الخميس، 11 مايو 2023

خطاب النواب يدغدغ مشاعر "منتسبي خطوة"

منى عباس فضل

 دعت جمعية نهضة فتاة البحرين مؤخراً إلى لقاءٍ عُقد بين متضرري قرار "هيئة التأمينات الاجتماعية" من منتسبي "برنامج خطوة للمشاريع المنزلية" وبين مجموعة من نواب ونائبات من مجلس النواب في مقرها بالعاصمة المنامة؛ وذلك على خلفية السجالات الدائرة في الساحة المحلية بشأن قضيتهم، وكبادرة منها لكونها تنفذ دراسة بحثية تتعلق بمد الحماية التأمينية للقطاع غير المنظم الذي تنتمي إليه هذه الشريحة وحاجتها إلى استجاباتهم لإنجاز المسح الميداني للدراسة؛ خصوصاً ووزارة التنمية الاجتماعية صاحبة "برنامج خطوة" لم تتعاون معهم للتواصل مع المنتسبين للمشاركة في الاستبيان.  

 ولأن المتضررين من البرنامج احتشدوا مرات عديدة مؤخراً ولازالوا أمام مبنى التأمينات الاجتماعية قائلين للمسؤولين: "ننشد حلاً ينصفنا، فالكثير منا بلا رواتب، وأصبحنا بلا مصدر رزق، ونحن نتعشم خيراً في إنهاء معاناتنا"، وكذلك أثناء انعقاد إحدى جلسات مجلس النواب؛ وناشدوهم من أمام مبناهم لتحمل مسؤوليتهم ومستوجبتاهم لإيجاد حل لمعضلتهم المستعصية التي لا تزال أبواب الحلول مسدودة أمامها.

 في ذلك اللقاء العاصف، حرص ثمانٍ من النواب والنائبات على الحضور فيما سُجل غياباً ملحوظاً كالعادة لأي ممثل رسمي عن الجهات المعنية حيث صار هذا التوجه أمراً معتاداً، فيما تكفلت الجمعية بإدارة المناقشات والاستماع إلى المتضررين في ظل حضور كثيف ولافت منهم ومن ناشطي مؤسسات المجتمع المدني وعلى رأسهم الاتحاد النسائي البحريني والاتحاد العام لنقابات عمال البحرين.  

 سعت الجمعية في الأساس إلى التعرف على مستجدات أوضاع هذه الشريحة والصعوبات التي تمر بها وما تعاني منه بسبب قرارات تتعلق بتسجيلهم وقبولهم في "برنامج خطوة" وبالتعقيدات التي أدت إلى توقف "الهيئة" عن استكمال إنهاء إجراءاتهم للتقاعد الاجتماعي؛ حيث تبين أن مشكلتهم لاتزال قيد الدراسة فيما يعم الموقف الالتباس والسجال بشأن الشروط التي تؤهلهم في الحصول على استحقاقهم للتأمين التقاعدي كما كانوا يتوقعون؛ فهم لا يعلمون إلى ما ستؤول إليهم أوضاعهم المستقبلية على الرغم من استكمالهم كافة الشروط المطلوبة.

 في السياق استمع الحضور إلى شهادات حية كشفت عن حجم المعاناة التي تتمثل بتدني المداخيل وسوء الظروف التي يعملون فيها وعدم استقرارها ورغبتهم الشديدة بتحسين أوضاعهم المعيشية وبتأمين حصولهم على معاش تقاعدي يوفر لهم الكرامة والأمان الاجتماعي، اشتكى أغلبهم من بيروقراطية إجراءات الانتساب إلى "مشروع خطوة" التي تمكنهم من شراء المدد المتبقية عليهم للحصول على معاش تقاعدي. وبعيداً عن التعاطي التقليدي في تحليل هذه المعضلة وما آلت إليه أوضاعهم من سوء وتعقيد؛ لابد من التركيز والسؤال عن أصل المشكلة ومنبع القضية في شبكة تفاعلاتها.

 

لا عدالة اجتماعية

في خضم الحدث وتداعياته، يقف المتابع مشدوهاً مستفزاً أمام وضع شائك يمس حياة المواطن وكرامته وأمنه واستقراره المعيشي، في اللقاء هناك شكوى بمرارة من بطالة المواطنين حيث لا تزال وزارة العمل تصر على إن نسبتها لا تتجاوز الـ"7%" وبأنها مقبولة عالمياً؛ وهي تسهب الشرح عن إنجازاتها للقضاء عليها فيما يكشف الواقع بأنها باتت قنبلة موقوتة وحالة مريضة في ظل أفضليات فرص العمل التي يتمتع بها الأجانب على حساب المواطنين. أما شكاوى الإحالة إلى التقاعد المبكر خوفاً من مصير مجهول يمس قوانين صندوق التقاعد فحدث ولا حرج فقد باتت غير مأمونة ويصعب التكهن بها، لم لا وقد قُضم الحق المكتسب للمتقاعدين في زيادتهم السنوية الـ(3%)، اليوم تأتي المشكلة الأعمق لقضية منتسبي "برنامج خطوة" لتزيد الطين بلة.

 أحد المتضررين يشتكي الحال: "الموضوع بسيط جداً، هناك خطأ من الحكومة، وهي التي وضعت يدها في جيبنا، هناك من أخطأ من "منتسبي خطوة"، لكن هذا لا يجب تعميمه على الجميع. وضعنا حالة ميؤس منها، أمورنا الحياتية تعبانة منذ أكثر من ثلاثة شهور، لم نعش رمضان ولا العيد، أين نذهب لنطالب بحقوقنا، المسؤولين والحكومة والنواب إطالعون ويعلمون بحالنا، وضعنا تعبان، الناس تعاني، لدينا أدلتنا.."؛ قال آخر: "الناس كلها تعاني، يمكنكم معرفة ذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، نصف الشعب عاطل والنصف الآخر يسعى إلى التقاعد، منذ كم سنة؛ ندور عن عمل ومن كل مكان ندور وظيفة، يقال لك: أنت مو مناسب، ابحث عن وظيفة أخرى، دخلنا البحر، قيل لنا؛ أنت مب بحار، دخلنا تجارة، قيل لنا روحوا الزراعة، نريد وظائف محترمة للبحرينيين، وكل شركة ندخلها، الأجانب هم من يتولون أمرها..".

 ومن بين الشكاوى تجد أن منهم من باع سياراته أو لجأ إلى الاقتراض لشراء سنوات الخدمة، ومنهم من قدم استقالته من عمله تجشماً في الحصول على راتب تقاعدي أفضل مما يتقاضاه بعد الانتساب إلى "مشروع خطوة"، ومنهم من اشتكى الحال: "لا يمكننا شراء بيت ولا الحصول على قرض لشراء سيارة وليس لدينا إجازات عمل ولا راحة فنحن نعمل منذ الصباح وحتى المساء.."، نعم هذا حال كل من يعمل في "القطاع غير المنظم" الذي لا يحكمه قانون محدد ومستثنى من أي مظلة للحماية الاجتماعية؛ نعم هذه هي القضية المركزية.

 

ممثلي الشعب ولكن؟!

على الرغم من اعتراف الجميع بأحقية هذه الفئة المهمشة من ذوي المداخيل المتدنية ومظلوميتها؛ إلا إن مشكلتها لا تزال دون حل وعلى ما هي عليه، وهي تمثل تحدياً كبيراً ومحرجاً للحكومة ولمجلس النواب ومصداقيته خصوصاً مع ما يبث عبر أعضائه من وعود بالعمل على إيجاد حل ناجع لمشكلتهم ومعاناتهم، والأهم بمدى قدرتهم على استخدام الأدوات الدستورية من سؤال إلى لجنة التحقيق إلى الاستجواب. فهل فعلاً يستطيع النواب فعل ذلك؟!

 في حقيقة الأمر؛ حوارات المتضررين مع النواب في هذا اللقاء كشفت أمور مهمة؛ كضعف وهزالة الآليات المؤسساتية ونوعية إدارتها وبما تتسم به من مركزية مفرطة مبالغ فيها في اتخاذ القرار الذي لم يتمكن أصحابه حتى اللحظة من حل المشكلة وإنهاء المعاناة، إلى جانب حالة التفخيم التي تقدم بها المبادرات والمشاريع كما هو الحال في "مشروع خطوة"، وكذلك عن الترفع والتعالي؛ حيث يغيب المسؤولين المعنيين بهذه القضية عن المشهد العام وعن تواصلهم مع المتضررين والاستماع إلى شكواهم، الأهم ما سوف تكشفه قادم الأيام في تعاطي البرلمان والجهات المعنية مع هذه القضية الحقوقية الإنسانية الحساسة.

 

تلاعب في الإفادة

من جهتها استنكرت النائبة زينب عبدالأمير تصريحات التأمينات بأن هناك تلاعب من بعض العائلات؛ وتكذيب لعدد من المنتسبين، وقالت: "إذا كان هناك بعض من تلاعب؛ فلا يجوز اتهام أكثر من (300) أسرة بالتلاعب، المفترض محاسبة من قام بختم الورقة التي حدث عليها التلاعب، لماذا لا تحاسب وزارة التنمية ووزيرها؟ لماذا لا يحاسب على منحه أسر معينة أوراق فيها تلاعب إن صح التعبير، وهذه الحالات إن وجدت فهي قليلة. إن شهادة القيد التي يطلبونها "تظلمكم" ولأنها تجدد سنوياً، ويجب اعتماد تاريخ الإفادة.. يجب أن نشير إلى الفساد في وزارة التنمية، وإذا فيه أي جهة يجب أن تحاسب فهي وزارة التنمية لأنها هي من وقعت على الإفادة التي تم التلاعب فيها وأعطيت لبعض الأسر التي خربت عليكم".

 وتضيف في سياق المناقشات: "لن نعمل بيان صحفي، لن نطلع خبر نستنكر فيه أو نغرد..؛ نحن لدينا أدوات دستورية منها لجان التحقيق، نعالج الموضوع من خلالها، وإذا فيه جهة حكومية تتهم جهة حكومية بالتلاعب فأن هذا يستدعي تحقيق عاجل، ثم استجواب للجهة المعنية إذا ثبت وجود تلاعب في مصائر الأسر والشعب فهذا مرفوض ولازم يتحاسب الشخص الذي منح وتلاعب في الإفادات وحرم (300) أسرة من تقاعدها وراح نعمل لجنة تحقيق ندرس فيها كل طلب مع التأمينات والتنمية ونقدم الشخص المعني بالتلاعب إلى العدالة، إلى لجنة التحقيق وإلى ديوان الرقابة المالية والإدارية لوضع اليد على الموضوع، صوتكم وصل إلى رئيس الوزراء أحب أطمئنكم، وحراككم أثمر بنتيجة، والدليل هو أن التأمينات أصدرت تصريح فيه تمويه ومراوغة ومماطلة، لكنها ذكرت بأنها بانتظار المستندات.. وكل ما أنتم فيه سببه أداة دستورية ضربتكم وهي مشروع التقاعد الجديد والحل هو في "لجنة تحقيق عاجلة".

