منى عباس فضل
دعت جمعية نهضة فتاة البحرين مؤخراً إلى لقاءٍ عُقد بين متضرري قرار "هيئة التأمينات الاجتماعية" من منتسبي "برنامج خطوة للمشاريع المنزلية" وبين مجموعة من نواب ونائبات من مجلس النواب في مقرها بالعاصمة المنامة؛ وذلك على خلفية السجالات الدائرة في الساحة المحلية بشأن قضيتهم، وكبادرة منها لكونها تنفذ دراسة بحثية تتعلق بمد الحماية التأمينية للقطاع غير المنظم الذي تنتمي إليه هذه الشريحة وحاجتها إلى استجاباتهم لإنجاز المسح الميداني للدراسة؛ خصوصاً ووزارة التنمية الاجتماعية صاحبة "برنامج خطوة" لم تتعاون معهم للتواصل مع المنتسبين للمشاركة في الاستبيان.
ولأن المتضررين من البرنامج احتشدوا مرات عديدة مؤخراً ولازالوا أمام مبنى التأمينات الاجتماعية قائلين للمسؤولين: "ننشد حلاً ينصفنا، فالكثير منا بلا رواتب، وأصبحنا بلا مصدر رزق، ونحن نتعشم خيراً في إنهاء معاناتنا"، وكذلك أثناء انعقاد إحدى جلسات مجلس النواب؛ وناشدوهم من أمام مبناهم لتحمل مسؤوليتهم ومستوجبتاهم لإيجاد حل لمعضلتهم المستعصية التي لا تزال أبواب الحلول مسدودة أمامها.
في ذلك اللقاء العاصف، حرص ثمانٍ من النواب والنائبات على الحضور فيما سُجل غياباً ملحوظاً كالعادة لأي ممثل رسمي عن الجهات المعنية حيث صار هذا التوجه أمراً معتاداً، فيما تكفلت الجمعية بإدارة المناقشات والاستماع إلى المتضررين في ظل حضور كثيف ولافت منهم ومن ناشطي مؤسسات المجتمع المدني وعلى رأسهم الاتحاد النسائي البحريني والاتحاد العام لنقابات عمال البحرين.
سعت الجمعية في الأساس إلى التعرف على مستجدات أوضاع هذه الشريحة والصعوبات التي تمر بها وما تعاني منه بسبب قرارات تتعلق بتسجيلهم وقبولهم في "برنامج خطوة" وبالتعقيدات التي أدت إلى توقف "الهيئة" عن استكمال إنهاء إجراءاتهم للتقاعد الاجتماعي؛ حيث تبين أن مشكلتهم لاتزال قيد الدراسة فيما يعم الموقف الالتباس والسجال بشأن الشروط التي تؤهلهم في الحصول على استحقاقهم للتأمين التقاعدي كما كانوا يتوقعون؛ فهم لا يعلمون إلى ما ستؤول إليهم أوضاعهم المستقبلية على الرغم من استكمالهم كافة الشروط المطلوبة.
في السياق استمع الحضور إلى شهادات حية كشفت عن حجم المعاناة التي تتمثل بتدني المداخيل وسوء الظروف التي يعملون فيها وعدم استقرارها ورغبتهم الشديدة بتحسين أوضاعهم المعيشية وبتأمين حصولهم على معاش تقاعدي يوفر لهم الكرامة والأمان الاجتماعي، اشتكى أغلبهم من بيروقراطية إجراءات الانتساب إلى "مشروع خطوة" التي تمكنهم من شراء المدد المتبقية عليهم للحصول على معاش تقاعدي. وبعيداً عن التعاطي التقليدي في تحليل هذه المعضلة وما آلت إليه أوضاعهم من سوء وتعقيد؛ لابد من التركيز والسؤال عن أصل المشكلة ومنبع القضية في شبكة تفاعلاتها.
لا عدالة اجتماعية
في خضم الحدث وتداعياته، يقف المتابع مشدوهاً مستفزاً أمام
وضع شائك يمس حياة المواطن وكرامته وأمنه واستقراره المعيشي، في اللقاء هناك شكوى
بمرارة من بطالة المواطنين حيث لا تزال وزارة العمل تصر على إن نسبتها لا تتجاوز
الـ"7%" وبأنها مقبولة عالمياً؛ وهي تسهب الشرح عن إنجازاتها للقضاء
عليها فيما يكشف الواقع بأنها باتت قنبلة موقوتة وحالة مريضة في ظل أفضليات فرص العمل
التي يتمتع بها الأجانب على حساب المواطنين. أما شكاوى الإحالة إلى التقاعد المبكر
خوفاً من مصير مجهول يمس قوانين صندوق التقاعد فحدث ولا حرج فقد باتت غير مأمونة
ويصعب التكهن بها، لم لا وقد قُضم الحق المكتسب للمتقاعدين في زيادتهم السنوية
الـ(3%)، اليوم تأتي المشكلة الأعمق لقضية منتسبي "برنامج خطوة" لتزيد
الطين بلة.
