منى عباس فضل
الخبر تصدر عناوين
الصحافة المحلية؛ وثمة مديح متواصل من كتاب أعمدة "الله لا يغير علينا،
وشكراً لكم" وبموازاة تصريحات لشخصيات معتبرة شاكرة للنعمة والخير الوفير
الذي يتمتع به المواطنون؛ فعلاوة الغلاء برأيهم تحقق للمواطنين حياة كريمة وتعزز
من استقرارهم المعيشي، أليس هذا حديثهم بالتمام والكمال؟
أعُلن بأن 127 ألف و945
أسرة محدودة الدخل سوف يتسلمون مبلغ شهر إضافي من علاوة الغلاء في حساباتهم المصرفية، وأن الجهات الحكومية وفقاً
لوزارة التنمية الاجتماعية باشرت بضخها للمستفيدين في حساباتهم.
تعليقات الشارع لم تهدأ، والمواطن لا يستكين له
بال؛ مسجات "علاوة الغلاء" تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي والرسوم
الكاريكاتورية لم تتوقف هي الأخرى، خصوصاً والشارع يتابع كل شاردة وواردة لما يحدث عند
الجيران الذين بدأت دولهم بمراجعات لأوضاعها المالية بعد ارتفاع أسعار النفط
وتزايد معدلات النمو؛ فنظرت بعمق وبعد نظر لحال مواطنيها وقدمت لهم برامج دعم
نوعية بل سخية تسيل اللعاب.
علق الكثير من المواطنين بحسرة على حالهم في أحد
حسابات الانستغرام، أبرز تعليقاتهم اتسمت بالتندر على كيفية التعامل مع المواطن وأسلوب
الإعلان عن علاوة الغلاء، قالوا الكثير، ثرثروا ولا ملامة عليهم فالعلاوة فتحت عش
الدبابير ولامست موضع وجعهم الفاقع؛ قالوا:
سوا الشي وخلوه بالسر
"أنا مستغرب من النواب والمسؤولين يصرحون ومستانسين
على 77 أو 100 دينار، يدفع الله البلاء اذا الحكومة بتسوي شي رجاء خلوه بالسر أفضل
علشان الجيران ما يدرون ويضحكون علينه"، وآخر: "ما
نزل الا الريش،،، بس مال شهر واحد أما يسوؤون فينا الكاميرا الخفية"، "ويش
قال رئيس مجلس الشورى حياة كريمة تراها مائه ما أجيب 4 تواير إيلي على قولتك فقير
وعنده سيارة"، "نزل المبلغ نفسه 110 دينار ولا فلس زيادة وين الكلام الي
يقول لمحدودي الدخل و !!!!!!!!!!!!
تواصلت شكواهم وآناتهم:
"في فمي ماّء وهل ينطق من في فمه ماء"، والحمدالله على كل حال لكن بس عاد فضحتون المواطنين بالكرة الأرضية على
مبلغ ما يكفي حتى لمصرف أسبوع للعائلة البحرينية بسبب الغلاء ذليتون المواطن بهالبهرجة
على فتات"، "الصراحة مو عارف
شنو اخذ فيهم متحير ما أدري اخذ سيارة من الوكالة لو مستخدمة انصحونه يا جماعة"،
"بس عاد هذا ويش حفاظاً على مشاعر الأشقاء في دول الخليج علىشان ما يحسدونه
خلوها سكيتي الحين
الواحد يقدر يأمن مستقبلة ومستقبل أولاده...هههههه"، "الحين الواحد يقدر يسافر"،
"جان عطو المتقاعدين بعد علاوة تحسين المعيشة"، "انزين هي كلها 77 ما
يحتاج هذا الزخم الي صائر لو بتقسمها على أربعة أولاد كل واحد 20 يأخذون اليهم ثياب عيد ما تكفي مشكل؟!"
الجيران بيغارون وبيحسدونا
توالت سلسلة التعليقات على ذات الخبر من
موقع آخر، لم لا وخبر علاوة الغلاء لا يزال ترند محلي بامتياز:
"بل، بل، الإمارات والسعودية بيغارون الحين
وخصوصاً الكويت بيحسدونا"، "المواطن
البحريني.. الخليجي.. مواطن نفطي ثري وحكومته ثرية.. لا يستحق مثل هذا الفتات..
هذه العلاوات الفتاتية يجب أن تستمر في راتب المواطن وإن كانت غير مرضية.. ارتفاع
الأسعار والغلاء والضرائب لا يمكن لهذه الزيادة لشهر واحد ان تعينه.. على
المسؤولين أمام الله أن يعلموا أنهم ليسوا في منصب تشريفي وإنما هم مسؤولون أمام
الله عن صرف أموال الوطن على المواطن مثل ما يصرفونه على أنفسهم.. كلمة حق
لله"، "ما ظل نفر كبير ما علق على الموضوع، بسكم عاد، بروحها السالفة
تفشل"، "أقول: والله فشلتونه!! أين نخفي ونخش وجوهنا عن أشقائنا بدول
الخليج الذين ينهلون من خيرات بلدانهم ويرفلون في نعيمها!! تعشمنا بزيادة في رواتب
الموظفين والمتقاعدين أسوه بأشقائنا بدولة قطر والإمارات وسلطنة عمان!! الحمد لله
على كل حال.."، "غداً كل القنوات الفضائية العالمية ومحطات التّلفزة
سيكون لديها خبر بأن المواطن البحريني حصل على شهراً اضافياً لعلاوة الغلاء، وسيتم
التطبيل والتهليل حتى مطلع الفجر، المواطن البحريني يستحق أكثر من ذلك..".
في
حقيقة الأمر أبدع البحرينيون كما فعلت قبلهم شعوب عربية عديدة في تفريغ شحنات الهم
وتجاوز ضيق الحال والوجع بالنكتة والتندر، أجادوا التعبير عن سخطهم وقلة حيلتهم
لما يجري، فلا يدرى المرء أيضحك من حاله أم على نفسه، أم على من أوصلنا إلى هذا
الحال المخلكن.
العلاوة بين الكوفي والسيارة
هذا
الصباح بعثت لي صديقة برسالة متداولة بالواتس أب تتضمن نصيحة مضمونها "أعزّائي البحرينيين، مو باجر تشوفون عندكم بيزات
"فلوس" واجد وتتهورون في الصرف وتفسفسون الـ 70 ديناراً على هرار؛ أبدأ
بالأهم ثم المهم؛ أول شي اللي ما عنده بيت يشتري بيت وتالي ادفعوا الديون اللي
عليكم وتالي تقدرون تفسفسون الباقي على سيارة مثلاً، سفر، ثياب ماركات إذا خاطركم
في كوفي بـ 4 دينار".
شعب البحرين لم ولن ينسى الإهانات التي
تألم منها حين قالوا له؛ "فقير ويشتري سيارة، أو يمكنه شراء كوفي بأربعة دنانير"؛
صادفت اليوم شاباً يعمل في أحد الجهات الرسمية؛ زميلته في العمل تبارك له الزيادة على مسمع
من الجميع: "ليس لديك حجة بعد اليوم يا أبو حسين، دخلوا لك المبلغ، روح واشتر
لك كوفي بأربعة دنانير". كلنا يدرك لغز الأربع دنانير، كما لغز سيارة الفقير
كما سور أبو طابوقه أو طابوقتين حتى ضاقت البلد بأهلها.
مواطن
من عبيد الله مهموم وموجوع، ناشد بوعي وإدراك لما يعاني منه المواطنين من ضغوط
نفسية، ناشد بتغريدة على منصة التوتير قائلاً إلى "أصحاب الجلالة والسمو حكام
دول المجلس، عدم نشر ما يقدمونه لمواطنيهم مراعاة لمشاعر المواطن البحريني"، علق
عليه مغرد آخر: "مواطن بحريني يناشد حكام دول
الخليج بعدم نشر ما يقدمونه لمواطنيهم مراعاة لمشاعر الشعب البحريني الذي بلده أول
دولة في الخليج اكتشف فيها النفط وما زال المواطن البحريني يعيش حالة معيشة قاسية،
الأجنبي يستغني في بلاده "البحرين" وهو يزداد فقر بسبب سياسة الدولة
التي تعطي تسهيلات للأجانب على حساب فقر المواطن.."
خداع المواجهة
كتب عالم الاجتماع جميس سكوت مرة؛ "تحمل المواجهة بين
القوي ومن لا قوة لديه قدراً من الخداع. كيف؟ يقول: عندما يصبح الناس غير أحرار في
قول آراءهم في حضور السلطة، فإنهم يخلقون خطاباً سرياً يمثل نقدها، ويتم تداوله من
وراء ظهرها، أما القوي فيؤسس بدوره، حواراً خاصاً به عن ممارسات حكمه وأهدافه، وهو
حوار لا يعلن على الملأ.
بيد إننا اليوم إزاء خطاب المواطنين الضمني الفاقع وغير المخبأ،
المعلن الذي لا أقنعة فيه، خطاب يفصح عن نفسه ومكنوناته، عن التناقضات وعن الطبقية
واللاعدالة الاجتماعية، خطاب قد يستتر ببعض حوامله التي تعكس انكماشاً في الحرية، لكنه يذكر
بالمساحات الاجتماعية التي ينمو فيها السخط والامتعاض فيرد بما لم يكن يلفط ويصرخ
بغضب مكتوم من استشراء السيطرة، فيكون تعريضه ملطفاً تلميحاً أو دقيقاً مباشراً لوصف
ما يحدث، ولواقع مثقل بنقيضين هما قسوة المعاناة وإحكام السيطرة في توزيع الثروة وفي
الهدر واللاعدالة الاجتماعية. تارة يعرض عبر الحكايات الشعبية أو رسوم الكارتير أو
الأغاني أو أو...رسائلة دون زخرفة يتذمر بسخرية، والتذمر كما يقول جميس سكوت بتصرف؛ شكل
من أشكال الشكوى المقنعة والمغمغة التي تتضمن قوة تبليغية تخترق اللحظة والمشهد.
إنه الإحساس العام بالاستياء، إنه قول كل الأشياء غير الممكن قولها، وضعها في الأعين في بؤبؤة الأعين، وبنظرة من الأعلى، قد نجد أن الفاعلين المسيطرين على ذمة سكوت: "قد سمحوا بهذا التذمر شريطة أن لا يتجاوز لياقة الإذعان العامة"، لكن السؤال، إلى متى؟
والخلاصة؛ أن تذمرهم رسائل ليست مبهمة، ليست عصية عن الفهم
والإدراك، إنها ضغط الاستياء الذي طفح وتاهت منافذه من فقدان الحكمة وبعد النظر.
المنامة - 8 يوليو 2022
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق