال من القهر والعنف، لم لا والقضية البرتقالية التي جاءت هذا العام بشعار "جيل المساواة يقف ضد الاغتصاب"، قد باتت قضية إنسانية بامتياز.


أرقام العنف عالمياً
في المعلوم حزمة التقارير الدولية ورغم شحة البيانات الإحصائية المتعلقة بظاهرة العنف ضد النساء ودقتها، إلا إن ما يرشح من خلالها يشير إلى دلالات ومعطيات مهمة وخطيرة عالمياً، إقليمياً، محلياً، يأتي على قمتها وليس آخرها تلك التي كشفت عن وجود واحدة من أصل ثلاث نساء وفتيات في العالم يتعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي خلال حياتهن. المثير للحفيظة إن أغلب ذلك العنف يرتكب من طرف الشريك "الزوج". الأكثر منه استفزازاً بإن واحدة من كل اثنتين من النساء قد قُتلن في جميع أنحاء العالم على أيدي أزواجهن أو أسرهن في عام 2017 فيما يعرف "بجرائم الشرف"، الأسوا أن (71%) من جميع ضحايا الاتجار بالبشر في العالم هن من النساء والفتيات وهناك (3 من أصل 4) من هؤلاء النساء والفتيات يتعرضن للاستغلال الجنسي. وماذا أيضا؟

أيضا والحديث لايزال حول المؤشرات العالمية، هناك أرقام صادمة تتعلق بحوادث الاغتصاب والاعتداءات وهي في ارتفاع ملحوظ لاسيما في الدول المتقدمة، حيث يوضح أحد التقارير بأن حوالي (35%) من النساء عالمياً تعرضن لعنف جسدي أو جنسي، ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية وصلت النسبة إلى (83%) من فتيات تتراوح أعمارهن بين (12-16عاما) شهدن نوعاً من التحرش الجنسي في المدارس العامة، في حين تعاني واحدة من كل خمس نساء تراوحت أعمارهن (بين 16 و59 عاماً) من بعض أشكال العنف الجنسي في انكلترا، أما تقرير للاتحاد الأوربي فيفيد بأن أكثر من (55%) من النساء الأوروبيات تعرضن إلى شكل من أشكال التحرش الجنسي فيما تعرضت واحدة من كل (20) امرأة للاغتصاب.


استناداً إلى احصاءات مراكز ومنظمات بحثية، نشر موقع "trendr" قائمة لأعلى (11 دولة) في معدل جرائم الاغتصاب لعام 2018، منوهاً إلى أن الاغتصاب يحدث لكل (100 ألف) شخص من السكان، وتبعاً للموقع يأتي على قمة هذه الدول جنوب افريقيا التي تصدرت المركز الأول عالمياً حيث سجلت (65) ألف حالة اغتصاب واعتداءات جنسية، فيما تأتي السويد برغم تقدمها في المرتبة الرابعة عالمياً والأولى أوروبياً بواقع (64) اعتداء جنسي لكل (100 ألف شخص)، وتتعرض كل واحدة من بين (3) سويديات إلى الاعتداء الجنسي بعد مرحلة المراهقة، يليها نيكاراغوا في المرتبة الخامسة وغرينادا في المرتبة السادسة حيث سجلت (30.6) حالة لكل (100ألف) نسمة من السكان، ويٌعد الرقم كبيراً جداً، مقارنة بالعقوبة المقرة بحق مرتكبي جريمة الاغتصاب عندهم والتي تصل إلى السجن لمدة 15 سنة.

أما أستراليا وبنما وبلجيكا فالحوادث فيها آخذة بالتصاعد، وهناك (30) حالة لكل (100 ألف) نسمة في الولايات المتحدة وهذا الرقم وضعها في المرتبة الحادية عشر، كما توصلت دراسة أجراها مكتب الولايات المتحدة لإحصاءات وزارة العدل بأن (91%) من ضحايا الاغتصاب المسجلين هم من الإناث و(9%) من الذكور فيما أرقام حالات الاغتصاب آخذة في التصاعد في بلجيكا، إذ وصلت إلى (27.91) حالة لكل (100 ألف) من السكان، وفي الهند وإثر حادثة اغتصاب جماعية لطالبة في إحدى حافلات العاصمة نيودلهي عام 2012 تم تسليط الضوء عليها وأظهر بحث لمؤسسة  "ActionAid" عام 2016 بأن نسبة (44%) من نساء الهند قد تعرضن إلى اللمس بشكل جنسي من قبل شخص في مكان عام، وغيرها الكثير الكثير.