أحد المتضررين يشتكي الحال: "الموضوع بسيط جداً، هناك خطأ من الحكومة، وهي التي وضعت يدها في جيبنا، هناك من أخطأ من "منتسبي خطوة"، لكن هذا لا يجب تعميمه على الجميع. وضعنا حالة ميؤس منها، أمورنا الحياتية تعبانة منذ أكثر من ثلاثة شهور، لم نعش رمضان ولا العيد، أين نذهب لنطالب بحقوقنا، المسؤولين والحكومة والنواب إطالعون ويعلمون بحالنا، وضعنا تعبان، الناس تعاني، لدينا أدلتنا.."؛ قال آخر: "الناس كلها تعاني، يمكنكم معرفة ذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، نصف الشعب عاطل والنصف الآخر يسعى إلى التقاعد، منذ كم سنة؛ ندور عن عمل ومن كل مكان ندور وظيفة، يقال لك: أنت مو مناسب، ابحث عن وظيفة أخرى، دخلنا البحر، قيل لنا؛ أنت مب بحار، دخلنا تجارة، قيل لنا روحوا الزراعة، نريد وظائف محترمة للبحرينيين، وكل شركة ندخلها، الأجانب هم من يتولون أمرها..".
ومن بين الشكاوى تجد أن منهم من باع سياراته أو لجأ إلى الاقتراض لشراء سنوات الخدمة، ومنهم من قدم استقالته من عمله تجشماً في الحصول على راتب تقاعدي أفضل مما يتقاضاه بعد الانتساب إلى "مشروع خطوة"، ومنهم من اشتكى الحال: "لا يمكننا شراء بيت ولا الحصول على قرض لشراء سيارة وليس لدينا إجازات عمل ولا راحة فنحن نعمل منذ الصباح وحتى المساء.."، نعم هذا حال كل من يعمل في "القطاع غير المنظم" الذي لا يحكمه قانون محدد ومستثنى من أي مظلة للحماية الاجتماعية؛ نعم هذه هي القضية المركزية.
ممثلي الشعب ولكن؟!
على الرغم من اعتراف الجميع بأحقية هذه الفئة المهمشة من
ذوي المداخيل المتدنية ومظلوميتها؛ إلا إن مشكلتها لا تزال دون حل وعلى ما هي
عليه، وهي تمثل تحدياً كبيراً ومحرجاً للحكومة ولمجلس النواب ومصداقيته خصوصاً مع
ما يبث عبر أعضائه من وعود بالعمل على إيجاد حل ناجع لمشكلتهم ومعاناتهم، والأهم
بمدى قدرتهم على استخدام الأدوات الدستورية من سؤال إلى لجنة التحقيق إلى
الاستجواب. فهل فعلاً يستطيع النواب فعل ذلك؟!
في حقيقة الأمر؛ حوارات المتضررين مع النواب في هذا اللقاء كشفت أمور مهمة؛ كضعف وهزالة الآليات المؤسساتية ونوعية إدارتها وبما تتسم به من مركزية مفرطة مبالغ فيها في اتخاذ القرار الذي لم يتمكن أصحابه حتى اللحظة من حل المشكلة وإنهاء المعاناة، إلى جانب حالة التفخيم التي تقدم بها المبادرات والمشاريع كما هو الحال في "مشروع خطوة"، وكذلك عن الترفع والتعالي؛ حيث يغيب المسؤولين المعنيين بهذه القضية عن المشهد العام وعن تواصلهم مع المتضررين والاستماع إلى شكواهم، الأهم ما سوف تكشفه قادم الأيام في تعاطي البرلمان والجهات المعنية مع هذه القضية الحقوقية الإنسانية الحساسة.
تلاعب في الإفادة
من جهتها استنكرت النائبة زينب عبدالأمير تصريحات
التأمينات بأن هناك تلاعب من بعض العائلات؛ وتكذيب لعدد من المنتسبين، وقالت:
"إذا كان هناك بعض من تلاعب؛ فلا يجوز اتهام أكثر من (300) أسرة بالتلاعب،
المفترض محاسبة من قام بختم الورقة التي حدث عليها التلاعب، لماذا لا تحاسب وزارة
التنمية ووزيرها؟ لماذا لا يحاسب على منحه أسر معينة أوراق فيها تلاعب إن صح
التعبير، وهذه الحالات إن وجدت فهي قليلة. إن شهادة القيد التي يطلبونها
"تظلمكم" ولأنها تجدد سنوياً، ويجب اعتماد تاريخ الإفادة.. يجب أن نشير
إلى الفساد في وزارة التنمية، وإذا فيه أي جهة يجب أن تحاسب فهي وزارة التنمية
لأنها هي من وقعت على الإفادة التي تم التلاعب فيها وأعطيت لبعض الأسر التي خربت
عليكم".
