الثلاثاء، 10 مارس 2020

كيف قرأ تاريخ مدرسة الهداية؟

منى عباس فضل
بخبرته المتمرسة في التأليف التربوي والتنظير في كتابة التاريخ، يدرك المفكر التربوي "نخلة وهبة" تمام الإدارك السجال الذي ستمر به قراءته التحليلية التي بسطها في كتابه الجديد "الاهتداء إلى هواجس أهل "الهداية"، وهي كما يعرض غلاف الكتاب قراءة مختلفة لتاريخ السنوات العشر الأولى من عمر مدرسة "الهداية الخليفية".

ترى ما الاختلاف الذي يتصدر هذه القراءة عما سبقها من قراءات ومؤلفات تناولت بدايات التعليم النظامي في البحرين؟ وهل الاختلاف الذي يعنيه أو "الفرضية" التي ساقها في قراءة مناحي حدث نشأة مدرسة الهداية من الواقعية والموضوعية التي ترتكز بقوة على وقائع مادية؟ أم إنها إعادة سرد مكثف بمنهجية مختلفة عن الحالة السردية التقليدية لذات الوقائع التي تناولتها المؤلفات السابقة؟ وهي الآن -أي قراءة المؤلف- تحتكم إلى فرضيات تأويلية غاصت في العمق وحلقت بعيداً في تفسير ماهية الحدث وحمّلته في بعض المفاصل والجوانب بأكثر مما يحتمل وربما نقول ربما، بما يلبي ويطوع مسار بعض وقائع تاريخ "التعليم النظامي" وتحليلها بمنحى أحادي اعتدنا عليه في تضخيم جوانب محددة وإلغاء عناصر مهمة ساهمت بشكل عميق في صناعة هذا الحدث أو ذاك؟

إعرف نفسك
حين نقرأ الكتاب نستحضر ما تعلمناه في كتاب "أحفاد بلا جدود" للمؤلف نخلة، بأن لا يغيب عن البال تعرض حقائق التاريخ إلى عمليات التحريف والاجتزاء والانتقاء والطمس والإبعاد والإبراز، وإن على الباحث في التاريخ في أول خطوات معرفة الذات التي بشر بها فلاسفة اليونان الأقدمون ونقشوها على عتبة الأكروبول في أثينا "إعرف نفسك"، هي قبول التاريخ كما هو وليس تركيب التاريخ على مقاس مزاج كل واحد أو كل مجموعة؟  

بداية لابد من الإشارة إلى إن مؤلف الكتاب اعتمد بشكل كبير على ثلاثة مصادر أساسية في تناول الحدث وهي كتاب "الهداية الخليفية: رجال وآفاق" لعبد الحميد المحادين و"رجال في جزيرة اللؤلؤ" لخالد البسام و"لمحات من ماضي البحرين" لخليل المريخي مضاف إليهم كتابي مهدي التاجر ومحمد الرميحي وبعض الوثائق البريطانية التي قام بترجمة بعضها وتفسير دلالالتها.

من المهم التنويه إلى تحذيراته التي ساقها في المقدمة وهي المتعلقة بصعوبة الحصول على وصف كامل وناجز للحدث الماضي كما ذكر: "نادراً ما تسمح البئيات والوثائق بالكشف عن جميع أسرار الحدث الذي غار في أعماق الزمن، ولعل في التكتم الذي مارسه ومازال يمارسه الماضي على مكنوناته، في محاولة لمنع تسربها إلى أهل الحاضر"، هنا يجوز السؤال عما إذا كان في ذلك إيحاء ما بوجود ما هو "سري ومخفي وله علاقة بنشأة هذه المدرسة" في تلك المرحلة بالذات وهي التي تميزت باضطربات سياسية بطابع طائفي في ظل سلطة احتلال استعماري وبلد فاقد للسيادة الوطنية، حيث اختلفت التحليلات والمنطلقات والمصالح حول تلك الحقبة وتدوين أحداثها التاريخية، بيد إننا لم نجد غير فرضية المؤلف وحسب فهمنا المتواضع التي التقت بأغلب ما ذهبت إليه مؤلفات سابقة، من إن وراء فكرة نشأة "مدرسة الهداية الخليفية" "..ظروف موضوعية أحاطت بها كما سائر المؤسسات الأهلية التي قامت في الربع الأول من القرن العشرين، وإنها جاءت استجابة لحاجات أهلية واعية وإرهاصات قومية شعبية، وبعضاً من هاجس الولاء للأمة والانتماء للعروبة والإسلام والشعور بثقل حركة التبشير المسيحي التي كانت توفر الخدمات العامة ومنها التعليم".