 كما أشارت النائبة إيمان شويطر إلى إنها قابلت مسؤولة التأمينات الاجتماعية بناءً على طلب المتضررين، وعرفت منها أسباب المشكلة؛ بأن الإفادة جاءت بالخطأ من التنمية، وإن الهيئة أكدوا لها بأنهم يعتمدون رقم القيد وإن الإفادة ليس لها معنى ولا تبين رقم القيد، وإن الإفادة تعني مشاركتكم في المشروع الإنتاجي فقط. وأضافت بأن مسؤولة الهيئة تواصلت مع المسؤولة في وزارة التنمية وأفادتها بعدم إصدار (إعطاء) أي إفادة ووضحت لها الخلل مؤكدة إلى شويطر بأنهم يدرسون ملف (370) حالة كل على حد، أما النائبة باسمة المبارك قالت: "الخطأ من جهة وزارة التنمية، ومن طرف معين، ويجب محاسبته وهذا حق دستوري، وعدد المتضررين ليس كبير ولن يهز ميزانية الدولة.. إلخ".

بدورها ذكرت النائبة جليلة علوي: "كلمت إيمان المرباطي التي ذكرت لي: إن الخطأ كله بسبب وزارة التنمية، ولكن لا يمكنني تخطئة الوزارة.! وتساءلت: هذا الخطأ يطب على رأس من؟ مضيفة أن هناك بعض الحالات التي تلاعبت "بالرقم الشخصي مقارنة بتاريخ البدء بالمشروع"، ولكن هذا لا يعمم على الجميع، ويجب فصل هذه الحالات عن الحالات المتضررة..". وأضاف نائب آخر: "أن سبب المشكلة هو موضوع التقاعد الجديد وهذا خلل كبير، وهو نتيجة للقرارات غير المدروسة، ولابد للحكومة أن تتحمل مسؤوليتها، لابد أن يكون لدينا إحصاءات واضحة للأعداد، ونعمل في دائرة واحدة وبشكل منظم، نحتوي الموضوع.. إلخ". فيما شاركت النائبة حنان الفردان بدلوها قائلة: "حراك مقدر، ونحن كنواب نشكل ضغط، بخبر صحفي، باستخدام أداة من أدواتنا "بتقديم سؤال إلى الهيئة" وبانتظار إجابتها، هذا الخطأ اليوم لا يغتفر مهما كانت الجهة، والهيئة تكيل بمكيالين هناك من يوافق عليهم وهناك من يرفض طلبهم، وهذا لا يجوز".  

 انتهى اللقاء الى تشكيل لجنة مكونة من منتسبي خطوة وبالتنسيق مع جمعية النهضة تم استلام ملفات المسجلين المتعثرة طلباتهم لدى برنامج خطوة للمشاريع المنزلية، وهي تحتوي على كافة المستندات المطلوبة لدعم الطلبات المتوقفة من الهيئة للحصول على حقهم في الانضمام للتأمين الاجتماعي، أعقبها لقاء آخر رسمي بمقر الجمعية حضره مجموعة من النواب والنائبات وتسلموا ملفات لـ(285) من المتضررين مقرونة بوعودهم المتكررة على دعمهم لهذا المطلب واستمرار تعاونهم ومتابعتهم له.

 

إدارة الفوضى

إلى هنا يستوجب تحليل المشكلة وتأطيرها من منظور الثغرات والنواقص التي تعاني منها التشريعات والقوانين الوطنية التي تمييز بين فئات المواطنين كما تنتقص من حقوقهم في المواطنة من حيث توفر فرص العمل والحماية الاجتماعية والاستقرار النفسي من خلال ضمان الحقوق والمكتسبات، كما يتطلب تفكيكها للتعرف على مظاهر الفساد وسوء التخطيط المؤسساتي ومساءلته؛ ومقاربة الإشكالية من حيث اقترانها ببريق خطاب يمارسه النواب بإطلاق وعود معلقة في الهواء؛ هي في باطنها وعود رسمية والكل يدرك أن الأمر سينتهي بقرار فوقي، فما يحدث هو جزء لا يتجزأ من استراتيجية إدراة الفوضى والحالة اللزجة التي نعاني منها بهدف بلورة شعور عام بالرضا من الأداء البرلماني الهزيل.