وتضيف في سياق المناقشات: "لن نعمل بيان صحفي، لن نطلع خبر نستنكر فيه أو نغرد..؛ نحن لدينا أدوات دستورية منها لجان التحقيق، نعالج الموضوع من خلالها، وإذا فيه جهة حكومية تتهم جهة حكومية بالتلاعب فأن هذا يستدعي تحقيق عاجل، ثم استجواب للجهة المعنية إذا ثبت وجود تلاعب في مصائر الأسر والشعب فهذا مرفوض ولازم يتحاسب الشخص الذي منح وتلاعب في الإفادات وحرم (300) أسرة من تقاعدها وراح نعمل لجنة تحقيق ندرس فيها كل طلب مع التأمينات والتنمية ونقدم الشخص المعني بالتلاعب إلى العدالة، إلى لجنة التحقيق وإلى ديوان الرقابة المالية والإدارية لوضع اليد على الموضوع، صوتكم وصل إلى رئيس الوزراء أحب أطمئنكم، وحراككم أثمر بنتيجة، والدليل هو أن التأمينات أصدرت تصريح فيه تمويه ومراوغة ومماطلة، لكنها ذكرت بأنها بانتظار المستندات.. وكل ما أنتم فيه سببه أداة دستورية ضربتكم وهي مشروع التقاعد الجديد والحل هو في "لجنة تحقيق عاجلة".
كما أشارت النائبة إيمان شويطر إلى إنها قابلت مسؤولة التأمينات الاجتماعية بناءً على طلب المتضررين، وعرفت منها أسباب المشكلة؛ بأن الإفادة جاءت بالخطأ من التنمية، وإن الهيئة أكدوا لها بأنهم يعتمدون رقم القيد وإن الإفادة ليس لها معنى ولا تبين رقم القيد، وإن الإفادة تعني مشاركتكم في المشروع الإنتاجي فقط. وأضافت بأن مسؤولة الهيئة تواصلت مع المسؤولة في وزارة التنمية وأفادتها بعدم إصدار (إعطاء) أي إفادة ووضحت لها الخلل مؤكدة إلى شويطر بأنهم يدرسون ملف (370) حالة كل على حد، أما النائبة باسمة المبارك قالت: "الخطأ من جهة وزارة التنمية، ومن طرف معين، ويجب محاسبته وهذا حق دستوري، وعدد المتضررين ليس كبير ولن يهز ميزانية الدولة.. إلخ".
بدورها ذكرت النائبة جليلة علوي: "كلمت إيمان
المرباطي التي ذكرت لي: إن الخطأ كله بسبب وزارة التنمية، ولكن لا يمكنني تخطئة
الوزارة.! وتساءلت: هذا الخطأ يطب على رأس من؟ مضيفة أن هناك بعض الحالات التي
تلاعبت "بالرقم الشخصي مقارنة بتاريخ البدء بالمشروع"، ولكن هذا لا يعمم
على الجميع، ويجب فصل هذه الحالات عن الحالات المتضررة..". وأضاف نائب آخر:
"أن سبب المشكلة هو موضوع التقاعد الجديد وهذا خلل كبير، وهو نتيجة للقرارات غير
المدروسة، ولابد للحكومة أن تتحمل مسؤوليتها، لابد أن يكون لدينا إحصاءات واضحة
للأعداد، ونعمل في دائرة واحدة وبشكل منظم، نحتوي الموضوع.. إلخ". فيما شاركت
النائبة حنان الفردان بدلوها قائلة: "حراك مقدر، ونحن كنواب نشكل ضغط، بخبر
صحفي، باستخدام أداة من أدواتنا "بتقديم سؤال إلى الهيئة" وبانتظار
إجابتها، هذا الخطأ اليوم لا يغتفر مهما كانت الجهة، والهيئة تكيل بمكيالين هناك
من يوافق عليهم وهناك من يرفض طلبهم، وهذا لا يجوز".
انتهى اللقاء الى تشكيل لجنة مكونة من منتسبي خطوة وبالتنسيق مع جمعية النهضة تم استلام ملفات المسجلين المتعثرة طلباتهم لدى برنامج خطوة للمشاريع المنزلية، وهي تحتوي على كافة المستندات المطلوبة لدعم الطلبات المتوقفة من الهيئة للحصول على حقهم في الانضمام للتأمين الاجتماعي، أعقبها لقاء آخر رسمي بمقر الجمعية حضره مجموعة من النواب والنائبات وتسلموا ملفات لـ(285) من المتضررين مقرونة بوعودهم المتكررة على دعمهم لهذا المطلب واستمرار تعاونهم ومتابعتهم له.
إدارة الفوضى
إلى هنا يستوجب تحليل المشكلة وتأطيرها من منظور الثغرات
والنواقص التي تعاني منها التشريعات والقوانين الوطنية التي تمييز بين فئات
المواطنين كما تنتقص من حقوقهم في المواطنة من حيث توفر فرص العمل والحماية الاجتماعية
والاستقرار النفسي من خلال ضمان الحقوق والمكتسبات، كما يتطلب تفكيكها للتعرف على مظاهر
الفساد وسوء التخطيط المؤسساتي ومساءلته؛ ومقاربة الإشكالية من حيث اقترانها ببريق
خطاب يمارسه النواب بإطلاق وعود معلقة في الهواء؛ هي في باطنها وعود رسمية والكل
يدرك أن الأمر سينتهي بقرار فوقي، فما يحدث هو جزء لا يتجزأ من استراتيجية إدراة
الفوضى والحالة اللزجة التي نعاني منها بهدف بلورة شعور عام بالرضا من الأداء
البرلماني الهزيل.
إننا أمام خطاب ناعم لافت يدغدغ المشاعر بتودده الشديد لهؤلاء المتضررين المهمشين رغم الضربات التي يتلقونها تباعاً وهم في حالة غضب واستنكار لما آلت إليه أوضاعهم، أمام تنافس على الظهور الإعلامي للنواب وكمن يمسك خيوط اللعبة السياسية ويقودها، يحرصون على التأكيد بأن سبب المشكلة تكمن في قانون التأمين الاجتماعي الجديد وإنهم يقدرون حجم معاناة المتضررين ويدغدغون مشاعرهم بعدم التخلي عنهم وعن قضيتهم مؤكدين لهم بأنهم يتواصلون مع هيئة التأمينات التي وعدتهم بدراسة أوضاعهم كل على حدا. وماذا أيضا؟ تنوه النائبة جليلة: بأن النواب استخدموا كل الأدوات الدستورية، حيث قدمت النائبة حنان الفردان سؤالاً، فيما قدمت مجموعة من النواب وأنا معهم مقترحاً عاجلاً، وهناك لجنة تحقيق راح تصير، فيه استجواب وافيه مناقشة عامة...استخدمت علشانكم...".
إنه الخطاب الموشى بأقوال ووعود رئيس مجلس النواب ومن هم في قمة هرم اتخاذ القرار، حالة تعكس واقع الهوة الواسعة بين هذا الخطاب وبين التدابير والشعارات التي تطلق كجزء من كسب تعاطف الناس وطمأنتهم كي يتعاونوا مع النواب، ولكن وحتى اللحظة تنتهي الوعود إلى غموض إلى لا شيء ولا تجد ترجمتها في حفظ كرامة هذه الفئة بمنحها حقوقها في المواطنة.
يبقى إن موقف "هيئة التأمينات الاجتماعية" يقوض الحقوق الإنسانية "لمنتسبي برنامج خطوة"، كما إن راعي هذا البرنامج وهو "وزارة التنمية الاجتماعية" في وضع المساءلة عن حالة الالتباس التي وضع فيها المنتسبين وما آلت إليه أوضاعهم، فيما تواجه السلطة التشريعية مستوجباتها تجاه ثغرات التشريع الذي لا يوفر مظلة حماية لفئة العاملين في "القطاع غير المنظم" الآخذ في التمدد والاتساع، كما يواجه النواب تحدياً في مصداقية استخدامهم للأدوات الدستورية التي يكررونها على مسامع العامة، خصوصاً وهي ناقصة منتوفة ويشوبها الخلل.
خلاصة الأمر، إن الحقوق هي تعبير قانوني لما يحتاج إليه المواطن كي يعيش حياة إنسانية كاملة وشاملة وبكرامة، وهي مترابطة ومتشابكة غير قابلة للتجزئة، إنها تمثل تحد تنموي لمن يضع الخطط والبرامج ويقود الإصلاح والتطوير، والحقيقة أن أي فجوة وخلل يمس تلك الحقوق يعني بالمحصلة النهائية أن هناك انتهاك لها ولأصحابها ومجالاتها.
المنامة – 11 مايو 2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق