الخميس، 24 يوليو 2025

سبعون عاماً وصوتها الأقوى

 

منى عباس فضل

تمرنا هذا العام الذكرى السبعون لتأسيس "جمعية نهضة فتاة البحرين" كأول تنظيم نسائي رائد في البحرين والخليج العربي؛ ومع كل منعطف زمني وفي كل مرحلة تاريخية من مراحل التغيير؛ تطوّر مسار "النهضة" وحضورها بفاعلية وتميز وبما يستحق التوقف عنده تأملاً وتحليلاً؛ فهي وبواقع الدلائل والشواهد؛ برزت بصوتها الأقوى الذي تجلى بتعبيراته على وضع المرأة البحرينية وعلى المجتمع ككل، لم لا وهي التي لامست احتياجات النساء ومشكلاتهن ومارست نشاطاً تراكميًا ملتزمًا وملموسًا برزت من خلاله أسماء رائدات تُوجت جهودهن بعصر ذهبي شكل قيمة مضافة في ساحة العمل النسوي في بلادنا، وإن كان ذلك بمقاييس ومعايير وظروف الفترات الزمنية التي خضن فيها نضالهن النسائي وصراعهن الاجتماعي.

 

ثمة ما يجمع عليه المحللون والمؤرخون بأن نشاط "النهضة" المتمرس قد اقترن بثقافة معرفيّة متراكمة؛ تنامت وتطوّرت في إطار عمليّة التغيير والتحوّلات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة والإداريّة التي مرت بها البلاد وهي تنفتح على العالم بشكل لافت، فتشابكت أنشطتها وأدوارها الريادية وفاعليّة خطابها النسائي وبتأثير متبادل وتفاعلي مع المنظمات الأهليّة والنسويّة المحليّة والعربيّة والدوليّة، وقد استفادت بعمق من هذا الانفتاح في نسج العلاقات والتشبيك على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي؛ الأمر الذي ساعدها في إعادة صياغة رؤاها وأهدافها وأدوارها في المجتمع تلبية لتطوّر احتياجات الأفراد وخصوصًا النساء منهن على الرغم من التحديات والصعوبات التي واجهتها ولا تزال.

 

في سياق الحراك التاريخي الاجتماعي والسياسي برزت مستجدات أثرت على ماهيّة الأدوار التي لعبتها "النهضة" في كافة أنشطتها وفعاليّاتها، ومنها المتغير السياسي المحلي والعربي على مدى عقود إضافة إلى تأثير الثورة التقانية والاتصالاتية؛ ما جعلها في مواجهة جملة من التحديات والتعقيدات المتعلقة بقضايا النساء وحقوقهن وهمومهن الأسريّة.

 

ولتعزيز واقع المرأة ومكانتها وتعدّد أدوارها في المجتمع؛ توجهت "النهضة" نحو مأسّسة عملها التطوعي من خلال أطرها وهياكلها التنظيميّة حيث ساهم في ذلك نهوض الدولة وتطوّرها الإداري لاسيما لجهة التشريعات والقوانين، وكل هذا وذاك قادها إلى التحول النوعي في أداء أنشطتها من العمل "الرعوي الخيري" الذي كان يتم عبر "مشاريع تعليم الكبار ومحو الأمية" ودورات الخياطة وإقامة المهرجانات التضامنية والأسواق الخيرية ومحاضرات التوعيّة الثقافيّة والصحة الإنجابيّة وتأسيس الرياض والحضانات؛ إلى أخذ زمام المبادرة في تبني اتجاهات العمل المطلبي والحقوقي للنساء في منعطفات تاريخية منذ سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي وحتى مرحلة الإصلاح السياسي مع بدء الألفيّة؛ فثمة مطالبات لها تركزت حول مطلب إقرار "قانون للأحوال الشخصية" و"منح حق المشاركة السياسية للنساء" وأخرى بتحسين ظروف العاملات "ساعات العمل والرضاعة وتأمين بيئة عمل لائقة" وغيرها.