في السياق يشير نخلة إلى أن "مجموعة من الأفراد المستنيرين لاحظوا ضموراً واضحاً من الهواجس القومية، وتقلصاً ملموساً في الالتزام الفكري عند شريحة الشباب الجديد؛ فتهيأ لها أن الوعي السياسي والفكر الملتزم معرضان للاندثار أو للابتلاع من قبل إيديولوجيا المدنية والتغرّب..كما إن العقد الذي سبق إنشاء مدرسة الهداية لم يتصف بالتسامح الفكري، ولم يوفر الفرص للتثقيف السياسي والتنشئة القومية على مستوى جماعي وممأسس..لقد قلق الآباء الوطنيون على انتماء أبنائهم وولائهم، بعد أن غزرت خدمات الأجانب وعظمت شدة إغراءات كل ما هو مستورد من الغرب، وأخذ ذلك القلق يتحول تدريجيا إلى تفكير جدي بإيجاد الحل المناسب للمعضلة المستجدة" كما يفترض المؤلف، أن الضغط السياسي المتمثل بممارسة رقابة متشددة على مختلف أنواع النشاطات السياسية والفعاليات الثقافية التي يمكن أن تنشر فكراً اجتماعياً متبصراً وناقداً، قد دفع المواطنين الملتزمين بالقضايا المحلية والإقليمية الساخنة إلى البحث عن أداة لتكوين نخبة وطنية من الشباب الصاعد لمتابعة المسيرة "السياسية" من دون المجازفة بخطر الاحتكاك المباشر والعلني بالسلطة المهيمنة آنذاك. لذلك وجد هؤلاء المواطنون "أن المدرسة" كمؤسسة تربوية يمكن أن تلعب هذا الدور الريادي، في هذا الصدد وحسب فرضيته فإن أعضاء اللجنة التربوية التي شكلت لتأسيس المدرسة كانت لبعضهم مواقف معلنة ومتكررة في مناوأة الحكم الأجنبي، وإن لبعضهم هوية وميول سياسية قومية "أنظر صفحة 27"، ولهذا قاموا باختيار مدراء ومعلمين معروفين بمواقفهم القومية المناوئة للاستعمار لإدارة المدرسة إضافة لفرضيته بأن قيام المدرسة كان "كمخرج ذكي لمتابعة العمل السياسي ضد الاستعمار..ص28"، وعليه يحق السؤال، هل يتحمل واقع نشأة هذه المدرسة بالذات كل ثقل هذا التحليل والتأويل؟.

افترض المؤلف أيضا أن لدى المؤسسين إطلاعاً على الفكر المقاوم في مصر وبلاد الشام عبر المجلات والكتب حيث شكل ذلك الحجة الأقوى لتفعيل الدور التعليمي التشريبي للمؤسسة الناشئة...إلخ، ذلك على الرغم من استداركه في نفس الصفحة قائلاً: "لابد من أن نحتاط ونتهيأ للمأزق شبه المحتوم الذي سوف يداهمنا فيما لو تابعنا قراءتنا لتاريخ التعليم انطلاقا من الفرضية التي تقول بأن أول مدرسة أُنشأت في البحرين كانت نمطاً آمناً للنشاط السياسي الذي أراد المؤسسون تنفيذه، تقودنا فيما لو صحت، إلى التنبيه إلى إمكانية الخلط بين الممارسة السياسية والممارسة التربوية عند مؤرخي التعليم البحريني".