 إننا أمام خطاب ناعم لافت يدغدغ المشاعر بتودده الشديد لهؤلاء المتضررين المهمشين رغم الضربات التي يتلقونها تباعاً وهم في حالة غضب واستنكار لما آلت إليه أوضاعهم، أمام تنافس على الظهور الإعلامي للنواب وكمن يمسك خيوط اللعبة السياسية ويقودها، يحرصون على التأكيد بأن سبب المشكلة تكمن في قانون التأمين الاجتماعي الجديد وإنهم يقدرون حجم معاناة المتضررين ويدغدغون مشاعرهم بعدم التخلي عنهم وعن قضيتهم مؤكدين لهم بأنهم يتواصلون مع هيئة التأمينات التي وعدتهم بدراسة أوضاعهم كل على حدا. وماذا أيضا؟ تنوه النائبة جليلة: بأن النواب استخدموا كل الأدوات الدستورية، حيث قدمت النائبة حنان الفردان سؤالاً، فيما قدمت مجموعة من النواب وأنا معهم مقترحاً عاجلاً، وهناك لجنة تحقيق راح تصير، فيه استجواب وافيه مناقشة عامة...استخدمت علشانكم...".

 إنه الخطاب الموشى بأقوال ووعود رئيس مجلس النواب ومن هم في قمة هرم اتخاذ القرار، حالة تعكس واقع الهوة الواسعة بين هذا الخطاب وبين التدابير والشعارات التي تطلق كجزء من كسب تعاطف الناس وطمأنتهم كي يتعاونوا مع النواب، ولكن وحتى اللحظة تنتهي الوعود إلى غموض إلى لا شيء ولا تجد ترجمتها في حفظ كرامة هذه الفئة بمنحها حقوقها في المواطنة.

 يبقى إن موقف "هيئة التأمينات الاجتماعية" يقوض الحقوق الإنسانية "لمنتسبي برنامج خطوة"، كما إن راعي هذا البرنامج وهو "وزارة التنمية الاجتماعية" في وضع المساءلة عن حالة الالتباس التي وضع فيها المنتسبين وما آلت إليه أوضاعهم، فيما تواجه السلطة التشريعية مستوجباتها تجاه ثغرات التشريع الذي لا يوفر مظلة حماية لفئة العاملين في "القطاع غير المنظم" الآخذ في التمدد والاتساع، كما يواجه النواب تحدياً في مصداقية استخدامهم للأدوات الدستورية التي يكررونها على مسامع العامة، خصوصاً وهي ناقصة منتوفة ويشوبها الخلل.

 خلاصة الأمر، إن الحقوق هي تعبير قانوني لما يحتاج إليه المواطن كي يعيش حياة إنسانية كاملة وشاملة وبكرامة، وهي مترابطة ومتشابكة غير قابلة للتجزئة، إنها تمثل تحد تنموي لمن يضع الخطط والبرامج ويقود الإصلاح والتطوير، والحقيقة أن أي فجوة وخلل يمس تلك الحقوق يعني بالمحصلة النهائية أن هناك انتهاك لها ولأصحابها ومجالاتها.

 المنامة – 11 مايو 2023 

الثلاثاء، 2 مايو 2023

البحريني قرار.. وليس خيار

 

منى عباس فضل

مدينتنا المنامة عروس الخليج؛ تبدو هادئة وادعة هذا الصباح، شوارعها تكاد تكون خالية من حركة العربات والمتجولين، إنه يوم إجازة رسمية بمناسبة الأول من أيار، عيد العمال العالمي.

 

هدوء مدينتنا يحجب وراءه ظلالاً من الحزن والضجر؛ بعض من التشنج والتململ، فمنذ سنوات وتحديداً منذ الحراك الشعبي في ثورات الربيع العربي، والمسيرة العمالية التي كان يتصدرها الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين في هذا اليوم ممنوعة؛ لا يسمح له ولا لمنظمات المجتمع المدني بالخروج في مسيرات احتفالية وسط شوارع العاصمة بهذا المناسبة ورفع الشعارات كما عهدنا ذلك في بدايات الألفية مع تدشين المشروع الإصلاحي وإطلاق الحريات السياسية والنقابية.

 

في إطار الاحتفالات العالمية بيوم العمال؛ كانت تخرج مسيرة نقابات عمال البحرين في شوارع العاصمة؛ بشيء من النشوة والحماس والحافز الذي يحذوه الأمل؛ تشاركهم في هذا الكرنفال منظمات المجتمع المدني بمختلف القطاعات؛ من جمعيات نسائية وشبابية وحتى الجمعيات السياسية قبل إقفال أبواب بعضها بالشمع الأحمر بتطبيق لأحكام قانون العزل السياسي وانحسار نشاط بعضها الآخر بسبب تصحر الحياة السياسية وترهل الحال.

 

ولطالما علت الإعلام زاهية بألوانها في تلك المسيرات وبما تمثله من ثقل لمنظمات سياسية وأهلية ونسائية وشبابية، من بينها رفرفت بعض من الأعلام الحمراء التي تتوسطها مناجل العمال وقبعاتهم لكن علم البحرين المتداخل باللون الأحمر والأبيض يبقى هو الأعلى يرفرف شامخاً في العلا؛ رمزاً للوطن والهوية.

 

شعارات تلك المسيرات كانت متحركة عابرة للطوائف تعبر بكل حمولتها عن مطالب المرحلة للعمال وعن نبض الشارع واحتياجات الناس، ("لا تنمية حقيقية بدون عدالة"، "نتحدى الصعاب لمستقبل وظيفي آمن"، "عمالتنا الوطنية.. ثروتنا الحقيقية"، "لا للفصل التعسفي لا لفصل النقابيين لا لتهديد الأمن الوظيفي لأي عامل"، "تأسيس نقابات القطاع الحكومي تعززا لمشروع الإصلاح والديمقراطية"، "أجر عادل يساوي حياة كريمة"، "لنعمل معاً من أجل وحدتنا العمالية"، "عاشت حركتنا العمالية"، "1600 سائق أجرة مهددون بقطع الأرزاق وتسريحهم من مهنتهم"، "نناشد المسؤولين لحماية هذه الشريحة من التسريح وقطع الأرزاق؛ جمعية سواق سيارات النقل العام")؛ وفي المسيرة التي أعقبت الحراك الشعبي بظروفه الصعبة والملتهبة؛ علت هتافات حناجر العمال بقوة في مسيرة الأول من مايو "لا تراجع لا تراجع، فصل العمال جريمة، باطل باطل فصل العمال، بالروح بالدم نفيدك يا بحرين، كرامة حرية..إلخ".  

 


اليوم حضرت احتفال الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين بهذه المناسبة تصدرها شعار "البحرنة قرار.. وليس اختيار"، كتب حسن الحلواجي نائب الأمين العام في نشرة الاتحاد بهذه المناسبة: "أصبحت البطالة قضية وطنية، ولهذا فالبحرنة قرار بحاجة إلى تغييرات جوهرية في سوق العمل، إلى مراجعة شاملة لمدخلات ومخرجات هذا السوق، إلى خطط وبرامج تجعل من هذا السوق بيئة حاضنة مرغبة للعمالة الوطنية، إلى خلق وظائف بأجور ذات قيمة مضافة، وإلى استراتيجيات تضمن تكافؤ الفرص، ولأن تكون سوق البحرين نقطة جذب للمستثمر مع الحفاظ على أولوية استفادة العمالة الوطنية من عائد هذه الاستثمارات، ويحتاج إلى اصلاح التشوه في سلاسل الإمداد التي ترفده بعمالة وافدة. البحرنة قرار يحتاج لإعطاء أولوية التوظيف للعمالة الوطنية التي أصبحت نسبتها لا تتعدى الـ (20%) في المؤسسات والشركات، قرار يحتاج إلى زيادة النسبة، وإلى قصر بعض المهن والوظائف على البحرينيين، يحتاج إلى بحرنة مراكز اتخاذ القرار في الشركات والمؤسسات الكبرى التي تساهم في رفد اقتصاد البحرين؛ ما يعني الحاجة إلى مراجعة سياسة الخصخصة، خصوصاً وإن أغلب القطاعات التي تم خصخصتها تعتمد على العمالة الوافدة وبأجور غير مجزية وبيئة عمل غير مواتية لاحتضان العمالة البحرينية في ظل رقابة منقوصة من الجهات المعنية.  

 

أما كلمة الأمين العام عبد القادر الشهابي وبما تضمنته من مطالب وما أورده في نشرة الاتحاد فهو يلخص حالة البلاد والعباد؛ حيث ذكر "أن المعاناة المعيشية تشتد من حيث استشراء التضخم وموجة الغلاء وزيادة الضرائب وتآكل الأجور وضعف القدرة الشرائية، إلى جانب العجز الأكتواري لصناديق التأمين الاجتماعي مما ينذر بمخاطر على أوضاع المتقاعدين ويهدد الرفاه الاجتماعي، وكذلك الآثار السلبية لقانون التقاعد الجديد على مجمل نظام التقاعد ومستقبل المتقاعدين ويمثل عقبة لإدماج المواطنين في سوق العمل، هذا السوق الذي هو أصلاً بحاجة إلى إصلاح واستدامة للصناديق التقاعدية، مطالباً بإصلاح حقيقي لمعالجة جذور المشكلة والبدء بحوار أطراف الإنتاج الثلاثة.

 

وأضاف "هناك صعوبات اقتصادية والوضع المعيشي في تراجع، والخدمات الصحية والتعليمية ومخرجاتها لم تعد بالمستوى المطلوب، ارتفعت نسب البطالة وشحة الوظائف، وانسحب التراجع إلى البنية التحية من سكن وطرق ومواصلات، تفاقم الدين العام ووصل إلى (17 مليار دينار) يعني (أكثر من 100% من الناتج المحلي الإجمالي)، إنها وصفة صندوق النقد الدولي السيئة واللاإنسانية، بتقليص المصروفات (أجور القطاع العام؛ يعني تسريح موظفي الصحة والتعليم، يعني شبح الخصخصة الذي يفاقم المشكلات الاقتصادية في البلاد) وطرح الشهابي سؤالا عليهم: هل تسريح العمال وتقليص حقوق المتقاعدين ووقف توظيف العاطلين واستمرار تدفق العمالة المهاجرة للسوق المحلي يحقق التوازن المالي؟ كاشفاً بأن هناك مطالبات ملحة لرفع مستوى المرتبات وتعديل الأجور، ووقف استنزاف الاقتصاد بجلب العمالة الأجنبية على حساب الوطنية.

 

في حسابه ومن على منصة الانستغرام كتب النقابي المخضرم يوسف الخاجة الذي تحمل المتاعب والمصاعب والمخاطر بصبر وكان رئيساً لنقابة شركة (BAS) باس خدمات مطار البحرين لمدة 31 سنة وفصل من عمله على خلفية حراك 2011، كتب: "يمر علينا يوم العمال العالمي والوضع العمالي في أسوء حالاته، حيث الأجور المنخفضة التي لا تتناسب والغلاء الفاحش في البلاد ولا تكاد تكفي لسد أبسط احتياجات الأسرة وطابور من المفصولين بحجج واهية ولغياب تشريعات الحماية للعامل بالإضافة إلى بطالة منتشرة تكاد تطال كل بيت في وقت تزاحم فيه الأيدي العاملة الأجنبية المواطنين في أرزاقهم، فأي احتفاء بالعمال يقام اليوم؟!

 

ختاماً مع كل مظاهر الظلال وسطوة التوحش في أرجاء عالمنا، تبقى مناسبة الأول من مايو فرصة تبرز من خلالها معاناة العمال ومطالبهم لتحقيق العدالة الاجتماعية، وحيث تتفاوت مظاهر الاحتفال بهذا العيد من مكان إلى آخر؛ إلا إن القاسم المشترك بين هذه الاحتفالات هو الاحتجاج على خصخصة الخدمات، والغلاء والتضخم وارتفاع مستويات المعيشة والمطالبة بزيادة أجور العمال وتحسين ظروف عملهم في بيئة لائقة وخفض نسب البطالة.

 

تبقى مساحة الأمل مشرعة نتقدم عبرها بخالص التهاني لعمال وعاملات البحرين وفي العالم أجمع بمناسبة يوم العمال العالمي؛ الأول من أيار 2023.




الاثنين، 1 مايو 2023

منتسبي "خطوة" وحكايتهم مع هيئة التقاعد

منى عباس فضل

 

إنها صرخة لقمة العيش وقطع الأرزاق وهدر الكرامة، هي معضلة الفشل والتجاهل واللامبالاة في زمن التوحش والفقر والغلاء والانحطاط. عن أي حكاية وأي معاناة نتحدث؟

 نتحدث عن الوجع والمفارقة بين تعداد المنجزات والنجاحات، وبين أصوات مقهورة ارتفعت يملؤها شعوراً بالظلم واللاعدالة التي وقعت عليهم دون حساب، دون محاسبة، دون استماع، دون شفافية.

 

تصف متضررة حالتها كما حالة غيرها: (أكتب رسالتي وكلي أمل وثقة بأن تجدون حلاً لمشكلتي ومشكلة الكثير من نساء البحرين اللاتي عملن بجد واجتهاد لسنوات استنزف فيها العمل طاقتهن من أجل توفير حياة كريمة لأبنائهن وتلبية حاجاتهم التي باتت صعبة في ظل الغلاء الفاحش وتدني الرواتب، وما إن تجاوزنا سنوات عديدة في العمل وطمحنا إلى الوصول لمرحلة التقاعد والتفرغ التام لأسرهن ومراعاة أبنائهن ومتابعة تحصيلهم الدراسي وقضاء وقت طويل برفقتهم؛ حتى جاء قرار "التقاعد الجديد" الذي كان كالصاعقة التي هدت كيان المرأة بعد انتظار سنوات، لم يكن لهن من مخرج سوى اللجوء إلى "برنامج خطوة" لضم سنوات عملن فيها دون تأمين، ومع ذلك تبقت أشهر قليلة أو سنة وسنتان حتى يخضعن إلى تطبيق القانون، فهل يعقل أن يطبق القانون على من تجاوزت سنوات عملهن عشر سنوات وأكثر؟ فبدل أن يعملن لمدة أشهر أو سنة بعد تطبيق "القانون الجديد"، سيعملن لمدة ست سنوات أو أكثر. هذا ظلم وإجحاف في حق المرأة البحرينية.. فهل تكافئ بهذا القانون التعسفي؟ خاصة وأن البعض تعملن في وظائف ذات رواتب ضعيفة لا تقارن بمستوى عملهن وأدائهن والتعب؛ كمعلمات رياض الأطفال والعاملات في المصانع وغيرها، أليس من حق المرأة أن توفر جزء من صحتها وطاقتها لأطفالها بعد هذه السنوات؟ وكأنها تجري خلف سراب فكلما تقدمت للتقاعد زادت السنوات.  كلنا أمل أن تجد مشكلتنا ومعاناتنا حلًا وذلك بعمل استثناء أو شراء المدة المتبقية لهن، كلنا أمل في وقفتكم معنا.. ).   


وحيث لايزال السجال دائراً بين النواب والحكومة في أروقة البرلمان حول موقف "الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية" وشرائح المتضررين من منتسبي برنامج "خطوة" الذين ينتظرون موقفاً رسمياً ينتشلهم من الضياع والمعاناة. ولكي ندرك حقيقة ما يحدث، علينا إلقاء الضوء على ماهية البرنامج خصوصاً وإن وزارة التنمية الاجتماعية تعتبره إحدى منجزاتها الرائدة.