كما تبنت "النهضة" من كونها حركة نسائية ديمقراطية مطلبيّة؛ مرجعيتها ما جاء في الدستور والميثاق بمنح حق المساواة، و"منهاج بجين" و"مخرجات مؤتمر السكان" و"المعاهدات والمواثيق الدوليّة" "كاتفاقية السيداو" و"الإعلان العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة"؛ تبنت العديد من المفاهيم كالتمكين والمساواة ومصطلح النوع الاجتماعي والأهداف التنمويّة التي تستهدف تمكين النساء والدفاع عن حقوقهن ومصالحهن الماديّة بالسعي إلى إقرار التشريعات والقوانين المنصفة لهن وإلغاء التمييز ضدهن في قانون العقوبات والجنسية وقانون الأسرة وإنصاف المطلقات والأرامل والمعلقات ومنح الأم البحرينية المتزوجة من أجنبي الحق في نقل جنسيتها لأبنائها، واستمرارها في حملات قانون الجنسية والمشاركة السياسية. 

 

والحق يقال؛ فقد تميزت "النهضة" أيضًا بدورها الريادي وقدرتها على تحديد استراتيجيتها وخطط عملها وتبني تحالفاتها مع "الجمعيات النسائيّة" والأهليّة وإدارة التشبيك والحوار معها بفاعليّة؛ أدت إلى تأسيس "الاتحاد النسائي البحريني" وبإرادة نسائية جماعيّة؛ وإلى تحقيق العديد من المكتسبات المتعلقة بقضايا المرأة والتشريعات التمييزية ضدها، فضلاً عن تبني "أهداف التنمية المستدامة" التي تستهدف تمكين المرأة ومساواتها، فيما تركز نشاطها في السنوات الأخيرة وبكثافة على المطالبة بتعديل "قانون الجمعيات الأهلية" وبما يفتح المجال لحرية ومرونة واستقلاليّة أكثر للعمل النسائي الأمر الذي جعلها في حركة تغير حداثي ضاغط لمصلحة المرأة البحرينية في المجتمع.  

 

من هنا؛ وارتكازًا إلى هذا التاريخ الحي المتحرك والممتد بنشاط وحيوية، صار لازمًا و"النهضة" تحتفل بالسبعين عامًا من عمرها؛ التوقف وإمعان النظر لمراجعة الأهداف التي تأسست عليها؛ واحتساب ما لها وما عليها من خلال تبين نقاط القوة والضعف؛ وبالتسلح بالآليّات الدوليّة كقوة معنوية عند المطالبة بتحديث التشريعات والقوانين التي تمثل أبرز الأهداف التي تسعى إليها. وهذا يستوجب مراجعة مسار العمل وإلى أين وصلت به وكيف ستواصل المسير؛ فالزمن يتغير في رتم سريع ويفرض طرح العديد من الأسئلة المتداخلة والمتعلقة بالطاقات والمهارات لكوادرها المتبقية ومدى ملاءمتها لماهيّة البرامج والأنشطة التقليديّة المعتمدة والتي في جوهرها تمس مشكلات المرأة والفتيات خصوصًا مع استمرار ظاهرة عزوفهن عن العمل التطوعي والنشاط في أطر الجمعيات النسائيّة؛ ومنه يحق السؤال: هل الخلل في الأهداف التي رسمت منذ سنوات وجمود البرامج؟ أم إنه يكمن في طرق وأساليب العمل والتواصل التقليديّة في عرضها للبرامج؟

 

فهذه الأسئلة وغيرها تتطلب تدوير نقاش وتبادل للآراء حول حقيقة "واقع جمعيّة نهضة فتاة البحرين" وما تقوم به من دور ومدى فاعليّة الأنشطة التي تمارسها؛ وبما يتلاءم والمتغيرات السريعة التي تجري في عالمنا وتؤثر على واقع المرأة واحتياجاتها المتغيرة؛ كما يستلزم مراجعة العديد من المصطلحات والمفاهيم وخطط العمل التي تبنتها منذ عقود ومناقشة مدى ملاءمتها لواقعنا المحلي، فضلاًَ عن تقييم حالة التشبيك والتواصل بينها وبين الجمعيات النسائيّة الأخرى في سبيل إرساء البعد القادم من العمل النسائي وآليّاته بواقعيّة وموضوعيّة تتناسب والمتغيرات التي تجري في عالم يسوده الفقر والعنف والنزاعات والأزمات.


المنامة – 24 يوليو 2025

v   ينشر بالتزامن مع نشرة "النهضة" إصدار جمعية نهضة فتاة البحرين في عددها الثاني يوليو 2025