الأحد، 19 مايو 2019

عذوبة الذكريات


منى عباس فضل

على بياض الورق يدنو القلم من الصورة، ثمّة هدوء وسعادة وسحابة كثيفة وصوتٌ يطفو على السطح؛ هي الأيام الخوالي التي لم نأخذ منها سوى أشياء ثمينة وتركنا خلفنا الكثير الكثير الذي احتفظنا به في القلوب وفي صناديق ذكريات موزعة بين أقبية الأصدقاء والصديقات.

شاهدت الصورة الجماعية التي ملؤها ابتسامات مشرقة رغم شيب الرؤوس وتجاعيد الزمن، عادت بي هي الأخرى لصندوق الذاكرة، أربعة وأربعون عاماً بالتمام والكمال، فلكل منكم معي ومع الآخرين حكاية، بعضها يثير الضحك والابتسام ويدخل البهجة والحبور، بعضها ينقر في النفس الأسي والحزن إلى ما وصل إليه الحال؛ في كل الأحوال ..الزمن معكم وبكم دائماً بخير.

جمعتنا في رحلة الزمن الجميل، أروقة كليات الجامعة وقاعاتها ومسارحها وكفتيرياتها ومكتباتها وصباحات التنقل بباصاتها بين الكليات، جمعتنا حلقات المرح والاستغراق في السجالات الجادة على الحشائش الخضراء في الكليات، اجتمعنا على حروف الكتب التي منحتنا التماسك وأنقدتنا من مآزق كثيرة، جمعتنا مشاوير سينما السالمية والحمراء ومسرح كيفان وحولِّي وعصير الكوكتيل بالألوان الثلاثة، ووجبة "صحن البرياني" وغرشة البيبسي من مطعم الفاخر في أقصى شارع فهد السالم بمدينة الكويت وبَقَّالة يحي بالخالدية، جمعتنا أمسيات العودة من سينما السالمية ووجبة فاخرة من "همبرجر ويمبي وتوتي فروتي" وشهامة لم تكن تقبل بعودتنا للسكن الداخلي في المساء دون مرافق وحراسة "ذكورية" في أجواء ينتشر فيها التحرش بالنساء في باصات النقل العام.

ثمَّة أسرارٌ وخبايا جميلة تشعّ من عيونكم وهي بين صفحات الرحلات والأيام الرياضية التي كنا نمارس فيها مغامراتنا وأنشطتنا الشبابية بكل اعتزاز، بهمَّة ومتعة وجدِّية ومرح وانشراح يشعرنا بالقوة والجرأة والجاذبية، هي طقس لا يُنسى، وكيف يُنسى وهي رحلة البحث عن الذات التي أَضْفَت على حياتنا معنًى ومنحتنا الحرية، والانطلاقة والثقة وزهوة الشباب وعنفوان المشاعر في ظل حراك جميل لم يكن يعرف السكون رغم قسوة الظروف في بعض الأحيان ورغم الفشل في أحيان أخرى، بَيد إن المشهد العام يبقى جميلاً ورائعاً لأنه كان ولايزال حبلَ الوريد النابض الذي جمعنا؛ في الصورة جمعُ "ذكوري" بامتياز وهو حلالُ عليكم كما يقولون.

تتماثل الحكايات الصغيرة والكبيرة التي تستحضرها، تتنوع وتختلف اختلافاً شديداً وأنت تنهمك في التحديق بنظرة ثاقبة في الوجوه أكثر فأكثر من أي وقت مضى، تتساءل بينك وبين نفسك:

- هل هم أنفسهم الذين التقيناهم يوما ما وعلى مدى سنوات؟ هل هم أنفسهم من شيَّدنا معهم هياكل تجربة مرَّت بارتعاشات كثيرة لكنها أَبْقَت على ما أبقت عليه لتحقق لقاءات هي الأكثر إنسانية وشفافية تدفع بالأصوات التي بداخلنا لتنطلق من جديد، لكنها هذه المرة في حال انسجام ليس من أجل الاستدارة للوراء والعودة للماضي الجميل، إنما لتشكل لحظتها الزمنية الجميلة هي الأخرى وكأنها تبدأ للتو من لا شئ ومن كل شئ.  

يقول مولانا جلال الدين الرومي:

-   إن الليل يحتوى النهار، وإنّه في وسعنا أن نبدأ حياتنا مجدّدًا، في أيّ وقت وأيّ مكان.



المنامة – 19 مايو 2019
منى عباس فضل