 

ما هو برنامج "خطوة"؟

كعادتها سوقت وزارة التنمية "برنامج خطوة للمشروعات المنزلية" كأحد أهم وأبرز مبادراتها التنموية والذي كما ورد في أديباتها بأنه "يستهدف" التمكين الاقتصادي والاجتماعي للأسرة البحرينية، ويوفر لها ولأفرادها الاحتياجات والتسهيلات لبدأ مشروعاتهم التجارية من المنزل، وإنه استند على القرار الوزاري (رقم 39 لعام 2010)، وقد اعتبرته بلغة التفخيم "برنامج أول خطوة يخطوها صاحب فكرة مميزة للتسجيل القانوني وبدون أي تكلفة مالية للتسجيل". وماذا أيضا؟

 

برنامج يستهدف ست من فئات اجتماعية مصنفة كـ: صاحب فكرة لمشروع منزلي؛ المسجلين في برنامج الأسر المنتجة، المستفيدين من البرامج التدريبية بالمراكز الاجتماعية، العاطلين عن العمل، المتقاعدين، المستفيدين من برنامج الضمان الاجتماعي، ويشار إلى إنه يمكنهم التسجيل في البرنامج من خلال ملي استمارة متبوعة بسلسلة إجراءات إدارية أخرى.

 

وزير العمل لا يخفي سعادته بالقول إن البرنامج حقق نجاحات متعددة منذ 2010، سواء من خلال زيادة عدد الأسر المنتجة الحاصلة على الترخيص، أو عدد الذين تحولوا إلى رواد أعمال وحصلوا على سجلات تجارية، أو عبر قصص النجاح المتحققة لبعض المنتسبين له، إضافة إلى فوز البرنامج بجائزة البرنامج الخليجي العربي للتنمية "أجفند" في المسابقة الدولية لمشاريع التنمية البشرية الريادية للعام 2014 في مجال تسويق المنتجات المصنعة منزلياً، وجائزة التميز الحكومي العربي كأفضل مشروع لتنمية المجتمع عام 2020، منوهاً إلى ارتفاع عدد الحاصلين على رخصة المنزل المنتج إلى (1243) أسرة منذ بدء انطلاقته، كما يعدد كتيب "خطوة" المنجزات المتحققة من عام 2010-2020 كما في الجدول التالي:


في السياق، يصنف "برنامج خطوة" حوالي (20) نشاط إنتاجي تمارسها هذه الشرائح من بينها التطريز والتصميم والخياطة وصناعة التحف والإكسسوارات وأشغال النسيج ودروس في المطبخ المنزلي، والأشغال الفنية واليدوية وخدمات الأفراح..إلخ، إضافة إلى (16) نشاط إنتاجي خاص بالمواد الغذائية من بينها عمل السمبوسة وتعبئتها والمهياوة والرنكينة. أما مميزاته التي تعددها الوزارة في خانة المنجزات المتحققة حتى عام 2021؛ فهي تمثل (12 ميزة) أهمها؛ أن التسجيل فيه بالمجان، ويمكن للمنتسب الحصول على بطاقة تعريفية خاصة وشهادة قيد للعمل من المنزل وتجديد التصريح سنوياً بدون رسوم، إلى جانب توفير تدريب احترافي ومنافذ للتسويق، ودعم للمشاركة في المعارض والمسابقات وتطوير جودة المنتجات، وتطوير المهارات الإدارية، وتوفير حاضنات إنتاجية وإمكانية الحصول على التمويل للمشاريع وتوفير غطاء قانوني مجاناً من خلال قرار رقم 39 لسنة 2010 لتنظيم العمل من المنزل. أما أبرز مميزاته التي يدور حولها السجال حالياً، (أنه يوفر تأمين اجتماعي؛ من خلال الاستفادة من التأمين الاجتماعي الاختياري في الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي، والتي تضمن للمستفيدين من برنامج خطوة مستقبلهم التقاعدي).



 ثقل الخطاب والوعود

وعليه نخلص إلى أن مضامين "مشروع خطوة" الحكومي بكل ما يحمله من ثقل الخطاب والوعود بالتأمين الاجتماعي والتعابير المنمقة؛ قد أغرى الكثيرين والكثيرات وشجعهم للانضواء تحت مظلته وبحسب الشروط والمعايير التي وضعت، بل وفتح أبواب الأمل للعاطلين والعاطلات في إيجاد مخارج لأزمتهم ومعاناتهم المستعصية منذ سنوات؟ والسؤال يلح هنا؛ هل وفرت الوزارة والهيئات الحكومية ذات العلاقة الضمانات لكل الوعود والمميزات التي تم التسويق والترويج لها؛ وبما يوفر لهذه الفئات الأمن الاجتماعي والاستقرار النفسي. في الحقيقة لا يبدو الأمر كذلك. كيف!  

 تشير الوقائع إلى اعتصام قامت به مجموعة من منتسبي "برنامج خطوة" في مبنى الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية في يوم الجمعة 27 أبريل احتجاجاً على إيقاف طلبات التأمينات الخاصة بالبرنامج. قالوا: (نحن مجموعة من المتضررين من القرار المفاجئ الذي صدر عن التأمينات الاجتماعية، قبل أسبوع واحد فقط من تاريخ تطبيق قانون التقاعد الجديد، وذكروا بأنهم قاموا بجميع الاجراءات المطلوبة من إصدار قيد الترخيص، وشراء المدة المتبقية للتقاعد، وإنهم وصلوا إلى مرحلة متقدمة من إجراءات صرف المعاش التقاعدي؛ وإذا بهم يفاجئوا بإيقاف الطلبات وطلب توفير قيد للمدة المطلوب ضمها أو شرائها ..).

 وذكروا أيضاً (أن وزارة التنمية أخبرتهم بعدم مقدرتها في توفير القيد القديم للمدة المطلوب منهم للتقاعد، وذلك بسبب عدم وجود أو توافر قيد قديم قبل 2010، وان تم إصدار التراخيص والقيود الخاصة بالأسر المنتجة بعد 2010 مع العلم بأننا بحاجة إلى شراء سنوات ومدة من قبل 2010 وتسألوا: كيف لنا إصدار قيد وتراخيص من العدم وغير متوافره قبل سنة 2010؛ وإن الكثير منا قد تدين المبلغ الذي تم دفعه لشراء السنوات، والكثير منا بلا مدخول شهري ثابت؛ ووضعنا الحالي صعب، إذ لا وظيفة ولا تأمين ولا راتب ولا تقاعد ونحن بحاجة ماسة الى قلوبكم الرحيمة لإنهاء جميع معاناة المتضررين من وزارة التنمية وهيئة التأمينات، ولكي يتم استئناف الطلبات قمنا بمراجعة التأمينات اكثر من مرة، وكذلك "مركز خطوة"، ونأمل من المعنيين مساعدتنا في ايجاد حل منصف لنا). كما عاودوا التجمع والاعتصام ثانية يوم الأحد 30 أبريل في نفس مبنى الهيئة وتحدث أحدهم عن أوضاعهم، وقال إنهم يمرون بأوضاع معيشة صعبة، وطالبوا مجدداً بحل لمعاناتهم التي تهدد مستقبلهم ومستقبل عوائلهم.

 معضلة تتحدى النواب

قبلها بيومين وأثناء المداولات البرلمانية ذكرت النائبة حنان فردان: (أن هيئة التأمينات الاجتماعية أساس المشكلة فيما يخص أزمة مشتركات برنامج خطوة اللواتي تقدمن بطلبات التقاعد المبكر قبل انقضاء فترة العمل بقانون التقاعد القديم وقدمن كل ما هو مطلوب لأجل ذلك بحسب اشتراطات الهيئة وبما يتفق مع القانون، إلا أن الهيئة لم تلتزم بالقانون وتعسفت في استخدام سلطاتها عبر مخالفة سياستها مع حالات التقاعد السابقة ومطالبة المشتركات العازمات على التقاعد بشروط تعجيزية لم تكن مطلوبة في السابق فقط من أجل تعطيل تقاعدهن وفرض مواصلة اشتراكهن كمؤمنات ضمن القانون الجديد الذي سوف يتطلب منهن العمل لعشر سنوات إضافية).

 أضافت النائبة (بأن الهيئة تتعسف في استخدام سلطاتها مع هذه الشريحة الضعيفة من المجتمع من أصحاب المداخيل المتدنية فقط لأنها شريحة لا ناصر لها، وتنكرت لكل الأصوات العاقلة المنادية بإنصاف مشتركات برنامج خطوة من النواب وغيرهم من نخب المجتمع، وأن الحكومة مسؤولة عن اتاحة حق التظلم لجميع من تم تعطيل خطواتهم قبل سريان القانون الجديد، خصوصا وأن الشريحة التي اختارت الهيئة أن تضيق عليها خيارات التقاعد هي الشريحة الأضعف في المجتمع، والذين يشكل المساس بحقوقهم التقاعدية تعدياً على أمنهم المعيشي واستقرارهم الاجتماعي، وهو الأمر الذي لم تراع الهيئة عواقبه، خصوصاً أن عدداً واسعاً من هؤلاء استقالوا من وظائفهم في سبيل استيفاء الاشتراطات المطلوبة، ما يجعلهم في موقف في غاية الخطورة بعد تعنت الهيئة في تيسير إجراءات تقاعدهم. وأكملت: لا يمكننا أن نصمت عما يتعرض إليه هؤلاء المواطنات من ظلم يتناقض مع أصل وظيفة التأمين الاجتماعي التكافلية والمعنية بحماية الأسر البحرينية وصون كرامتها).

                                              

 الخلاصة

إلى هنا تبقى معاناة المتضررين معلقة بانتظار أن تتحمل الجهات المعنية مسؤوليتها بالإيفاء بالتعهدات؛ ليس بتوفير حق التظلم وحسب لهذه الشريحة، وإنما بالاستماع إليهم بجدية وعدم تجاهلهم والاستجابة إلى مطالبهم وحفظ حقوقهم التقاعدية وأمنهم الاجتماعي والأهم كرامتهم، وأن لا يغيب عن البال أن هذا الوضع مخجل لا يتناسب وخطاب الترويج للمنجزات الريادية والنجاحات؛ وإنما هو تعبير فاقع عن أزمة في كيفية اتخاذ القرارات غير المدروسة، وإن ما يحدث وصمة سوداء لما تحقق من جوائز وتميز "لمشروع خطوة" وما يتم احتسابه ضمن المتحقق في سياق أهداف التنمية المستدامة والتجارب الناجحة في مجال تمكين المرأة ومساواتها وتأمين استقرار الأسرة البحرينية وأمنها الاجتماعي، كما إنه يشكل تحدياً لقدرة البرلمان على إيجاد مخارج منصفة وعادلة للمتضررين ولمن يعملون في القطاع غير المنظم بعيداً عن الخطابات والوعود الفقاعية والإنشائية.

المنامة - 1 مايو 2023