مدير أم عميل؟
هنا حتماً ستتعرض هذه الفرضية للسجال والمداولة لأمرين هامين؛ يتعلق أولهما؛ بطبيعة الوقائع التاريخية السياسية في نفس الفترة التي تأسست فيها المدرسة ومارست نشاطها وما سجلته حيث لم يرتبط ذكر تأسيسها بأي نشاط سياسي واضح المعالم أو حتى ممارسة دعوية لأصحابها في الشأن السياسي المقاوم للاستعمار؛ اللهم إلا إشارة  خالد البسام في كتابه "رجال في جزائر اللؤلؤ ص36" حين تناول سيرة أول مدير للمدرسة "حافظ وهبة" قائلا: "..وجد نفسه يستطلع نشاط الحركة السياسية فيها والنشطة آنذاك بسبب التدخل البريطاني في شئون البلاد وازدياد الحركة الشعبية المعارضة لهذا التدخل بقيادة عبدالوهاب الزياني وغيره. كما رأى نفسه يتفاعل مع بداية الحركة الثقافية وتأسيس النادى الأدبي، علاوة على مشاركته الفعالة في الحركة التعليمية والتي يقود عمودها الفقري "المدرسة" بنفسه فراح يشارك البحرينيين تذمرهم ومعارضتهم للوجود البريطاني المتسلط على بلادهم، ويحضر مؤتمراتهم واجتماعاتهم، ويعقد صداقات مع زعمائهم..إلخ"، ورغم إشارة نخلة وهبة المبطنة بين السطور بشكوك عمالة هذا المدير للإنجليز وإنه لم يترك أثراً يذكر في مجال مهنة التربية والتعليم.

التعليم بمبادرات أهلية
أما الأمر الثاني فيتعلق بفرضية أن تأسيس المدرسة وضع اللبنات الأولى للعملية التعليمية التربوية النظامية في البحرين، بيد إن وقائع التاريخ ومصادره تفيد بإن التعليم بدأ في البحرين بمبادرات أهلية وتحديداً من الطبقة الميسورة التي خصصت منازلها وإمكانياتها المادية والتي أخذ أغلبها طابعاً دينيا في البداية ومتأثراً بالرحلات التجارية التي يقوم بها أصحابها إلى بلاد الهند وما حولها، ومنها، ومن تلك المدارس: "مدرسة الإصلاح المباركية" بفريق الفاضل بالمنامة وقد تأسست عام 1913، وكان وراء تأسيسها مجموعة من التجار الإيرانيين المقيمين في البحرين حيث وضع لها نظام خاص ومناهج تتمشى بما هو معمول به في إيران، وفي كتاب "لعبد الملك الحمر" تشير المصادر إلى إن تأسيسها كان في عام 1910 وقد أطلق عليها "مدرسة الاتحاد" ثم استقرت في مقرها الأخير بفريق الحمام بالمنامة وتغير أسمها إلى "اتحادية إيرانيان والإصلاح" في عام 1923 وتغير اسمها إلى مدرسة "الجمهورية الإسلامية في البحرين" حيث أغلقت عام 1996، للمزيد "أنظر كتاب التعليم النظامي في البحرين لمنصور محمد سرحان، وهناك المدرسة الجعفرية بالمنامة والمدرسة العلوية في البلاد القديم حيث كان لكل منهما مجلس إدارة خاص بهما أيضاً مكون من بعض التجار والأعيان وغيرها، أما عبدالحميد المحادين فذكر في مقدمة كتابه "الهداية الخليفية: رجال وآفاق" "..بأنه وقبل 1919، وعلى امتداد عشرات السنين بل ومئاتها، كان هناك تعليم في البحرين، وهو في حقيقته امتداد لأنماط وفعاليات التعليم في العالم العربي، مع اختلافات طفيفة ظهرت بفعل خصوصية الظروف والبيئة. ومن مدارسه الشائعة مدرسة عبدالوهاب الطبطبائي الكويتي بالمحرق والتي كانت سابقة على مدرسة الهداية وأخرى تحت إشراف علي السيد إبراهيم الرستاقي، كما يشير إلى أن التعليم لم يقتصر على مدارس الحكومة، فقد رافق التعليم النظامي الرسمي تعليم مواز، تقوم به مدارس أهلية، وصل عددها إلى أكثر من عشر مدارس، وكانت مناهجها توافق مناهج مدارس الحكومة وشهادات بعضها النهائية تعادل شهادة إتمام الدراسة الابتدائية آنذاك، وكانت مدارس الحكومة تقبل المحولين إليها من المدارس الأهلية بعد اجراء فحص مستوى لهم. ص29، ومنها المدرسة الأهلية التي أسسها إبراهيم العريض في المنامة، ومدرسة الإصلاح الأهلية التي أسسها عبدالرحمن المعاودة في المحرق 1938، ومدرسة الفلاح التي أسسها محمد علي زينل عام 1928، ومدرسة العجم ومدرسة الاتحاد التي سبق الإشارة إليهما، ومدرسة دار العلم التي أسسسها عبداللطيف سعد الشملان"، وبالتالي فإن بدايات التعليم في البحرين عكس واقع المبادرات الأهلية في تشكله حتى بدأ بروز معالم تكوّن مؤسسات الدولة وتشكلها وبالتالي لا يمكن حصره وتنسيبه إلى جهود فردية محددة فقط، خصوصاً وإن طابع التعليم في بداية نشأة مدرسة الهداية لم يكن يختلف في شكله التقليدي الديني التلقيني عن بقية المدارس الأهلية.     

