الأحد، 17 ديسمبر 2023

تجريد المدنيين من ملابسهم.. همجية إسرائيلية


منى عباس فضل

نشر في الشروق: السبت 16 ديسمبر 2023 - 7:50 م | آخر تحديث: السبت 16 ديسمبر 2023 - 7:50 م

 

إنها الجريمة الأكثر وقعا وبربرية، الأشد عنفا وحساسية وخطورة من الوجهة الأخلاقية والقانونية في تأثيراتها وتداعياتها وبما تلحقه من أضرار مفرطة وجسيمة بضحايا الاحتلال الصهيوني بدنيا ونفسيا وللمحيط الذي ينتمون إليه.

في السياق نتحدث عن لقطات وصور مشينة نشرها الاحتلال في غزة، يظهر فيها عدد كبير من الفلسطينيين الذين اعتقلهم جيش العدو في مناطق متفرقة تحت تهديد السلاح، واقتادهم إلى مراكز اعتقال في ظروف غامضة مخالفة للقانون الدولي وهم عراة في طقس بارد بعد تفتيشهم وإذلالهم بحجة التحقق من نشاطهم وانتمائهم إلى «المقاومة حماس».

ثمة صور ومقاطع مصورة أخرى يظهر فيها المحتجزون مجردين من أغلب ملابسهم جالسين في الشارع بملابسهم الداخلية ويحاولون تغطية صدورهم بأيديهم من البرد وحولهم جنود إسرائيليون، بينما تكدس آخرون في الشاحنات مكبلين ومعصوبي الأعين قبل اقتيادهم إلى جهة مجهولة ومن بينهم سيدة جردت من حجابها، وصور أخرى لأسرى عراة على الأرض مكبلة أياديهم ومحاصرين من الجنود أمام حفرة كبيرة في أحد المقالع. ترى ما الرسائل التي استدعت إسرائيل إلى توظيف تعبيرات هذه المشاهد وبهذا الأسلوب؟

• • •

في هذا الصدد، كتب نائب رئيس البلدية الإسرائيلية في القدس «أرييه كينغ» تغريدة على منصة إكس «يجب على إسرائيل أن تغطى هؤلاء النازيين بالأرض التي تحيط بهم، الآن يجب تغطيتهم (دفنهم أحياء) حتى لا يواجههم أي إنسان إلى الأبد» مضيفا «لو أتيح لي اتخاذ القرار، لجلبت أربع جرافات ضخمة (D9)، وأمرت بتغطية كل هذه المئات من النمل، وهم لا يزالون على قيد الحياة، إنهم ليسوا بشرا وليسوا حيوانات بشرية، إنهم دون البشر، وهذه هي الطريقة التي يجب معاملتهم بها»؛ أما «دانيال هارغاري» المتحدث باسم جيش العدو علق «بأن العديد من مسلحي حماس استسلموا للجنود الإسرائيليين في غزة، وأن جيشهم استجوب مئات المشتبه بهم فى أنشطة إرهابية، واستسلم الكثير منهم في اليوم الأخير».

على النقيض ذكر موقع «المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان» بأنه تلقى إفادات «بأن إسرائيل اعتقلت عشرات المدنيين الفلسطينيين بعد التنكيل الشديد بهم وتعريتهم كليا من ملابسهم على إثر حصارهم منذ أيام في مركزين للإيواء تابعين لوكالة الغوث (أونروا) من بينهم أطباء وأكاديميون وصحفيون ومسنون».

إن ارتكاب فعل تعرية المعتقلين الفلسطينيين ليس صدفة ولا وليد لحظة الثأر والانتقام؛ هو جزء من حرب وجودية واستعراضية معززة باستخدام تقنية الصور وحبك مؤامرات الحرب الإجرامية وتنفيذها والتي بالمناسبة يتعرف العالم من خلالها على واقع الكيان المحتل المفرط في انتهاكه للأخلاق وللقانون الدولي والإنساني. هي مشاهد خليط ومتداخلة تكتسب معانيها ودلالتها عبر ارتكازها على مرجعية سلوك منحرف لهذا الكيان، إذ ليس بوسعه كسب نتائج معركة لم يحقق فيها حتى الآن إلا فشل الوصول إلى المقاومة الفلسطينية والإجهاز عليها، والمزيد من التدمير وارتكاب المجازر بقتل المدنيات والمدنيين الأبرياء وإذلالهم بهذه الصور التي في حقيقتها مضللة ومخادعة متسقة مع خطط العدو وعقيدته العنصرية التي نمت عليها دولة الاحتلال بشكل منظم وممنهج؛ فما قام به جيشهم جريمة أخلاقية وامتهان صارخ لكرامة الإنسانية ومخالفة صريحة لاتفاقية جنيف لعام 1949 والقانون الدولي ولمنظومة حقوق الإنسان.

صناعة الجريمة المنظمة التي ينفذها الاحتلال، لا تزال تواصل اتساعها وانتشارها حيث يمارس فيها إعلام العدو سلوكا منحرفا مخالفا للمعايير الإنسانية والأعراف الدولية؛ ومفهوم الانحراف في حقيقة ممارسات الاحتلال أوسع وأكثر شمولا من مفهوم الجريمة ذاتها التي وصل أقصى مداها في الإبادة الجماعية والتطهير العرقي بقتل الأطفال والنساء، وما نشاهده من إذلال وتحقير للمدنيين ما هو إلا محصلة لغياب النظام القيمي والقانوني في مجتمع الكيان الصهيوني العنصري، يضاف إليه «الفشل الأخلاقي» لمجلس الأمن في استخدام «الفيتو» ضد وقف إطلاق النار في غزة.

• • •

تسعى إسرائيل في استمرار بث مشاهد وصور إذلال المعتقلين؛ إلى تضليل الوعى وتزييفه وهى تعمل ببعدين؛ أولهما؛ بث رسائل تدعى فيها انتصارا وبأن هناك حالة «استسلام للمقاومة» تهدف من ورائها إلى كسر معنويات الإنسان الفلسطيني في مقابل رفع معنويات المجتمع الإسرائيلي الذى اهتزت نظرته وتخلخلت تجاه قيادته السياسية وقواته العسكرية بعد «طوفان الأقصى»، فضلا عن التغلب على الشعور بالفشل خصوصا مع استمرار وجود الأسرى بقبضة «المقاومة»، وعليه فالهدف الأساسي من هذا الاستعراض هو ترميم الحالة المضطربة لجيش العدو وهو ينفذ هجومه البرى والجوي على غزة وأهلها.

أما البعد الثاني فيكمن في تعزيز الآثار النفسية التي لا تقتصر على تأثير عنف الصور التي نشاهدها ويعاد بثها وتكرارها عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي فقط، بل إلى إطار الشعور الجمعي الذى نتلقاه كعرب ومسلمين عبر المشاهد المؤلمة بما يشوبها من شعور بالمهانة والغضب، فهي بحد ذاتها ــ أي صور المحتجزين الفلسطينيين ــ لا تفصح في حقيقتها عن خبر فقط ولا تصف الحدث بموضوعية خصوصا «وأن إسرائيل تمارس التعتيم على أي معلومات بشأن عدد المعتقلين الفلسطينيين وأسمائهم وأماكن اعتقالهم»؛ بقدر ما تحتويه من مضامين ودلالات في نقل موقف عنصري متطرف يتجلى في تصريحات المسئولين الإسرائيليين التي دافع فيها «مارك ريجيف»، مستشار بنيامين نتنياهو، عن تجريد الجيش الإسرائيلي ملابس نازحين في غزة وتصويرهم قائلا: «هنا الشرق الأوسط، والجو حار للغاية»، ورد باستخفاف على مراسل «سكاي نيوز» البريطانية «أولا وقبل كل شيء، تذكر أننا هنا في الشرق الأوسط، والطقس حار جدا، قد لا يكون من الجيد أن يطلب منك خلع قميصك، خاصة في الأيام المشمسة، ولكنها ليست نهاية العالم»، وحين سأله عما إذا كانوا انتهكوا اتفاقية جنيف، رد: «إن الصور ليست مادة رسمية، ومن الضروري النظر في طريقة انتشار الفيديو، ما يعنى أنه لا يمكن تحميل إسرائيل المسئولية في هذا الصدد» وذكر بأنه غير مطلع على القانون الدولي بهذا المستوى.

إلى هنا وبرغم فداحة الاستباحة التي ينشرها الإعلام الإسرائيلي تقصدا ولأسباب معروفة، والإنكار والتشكيك بعدم قانونيتها، فهي ــ أي إسرائيل ــ لا تجرؤ على الدفاع عن جريمتها وتسويغها وتحاول التعبير عنها بأسلوب استخفافي والتفافي تحاشيا للمساءلة القانونية، إذ ليس لديها أي مسوغات أخلاقية سياسية وعسكرية لهذا الفعل المشين، حتى والاحتلال يختصر الإجابة عن أسئلة الصحفيين التي تواجههم بخصوص الأسرى المدنيين، فقط بمسألة الانتماء إلى «حماس» التي ألصقوا بها تهمة «الإرهاب» وابتكروا فكرة تحميلها مسئولية الدمار والمجازر التي ترتكب باستخدام المدنيين كدروع بشرية.

• • •

ختاما، يبقى إن للصور دلالات تعبيرية عميقة، ليس أقلها حالة الفشل العسكري في تحقيق أهداف العملية البرية، خصوصا والعالم يضغط باتجاه إيقاف الحرب والمساءلة القانونية بتهمة ارتكاب جرائم الحرب والإبادة الجماعية، فضلا عن محاولة التنصل من المسئولية القانونية والأخلاقية من الحرب ومن مشاهد تجريد المعتقلين من ملابسهم، وهم الذين طالما كرروا بأن جيشهم من أكثر جيوش العالم احترافية والتزاما بالقانون الدولي فيما لايزال يرتكب المجازر التي راح ضحيتها منذ 7 أكتوبر أكثر من «18 ألفا و700 شهيد» و«48 ألفا و780 جريحا» ناهينا عن الدمار الهائل للقطاع. يحاولون إقناع العالم بأنها صور عادية وتقنية لا علاقة لها «بجريمة الحرب»، القصد منها «التفتيش عن الإرهاب» وإن القانون الدولي يسمح بتنفيذها كأهداف عسكرية، والتخفيف من وقع آثارها وتداعياتها النفسية. إنها رسالة مضللة لواقع إبادة جماعية وحرب تشن من دولة كيان عنصري على الشعب الفلسطيني بحجة القضاء على «حماس» وبالتتالي كل شيء فيها مستباح!

 منى عباس فضل كاتبة وباحثة من البحرين

https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=16122023&id=ca6e7932-028d-43a5-ab80-d10c8855e859 

من قلب المحرقة خطايا لا تنسى


منى عباس فضل

نشر في الشروق: الثلاثاء 28 نوفمبر 2023 - 6:35 م | آخر تحديث: الثلاثاء 28 نوفمبر 2023 - 6:35 م

من قلب المحرقة التي تطل من منحدر عميق تنبض حكايات الفلسطينيات وأطفالهن التي خلفتها مجازر الذبح وشلالات الدم على الجدران، في المخيمات وعند المعابر والحدود وفى الشوارع العارية، كلها مساحات مفتوحة تحتضن السردية الفلسطينية مع المعاناة والصبر والثبات.

من تحت الحصار وكوابيس الاحتلال الممتد على شريط ثمانية وسبعين عاما تتجلى صور التضحيات وذكريات العذابات، تدور القصص في طبقات متشابكة، هناك الأموات والجرحى والمعاقون والأسيرات؛ هناك الفقد المفتوح أبوابه بلا انقطاع، هناك المخيمات والمنافي والجوع والبرد؛ كلها حاضرة في الأنين والجراحات المؤلمة التي صنعت وعيا مقاوما أشد تأثيرا وأقوى حضورا، إنه الوجه الآخر للمأساة التي تكابدها المرأة الفلسطينية مع الاحتلال وفى حرب لا تستثنيها من القتل بالقنابل والتفجير والتهجير والاضطهاد، في واقع تغيب فيه صور القبيلة والطبقة الاجتماعية وأنماط العيش وأشياء كثيرة، حيث يبقى الانحياز قائما على المعادلة الوجودية وما يحدث في الأرض المحتلة والإصرار على تحريرها.

• • •

تقول هيام التي تعرض منزلها لغارة جوية على حي تل الهوى، «نشكر الله على كل يوم نستيقظ فيه أحياء. نحن أكفان مؤجلة، نرتدي ملابسنا ونحن مستعدون للقاء الموت في كل لحظة ننتظر دورنا، نحن نعيش في اللا وجود، في الملجأ المؤقت، وعلينا مساعدة بعضنا البعض، بناتي الثلاث يقدمن المساعدة لثلاث مسنات في المنزل، إحداهن مصابة بمرض السكرى، والأخرى بارتفاع ضغط الدم، والأخيرة تعاني من مرض السرطان، ومع ذلك فنحن نحمل العبء النفسي لمواصلة العيش وسط هذه الأزمة والوضع غير المحتمل الذي يزداد فيه الألم بعد فقدان الأقارب والأصدقاء».

وتزفر إحدى الأمهات بعيون دامعة «كنت أتمنى من كل قلبي أن أشوف ابني دكتور، الآن تسأليني شوو بتتمني؟ أتمنى من كل قلبي إن متنا واستشهدنا أن لا أشوف ابني مقطعا أشلاء»، أما عم «روان» ذات العشر سنوات فيحملها على كتفيه وهي تودع أمها وأباها وأخاها حمزة الذين استشهدوا بعد قصف الاحتلال لمنزلهم شمال غزة.. تذرف دمعا حارقا أعظم من طفولتها البريئة: الله يرحمك يا يمه، الله يرحمك أخي حمزة». هذا حال الصغيرات والأمهات الفلسطينيات اللواتي وقبل النوم يكتبن أسماء أولادهن وأرقام هوياتهن على أياديهن وأرجلهن، حتى وإن تمزقوا وتناثرت أشلاء أجسادهن تعرفوا عليهم». أي جنون يسكن عالمنا؟ أي خطايا لا تنسى ولا تغتفر؟

لقد فرض الحصار الإسرائيلي الأمريكي الغربي على الحياة الفلسطينية عامة وعلى النساء خاصة وضعا لا إنسانيا ولا أخلاقيا مفزعا، والفلسطينيات يتحملن عبئا ثقيلا منه لحماية أسرهن، وبما يحيط بهن من كوابيس وشعور بالخوف والألم وعذابات مستمرة من حالات الفقد الذى يهمين على حياتهن حيث تحاصرهن فكرة البقاء على قيد الحياة مع الخسائر الموجعة، فإما أن تغادر أو يتعرض منزلك إلى الغارات الجوية الإسرائيلية وقذائفها فتدفن تحت أنقاض منزلك وتغادر الحياة ويتحول كل شيء إلى ركام، لا يمكنك التنقل، ولا الجلوس وكل الاحتياجات الأساسية لا يمكن الحصول عليها وإن وجدت فهي بتقتير شديد، لا حياة خاصة مترفة لهن في ملاجئ غزة التي تعانى من الاكتظاظ والنقص الشديد للغذاء والكهرباء والماء، والغارات الجوية الإسرائيلية مستمرة تدمر الإحياء والمخيمات بأكملها وعلى رؤوس أهلها.

الحديث عن واقع المرأة الفلسطينية ومعاناتها مع العنف وجرائم الاحتلال وما يمارسه من قتل وتهجير ليس ترفا فكريا، ليس حملة سنوية حقوقية عمرها ستة عشر يوما والسلام، وليس شعارات تقودها هيئة الأمم المتحدة للمرأة، التي تقر «بأن الوضع الإنساني في غزة التي تخضع للحصار؛ مأسويا قبل مجازر غزة وإنه تفاقم الآن بشدة، وفرض ضغوطا على النساء والفتيات خصوصا مع المطالبات الإسرائيلية بترحيل (تهجير) نحو 1.1 مليون فلسطيني، وهى التي تشدد على ضرورة احترام القانون الدولي والإنساني، وقانون حقوق الإنسان والالتزام بهما»، هل يؤثر فيكم اليوم خطاب هذه الهيئة وغيرها؟

• • •

فى حقيقة الأمر نستقبل احتفالات العالم بحملة مناهضة العنف ضد المرأة هذا العام في وضع إشكالي واستفزازي بما يحمله هذا الشعار من ثقل تراكم في وعينا الجمعي عبر أعوام؛ ثمة معضلة تواجهها النخب المدافعة عن حقوق الطفولة والنساء، لاسيما بعد سقوط الأقنعة وانكشاف البشاعة والخزي في ازدواجية المعايير بالانحياز إلى إسرائيل وهي تقصف المستشفيات وتقتل الفلسطينيين المدنيين والأطفال الرضع في حاضناتهم من منظور عرقي وديني.

نعم لقد حان وقت المراجعة للقانون الدولي للمنظومة الفكرية والأممية التي تتصدر أجندات الهيئات الأممية وبما تحمله مضامينها من مفاهيم الحق والعدالة، مراجعة تضع المسافة بيننا وبينها وهى التي انزلقت مع الهراء والكذب الإسرائيلي الفاشي، لنتأمل؛ فهي ــ أي الهيئات ــ تقف مع الاعتداءات الهمجية الصهيونية على الفلسطينيين وضد «وقف الحرب والقصف» من منطلق «الدفاع عن النفس» كما تعتبر دعوات إيقاف الفصل العنصري ومقاومة الاحتلال معاداة لليهودية، لنتذكر أن أغلبية شهداء مجازر الإبادة الجماعية في غزة هم من النساء والأطفال؛ وهناك مئات الأسيرات من النساء والأسرى من الأطفال منذ ما قبل 7 أكتوبر؛ فعن أي عنف وانتهاك حقوق وعدالة يتحدثون؟

بعد غزة لا حاجة لنا لنردد لغو شعارات تم هندستها في المنظومة الفكرية والقانونية الإنسانية لعقود وهى التي طالما دافعنا عنها باستماتة؛ وفى حقيقتها لم تكن إنسانية ولا قانونية في تعاطيها مع المدنيين الأبرياء والنساء والأطفال الفلسطينيين، حين أبيدت أرواحهم على مقصلة قصف الطائرات الإسرائيلية وقنابلها، لم يكن للمرأة الفلسطينية وأطفالها وقضيتها من موقع عند مقاربة جريمة الإبادة الجماعية وما أنجز واقعا والتزاما بمفاهيم هذه المنظومة ورعاياها.

بعد غزة نحن لا نملك ترف ملامسة شعارات «مناهضة العنف» التي تطلق في الحملات الترويجية على منصات التواصل الاجتماعي وتتصدرها أنشطة هيئات الأمم المتحدة ومؤسسات المجتمع المدني وهناك وتبعا للمديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة أكثر من «14 ألف مدنى شهيد 67% منهم كانوا نساء وأطفال، وأن امرأتين تستشهدان كل ساعة و7 نساء كل ساعتين في قطاع غزة»، لا خيار لنا؛ لا نملك هذا الترف، غزة وضعتنا على محك الاختبار والاختيار، والمسألة كما يراها المفكر المغربي محمد المعزوز «ليست مسألة احتلال أرض فقط ولا مسألة سياسية، وإنما هي سردية الإنسان الفلسطيني المضطهد منذ 48؛ لقد اهتزت الثوابت الأخلاقية للوجود الإنساني فلم يعد مسعى إبادة الأطفال والنساء إبادة للهوية أو الجنسية فقط، وإنما هو إبادة لماهية موصولة بالجنس البشرى، رتبتها «موقعها» أكثر من العنف باعتبار إن العنف ينتهى دائما إلى لحظة خمود بأثر كابح من كوابح ثابت أخلاقي ملزم».

الخلاصة إن هذه الإشكالية الفكرية لم تناقش بعد وبجدية في أوساط المثقفين والمفكرين والناشطين والناشطات العرب في شتى المجالات الحقوقية، ربما لصدمة مما يحدث أو قصور وعى أو انتهازية أو يقين، بيد إن سردية حقوق الإنسان والقوانين الدولية والمواثيق الإنسانية وباعتراف الأغلبية قد انزلقت وسقطت وفقدت وجاهتها بما شكلته من استفزاز فكرى وثقافي وأخلاقي في تجاوزها لمعاناة الإنسان الفلسطيني مع الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذى يمارسه الاحتلال الإسرائيلي؛ وما تعيشه النساء والأطفال مع فصول هذه الإبادة الذى ينفذ بمراحل منذ الاحتلال الإسرائيلي وحتى اللحظة.

 منى عباس فضل كاتبة وباحثة من البحرين

https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=28112023&id=b734e161-d52c-4e84-90c5-a3d1a2ae790c

  

إبادة وتواطؤ.. فلسطين تقاوم


منى عباس فضل 

نشر في الشروق: السبت 18 نوفمبر 2023 - 6:40 م | آخر تحديث: السبت 18 نوفمبر 2023 - 6:40م

 

جريمة العصر في زمن الاحتلال الإسرائيلي انحلت وتفككت تعبيراتها، شهداؤها مازالوا أحياء صامدين يبعثون من وسط الركام، أسطورة تتوالد على الجدران تتدفق بين الساحات، في زنازين العدو وفى الشتات، في أحلام العائدين إلى الأرض، في زيتونها في قببها وكنائسها، طرقاتها وأحيائها، حيث تتجاور الحياة مع الموت.

مشهد كارثي تكتنفه عبثية تهيمن على اللحظة الإنسانية، حيث يذوب الحدث في شاشات الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي؛ ترسانة السلاح الإسرائيلية والأمريكية أخرجت ما في جعبتها من قنابل وصواريخ بمتفجرات وفسفور أبيض لتخترق الأنفاق وتنزل على المستشفيات والملاجئ والمخابز والمدارس في استهداف غير مسبوق ومتعمد للأحياء، أي جحيم هذا؟! عائلات بأكملها تقتل ومجتمع برمته يخضع للتهجير وللإبادة البربرية، أطفال لم يتسنَ لهم حلم طفولة أو فسحة لعب ودراسة يلقون حتفهم في أتون محرقة إسرائيلية أمريكية غربية.

تتراص الجثث، يحتضن الموتى بعضهم بعضا يرقدون في أحضان الأرض المعمدة بالدم رافضين قرار التهجير الصهيوني والشوارع العربية تصرخ فيهم لإنقاذ شعب صابر، ولتوقف المجازر، ولتصرخ الضمائر ضد العدو الغاشم..»، فهنا الأرض، هنا فلسطين التي تعيش الرعب في مدنها وبلداتها وفى كل مرفأ ومعبر وعمارة وخيمة وملجأ، شوارع وطرقات تجرف وأبنية تنهار على رءوس قاطنيها، عدوانا على المدنيات والمدنيين الأبرياء، أشلاء تتناثر فوق الركام وتحته، لا صور في التجليات تختلف في تاريخ الوجع الفلسطيني، فالمشهد يتساوق وخططهم وسياساتهم واستراتيجياتهم.