التشريع العربي يتساهل مع المغتصبين
عربياً تبدو المعضلة مستفحلة ومتضخمة بل ومخيفة لجهة أمرين؛ أولهما يتعلق ببروز ممارسات لم تكن معهودة نقصد بها قضية التحرش والاغتصاب الجماعي واغتصاب القاصرات. ففي مصر حيث أجرت هيئة الأمم المتحدة للمرأة تقريراً عام 2013 خلصت فيه إلى إن (99%) من النساء اللواتي تمت مقابلتهن في سبع مناطق مختلفة من البلاد قد تعرضن لأحد أنواع التحرش الجنسي، كما تشير الوقائع في عام 2018 إلى حادثة اغتصاب جماعي لفتاة مصرية من قبل سيدة و4 رجال، فيما شهدت لبنان عام 2016 حادثة اغتصاب هزت الرأي العام حيث تناوب 3 شبان على اغتصاب فتاة، وعلى نفس المنوال شهدت الجزائر عام 2017 واقعة اختطاف واغتصاب ثم قتل لطفلة لم يتجاوز عمرها 8 سنوات، وهذا غيض من فيض والمخفي غير المبلغ عنه من تلك الحوادث والانتهاكات يثير التساؤلات.   

المعضلة الثانية تتعلق بتساهل التشريع العربي في التعامل مع المتحرشين والمغتصبين ممن حصلوا على البراءة بزواجهم من ضحاياهم، إذ لا تزال قوانين ثمانية دول عربية إن لم يكن معظمها لا يجرم المغتصب بمجرد زواجه من ضحيته، كما إن إجراءات التقاضي في بعضها صعبة ومعقدة، بينما يفتقر "49" بلداً إلى قوانين تحمي المرأة من العنف المنزلي، وإن وجد فهو يعاني من النواقص في أهم بنوده المتعلقة بالعقاب تجاه الجناة وتوفير الحماية للضحايا كما في واقعنا المحلي. وفي المغرب على سبيل المثال تسببت واقعة انتحار ضحية اغتصاب أجبرت على الزواج من مفتصبها في عام 2014 إلى إلغاء المغرب للمادة (475) من قانون العقوبات التي تسمح للمغتصبين بتجنب الملاحقة القضائية إذا تزوجوا من ضحاياهم، كما أصبحت قضية خديجة المغربية (17) عاماً هي الأشهر في عالمنا العربي بعدما تناوب على اغتصابها وتشويه جسدها (13) شخصاً، وعليه فإن الحكومات الرسمية تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية، هي بحاجة لمراصد ترصد ما يحدث وإلى آلية علمية لتسجيل البيانات وإلى تحفيز الضحايا للكشف عن مشكلاتهم في ممارسة العنف والتبليغ عنها. الأهم رصد الموازنات والضغط باتجاه تعديل التشريعات بما يتناسب وجسامة المشكلة وإشراك مؤسسات المجتمع المدني في وضع الخطط والبرامج وتنفيذها للقضاء على العنف الأسري والمجتمعي.


الاتحاد وإلغاء 353
من المنطلق السابق بادر الاتحاد النسائي البحريني مؤخراً في إطار "حملة مناهضة العنف ضد المرأة"، وتمشيا مع شعار هذا العام حول الاغتصاب، للمشاركة بحملة تستهدف إسقاط المادة (353) من قانون العقوبات البحريني لعام 1976 وهي التي تنص على: " لا يحكم بعقوبة ما على من ارتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المواد السابقة إذا عقد زواج صحيح بينه وبين المجني عليها، فإذا كان قد صدر عليه حكم نهائي قبل عقد الزواج يوقف تنفيذه وتنتهي آثاره الجنائية".

تستند الحملة في سعيها إلى إلغاء المادة (353) ورفضها مكافأة الجاني لجريمة الأغتصاب وعدم إفلاته من العقاب، وأن لا يصبح الإفلات ذريعة تحفز على المزيد من الاعتداء على الفتيات ويكون زواجهن من المعتدي نهاية لجريمة الاغتصاب. يرى الاتحاد إن في هذا الإفلات إهانة بحق المرأة ومكافأة للجاني على جريمته وهو ما يتعارض والحق العام في إنزال العقاب بمن يعبث بأمن المجتمع واستقراره بإرتكاب جريمة الاغتصاب، إن الحق العام لا يسقط بمجرد زواج ضحية "الاغتصاب" من الجاني وإن تنازلت عن حقها شخصياً.

الجدير بالذكر أن هذه الحملة لم تكن الوحيدة للجنة تعديل القوانين بالاتحاد، فقد نفذت إحدى حملاتها لاسقاط  أو تعديل المادة (353) منذ سنوات مضت، والمادة وفق آراء قانونيين ومدافعي عن حقوق المرأة تشوبها عيوب دستورية وأسس التشريع في المجتمع ذلك لأن الاغتصاب من أشد جرائم الاعتداء جسامة، ولا يمكن للتشريع أن يمنح حصانة قانونية لمجرم مغتصب في حال زواجه من الضحية ويسقط العقوبة، بل يجب كما يرون أن تتناسب العقوبة وجسامة فعل الاغتصاب، دون القفز عليها أو التخفيف عنها في أي ظرف كان، والبديل يتوجب على المشرع موائمة القوانين والتشريعات بالتطورات التشريعية والمفاهيمية والالتزامات الدولية، وبما يضمن حقوق المرأة ويحفظ كرامتها.

في السياق سلطت الحملة على إشكالية يستوجب الوقوف عندها بجدية، تتعلق بتحديد المستفيد من الاعفاء في حال تعدد الجناة في حادثة "الاغتصاب الجماعي"، وطرح السؤال عند تدشين الحملة عمن هو المجرم الذي سيتم اعفاؤه كي يتزوج من الضحية؟ وماذا سيحدث عند استمرارأ تطبيق العقوبة على الشركاء في ارتكاب جريمة الاغتصاب. كما نوهت الحملة إلى ان المادة (353) تخل بأسس الزواج الصحيح الهادف الى تأسيس أسرة باختيار حر ورضى تام، فالمغتصب ليس زوجا، والاغتصاب يتم بغير رضا المجني عليها فكيف يتم الزواج برضاها، وهذا يعد تناقضاً النص القانوني، ولان الاغتصاب من أفظع الجرائم وأكثرها ألما للمرأة، ويستحيل إقامة علاقة زوجية أسرية سليمة بين جان مرتكب لجريمة ومجني عليها و ضحية، بالإضافة الى إمكانية اصابتها بأمراض تناسلية نتيجة ارتكاب الجريمة أو حدوث حمل قسري.

اللافت في الأمر إشارة "الاتحاد النسائي البحريني" في المؤتمر الصفحي لتدشين الحملة، بأن هناك تبايناُ في مواقف الهيئات الرسمية بشأن إلغاء المادة (353) أو الإبقاء عليها كما هي أو مع التعديل، مضيفين بأن هذا يعبر عن تباين في تقديراتها –أي الهيئات- لتأثيرات هذه المادة على المرأة، وبعضها يتفق ومرئيات الاتحاد حول الإلغاء كوزارة العمل والمجلس الاعلى للمراة والمجلس الاعلى للشؤون الاسلامية وهذا امر إيجابي يمكن التأسيس عليه في حال وجود شراكة حقيقية في العمل، بيد إن وزارة الداخلية تتحفظ وكذلك هيئة الإفتاء والتشريع والمؤسسة الوطنية لحقوق الانسان وأمر الأخيرة غريب وعجيب.

خلاصة الأمر، يمثل إلغاء المادة "353" من قانون العقوبات البحريني ضرورة حمايئة لإنصاف النساء، ويستوجب أن يكون التشريع فيها قاطعاً ومحدداً غير قابل للتأويل والالتفاف عليه في أن ينال من ارتكب الجُرم عقابه وإن عرض الزواج من الضحية، وهذا يعني إن بقاء المادة يعني ما يعنيه من غياب العدالة لضحية الجريمة الجنسية وانتهاكاً لحقوقها وتمييزاً واضراراً نفسياً إليها، وينطبق هذ على كافة البلدان العربية وغيرها في إلغاء هكذا مواد من تشريعاتها، فمشكلة الاغتصاب تعد اليوم واحدة من أكثر المشكلات المجتمعية حساسية وتدميراً لما يحيطها من تكتم الضحايا خوفاً من "العار الاجتماعي". 

منى عباس فضل


الدار البيضاء–23 نوفمبر 2019