وفي إطار مناقشة المؤلف حول طبيعة مرتادي المدرسة من الطلاب منذ بداية تأسيسها، تجدر الإشارة إلى ما أورده  فؤاد اسحاق الخوري في كتابه "القبيلة والدولة في البحرين: تطور نظام السلطة وممارستها صفحة 181" إلى أن التجار المدينيين من السنة والشيعة لم يرسلوا أولادهم إلى مدرسة الهداية الخليفية إلا في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي عندما بدأت شركات النفط، التي تتكلم الإنجليزية، وتتدفق على منطقة الخليج والجزيرة العربية. وإنه وبعد تأسيس مدرسة الهداية التي قصدها الطلاب وأكثريتهم من سنة سكان مدينة المحرق، أسس شيعة المنامة عام 1929 المدرسة الجعفرية.."، وهنا نتوقف لطرح سؤال آخر عن مدى تأثير الواقع السياسي الطائفي آنذاك على تأسيس مؤسسات تعليمية في جوهرها ومضمونها تستند على مظلة طائفية؟ ويستكمل الخوري: "..وفي السنوات اللاحقة دعمت الحكومة المدرستين معاً بالأموال العامة، وأشرفت على إدارة كل مدرسة لجنة من التجار الأغنياء الذين تطوعوا للقيام بهذا العمل. وأثار هذا التقسيم الطائفي في التعليم اعتراضات عديدة، مما جعل الحكومة تقرر في سنة 1932-1933 فتح مدرستين أمام الجميع بصرف النظر عن انتماءاتهم الطائفية، وسميت، بعد ذلك القرار، مدرسة الهداية "مدرسة المحرق الابتدائية" كما سميت المدرسة الجعفرية "مدرسة المنامة الابتدائية" كما تأسست بين عامي 1934-1936 ثلاث مدراس عامة جديدة في سوق الخميس والبديع والحد، وتأسست في ذلك الوقت أيضاً دائرة التربية (المعارف).

الخلاصة، يشير نخلة، إلى إن الانطباع الذي تولد لديه من كتابات من قام بتأريخ التربية العصرية في البحرين، لم تتعامل مع الرجال المؤسسين للمدرسة، من منطلق مواقفهم وسلوكهم السياسي، ذلك على الرغم مما ذكره في المقدمة بأنه سيتعامل مع الرجال المؤسسين من منطلقات تربوية بحته، بغض النظر عن الماضي أو الحاضر السياسي لكل منهم، إلا أن تحليله وفرضيته لفكرة تأسيس المدرسة استمر كما شعرنا من منطلق كون المدرسة وليدة وعى فكري وموقف سياسي وطني وقومي، حيث ميّزها عن المدراس الأهلية الأخرى من حيث بنية التعليم سواء في "طابعه الديني أو التبشري" ذلك برغم إشارته وبالوقائع من استمرار مدرسة الهداية وعلى مدى سنوات في تقديم تعليم أشبه بتعليم الكتاتيب، مضيفاُ وللتاريخ كما أكد الخوري أيضا بأنها أسست لتحويل التعليم من سلعة تُشترى إلى خدمة تقدم مجاناً من الدولة.

إلى هنا، الكتاب جهد نوعي يستحق الاطلاع عليه، وهو يشكل تحدياً للباحث الملتزم عن الحقيقة، كما يثبت لنا أنه لا يمكن تحليل وقائع التاريخ وتحجيم أحداثه بمعايير محددة وبمعزل عن حراك المجتمعات في إطار بنيتها الديمغرافية المتعددة التي شهدنا تأثيراتها على نشأة المؤسسات التعليمية عامة، وليس بمعزل عما يدور فيها من صراع في الأفكار والإيديولوجيات؛ لهذا لا يمكن فرض نص وحيد للحقائق، لاسيما في مجتمعات قائمة على التنوع والتعدد.

منى عباس فضل
المنامة - 11 مارس 2020


الجمعة، 6 مارس 2020

حركات صغيرة لها تأثير كبير على جيل المساواة


بمناسبة يوم المرأة العالمي (8 مارس) الذي جاء هذا العام بشعار "أنا جيل المساواة: إعمال حقوق النساء"، نشر موقع الأمم المتحدة تقريرٌ يتضمن عدة عناصر أطلق عليها "حركات صغيرة لها تأثير كبير على جيل المساواة". قمنا بترجمته وتلخيص بعض أبرز ما ورد فيه وبتصريف يتناسب والسياق العام لمشاركتنا في "حملة المساواة، وبمناسبة الاحتفال بيوم المرأة العالمي 8 مارس".

التقرير يشير إلى إن حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين تحتل مركز الصدارة في عام 2020، وهو عام العمل على سد الفجوات القائمة من خلال العمل على تحقيق إجراءات جريئة وحاسمة، منوهاً إلى إن حملة أجيال المساواة بين الناس من كل جنس وعمر وعرق ودين ودولة، جاءت للدفع باتجاه عالم المساواة بين الجنسين الذي نستحقه جميعاً، مؤكداً بأنه عام لإنهاء العنف القائم على النوع الاجتماعي، والدعوة إلى العدالة الاقتصادية والحقوق للجميع، والاستقلالية الجسدية والصحة الجنسية والإنجابية والحقوق، والعمل النسوي من أجل العدالة المناخية، والتكنولوجيا والابتكار لتحقيق القيادة النسوية والمساواة بين الجنسين، ودعا محفزاً "لنكن جزءاً من الحركة العالمية". #GenerationEquality

في السياق يشير التقرير إلى أن المساواة تعني العيش في عالماً يتمتع فيه الجميع بحقوق وفرص متساوية، وأن لا تخشى فيه النساء والفتيات من السير إلى منازلهن في وقت متأخر من الليل، ولا يتم فيه حبس الرجال والفتيان في ظلمات قمعية، وإن المساواة بين الجنسين هي القاعدة التي يتقاضى فيها الرجل والمرأة بنفس القدر من العمل المتساوي القيمة ويتقاسمان أعمال الرعاية في المنزل. عالم تسوده المساواة في القيادة السياسية في قاعات مجالس إدارة الشركات وأرضيات المصانع، ويكون فيه للنساء صوت متساو في القرارات التي تؤثر على حياتهن وأجسادهن وسياساتهن وبيئتهن من القرى إلى المدن، قد يكون هذا العالم، عالم متخيل؛ المهم أن نجعل منه حقيقة واقعة، بالانضمام إلى حملة الأمم المتحدة "أنا جيل المساواة: إعمال حقوق النسا" وذلك من أجل تسريع إجراءات المساواة بين الجنسين والاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والعشرين لإعلان ومنهاج عمل بيجين، فهو البرنامج الأكثر رؤية لحقوق المرأة وتمكينها في كل مكان.


بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لاعتماد منهاج عمل بيجين ستكون "المساواة بين الجنسين: حقوق المرأة" قيد الاستعراض، وهي المرة الأولى التي يراجع فيها التقدم المحرز في تنفيذ المنهاج في ضوء خطة التنمية المستدامة لعام 2030، كما سيتم الإبلاغ عن الفجوات والتحديات المتعلقة بالنهوض بالمساواة بين الجنسين وحقوق المرأة، وذلك من خلال ستة محاور هي: "التنمية الشاملة والازدهار المشترك والعمل اللائق"، "القضاء على الفقر والحماية الاجتماعية والخدمات الاجتماعية"، "التحرر من العنف والوصم والقوالب النمطية"، "المشاركة والمساءلة والمؤسسات المستجيبة للنوع الاجتماعي"، "مجتمعات سلمية وشاملة"، "الحفاظ على البيئة، والعمل المناخي، وبناء المرونة". كما يدعو التقرير إلى أربعة محفزات لإحداث عملية التغيير: "الأول: دعم الحركات النسائية والقيادية، الثاني: تسخير التكنولوجيا لتحقيق المساواة بين الجنسين، الثالث: التأكد من إشراك الجميع وعدم ترك أي شخص في الخلف، الرابع: تطابق الالتزامات مع الموارد". منوهاً إلى إن هذا يتطلب "حملة منسقة" لتوسيع وتعميق السياسات والبرامج التي تسرع في تنفيذ منهاج العمل لهذا الجيل وما يليه.


يذكرنا التقرير بإنها إجراءات صغير لكن تأثيرها كبير: لماذا؟ لأن التغيير يجب أن يحدث عبر النشاط الجماعي وهو لا يقتصر على لحظات رئيسية كبيرة فقط، إنما إلى الديمومة، فالانتصارات القانونية والاتفاقيات الدولية وهي الطريقة التي نتحدث بها ونفكر ونتصرف بها كل يوم هي التي يمكنها أن تخلق تأثير يستفيد منه الجميع، وعليه لنكن مع الحملة العالمية بصفتنا جيل المساواة، ويمكن أن تتحقق المساواة بين الجنسين خلال الإجراءات اليومية البسيطة في حياتنا التي نلخصها في التالي:  


 1.     شارك الرعاية
تلتزم النساء بثلاثة أضعاف الرعاية غير المدفوعة والعمل المنزلي أكثر من الرجال، لقد استهلكن هذا الوقت والطاقة لدفعهن إلى التقدم في مهنهن، وكسب المزيد من المال والاستمتاع بالأنشطة الترفيهية. لذا علينك أن تبين الاهتمام ولالتزام بالمشاركة في الأعمال المنزلية وبالتساوي وبتحمل مسؤوليات الأبوة والأمومة وغيرها من الأعمال غير المدفوعة الأجر. وهنا إليك بعض الاستراتيجيات لعمل ذلك: (ابدأ بمناقشة العائلة أو الأسرة، لتحديد احتياجات الرعاية والمسؤوليات المنزلية، انظر إلى نقاط القوة الخاصة بك عند تقاسم مسؤوليات تقديم الرعاية ومناقشتها، ضع الأنشطة المنزلية من خلال قائمة الأعمال المنزلية: مثل إعداد الطاولة إلى الطهي، وشجع الأطفال من الجنسين على المشاركة بشكل متساو في الأعمال المنزلية".


2.     مناهضة التحيز الجنسي والتحرش
تواجه النساء العديد من أنواع السلوكيات الجنسية التي تنم عن عدم الاحترام في الأماكن العامة والخاصة بشكل يومي، من أبرزها النكات الجنسية غير المناسبة، لا تكن متفرجاً، كن نشطاً وشارك في تعطيل هذه السلوكيات وتحدي أقرانك، من خلال نموذج السلوك اللائق فضلاً عن تحدى المفاهيم النمطية عن الجنس، مثل "على المرأة أن تعرف مكانها" و"توقف عن الانفعال"، بالحوار الهادي والمفتوح، للمزيد من النصائح حول إنهاء العنف ضد المرأة، تفضل بزيارة unpacktheeveryday.org