بشاعة الموت، رائحة البارود، بقايا الفسفور الأبيض على أجساد الصغار، أشلاء تتناثر في شوارع الموت عند أبواب المشفى داخل سيارات الإسعاف، كل شيء مستباح وبما يفوق الوصف وخارج الإدراك، وأكاذيبهم تتحاشى حقيقة الموقف وسردية الحكاية، تستنزف الوقت وتتضاعف معها الهستيريا التي ما فتئت تتمدد وتتكرر يوميا؛ تارة في ميدان محرقة غزة، وأخرى في أروقة مجلس الأمن ومساجلاته حامية الوطيس حول الإغاثات والمساعدات، والمجلس عاجز عن إيقاف القتل والدمار، إننا أمام مآزق بشرية تعبر عن نفسها بلا استحياء ولا أخلاق.

نشاهدهم هاربين من بيوتهم إلى بيوتهم إلى قبورهم يتوسدون مفاتيح العودة، رافضين التهجير والتوطين، لا وقت لديهم للبكاء لا مكان للنحيب أو الاستنجاد، فمن حولهم خدر، صم بكم تبلدت مشاعرهم عن الصراخات والنداءات، إنه وقت الصلاة على الموتى، وقت النشيد لهم. هلع الصغار ورعشات أجسادهم من البرد والانفجارات، بكاؤهم يفطر القلب وسط الخراب، نعيش الوقت الأكثر فظاعة والأعنف في أبعاده التي نتجرعها سما عبر الشاشات، غصة سيتوارثها الشعب الفلسطيني في سرديته لأجيال، هنا سقطت الأرض واغتيلت الطفولة، وذاكرة المكان يستحيل أن تمسح.

تعاظمت فلسفة التبرير والتحليل والتنظير، يتكلمون ببداهة وغرابة وتجهيل، أو بصمت صاخب مريب يعبر عن فانتازيا الجحيم، فهم سيقدمون المساعدات ويشيدون المستشفيات والمدارس بعد أن تنتهي الحرب، بعد أن تسوى غزة بالتراب فلا يعود فيها من يذهب إلى هذه المدارس والمستشفيات، ورغم ذلك فعند أسوار فلسطين الحبيبة وعلى عتبات أبوابها يصيح المنادى «حيا على الجهاد، حيا على الكفاح.. إنها الكلمة العليا»، فلا حياد فأنت إما مع الفلسطيني أو مع العدو الصهيوني المحتل».

وعندما تحاصر إسرائيل فعل المقاومة وتوصمها بالإرهاب، فهي لا تحاصر الفلسطيني ولا الرأي العام العربي والعالمي الرافض للاحتلال وجرائمه الكبرى، بقدر ما تحاصر الدلالة التي تعطى معنى جوهريا وقيميا لهذه المقاومة، لهذا الصمود والثبات وقوة الإصرار، هي ترتعد من هذه الدلالة، وهي تحاصرها في الخفاء والعلن وتتخذ من نهج الحصار والتجويع والإبادة الجماعية والتطهير العرقي والعنصرية أسلوب بقاء، تطلق عليه «حق الدفاع عن النفس» وهي التي مجرد كيان مصطنع وغاصب محتل.

أما في جوقة التصهين والتطبيع، فقد كثر المرتدون للأقنعة، تمددت هيئتهم كما هيئة ذئاب تنهش في أجساد الأطفال الذين تفترس مجازر إسرائيل بلادهم وأحلامهم ومستقبلهم، يتوارون بالأقنعة متقمصين قبح مواقفهم أو انكفائهم حول ما تريده سيدة الرعب والقتل والتدمير، ينفذون لها المهمات القذرة بدوافع البقاء على الكراسي البالية أبد الآبدين، وعلى أجساد شعوبهم ينخرطون في تنفيذ «الجريمة الكبرى» وفى تخريب الوعى ودس السموم في التفاصيل والجزئيات حتى ليغدو حديثهم حديث سلام وأمان، وفى حقائق الأمور يشاركون في النكبة الجديدة، في حفلات القتل اليومية التي تقام على مذابح «المعمداني، مخيمات جباليا والشاطئ والنصيرات وجنين... فكل أرض فلسطين مستباحة»، وأياديهم مغمسة بالدماء وأشلاء الشهداء الذين يتساقطون بالمئات والآلاف في أيام.

إنه الانتقام الأسود والأكاذيب والاستكانة والتورط في الجريمة، لا تحركهم مشاهد الإبادة وسردية الكارثة النكبة الأكثر مأسوية، حيث التهجير القسري والبيوت التي تحال إلى خرائب لا أسقف ولا جدران لا شوارع ولا طرقات، الأرض ابتلعت أطفالها ونساءها، شبابها وشيبها، ضباب أسود حزين، دموع جفت والمنخرطون في تدجين الوعى بالهمجية ما زالوا يبررون القتل والإبادة ويتآمرون على فلسطين التي تقاوم، يا لها من وصمة عار أخلاقية ستلاحقكم.

المجد للمقاومة، الخلود للشهداء.

منى عباس فضل كاتبة وباحثة من البحرين

https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=18112023&id=4ed1d61d-736b-4b1a-a8d3-be3f20a92549 

الاثنين، 27 نوفمبر 2023

حملة 16 يوم ونساء فلسطين تحت القصف

 

تحرير: منى عباس فضل 

بدأت العديد من المنظمات العربية المعنية بحقوق النساء مراجعة أنشطتها في إطار الأنشطة التي تنفذ في "حملة 16 يوم من النضال لمناهضة العنف ضد النساء. من هذه المنظمات "مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون "CFDL، التي طالبت  بوقف الحرب على غزة وأعلنت عن تضامنها مع نساء فلسطين وأطلقت هاشتاغ الحملة  #نساء_تحت_القصف.

 كما أصدرت بياناً وضحت فيه تأثيرات الحرب على النساء في دول النزاع ومحاور الوثيقة الوطنية الفلسطينية لتفعيل قرار مجلس الأمن بشأن النساء والسلام.

 جاء في مضمون البيان "تأتي الحملة في رد فعل لما يحدث في فلسطين ونتيجة للحرب الدامية التي تحدث هذه الآونة في غزة، وأيضًا الاعتداء على فلسطينيين وفلسطينيات في الضفة الغربية وغيرها من المدن الفلسطينية. مضيفة، لعبت النساء والفتيات الفلسطينيات مع الرجال دوراً كشريك في النضال والبناء، إضافة إلى دورهن في الحفاظ على الهوية والرؤية الوطنية في مقاومة الاحتلال والتحرر والوقوف أمام سياسات المحتل الاستيطانية. وأشارت في البيان إلى إن النساء والفتيات الفلسطينيات يتطلعن لبناء حياة حية مليئة بالتفاؤل نحو مستقبلهن إلا أنهن يحتجن ما يدعم مشاركتهن في السلم الوطني ويمكنهن للنهوض بأدوارهن في إعادة البناء المجتمعي والمشاركة السياسية.

وذكر البيان بأن النساء تعاني والأطفال بشكل أكبر من ويلات الحرب حيث يعتبرهن المعتدى الحلقة الأضعف والأكثر حساسية للضغط في النزاع يعانون من الموت والإصابة، والاعتقال التعسفي، والإبادة الجماعية، النزوح وفقدان الملكية والإخلاء والتهجير القسري، يعانون من الخوف والاضطرابات النفسية والإحساس بفقدان الأمل ويعيشن كنازحات في أوضاع تغيب عنها الحاجات والخدمات الأساسية من الطعام، الشراب، خدمات العلاج مثل إجراء العمليات الجراحية دون مخدر في ظل ظروف إنسانية بالغة القسوة، والشريحة الأكثر تأثراً من السكان بهذه الأوضاع هم النساء والأطفال إذا تتحمل النساء عموماً مسئولية رعاية الأطفال والمسنين علاوة عن المعاناة بسبب الحرب فيستشهدن، ويشهدن أيضا موت أطفالهن وأزواجهن وأقاربهن.

 وتتصاعد الأحداث الجارية بفلسطين بالتزامن مع حلول ذكرى مرور 27 عام على منهاج عمل بكين، ومرور ثلاثة وعشرون عاماً على القرار 1325 هذا القرار يفتح المجال أمام المرأة الفلسطينية للإدلاء برأيها والمشاركة بأفكارها والضغط على صناع القرار لتغيير سياسات العنف الدموية إلى أطر الحوار، كونها تشكل الركيزة الأساسية للمجتمع والتي تتحمل الويلات بشكل مباشر حين وقوعه عليها وبشكل غير مباشر حين يقع على أبنائهن أو أزواجهن. منوهاً إلى إن هذا القرار الذي كان أول وثيقة رسمية وقانونية تصدر عن مجلس الأمن بهذا الخصوص، يطلب فيها من أطراف النزاع احترام حقوق النساء ودعم مشاركتهن في مفاوضات السلام وفي إعادة البناء الاجتماعي واللحمة السياسية في مرحلة ما بعد النزاع، بموجب هذا القرار عام 2012 شُكلت لجنة برئاسة وزارة شؤون المرأة وأطلقت الوثيقة الوطنية لتفعيل قرار مجلس الأمن بشأن المرأة والسلام. وذيلت البيان بالهاشتاغ المعتمد لديها لهذه الحملة هذا العام بالتالي:

#نساء_تحت_القصف

#غزة_تحت_القصف

#16يوم #16day #VAW

#GazaUnderAttack

#Women_UnderAttack

 

 

أما في البحرين، فقد أصدر الاتحاد النسائي البحريني بياناً بهذه المناسبة أدان فيه اقتحام القوات الاسرائيلية مستشفى الشفاء الطبي بغزة المحتلة، واعتبره انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني، خصوصاً "اتفاقية جنيف" بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب لعام 1949، وذكر بإن دولة الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية ومن ساندها من الدول الأوربية يتحملون المسؤولية الكاملة عن سلامة المدنيين والطواقم الطبية العاملة في المستشفى.

وأضاف البيان بإن على المجتمع الدولي وخاصة مجلس الأمن الدولي تحمل مسؤولياتهم الأخلاقية والعمل على الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها المتواصل وحربها واستهدافها للمدنيين وخاصة النساء والأطفال فهذه الحرب المُدمرة وعلى مدى 40 يوماً على غزة، خلّفت 11 ألفاً و500 قتيلاً فلسطينياً، بينهم 4710 أطفال و3160 امرأة، فضلا عن 29 ألفاً و800 مصاب، 70 بالمئة منهم أطفال وفق مصادر رسمية فلسطينية.

 وأكد البيان بإنّ ما قامت به دولة الاحتلال يُمثل جريمة حرب مكتملة الأركان بموجب القانون الدولي الانساني، منها اقتحام مجمع الشفاء الطبي ومواصلة محاصرة مستشفيات مدينة غزة، وقطع الكهرباء والوقود والطعام عنها، واستهداف الطواقم الطبية والنازحين والمرضى والجرحى والأطفال الخُدج في الحاضنات، مع وجود عشرات جثث الشهداء داخل المجمع، فضلا عن استمرار قصف المنازل السكنية والبنية التحتية والمرافق الحيوية، وممارسة العقاب الجماعي وحرب الإبادة التي يتعرض لها المدنيون الفلسطينيون في قطاع غزة.

 في السياق دعا البيان جميع الأطراف الدولية الفاعلة إلى تحمل مسؤولياتها تجاه وقف العدوان الإسرائيلي بشكل فوري وكامل، وضمان فتح الممرات الإنسانية لإيصال المساعدات بشكلٍ آمن ومستدام الى أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وإن على دولنا العربية بما فيها مملكة البحرين إلى مراجعة الاتفاقيات الإبراهيمية مع العدو الإسرائيلي، ووقف التطبيع معه، وغلق السفارات الصهيونية، وقطع كافة العلاقات الاقتصادية معهم، كما حث المجتمع المحلي على الاستمرار في مقاطعة المنتجات والشركات المُساندة للعدوان.

 إلى هذا، كرر الاتحاد النسائي البحريني دعوته لمؤسسات المجتمع المدني بوقف التعامل التام مع السفارات التي دعمت الاحتلال وساهمت بقتل المدنيين من نساء وأطفال، والعمل بشكل مستمر لدعم القضية الفلسطينية ورفض التهجير القسريّ من أجل منع النكبة الجديدة كما حدث عام 1948، وليكن صوتنا هو صوتهم. وختم البيان بتحية لكل الأصوات المتضامنة، الحرية لفلسطين، أوقفوا العدوان".

جمعيتا نهضة فتاة البحرين وجمعية أوال النسائية بدورهما نشرتا على حسابهما في الانستغرام بوست بشعار الجمعيتين مذيل بعنوان "اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة" وبهاشتاغ #لا_عذر وطالبتا بوقف العنف الابادي على المرأة الفلسطينية.

 




الأربعاء، 1 نوفمبر 2023

غَـزَّة عِـزَّتنا ومدرستنا

 


منى عباس فضل

حيث لا ماء ولا غذاء ولا كهرباء، لا اتصالات لا وقود لا إغاثة طبية، مخازنهم مليئة ولا توزع الطعام، تجويع الفلسطيني وكسره هو مبتغى حرب الحصار والقمع والتجويع والإبادة التي تشنها إسرائيل، أي أزمة أخلاقية حضارية تعيشها الإنسانية اليوم؟

في ليلة وحشية ظلماء للحملة الإسرائيلية المسعورة، حُجب الإنترنت وأقيمت حفلة الدم والقتل بشراسة، صرخاتٌ وأشلاء أطفال وجثث تتراكم بعضها فوق بعض، دمار وخراب؛ أكثر من "8200" شهيد أغلبهم أطفال ونساء، مسنين وشباب.

غزَّة عِزَّتنا ومدرستنا التي تدك أبنيتها ومخازنها ومستشفياتها ومساجدها وكنائسها ومراكز اتصالاتها؛ كلها برمتها بنازحيها بما لها وعليها في مرمى أهداف طائرات العدو الإسرائيلي اليومية؛ تقصف فيهم بهمجية، بلا عقل ولا ضمير، والهدف يتمحور على تسوية غزة بالأرض ودفن سكانها أحياء وقتل كل مظاهر الحياة فيها، طائراتهم وقنابلهم الفوسفورية تدك المنازل فوق رؤوس المدنيين وتحرقهم في مواجهة لا توازن فيها، تحول أحياء غزة وطرقاتها إلى دمار، حرائق ودخان، قتل جماعي، موت وخراب.

غزة مدرستنا التي تمارس فيها آلة الإعلام الصهيو-أمريكية والغربية وبعض منها العربية؛ تُمارس فيها الأكاذيب وتضليل الرأي العام العربي والدولي، لم لا وملحمة "طوفان الأقصى" لازالت حاضرة وصادمة للصهاينة في لحظة تاريخية حطمت وهم الجيش الذي لا يقهر، وزعزعت الأمان فتمدد عليهم الخطر الوجودي، فأما هم ودونهم لا وجود.  

غزة مدرستنا التي أسقطت فيها المقاومة الفلسطينية الباسلة "هيبة كيان متوحش"، مرغته في الوحل وهي مستمرة وتوجع أربابهم وحلفائهم، غزة التي كشفت عن حرب إعلامية تضليلية عالمية تشنها إسرائيل لحجب الحقائق المروعة وتشويه حق المقاومة؛ حرب شعواء خطورتها لا تقل عن خطورة الدور المنافق الذي تمارسه المؤسسات الدولية في ازدواجية تطبيقها لمعايير القانون الدولي والإنساني؛ حيث اختلطت هذه المعايير وتشوهت معها مفاهيم ثورات التحرر من الاحتلال، وصار حق المقاومة لاسترجاع فلسطين المحتلة والعودة إليها في قاموسهم إرهاب، وانقلب الجاني إلى ضحية.  

 

كارثة غزة، فظائع محرقتها تفضح فشل النظام العربي والدولي على وقف حرب "الإبادة الجماعية" المستعرة والتطهير العنصري والعرقي ضد المدنيين الفلسطينيين وأطفالهم، حياة الفلسطيني أقل قيمة من حياة الإسرائيلي، أليس هذا ما يفصح به عن يقين مفكريهم وينظر إليه فلاسفتهم، هكذا يرون أنفسهم في المرآة بتعال عنصري مرضي.

 

مع "طوفان الأقصى" والمناضلين المقاومين الشجعان تزعزعت صورة الوهم، تقوضت وتحطمت أساطير الردع الإسرائيلية التي يُسوغ لها منذ سنين، اهتزت إثرها مشاريع التطبيع المذلة والسلام والديانة الإبراهيمية التي يبشر لها المطبعين ويروج لها الفكر المتصهين الرخيص، غزة مدرستنا وعزتنا التي تلحفت فيها أجساد أطفال فلسطين بالأكفان واصطفت بعضها على بعض تودع حياة الكذب والتآمر والنفاق والقسوة والذل، لكن عيونهم ظلت شاخصة في عيوننا بابتسامة لا تفارق الحياة، لا تفارقنا في الصحوة والمنام، تدق علينا اسم فلسطين الممهور بالدم، المعمد بلهيب لا ينطفئ بحلم سيتحقق وحرية نتنفسها حين نتحرر جميعاً من الاحتلال والاستعمار والخوف والاستبداد.   

عاشت فلسطين، المجد للشهداء، والعزة للمقاومة. 

المنامة – 30 أكتوبر 2023


الاثنين، 28 أغسطس 2023

أساسيات بناء سياسة اجتماعية أسرية فعالة وناجحة


د.منى عباس فضل

- ورقة عمل قدمتها الباحثة في المنتدى الخليجي الثالث للسياسات الأسرية: ممارسة المواطنة المسؤولة والهوية في دول مجلس التعاون الذي عقد بمدينة صلالة في سلطنة عمان في الفترة من 28-30 أغسطس 2023


تمهيد 

 

حققت المجتمعات المحلية في دول مجلس التعاون الخليجي تقدماً نوعياً على مستوى الحقوق الاجتماعية والإنسانية لمختلف الفئات والشرائح المجتمعية، كما أدرجت هذه الحقوق ومفاهيمها وما جاء في سياقاتها من تطبيقات اجتماعية في دساتيرها ومنظوماتها التشريعية وأطر سياساتها العامة لاسيما نظمها الخاصة بالضمان الاجتماعي وشبكات الأمان التي أنشأتها في إطار قناعتها بدور القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع الأهلية كشركاء فاعلين في الدفاع عن هذه الحقوق والمكتسبات، كما بذلت الجهود المختلفة والمبادرات لتمكين أفراد الأسرة على كافة المستويات وخصوصاً المرأة التي عززت من مشاركتها وانخراطها في الحياة العامة والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهي لذلك استحدثت التشريعات والقوانين.

 

وكنتيجة لبروز الاهتمامات الدولية والإقليمية بالتنمية المستدامة وأبعادها وبما اشتملت عليه من خدمات أساسية وامتلاك سلع للأسرة وهي تمثل حقوق لأفراد المجتمعات؛ وبما نصت عليه الاتفاقيات الدوليّة والإقليمية ووثائق  المؤتمرات العالمية والعربية، فقد انضمت دول مجلس التعاون الخليجي إلى هذه المنظومة التي صدرت بشأنها المراسيم والقوانين الوطنية، ومنها النص العالمي لحقوق الإنسان التي تنص مواده على الحق في التعليم والعمل، فضلاً عما تضمنته اتفاقية العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي أقرت عام 1966، و"اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل"، و"اتفاقية منظّمة العمل الدوليّة رقم (182) لسنة 1999 وغيرها المتعلق بمكافحة التمييّز وفئة المعاقين، والانضمام إلى "اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة "السيداو" مع التحفظات على بعض موادها والتي أكدت على أهمية أن "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة لكي تكفل لها حقوقاً متساوية لحقوق الرجل في كافة الميادين".

 

كما عملت الحكومات على تصميم وتنفيذ استراتيجياتها الإنمائية الوطنية ذات الأبعاد الإستراتيجية والتشريعية لتحقيق التنمية الشاملة التي تتطلب تقدماً معرفياً وتغيراً قيمياً باحترام الاستدامة والمساواة والعدالة فتركزت تعهداتها على السعي إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة وأبرزها الهدف الثالث "الصحة الجيدة والرفاه"، والرابع "التعليم الجيد" المتمثل في المعارف والمهارات التي يوفرها نظام التعليم ومؤسساته، والقيم والسلوكيات والإبداع والابتكار عبر الجامعات ومراكز الأبحاث، والهدف الخامس "المساواة بين الجنسين" والثامن "العمل اللائق ونمو الاقتصاد" والعاشر "في الحد من أوجه عدم المساواة" وغيرها مما يساهم في تحقيق المساواة بين الجنسين وتكافؤ الفرص في كافة المجالات والاستقرار في الحياة العامة1  وكل ذلك ارتكز على قواعد دستورية وقانونية في هذه البلدان؛ وإن اختلفت الآراء والتحليلات تجاه الأداء في هذا الجانب.

 

وعلى الرغم مما تحقق من إنجازات نوعية ومكتسبات تناولتها التقارير المحلية والدولية بشأن تفعيل دول المجلس للنهج الرعائي في قوانين الضمان الاجتماعي والمساعدات العامة والرعاية الاجتماعية التي تتسم بالاستدامة وتمنح بمقتضاها الأسر والأفراد المشمولين بأحكامها إعانات نقدية وعينية وقوانين لتوفير خدمات الصحة والتعليم والإسكان بشروط وإجراءات معينة حققت نتائج ملموسة في سد الحاجات الأساسية للأفراد المستفيدين، كما وضعت آليات وأطر مؤسسية مختلفة عكست مضامين سياستها الاجتماعية المتكاملة التي كيفتها تبعاً للخصائص الجغرافية والتاريخية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية التي تتميز بها المجتمعات الخليجية، إلا إن تسارع المتغيرات الاقتصادية والسياسية وانعكاساتها على هذه المجتمعات قد ألقت بظلال تأثيراتها وتحدياتها على مسارات التنمية الاجتماعية وما سعت إليه من غايات وأهداف اجتماعية واقتصادية أدت في بعض المنعطفات إلى توسع نطاق الفجوات بين بعض الفئات الاجتماعية، وتقلص شرائح الطبقة الوسطى وتراجع أوضاع العديد من فئاتها الضعيفة والهشة التي تعاني من البطالة وانخفاض مستوى المداخيل وإن بشكل نسبي بين هذه البلدان.

في هذا الشأن يشير بعض دارسي واقع المجتمعات الخليجية "إلى افتقار النهج الذي اتبعته بلدان المجلس إلى القدرة على لعب دوراً فاعلاً في تحقيق تغيير ملائم في الواقع الاجتماعي وتوزيع عادل لثمار النمو الاقتصادي من جهة، والحد من أسباب نشؤ الفقر من جهة أخرى، إذ بقى النهج الرعائي بعيداً عن التعامل مع إشكالية الفقر بمعناها الواسع، والتي تقتضي اعتماد نهج التمكين في المشاركة في الحياة العامة وكسب العيش عن طريق العمل"2.

 

من طرفها أطلقت "الإسكوا"3 مؤخراً إصدارها حول الفقر في بلدان مجلس التعاون الخليجي؛ وذكرت فيه حقائق صادمة، مشيرة "إلى أن ازدهار اقتصاد المنطقة خلق انطباعاً بأن معدلات الفقر فيها منخفضة أو لا وجود لها"، فالكل يعتقد أن أهل الخليج يعيشون في رخاء وبحبوحة عيش منوهة "إلى إنه وعلى مدى عقود، اعتمدت اقتصاديات المنطقة على ثرواتها الطبيعية التي مؤلت الإيرادات الحكومية والدخل القومي وارتفاع الإنفاق الحكومي، مما انعكس على ارتفاع نصيب الفرد من الإيرادات وإعانات الحكومة، إلى جانب معدلات الضرائب المنخفضة والعمالة الواسعة في القطاع العام.. إلخ"؛ وشددت في تقريرها إلى إنه لم يُبذل سوى القليل من الجهد في التحقيق بمدى انتشار الفقر وعمقه، حتى إنه لم يتم تحديد خطوط له تحدد معدلاته وفقاً للتعاريف الوطنية.

 

وقد استندت "الإسكوا" في تحديد خطوط الفقر الخليجي على "مقياس دخل الأسرة والإنفاق الاستهلاكي"، على الرغم من وجود معارضين لهذا المقياس يرون؛ أنه لا يعكس صورة واقعية وحقيقية عن مستوى حرمان الأسرة ذات المداخيل المتدنية مؤكدين أن إحصاءات الدخل لابدّ وأن يعززها الانطباعات الذاتية للفقراء وأساليب فهمهم لحالتهم الاجتماعية، بل أن هناك من يجد صعوبة في تحديد الدخل الذي يمثل حداً فاصلاً بين الأسرة الفقيرة وغير الفقيرة، باعتبار إن تحديد حد أدنى لدخل الأسرة هو تعريف ذو طابع اجتماعي متغير بحسب ثقافة المجتمع والفترة التاريخية التي يمر فيها، إضافة إلى إن وضع الأسرة في المجتمع الواحد متباين من حيث حجمها وتركيبتها وفقاً للعمر والجنس وتغير مستوى المعيشة الذي لا يتطابق مع تغير مستوى دخل الأسرة، وبالتالي فإنه لا يعطي إلا صورة جزئية عن ظاهرة الفقر؛ وفي كل الأحوال، الأمر يستوجب المزيد من الجهود لإعادة ترتيب الأولويات وتلبية الاحتياجات بما يحقق حياة أسرية فعالة وناجحة يسودها الأمان والاستقرار. 

 

وعليه فإن مناقشة أساسيات بناء سياسة اجتماعية أسرية فعالة وناجحة تأخذ باعتبارها هذا الواقع القائم؛ لابد لها من الوقوف على عنصرين مهمين كمدخل للمقاربة والتحليل؛ هما:

 

(1)   الأسرة الخليجية كمؤسسة مجتمعية

لكي يحقق أي مجتمع أهدافه فإنه يقيم المؤسسات الاجتماعية التي تتناسب مع حاجاته الأساسية المتصلة بإعداد الفرد، وهي تمثل الأنماط الاجتماعية لأنواع السلوك الوظيفي التي يمارسها الأفراد والجماعات، فضلاً عن تحديدها لأنواع العلاقات والاتصالات بينهم4 والأسرة في هذا الإطار تشكل جماعة أوليّة صغيرة الحجم من الناحية الواقعية، وهي تمثل مؤسسة إذا نُظر إليها في ضوء العلاقات البنائية والمعايير التي تنهض عليها والوظائف التي تؤديها5، وهي تعتبر الجماعة الأولية الأساسية في التنظيم الاجتماعي،  نظراً لدورها في تنمية وبناء الشخصية وتحديد أنماط السلوك في النظام الاجتماعي المتشابك وبذلك فهي تشكّل عاملاً مهمّاً في بناء السياسات الاجتماعية الأسرية الفعالة والناجحة في أي مجتمع من المجتمعات.  

 

وقد اتفق علماء الاجتماع على إنها الخلّية والجماعة الأولى التي ينتمي إليها الفرد ويقع تحت تأثيرها، فتؤثر على نموه وتشكيل ميوله واتجاهاته، من خلال نزعة المحاكاة والتقليد لمن حوله، فيتشرّب بمبادئهم وميولهم واتجاهاتهم. وتأثير البيئة الأسرية يكون كبيراً في السنوات الأولى ويقلّ تدريجاً كلّما زاد النمو، كما أن الضمير ينمو لدى الطفل قبل ذهابه إلى المدرسة ويبدأ تدريبه على الملاحظة والانتباه والتمييز بين الأشياء، فضلاً عن النمو الاجتماعي، وهو يتأثر بالمستوى الثقافي والتعليمي لأفراد أسرته وما يسمعه منهم من مناقشات وأحاديث، وأحكام خلفية. ومنه فإنّ الأسرة كما يؤكد مصطفي حجازي تقع في موقع النواة من شبكة المؤسسات الاجتماعية المنظمة لحياة الناس والموجه لسلوكياتهم والمؤطر لأنشطتهم، فمن خلالها تتجسد شرائع المجتمع وقوانينه ونظمه وقيمه، وتكوين الهوية الثقافية الوطنية وبناء الانتماء، وهي الضامنة للصحة النفسية والحصانة والمتانة الشخصية، وبمقدار تماسكها وصحتها ورسوخ بنيانها، فإنها تشكل منبعاً للقيم السلوكية والتكيف مع المجتمع والجماعة والتوافق مع الذات، فضلاً عن كونها مركز بناء نظام من العلاقات والعقلانية والتوجهات والقيم6. 

 

تتنوع تعريفات الأسرة كمؤسسة أولية ووسيط اجتماعي وتختلف باختلاف البيئة الاجتماعية وظروف الأفراد والأزمنة والأمكنة التي تتشكل فيها، مع الإشارة إلى أن اهتمام علماء الاجتماع والانثروبولوجيا الاجتماعيين قد انصب في تعريفها على النسيج القرابي، فهي -أي الأسرة- الوحدة الوظيفة المكونة من الزوج والزوجة والأبناء المرتبطة برباط الدم والأهداف المشتركة، وفي الإطار البيولوجي والثقافي تُعرف على إنها جماعة اجتماعية بيولوجية نظامية تتكّون من رجل وامرأة "يقوم بينهما رابطة زواجية مقررة" وأبنائهما، وهي تقوم على دعامتين بيولوجية، علاقات زواج، علاقات دم، اجتماعية، دينية، ثقافية7.

 

وعند الطاهر لبيب هي "المؤسسة التربوية الأولي"، لكونها مصدر كل تربية صحيحة يتأثر بها الطفل، والتنشئة الاجتماعية هي صلب التربية ومعناها الاصطلاحي من المنظور التربوي هو "التطبيع"، على الرغم من أن التنشئة الاجتماعية غير مدروسة بما فيه الكفاية، وتأثيرات أغلبها قائم على افتراضات ومسلمات غير ثابتة علمياً8، إلا إنّ الأسرة تعد أهم وسيط لعملية التنشئة الاجتماعية، وهي التي تحدد هوية الطفل ومركزه الاجتماعي على أساس وضعها في النظام الطبقي؛ أما بالنسبة لـ"رونيه أوبير" فيشير إلى أن البيئة الأسرية، رغم إنها تستند في بعض النواحي إلى أسس طبيعية، تظل أولاً وقبل كل شيء، مؤسسة اجتماعية وثقافية-تتغير بنيتها المادية والنفسية بتغير المجتمعات؛ فالتكيف مع الحياة الأسرية، والصلات بين الآباء والأبناء والعواطف التي ترتبط بها، أمور تتجاوز إذاً المستوى البيولوجي النفسي، وفي هذه البيئة تنتشر الميول الأولى التي ستنظم حولها الحياة الاجتماعية، كعدوى الاتصالات، وتقليد الحركات، والتجاذب المتبادل بين النظائر9.

 

خلاصة الأمر؛ تغدو الأسرة الجماعة الأولية الأساسية في التنظيم الاجتماعي في المجتمع الخليجي، نظراً لدورها في تنمية وبناء الشخصية وتحديد أنماط السلوك في النظام الاجتماعي المتشابك10، الذي يشكل شخصية الفرد ويوجه نشاطه ويبقى على المجتمعات واستمرار نشاط أفراده ونموهم، ولهذا أولت دساتير المنطقة في موادها كما يتضح في الجدول أدناه اهتماماً بالغاً بهذا الكيان وأفراده لترسيخ مبدأ الأمان والاستقرار وتلبية الاحتياجات وتنمية القدرات بما يحقق قيامها بدورها في المجتمع بفعالية ونجاح، ما يعني أهمية دراسة تفاصيل أوضاعها وبنيتها والمتغيرات التي تطرأ عليها عند بناء أي سياسة اجتماعية.


مكانة الأسرة في دساتير دول مجلس التعاون الخليجي

الدولة

المادة الدستورية

 

المملكة العربية السعودية

المادة (9) الأسرة هي نواة المجتمع السعودي، ويربي أفرادها على أساس العقيدة الإسلامية وما تقتضيه من الولاء والطاعة لله ولرسوله ولأولي الأمر.. واحترام النظام وتنفيذه وحب الوطن والاعتزاز به وبتاريخه المجيد. المادة (10) تحرص الدولة على توثيق أواصر الأسرة والحفاظ على قيمها العربية والإسلامية ورعاية جميع أفرادها وتوفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم11.

 

 

 

مملكة

البحرين

المادة (5) أ- الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، يحفظ القانون كيانها الشرعي، ويقوي أواصرها وقيمها، ويحمي في ظلها الأمومة والطفولة، ويرعى النشء، ويحميه من الاستغلال، ويقيه الإهمال الأدبي والجسماني والروحي، كما تعنى الدولة خاصة بنمو الشباب البدني والخلقي والعقلي ب- وتكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها في المجتمع، ومساواتها بالرجال في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية، ج- تكفل الدولة تحقيق الضمان الاجتماعي اللازم للمواطنين في حالة الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو اليتم أو الترمل أو البطالة، كما تؤمّن خدمات التأمين الاجتماعي والرعاية الصحية، وتعمل على وقايتهم من براثن الجهل والخوف والفاقة. د-الميراث حق مكفول تحكمه الشريعة الإسلامية12.

 

دولة

الكويت

المادة (9) الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، يحفظ القانون كيانها، ويقوي أواصرها، ويحمي في ظلها الأمومة والطفولة. المادة (10) ترعى الدولة النشء، وتحميه من الاستغلال، وتقيه الإهمال الأدبي والجسماني والروحي. المادة (11) تكفل الدولة المعونة للمواطنين في حالة الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل كما توفر لهم خدمات التأمين الاجتماعي والمعونة الاجتماعية والرعاية الصحية13.

 

دولة

 قطر

المادة (21) الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، ينظم القانون الوسائل الكفيلة بحمايتها، وتدعيم كيانها وتقوية أواصرها والحفاظ على الأمومة والطفولة والشيخوخة في ظلها. والمادة (22) ترعى الدولة النشء، وتصونه من أسباب الفساد وتحميه من الاستغلال، وتقيه شر الإهمال البدني والعقلي والروحي، وتوفر له الظروف المناسبة لتنمية ملكاته في شتى المجالات، على هدى التربية السليمة14.

 

دولة

الإمارات العربية المتحدة

المادة (15) الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، ويكفل القانون كيانها، ويصونها ويحميها من الانحراف. المادة (16) يشمل المجتمع برعايته الطفولة والأمومة ويحمي القصر وغيرهم من الأشخاص العاجزين عن رعاية أنفسهم لسبب من الأسباب، كالمرض أو العجز أو الشيخوخة أو البطالة الاجبارية، ويتولى مساعدتهم وتأهيلهم لصالحهم وصالح المجتمع15.

 

 

سلطنة عمان

المادة (12) المبادئ الاجتماعية: -الأسرة أساس المجتمع، ينظم القانون وسائل حمايتها والحفاظ على كيانها الشرعي وتقوية أواصرها وقيمها، ورعاية أفرادها وتوفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم. -تكفل الدولة للمواطن وأسرته المعونة في حالة الطوارئ والمرض والعجز والشيخوخة، وفقاً لنظام الضمان الاجتماعي، وتعمل على تضامن المجتمع في تحمل الأعباء الناجمة عن الكوارث والمحن العامة.. إلخ16.

 

 

(1)  مفهوم السياسة

تعددت الاجتهادات في تحديده المعنى الاصطلاحي لكلمة سياسة، وهو يدور حول المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام إدارة الدولة، والأهداف التي تسعى إليها سلطاتها تحقيقاً لمصلحة المجتمع؛ حيث تتفرع السياسة العامة للدولة إلى فروع متعددة، أبرزها السياسة الخارجية التي تعنى بالنهج المعتمد في تعاملات الدولة الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية والتجارية.. الخ مع الدول الأخرى، والسياسة الداخلية التي تتمثل في المناهج التي تختطها لتسيير الشؤون الاقتصادية والمالية والاجتماعية والبيئية.. إلخ لمواطنيها، وبالنسبة للأخيرة فهي متعددة بفروعها الداخلية بتعدد الأنشطة والحاجات المجتمعية، وتسعى كل منها إلى تحقيق غايات محددة، تشكل معاً الأهداف الاستراتيجية التي تعمل الدولة بمختلف هياكلها المؤسسية الرسمية والأهلية على بلوغها؛ وتقع "السياسة الاجتماعية" في لب السياسة الداخلية للدولة، دون إغفال علاقتها بالسياسة الخارجية فيما يتعلق بالتعاون وتبادل الخبرات بين الدول في تنفيذ سياساتها الاجتماعية الوطنية17.

 

ومن وجهة نظر مصطفي حجازي؛ يتحدد مفهوم السياسة Policy باعتبارها قاعدة أو مجموعة مبادئ توضع لتوجيه القرارات، وتحقيق النتائج المرجوة، وهي تتضمن ما يستوجب عمله، وما هي مبرراتها، وهي بمثابة إعلان نوايا أو التزام يحدد الأنشطة والتوجهات ومن المسؤول عن تنفيذها، وهي تسعى للوصول إلى إيجابيات معينة مع تجنب بعض السلبيات التي قد تنتج عن هذه الأنشطة، ويتعين التنبه عند رسم السياسة إلى الآثار غير المقصودة التي قد تصاحبها، وغير المتوقعة في الخطة الأصلية، حيث تبرز هذه الآثار كلما ازداد تعقيد المنظومات المتصلة بها كقضايا السياسات المالية الرسمية أو سياسات التنمية؛ ولابد أن تتخذ السياسة طابع الوثيقة المكتوبة التي يتعين اعتمادها من المراجع الرسمية كي تكتسب مشروعيتها، وتفرض التزام العمل بها وتحقيق أهدافها. وتختلف السياسة عن كل القوانين والتشريعات الحاكمة المنظمة والخطط الإجرائية التنفيذية، كما تتضمن وثيقتها على مفاهيم السياسة وبنودها وأهدافها ومبرراتها ومجالاتها كالجهات المستفيدة منها وماذا تحقق لهم، وتحدد فيها مواعيد بدء التنفيذ والانتهاء، والجهات المسؤولة عن تنفيذها ومتابعة التقييم"18.

 

مضيفاً "بأن السياسة مسار أو أسلوب عمل محدد يتم اعتماده من بين مجموعة من الخيارات لتوجيه واتخاذ القرارات الحالية والمستقبلية، وهناك مدارس فكرية متنوعة ومنهجيات مختلفة لوضع السياسات الاجتماعية وبما يتلاءم مع كل بلد عن الآخر بحكم الخصائص التي تميزه، وبالتالي لابد من الانطلاق بطرح السؤال عن ماهية السياسات الاجتماعية المناسبة التي توضع لمجتمعاتنا ويستوجب تنفيذها؟ وهي ذات بعدين الأول من كونها خيارات يتم اتخاذها على أعلى مستويات الحكومات وبما يحدد توجهاتها وأولوياتها وقيمها وأهدافها، والثاني لكونها خيارات تتخذ بهدف تبسيط العمليات وضمان اتساقها كوضع أدلة لسياسات محددة. وهي تأخذ بالاعتبار التوجه الاستراتيجي لكل حكومة وبما ينسجم مع أهدافها، ويجب أن تصمم هذه السياسات وتطبق بوضع نتائج محُدّدة كي تتحقق كوضع سياسات صحية تؤدي إلى زيادة معدل الأعمار، أو سياسات تربوية تؤدي إلى محو الأمية؛ وهذا يعني بأن هذه السياسات تحتاج إلى آليات عمل متماسكة وإجراءات مراجعة وتقييم واضحة واستخلاص لنتائج التجارب والدروس بحيث يتم تكييف هذه السياسات وتعديلها حسب التوجّه الاستراتيجي للدولة عند اقتضاء الحاجة19.

 

(2)  السياسة الاجتماعية

هي الخيارات والتوجهات والأهداف التي تحقق شروط الحياة المؤدية إلى الرفاه على مختلف الأصعدة الحياتية، وهي تشكل جزءاً من السياسة التنموية للدولة وفي إطار التوجهات السياسية الحاكمة للمجتمع20، وقد اتفق الدارسين على إن السياسة الاجتماعية Method/manner هي النهج الذي تعتمده الدولة تأسيساً على المنظور perspective السياسي والاقتصادي الذي تتبناه، لغرض تنظيم أداء منظمات السوق والهياكل الاجتماعية، بما يكفل تحقيق التوزيع العادل للثروة القومية وتعزيز رأس المال البشري والعمل المنتج، سعياً إلى توفير الرفاهية الاجتماعية والتنمية والتكافل والاستقرار الاجتماعي. وبالتالي فهي نهج -أي طريقة- يتصف بالانتظام، وهو يقوم على منظور سياسي واقتصادي تتبانه الدولة، وقد يتخذ في بعض الحالات صيغة "أيديولوجبة" في الدول التي تقودها أحزاب تتبني أيديولوجيا خاصة بها، وهي تهدف إلى تحقيق غايات محددة يقتضي تنفيذها اتخاذ إجراءات تتحدد بقرارات من الجهات المختصة في الدولة، وتتأطر في العادة بإطار قانوني يكسبها صفة الإلزام، ولها غايات ذات طبيعة بنائية، فهي لا تقتصر على تقديم خدمات إلى الفئات لتمكينها من الحصول على احتياجاتها الأساسية فقط، وإنما غدت آلية بناء مجتمعات تسودها العدالة والاستقرار، وتتوفر لها مقومات الاستدامة، عن طريق تحسين نوعية الحياة للناس كافة بمختلف أبعادها21.

 

أهمية بناء سياسة اجتماعية أسرية

تنبع أهمية بناء أي سياسة اجتماعية أسرية ناجحة وفعالة من كونها تعبيراً عن حاجة المجتمع إلى التحديث والتطوير ووضع السياسات المنسجمة مع أفضل الممارسات؛ وبالتالي فهي عنصر أساسي للتخطيط المستقبلي للأسرة وتأمين حاجات الأجيال القادمة من الخدمات السكنية والتعليمية والصحية وبمعايير وخصائص تعزز من قدرة الأسرة على التكييف مع المتغيرات والتطوّرات التي يشهدها العالم وبما يمر به من كوارث وحروب وأزمات اقتصادية وسياسية تنعكس على المستويات المعيشية لأفرادها وعلى مداخيلهم في ظل ارتفاع الأسعار والتضخم وانتشار البطالة والأمراض والتغيير المناخي والنزاعات؛ فكل هذا وذاك يؤثر بصورة مباشرة وغير مباشرة على حياة المواطنين.

 

وهنا لابد من دراسة هذه العناصر وتأثيراتها على الأسرة في إطار شبكة علاقاتها المتداخلة؛ وأن تأخذ الحكومات في الاعتبار عند تحديد خياراتها وتوجهاتها لتلبية الاحتياجات تحمل مسؤوليتها في دراسة كافة التحديات والخيارات التي تمكنها من التخطيط للأهداف البعيدة والمتوسطة المدى، كوضع سياسات تستهدف تطوير البنى التحتية وتوسعة مجالات خدمات الرعاية الصحية "من مستشفيات" والتعليمية "من مدارس وجامعات" وطرق وتأمين فرص العمل اللائق والأجور العادلة ورفع مستويات المعيشة وتعزيز الحماية الاجتماعية وضمان الأمن الغذائي وقدرة قطاع النقل من استيعاب تزايد أعداد السكان وتدفق السلع التي تسلك الطرقات وبما يخفض من معدلات حوادث السير والوقت المهدور بسبب الازدحامات، ومدى قدرة قطاع الطاقة والمياه من تأمين الطاقة الضرورية والهواء النظيف والإدارة الجيدة للمياه والنفايات بما يتوافق مع أهداف البيئة والتنمية المستدامة، والتزام معايير الجودة في تقديم هذه الخدمات للأسرة ونوعيتها عبر الاستثمار في الموارد البشرية عن طريق التعليم والتدريب والتمكين وكل ما يسهل على وصول أفرادها إلى الخدمات22، وهنا تبرز أهمية القدرة على تقييم الاحتياجات من خلال رصد الظواهر وجمع البيانات وتقييم النتائج ووضع سياسات شاملة واستهداف فئات معينة لتلبية احتياجاتها، وتصميم الخدمات حسب حاجة فئات معينة من السكان تبعاً للمداخيل أو الجنس أو غيرها، واتخاذ التدابير الحكومية وغير الحكومية لتعزيز مشاركة المرأة وإنصافها في قرارات السياسة العامة التي تؤثر على حياتها فهي ركن أساسي في الأسرة بحكم تعدد أدوارها المجتمعية.

 

كيف نبني سياسة اجتماعية أسرية فعالة وناجحة؟

تتفق أغلب الدراسات بأن خصائص السياسة الاجتماعية الأسرية الفعالة والناجحة23؛ هي تلك التي تتميز بمرونتها وقابليتها للتعميم والتطبيق وتركز على نشر مبادئ ومفاهيم تؤدي إلى أسرة متآلفة ومتماسكة في علاقات أفرادها وبنيتها؛ وهي التي تستند إلى الأدلة التي تتضمن بيانات واحصاءات دقيقة وسليمة تعبر عن احتياجات أفراد الأسرة والخدمات المقدمة إليهم ومدى شموليتها وجودتها وتحديد تكاليفها، كما إنها تدرس وتستفيد من خلاصة أفضل الممارسات العالمية في مجالها، وذلك بإجراء مقارنات معيارية تلائم البيئة المحلية من خلال التعرف على كيفية استخدام البيانات في اتخاذ القرارات، فضلاً عما إذا تم معالجة مسائل أو وضع مشابهة من حيث المعلومات والطرق المستخدمة والحلول المقترحة، ومؤشرات النجاح، كذلك يمكن التثبت من صحة فرضياتها إلى جانب النظر في معطيات الأطراف المعنية بشكل أساسي بها، كوضع الحكومات والمنظمات غير الحكومية المحلية والعالمية بما تقدمه من رؤية نافذة حول بعض المنهجيات التي تعالج واقع الأسرة واحتياجاتها، إضافة إلى قدرتها على إجراء مراجعات تتم بدعوة لخبراء محليين أو أجانب أو مجموعات مناقشة تقدم أدلتها وإثباتاتها ومرئياتها حول المسائل المتعلقة بالأسرة على المدى البعيد، كما تقييم تكلفة السياسة مقابل فوائدها ونتائجها.

 

مقومات السياسة الاجتماعية في الاستراتيجيات الوطنية

لإرساء مقومات لسياسة اجتماعية أسرية فعالة وناجحة لدول مجلس التعاون الخليجي، يستوجب مناقشة وضع الأسرة الراهن فيها من حيث تحليل البيانات المتوفرة ومن مصادر المتنوعة التي تعزز من قراءة الواقع على حقيقته وبموضوعية من خلال الأدوات التحليلية؛ والاطلاع على استراتيجيات الدولة ومبادراتها ذات الصلة بالأسرة وأفرادها.

أضافة إلى ذلك؛ البحث في خصائص مختلف الشرائح الأسرية التي يتكون منها الواقع الأسري في هذه المجتمعات، وهي تتنوع من حيث القضايا والمشكلات التي يحتاج كل منها إلى سياسة رعاية خاصة بها تندرج ضمن استراتيجيات الرعاية العامة للدولة، في هذا الشأن يؤكد مصطفي حجازي: "على أهمية تحويل التوجه البحثي من التركيز التقليدي على المشكلات وعلاجها، إلى التفتيش عن الإيجابيات والإمكانات والاستناد عليها وتنميتها، طالما أن أي سياسة رعائية وتمكينية تنصب في الأساس على تنمية القدرات والإمكانات، إلى جانب التحول من منظور التصدي الجزئي للقضايا إلى منظور التكامل في الرؤية والتدخل، سواء على مستوى البرامج وأنشطتها أم على مستوى الفاعلين والأطر المؤسسية التي يعملون من خلالها24".

في هذا الشأن توضح تجارب بعض الدول أن هناك من يشكل مجالس رصد وهيئات استشارية اجتماعية "كجمعيات الأعمال والنقابات والاتحادات العمالية والمنظمات غير الحكومية وغيرها من هيئات المجتمع المدني"، وهي تابعة للهيئات الرئيسية المعنية بالسياسات العامة في أي بلد وتمثل صوت المجتمع المدني ويشكل وجودها عنصراً هاماً في تعزيز مشاركة المواطنين في بناء هذه السياسة الاجتماعية بتقديم المقترحات وجمع البيانات المتعلقة بقضايا الأسرة الاجتماعية وتحليلها وبما يساهم في وضع السياسة الاجتماعية الأسرية الفعالة، فضلاً عن إعداد التقارير الاستراتيجية حول شؤون الأسرة وظروفها الاقتصادية والاجتماعية من "البطالة والفقر والإقصاء الاجتماعي والقدرة على الوصول إلى الخدمات من تعليم وصحة والسكن25..إلخ، ويمكن إيجاز أهم المقومات التي أجمعت عليها الدراسات الاجتماعية على النحو التالي:

1.     تنفيذ سياسة اجتماعية تحقق العدالة والمساواة للمواطنين في الحصول على الخدمات وعلى اختلاف أوضاعهم الاقتصادية وانتماءاتهم ومما يزيد من كفاءة وإنتاجية فئات المجتمع الأضعف اقتصادياً على أن تغطي النواحي التالية:

أ‌- الحماية الاجتماعية

بتلبية الاحتياجات الأساسية كالمعونات والمخصصات الشهرية التي تقدمها الدولة للأسر ذات المداخيل المتدنية والمحدودة ولشرائح سكانية أخرى، إضافة إلى المكرمات والهبات في بعض المناسبات، وإعفاءات من تكاليف بعض الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء والوقود ومعالجة احتياجات الفئات الضعيفة في الأسرة وحمايتها من مخاطر الكوارث والأزمات الاقتصادية كالغلاء والتضخم، وتعميم المساواة بين المواطنين في توسعة مظلة الحماية الاجتماعية والمعاشات التقاعدية للعاملين في القطاع غير المنظم ولا يمكن لبعضهم امتلاك البيوت والسكن بسبب هشاشة "مداخيلهم" وعدم قدرتهم على تسديد إيجارات المساكن والتخلف في دفع أقساطها أو أقساط القروض المصرفية والسيارات وفواتير الكهرباء وتأمين المواصلات؛ وتتيسر التمويل لهم دون فوائد وتعزيز فاعلية إجازات الأمومة ودعم ربات البيوت واليد العاملة بدون أجر وتوسيع نطاق الخدمات الكفيلة للعناية بالطفل والمسن والمعوق في الأسرة وحمايتهم.

 

ب‌-   الصحة

تعزيز جودة الخدمات الصحية الأساسية لاسيما المتعلقة بصحة الأم والطفل باعتبار أن توفيرها وتيسرها يعد أساس لتحسين صحة الأفراد والعائلات والمجتمعات المحلية ورفاهها ولما لها من تأثير مباشر على إنتاجية اليد العاملة والازدهار والنمو الاقتصاديين، ويمكن تنفيذ ذلك من خلال تطوير برامج خدمات الصحة الوقائية، وتوسيع نطاق تغطية الرعاية الصحية المجانية أو بكلفة ميسرة ومعالجة الاحتياجات الخاصة في الأسرة والصحة الإنجابية بتقديم خدمات روتينية ووقائية ورفع مستوى الوعي بالتغذية خصوصاً مع انتشار الأمراض المزمنة والصحة النفسية مع ارتفاع مستويات العنف، وذلك ببرامج التثقيف والوقاية والحماية بتطوير التشريعات التي تجرم ممارسة العنف. 

ج‌-   التعليم

انطلاقاً من أن تعليم المواطن هو أساس النمو الاقتصادي الطويل الأجل والتماسك والاستقرار الاجتماعي العام، وأن الاستثمار فيه يساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، يمكن اتخاذ التدابير بتجويد النظام التعليمي وإلغاء الرسوم وتعزيز الجهود لمنع التسرب من المراحل التعليمية ومجانية التعليم في مرحلة الحضانة في بعض البلدان؛ وتطوير التعليم الثانوي والمهني/الفني وما بعد الثانوي ومقاربته مع احتياجات سوق العمل وتشجيع أفراد الأسرة على اكتساب المهارات المهنية والفنية، والاهتمام بنوعية التعليم العالي ومضمونة والاستثمار في تدريب المدرسين وبناء قدراتهم ومراجعة المناهج الدراسية والتعرف على الاحتياجات المحلية التي تتأثر بالمتغيرات السريعة وتعزيز المعايير التعليمية الوطنية الموحدة؛ وبرغم من إلزامية التعلم ومجانيته مع الرعاية الصحية، إلا إن تدني مستويات الخدمة الصحية والمخرجات التعليمية وجودتها باتت تستهلك مداخيل الأفراد وتؤثر على مستوياتهم المعيشة باللجوء إلى خدمات الطب والتعليم الخاص، في ظل ارتفاع مطرد للأسعار وتدني الأجور وتزايد الاقتراض الاستهلاكي لسد الاحتياجات.

ح‌-    فرص العمل اللائق

توسعة مجالات فرص العمل اللائق لأفراد الأسرة للحد من البطالة في أوساطهم وإصلاح تشريعات العمل وقوانينه حسب المعايير الدولية واتفاقيات حقوق الإنسان التي تحقق تحسناً في المستويات المعيشية وترفع مداخيل الأسرة، فالعمل اللائق ورفع مستوى الإنتاجية يساهم في رفاه العاملين ويحد من الفقر ويعزز المساواة ويرسخ التماسك والاستقرار الاجتماعي لأفراد الأسرة، إلى جانب تطوير المهارات بالتدريب وبما يتناسب ومتطلبات سوق العمل وتوليد الفرص عبر الحوافز الضريبية والإعانات.

2.     توسيع خيارات الناس وإشراكهم في صناعة قرارات مجتمعهم بمنظور تنموي يتجاوز التنمية الاقتصادية فقط، وهذا يستوجب تمتع المواطن بالحرية والمبادرة والتفاعل.

 

3.     اعتماد السياسة الاجتماعية كوسيلة وأداة لمعالجة المشكلات التي تعاني منها الأسرة وسد حاجاتها وتأمين الحماية لها ضد مخاطر الكوارث والأزمات الاقتصادية وتحولات السوق، وإعادة النظر في الأنظمة الإدارية والتشريعية للعمل الاجتماعي والتي تنظم عمل ونشاط مؤسسات المجتمع الأهلية ورفع القيود عنها مما يساهم في التحول من منهج الرعاية الفوقية إلى توفير فرص تمكين الأسرة وبناء قدراتها.

 

4.    الأخذ باللامركزية في التنفيذ وتوزيع المسؤوليات الخاصة بتنفيذ السياسات الاجتماعية وتوسعة مشاركة مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات المهنية والنقابية وترسيخ مبدأ الشراكة والمسؤولية، وصياغة أهداف تشغيلية للسياسة الاجتماعية قابلة للقياس الكمي والزمني؛ وذلك بتحديد حجم الإنجاز المستهدف ونوعيته ضمن مهلة زمنية محددة، وتحديد الأولويات في التنفيذ والموارد المالية والبشرية المطلوبة ومتابعة تقدم الإنجاز وتصويب الانحرافات وتقييم مدى تحقق الأهداف وتقدم العمل ومقوماته بوضع مؤشرات قياس معيارية.

 

5.     وضع نظم للمتابعة والتقييم، وضمان استمرارية تمويل الحكومات والقطاع الخاص للمشاريع والمبادرات، والنظر إلى التخطيط والتنفيذ بشكل متكامل بين البرامج الفرعية للخطة التي وضعت للأسرة وبين جهود الهيئات الفاعلة الرسمية والأهلية المركزية والمحلية من خلال شبكة تنسيق الجهود وتضافر الموارد وتبادل المعلومات والخبرات والاستفادة من خلاصات التجارب الإقليمية والعالمية26.


6.    توفير قاعدة بيانات ومرصد اجتماعي كأداة هامة لمتابعة تطوّر أوضاع الأسرة؛ ويمكن إنشاءه كمنظمة مستقلة أو شبه حكومية أو خاضعة للإشراف الحكومي، وهو يتولى رصد الظواهر الاجتماعية واتجاهات أفراد الأسرة للاسترشاد بها في وضع السياسة الاجتماعية وتوجيهها وتقييم آثار البرامج وتوقع مجالات التغيير والتعثر المحتملة، فضلاً عن إجراء مسوحات كمية ودراسات تشخيصية للمشكلات والفرص والإمكانات المتاحة لها، على أن تأخذ خطط السياسة الاجتماعية في اعتبارها طبيعة قوى المجتمع وإمكاناته ومعوقاته وخصائصه وقيمه الثقافية؛ ويمكن اعتماد أربع أدوات لتوفير هذه البيانات وتحليلها:

 

أ‌-    الاطلاع على الاستراتيجيات والمبادرات الوطنية للأسرة في دول مجلس التعاون والتي يمكن من خلالها تحليل تجارب الدول وما انبثق عنها من مبادرات وبرامج ومشاريع ذات صلة بالتماسك الأسري وهذه تمثل أحد أهم ركائز تحليل الوضع القائم وتقييمه.

 

ب‌-   إجراء استطلاع رأي يستهدف التعرف على الواقع والتوصل إلى نتائج تساعد في فهم وقياس مستوى فهم وإدراك مواطني المجلس بحقوق المواطنة والأسرة على أن يتم التركيز على مسألتين هما؛ التماسك الأسري والمجتمعي، والمقارنات المعيارية بالنظر في برامج ومبادرات دول المجلس في دعم استقرار الأسرة والمجتمع، ويمكن النظر هنا إلى "الخطط الوطنية الخمسية وبرامجها كما في "رؤية 2030 في البحرين والمملكة العربية السعودية وقطر والكويت وسلطنة عمان والإمارات"؛ على أن تتناول المقارنة العناصر الأساسية لبرامج الحماية الاجتماعية المتعلقة بالعنف والحد من الإساءة من خلال المعايير الوطنية لحماية الطفولة وأفراد الأسرة ومراجعة السياسة الوطنية للأسرة من خلال قانون الأسرة التي تستهدف تطوير الاستشارات الأسرية وخدمات الحماية الاجتماعية وغيرها. 

 

ج‌-   تحليل التحديات والفرص؛ المتعلقة بالظواهر والمتغيرات الاجتماعية والثقافية التي تؤثر على أفراد الأسرة، خصوصاً مع محدودية الدراسات والبحوث الميدانية في المجالات الاجتماعية وصعوبة الحصول على المعلومات بسبب خصوصيتها وانعدام الشفافية، وهذا يتطلب زيادة تفعيل شبكات التواصل لتبادل المعلومات الاجتماعية، وتوحيد الجهود لتنفيذ سياسات التنمية الاجتماعية، وعقد شراكات مع القطاع الخاص والقطاع الأهلي خصوصاً مع ضعف أثر البرامج التوعوية، واختلاف الثقافات بين أفراد المجتمع الواحد وما يعاني منه المجتمع الخليجي من اختلال في التركيبة السكانية. 

 

د‌-   إطلاق المبادرات باستهداف تماسك واستقرار الأسرة في المجتمع الخليجي وهي التي تساهم في تعزيز وعي أفرادها بقواعد تكوين الأسرة السليمة وتماسكها من خلال نشر الرسائل التوعوية بأهمية تبني الممارسات الداعمة لتلاحمها وغرس قيم وسلوكيات المواطنة المسؤولة بين أفرادها ويمكن الاستعانة هنا بمؤشر قياس نسبة التلاحم عبر أداة "الاستبيان".

 

ذ‌-    نشر المعلومات لتشجيع المواطنين ورصد القوانين والأنظمة وإبداء الآراء بشأنها؛ وإقامة روابط مع المنظمات الأخرى الفاعلة في البلد المعنية بشئون الأسرة وأفرادها وإقامة شبكات وشراكات مع أكاديميين وباحثين من ذوي الخبرة في العلوم الاجتماعية والإنسانية والنفسية والاسترشاد بدراساتهم وأبحاثهم في الفقر والإقصاء وتعزيز القدرات والتأهيل والإرشاد النفسي والأسري وغيرها مما له علاقة بالسياسة الاجتماعية.

 خاتمة

تأكد لنا من خلال العرض أهمية بناء سياسة اجتماعية أسرية فعالة وناجحة على مستوى بلدان مجلس التعاون وبمنظور موضوعي شامل يتناسب وطبيعة المتغيرات المتسارعة التي يمر بها العالم وتنعكس تأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على مجتمعاتنا المحلية، خصوصاً مع التحديات المتمثلة في اتساع الفجوات بين الشرائح المجتمعية، وتمدد مساحة التهميش الاجتماعي بمظاهرها في تآكل الهوية وضعف الشعور بالمواطنة وانتشار المشكلات الاجتماعية كالفقر والبطالة والطلاق وممارسة العنف وكل ما يؤثر على استقرار الأسرة وأمنها النفسي والاجتماعي.

كما توصلنا إلى ضرورة تغيير منهجية الرؤية إلى الواقع وتطوير السياسات الاجتماعية القائمة بما يتسع مفهومها ومكوناتها وعناصرها ونهجها وأسلوب صياغتها وتحديد غاياتها للفئات المستفيدة منها، وأن تتوافق آليات تنفيذها مع حقائق الواقع المجتمعي على حقيقته ولمواجهة المشكلات والمخاطر التي تتعرض لها الأسرة الخليجية؛ ما يعني أهمية تطوير طرق الأداء وأساليب القياس لمدى فاعلية السياسة الاجتماعية القائمة وبما يحقق الأمن الاجتماعي والاستقرار ويعزز من الشراكة المجتمعية في صياغتها وتنفيذها ومتابعتها.

إن هذا الأمر يتطلب مزيد من الشفافية في تدفق المعلومات وتطوير أدوات الرصد والقياس والمتابعة وتحديد الأولويات تبعاً لتلبية احتياجات الأسرة والمخاطر والاضطرابات التي تمر بها والناتجة عن تنامي ظاهرة العنف والفقر وانخفاض مستوى المداخيل وما يتعرض إليه الشباب من تهديد يلامس القيم والسلوكيات، على أن تتأسس إعادة صياغة السياسة الاجتماعية على المصلحة العامة للمجتمع، وإفراد موازنات كافية لتمويل برامجها وأنشطتها بالتنسيق والتعاون مع القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، حيث أثبتت التجارب المختلفة نجاعة نهج المشاركة في رسمها لهذه السياسات وتنفيذها، فضلاً عن الاستفادة من دور الإعلام المستنير في حملات التوعوية والتغيير ومن كونه يمثل مصدراً للمعلومات المتعلقة بالمشكلات الاجتماعية وأساليب التصدي لها ورأي المستفيدين من السياسات الاجتماعية وأوجه النقص فيها ومقترحاتهم بشأن تطويرها واختيار الحلول المناسبة لها؛ إلى جانب تفعيل دور السلطة التشريعية لممارسة دورها في رسم وصياغة السياسات الاجتماعية الأسرية بمضامينها وبما تضعه من أحكام وإجراءات لتنفيذها، فهم ملزمون بالتواصل بقواعدهم للتعرف على حاجاتهم في مجالات سياسات القوى العاملة والأسرة والطفولة والشباب والإسكان والصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية والحماية الاجتماعية وكل ما يحقق الاستقرار والنجاح لأفرادها والتنمية المستدامة للمجتمع.

المصادر والمراجع

1.     منى عباس فضل، ورقة عمل "مقاربة أجندة 2030 بالخطة الوطنية لنهوض المرأة البحرينية، محاضرة للاتحاد النسائي البحريني بالتعاون مع مركز كوثر-البحرين، 17/فبراير/2020. 

2.      يوسف الياس، "الإطار القانوني للسياسات الاجتماعية في دول مجلس التعاون"، المكتب التنفيذي، ط1، العدد96، 2015، ص42.

3.      الإسكوا، تقرير "3.3 مليون مواطن في بلدان مجلس التعاون الخليجي في براثن الفقر"، مايو 2023، أنظر:  كتيب الفقر في الخليج 2023.pdf https://www.unescwa.org/ar/resources?type=publication&page=1

4.     منير المرسي سرحان، في اجتماعيات التربية، ط2، بيروت: دار النهضة العربية للطباعة والنشر، 1981، ص 174.

5.     أحمد زايد، "الأسرة والمدينة والخدمات الاجتماعية: المنظور السوسيولوجي"، المكتب التنفيذي، العدد36، ص 22.

6.     مصطفى حجازي، التخطيط الاجتماعي لرصد وتلبية احتياجات الأسرة الخليجية، المكتب التنفيذي؛ العدد 27، ص 17-18. 

7.      مصطفى حجازي، م.ن؛ العدد 27، ص 28. 

8.      الطاهر لبيب، "الأسرة العربية: مقاربات نظرية"، المستقبل العربي، عدد 308، أكتوبر 2004، ص 79-102.

9.      رونيه أوبير، التربية العامة، ط 8، بيروت: دار العلم للملايين 1996، ص 215-116.

10.   مجموعة باحثين، "دعم دور الأسرة في مجتمع متغير"، المكتب التنفيذي، العدد28، ص 237. 

11.    دستور المملكة العربية السعودية، أنظر الموقع الإلكتروني؛ https://www.refworld.org/cgi-bin/texis/vtx/rwmain/opendocpdf.pdf?reldoc=y&docid=54295e7a4

12.   دستور مملكة البحرين لعام 2002، أنظر الموقع الإلكتروني؛ https://faolex.fao.org/docs/pdf/bah117079Ar.pdf

13.   دستور دولة الكويت لعام 1962، أنظر الموقع الإلكتروني؛ https://faolex.fao.org/docs/pdf/kuw128727.pdf

14.    الدستور الدائم لدولة قطر لعام 2004، أنظر الموقع؛ https://encyclop.sjc.gov.qa/lawlib/Images/court_admin/laws/constitution/index1_2wh.htm

15.   دستور الإمارات العربية المتحدة لعام 1971، أنظر الموقع الإلكتروني؛ http://www.forumfed.org/pubs/ara/constitution_UAE.pdf

16.   دستور سلطنة عمان لعام 1996، أنظر الموقع الإلكتروني؛ https://www.icnl.org/wp-content/uploads/Oman_law-1996-ar.pdf

17.   يوسف الياس، "الإطار القانوني للسياسات الاجتماعية في دول مجلس التعاون"، المكتب التنفيذي، ط1، العدد96، 2015، ص17-18.

18.   مصطفى حجازي، "نحو سياسة اجتماعية خليجية للأسرة من الرعاية إلى التمكين"، المكتب التنفيذي، ط1، العدد70، 2012، ص 47.

19.   زهير حطب، "تحديات السياسة الاجتماعية واحتياجاتها في مجلس وزراء الشؤون الاجتماعية الخليجي: مقاربة تطبيقية"، المكتب التنفيذي، ط1، العدد71، 2012، ص234.

20.   مصطفى حجازي، "نحو سياسة اجتماعية خليجية للأسرة من الرعاية إلى التمكين"، المكتب التنفيذي، ط1، العدد70، 2012، ص 48.

21.   يوسف الياس، "الإطار القانوني للسياسات الاجتماعية في دول مجلس التعاون"، المكتب التنفيذي، ط1، العدد96، 2015، ص17 22-24.

22.   زهير حطب، "تحديات السياسة الاجتماعية واحتياجاتها في مجلس وزراء الشؤون الاجتماعية الخليجي: مقاربة تطبيقية"، المكتب التنفيذي، ط1، العدد71، 2012، ص 10.

23.   زهير حطب، م.ن، ص68.

24.   مصطفى حجازي، "نحو سياسة اجتماعية خليجية للأسرة من الرعاية إلى التمكين"، المكتب التنفيذي، ط1، العدد70، 2012، ص 46.

25.     الإسكوا، السياسة الاجتماعية المتكاملة من المفهوم إلى الممارسة "التقرير الثاني"، 2008، أنظر الموقع الإلكتروني: https://www.unescwa.org/sites/default/files/pubs/pdf/sdd-08-3-a.pdf

26.   مصطفى حجازي، "نحو سياسة اجتماعية خليجية للأسرة من الرعاية إلى التمكين"، المكتب التنفيذي، ط1، العدد70، 2012، ص 55.