3.     المطالبة بثقافة العمل على قدم المساواة
تواجه النساء منظومة متكاملة من الممارسات التمييزية المتعلقة بمكان العمل، لابد من المطالبة ببيئة عمل يتوفر فيها التمثيل المتساوي للمرأة في القيادة وفي مجالس الإدارة، والمساواة في الأجر عن العمل والدورات التعليمية والتدريبية، غالباً ما تقدم النساء تضحيات مهنية كبيرة لأجل تكوين أسرة، الأمر الذي يترتب عليه آثار على رفاهتهن الاقتصادية والشخصية، ولتسوية هذا الملعب، هناك طريقة واحدة تتم من خلال الضغط لأجل سياسات موحدة للإجازة الوالدية، وتوفر هذه الإجازة المدفوعة الأجر لكلا الوالدين البيولوجي أو بالتبني، ومن المهم تشجيع الآباء على أخذ إجازة والدية للعب دورًا نشطًا في الرعاية، كما يمكن لبرامج إعادة الدمج في العمل مساعدة النساء على اللحاق بالتدريب الذي قد فاتهن أثناء الرعاية عندما يكون لديهن الاستعداد للانضمام مجدداً إلى القوى العاملة. إضافة إلى أن هناك طرق بسيطة لجعل الحياة المهنية أسهل للأمهات وذلك بتوفير غرف للرضاعة الطبيعية، وثلاجات لحليب الأم، وساعات عمل مرنة، وخدمات رعاية الأطفال ذات جودة وبأسعار معقولة في أماكن العمل أو بالقرب منها.


4.    ممارسة حقوقك السياسية
عالمياً لا يزال تمثيل المرأة ناقصاً في أعلى المناصب السياسية، لم تشغل النساء سوى (25 في المائة) من مقاعد البرلمانات الوطنية وهي تمثل أقل من (7 في المائة) من قادة العالم. والطريقة الأسهل والأكثر مباشرة لإحداث التغيير؟ بالمشاركة بالتصويت لصالح النساء، ومتابعة موسم الانتخابات، ونشر أخبار المرشحات الأقوياء، والمشاركة في العملية الانتخابية، فهذا أقل ما يمكن فعله، إلى جانب التبرع بوقتك أو نقودك، والانضمام إلى الحملات السياسية والقيام بتشجيع النساء اللواتي تعرفهن على الترشح للمناصب أو إطلاق حملتك الخاصة!
  
5.    تسوق بمسؤولية
يمكن أن يكون للتسوق تأثير حقيقي على البيئة، وبالتالي على حياة النساء والفتيات وهن يتأثرهن في جميع أنحاء العالم بشكل غير متناسب بآثار تغير المناخ وما يحدثه من كوارث إنسانية تؤدي إلى تفاقم التفاوتات القائمة بين الجنسين، مما يجعلهن عرضة لمعدلات أعلى من العنف وسوء التغذية وغير ذلك. لديك القدرة على تخفيف من هذه الآثار من خلال طرق بسيطة كـ"التقط منتجات صديقة للبيئة، قم بتسوق الملابس المستعملة، تجنب شراء المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، قم بإعادة التدوير أو التبرع بملابسك والسلع الأخرى، شجع الآخرين على فعل الشيء نفسه".

6. مطالعة النتاجات الثقافية النسوية والأفلام وغير ذلك
تصفح الأدبيات المكتوبة والموجه من قبل النساء (وللنساء)، كذلك الأفلام والكتب والصحف والبودكاست والوسائط الشعبية الأخرى، فكل هذا تأثيرات دائمة على المفاهيم الثقافية للجنسين، وهي تقدم للنساء منصة قوية لتبادل قصصهن ووجهات نظرهن، ذلك على الرغم من إن صناعة الأفلام والنشر لا تزال ترزح تحت سيطرة الذكور وبشكل كبير، أما الروايات الشعبية فعادةً ما تصوِّر النساء على أنهن شخصيات أحادية البعد أو كائنات جنسية - أو يستبعدونها تمامًا.

7. علم الفتيات قيمتهن
تحمل الفتيات وقبل وصولهن إلى سن البلوغ في جميع أنحاء العالم معتقدات داخلية حول مكانتهن وقيمتهن ودورهن في المجتمع باعتبارهن معتمدات أو مستضعفات أو عاجزات، ويُطلب منهن التصرف وفقًا لذلك، مما يعزز القوالب النمطية الجنسانية عنهن ويمنعهن من تحقيق كامل إمكاناتهن. من الصعب التخلص من هذه المعتقدات، المهم معالجة تلك المعتقدات النمطية في وقت مبكر، وبالتالي عليك تذكّير الفتيات في حياتك بأنهن قويات وقادرات ويستحقن نفس الاحترام الذي يتمتع به الأولاد، تأكد من أنهن يعرفن بأنهن أكثر من مظهرهن: مدحهن لذكائهن وقوتهن وقيادتهن وألعابهن الرياضية وأكثر من ذلك بكثير. شجع الفتيات على التحدث والتأكيد على أنفسهن. قم بمواجهة الروايات واللغة التي لا تشجعهن على القيام بذلك: قل إنها "جريئة" وليست "متسلطة"، أظهر لهن أفكارهن المهمة عن طريق طرح آرائهن والاستماع إليهن عندما يتحدثن، وإذا كنت أحد الوالدين أو المعلم، فاستثمر في توفير الألعاب والكتب والأفلام المحايدة من حيث الجنس، أظهر للفتيات إمكانياتهن الكامنة واسمح لهن باللعب كما يحلو لهن، فليعلمن أنه لا توجد طريقة خاطئة أو صحيحة لتكون فتاة.

8. تحدي مفهوم الذكورة
"استرجل، الأولاد لا يبكون، الاولاد سيظلون اولاداً"، كلها عبارات تقليدية غالبًا ما تؤثر على ذكورة الأولاد والرجال في وقت لاحق، وعليه لابد من دعم تعبيرات الرجولة التي تنطوي على الحساسية والعناية وغيرها من الصفات غير التقليدية، قم بتهيئة بيئة يشعر فيها الأولاد والرجال بالأمان للتعبير عن مشاعرهم: دعهم يعرفون أن مشاعرهم صحيحة ومنحهم الفرصة للمشاركة، لا تسخر منهم أو ترفضهم، واستدعي الآخرين الذين يفعلون ذلك.

9. الالتزام بقضية
قم بالانضمام إلى حملة المساواة بين الجنسين التابعة للأمم المتحدة، من خلال المشاركة برسائلنا أو التبرع للمساهمة في كسر دائرة العنف، ومساعدة الناجين، والدفع إلى الاندماج الاقتصادي للنساء والفتيات وإلى حقوقهن المتساوية في كل مكان. وهذا عن طريق العمل الجماعي.

10. تحدي معايير الجمال السائدة
برغم اختلاف معايير الجمال من مكان إلى آخر، إلا أنها تعمل دائمًا على تعزيز رؤية ضيقة وغير واقعية للأنوثة. غالبًا ما يُتوقع من النساء تكريس وقت وطاقة ومال أكثر بكثير من نظرائهم من الرجال لأجل ذلك. هذا النوع من المعايير المزدوجة ينشر الشعور بأن أجساد النساء ليست حقا خاصاً بهن، وإنما هي أشياء مخصصة للاستهلاك العام، وهذا يتجلى في وضع غير واقعي وضرر عقلي وجسدي خطير، وفي السياق تقود صناعة الإعلان للمبيعات الترويجية هذه المثل العليا واستغلال عدم الأمان الذي ترعاه. يمكنك تحدي الوضع الإعلاني الحالي بدعم الشركات التي تعرض التنوع في إعلاناتها، وإعادة التفكير في معتقداتك حول "معنى أن تكوني جميلة". ابدأ في المرآة: لاحظ الطريقة التي تفكر بها وتتحدث عن مظهرك، وفي المرة القادمة التي تكتشف فيها نفسك حرجًا، حاول أن تقدم لنفسك مجاملة. تعامل مع جميع الهيئات على أنها بنفس القدر من الأهمية وتستحق الاحتفال - بغض النظر عن حجمها أو قدرتها أو لونها - واستدعي فضح الجسد عند رؤيته.

11. احترم اختيارات الآخرين
لكل إنسان الحق في اتخاذ القرارات المتعلق بجسده ورفاهيته والأسرة والمستقبل.عندما تجعلك خيارات شخص ما غير مريحة، اسأل نفسك عن السبب. افحص التحيزات التي تقود إلى رد فعلك والنظر في الظروف التي تجعل حياة الآخرين مختلفة عن حياتك، حاول  الاستماع إلى منطقهم، غالبًا ما يصعب تفهم خياراتهم لكن خذ على عاتقك أن تتعلم وتفكر في مواقف الآخرين، بمعنى ضع نفسك مكانهم. 

 لقراءة المزيد في التقرير أنظر الموقع الإلكتروني: