منى عباس فضل
أن تكتب مقالاً
علمياً تحليلياً موضوعياً حول أي قضية من قضايا المرأة في مجتمعاتنا العربية عامة
والخليجية خاصة تحتاج إلى أدوات بحثية ليس أقلها بيانات إحصائية حديثة ودقيقة
ورؤية معرفية شاملة تمكن من مقاربة هذه القضايا واستقرائها في سياق الواقع المحلي
وتفاعلات البنية الاجتماعية وتشابكها المعقد في ظل المتغيرات السياسية والاقتصادية
والتقنية السريعة، بمعنى، لا يمكن إغفال هذه العناصر أو إسقاطها من الاعتبارات
البحثية كي نصل من خلالها إلى نتائج يمكن تعميمها والاستناد إليها كدلالات
ومؤشرات.
في مقال نشر باللغة الإنجليزية على صفحات موقع مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة، بتاريخ 20 ديسمبر 2020 بعنوان «لماذا يفتقر الخليج إلى القيادات النسائية؟» للباحث والكاتب بالمركز الدكتور عمر العبيدلي، (أنظر المقال في الموقع:)
https://english.alarabiya.net/en/views/news/middle-east/2020/12/16/Why-does-the-Gulf-lack-female-leaders-Data-has-the-answers
أجد أنه من الأهمية الاطلاع
عليه والتمعن فيه من قبل الناشطين والمهتمين بقضايا النساء وحقوقهن. تأتي الأهمية
لما ورد فيه من نتائج وخلاصات، صحيح إن الباحث تناول بالتحليل حالة القيادات
النسائية في الخليج عامة، لكن القيادات النسائية في البحرين هن جزء لا يتجزأ من
هذه الفئة التي يحلل واقعها وبالتالي ينطبق عليهن ذات التحليل والنتائج، والنتيجة
تبعا له إننا نفتقر في مجتمعنا المحلي إلى قيادات نسائية. هذا بحد ذاته سيثير
لغطاً ونقاشاً سجالياً على المستويين الرسمي والأهلي في آن، ذلك لأن الخطاب الرسمي
ما فتئ يتحدث عن الانجازات المتحققة في مجال تكافؤ الفرص وسد الفجوة الجندرية
بتمكين المرأة ومساواتها بالرجل، فيما يرى الخطاب الأهلي أن هناك تقدماً ما حدث في
واقع المرأة لا ينكر وإن مؤسسات المجتمع المدني قد ساهمت بل إنها معنية بما تحقق
من تطور وبما يُسعى إلى تحقيقه من أهداف استراتيجية في هذا المجال لكن لا يزال
هناك نواقص واختلالات، كما لا أظن إن هذا السجال سيتوقف عند مناقشة الأمر في بقية
بلدان الخليج التي طالما تفاخرت بما حققته من إنجازات متطورة للنساء.
أيضاً صحيح إن الكاتب
أشار إلى اختلال في واقع تمثيل القيادات النسائية في البرلمانات الخليجية والقطاع
الخاص في المنطقة، وهنا لا نختلف معه، إلا إن القضية الرئيسية ذات العلاقة بهذا
الاختلال وحسب رأينا تعني ما تعنيه من قصور يتعلق بمشاريع واستراتيجيات تمكين
النساء ومناهضة التمييز ضدهن في كافة المواقع القيادية دون استثناء، لذا فالنواقص
لا تقتصر على الجانب البحثي رغم أهميته، فهذه الاستيراتيجيات بمؤشراتها ومبادراتها
في غالبها لا تتجاوز من كونها كتبت كوثائق تلبي متطلبات الالتزامات الدولية، فيما
تكشف البيانات الرقمية المتحققة من أسف عن فجوات عميقة لا تزال قائمة بين الجنسين
في كافة المواقع والمجالات وأبرزها كما أشار إليه المقال التمثيل السياسي في
الحياة التشريعية وتبوء المناصب القيادية الإدارية في الاقتصاد وغيره من المجالات
رغم ما حققته النساء من مستويات تعليمية متقدمة.
من ناحية متصلة، ثمة ما تتميز به قراءة كاتب المقال د.عمر العبيدلي أبرزها؛
تأكيده بأن تمثيل النساء الخليجيات -وطبعاً البحرينيات منهن-، في مواقع صنع القرار
والقيادة تمثيل ناقص ويرسم صورة قاتمة، مشيراً إلى أن احتمالية التمييز ضد المرأة يكون
في حالتين، الأولى في حال تمتعها بنفس سنوات خبرة الرجل؛ والثانية احتمالية تمتعها
بسنوات خبرة أقل، ويجد أنه في الحالة الأولى يمكن أن يشكل التدخل الإيجابي بتكليف
من الحكومة عنصراً فعالاً في عكس مسار التمييز، فيما قد يؤدي نفس هذا التدخل في
الحالة الثانية إلى نتائج عكسية قد تؤدي إلى إجبار الشركات على تعيين نساء غير
مؤهلات، وهذا يعزز من القوالب النمطية السائدة؛ ببساطة وهذا من عندي يعني إن
التدخل هنا لن يساعد في تغير حال الافتقار إلى القيادات النسائية، ويصل في تحليله إلى
أنه وفي ظل هكذا ظروف، ستبقى السياسة الأكثر فعالية هي تلك التي ستعالج وتبحث في
سبب عدم احتمالية تمتع المرأة بالخبرة الإدارية المطلوبة، وما فهمته منه إن سبب
غياب الخبرة عند النساء في مجتمعاتنا الخليجية بالأساس إنما هو لتعرضهن إلى
التمييز ضدهن في المستويات الأدنى وفي المؤسسات التعليمية أو النظام القانوني، وإن
تصحيح الوضع ربما يؤدي إلى ضمان تمثيل المرأة على قدم المساواة في المستوى
التنفيذي الأعلى دون الحاجة إلى اجراءات إيجابية تدخلية من الحكومة طبعا.
هنا يجوز طرح السؤال: ما الذي يجزم بأن خبرات المرأة الإدارية المطلوبة كي توصلها للمواقع القيادية هي دائما أقل من الرجل، لماذا لا يفترض النقيض؟ ثم ما هي الفرص التي حصل عليها الرجل تعليمياً ولم تحصل عليها المرأة؟ ولماذا لم يتناول تأثير التربية والتنشئة الاجتماعية ومنظومة الأعراف والعادات والتقاليد والثقافة السائدة وما إلى ذلك؟ أتفق معه حول التمييز قانونياً، ولهذا طالما طالبنا بتعديل التشريعات والإجراءات وبما يمنح فرصًا أكبر تحقق المساواة وتفرز صفًا من القيادات النسائية على جميع المستويات.
في مقاربة لواقع
المرأة في الغرب، يشير العبيدلي إلى نتائج أبحاث الاقتصاديين بشأن التمييز ضد
النساء والتي خلصت إلى أن النساء الغربيات أكثر ميلًا من الرجال في تجنب المخاطر كما
يترددن في بدء المفاوضات ويتجنبن البيئات التنافسية ويبحثن عن وظائف ذات ساعات عمل
مرنة وبمهام ترقية منخفضة، كذلك نوه إلى ما توصل إليه خبيران من جامعة تكساس في
دراسة لهما للتفاعلات "بأن احتمال سعي النساء الغربيات للمناصب الإدارية أقل
من الرجال وأن المديرات منهن كن أكثر عرضة من نظرائهم الرجال لتلقي رسائل غاضبة من
المرؤوسين، وأن هؤلاء المرؤوسين كانوا أكثر عرضة للتشكيك في قرارات المديرات
مقارنة بقرارات المديرين، بمعنى أن هناك انعدام ثقة في قدرات النساء الإدارية
ومهاراتهن"، ومع ذلك وفي حدود تجربة الخبيرين، لم يكتشفا أي فروق بين الجنسين
في الأداء الإداري، وهذه برأيي خلاصة مهمة يمكن التأسيس عليها، رغم أنه لا يمكن مطابقة
تلك النتائج حرفيًا مع واقع النساء في مجتمعاتنا المحلية خصوصاً مع غياب الدراسات البحثية
في هذا الشأن.
ينتهي الكاتب إلى أن
حجم الأبحاث حول قضايا الفروق بين الجنسين في بلدان الخليج محدود للغاية، على
الرغم من الحاجة الملحة لإجرائها، منوهاً إلى إن الإنفاق على الأبحاث وتمويلها حول
قضايا المرأة من منظمات المجتمع المدني متواضع بسبب محدودية حجمها وأن القطاع
الخاص في الولايات المتحدة يمول هذا النوع من الأبحاث، ما يعني أن هناك قصوراً من
القطاع الخاص في بلداننا لهذا الغرض. في السياق نتساءل ماذا عن الجانب الرسمي
المفترض أن لديه الإمكانيات والقدرة على التمويل؟
إلحاقاً بما سبق، يرى
أن صانعي السياسات في الخليج يمكنهم الاستفادة من الأبحاث الغربية؛ على الرغم من
الاختلافات القانونية والثقافية، وأن المؤسسات في بلداننا تقوم على التراتبية التي تقلل من فرص المرؤوسين في التعبير عن عدم رضاهم
عن قرار المدير، مما قد يؤثر على جاذبية المناصب الإدارية للنساء، بمعنى أن
التراتيبة تشكل عاملاً طارداً للنساء نحو المناصب الإدارية. في تصوري إن الأمر لا علاقة
له بالجاذبية الإدارية والتراتبيبة فقط وإنما بمحدودية الخيارات والفرص المتاحة لاسيما
عند النظر في السياسات والإجراءات المعتمدة في تعيين النساء للمناصب القيادية "التدخل
الإيجابي الحكومي" والتي تتجه نحو فئات منتقاة وشرائح ضئيلة من المجتمع ضمن
معايير العلاقات القرائبية والقبلية والولاءات حتى وإن اقترنت أحياناً بعامل
الكفاءة.
خلاصة الأمر، نتفق مع الكاتب حول أهمية إجراء أبحاث ودراسات تساهم في الإجابة على السؤال بشأن افتقار الخليج للقيادات النسائية، لكن المهم الأخذ بالاعتبار أن مسألة التمييز والتمكين التي سبق وتناولناها في العديد من المقالات والبحوث ولها صلة شديدة بما تتعرض له النساء من تمييز قوي ومباشر في التشريعات التي يستوجب تعديلها وحظر التمييز في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وسن قوانين وإجراءات خاصة ملزمة تضمن التوازن الجندري، كما ننوه إلى أنه ولكي تقوم مؤسسات المجتمع المدني بالمساهمة بالأبحاث العلمية في هذا المجال فإنها تحتاج إلى رفع القيود عنها وإفساح المجال أمامها للحصول على التمويل لهذا الغرض.
إن الحديث يطول
ويتشعب لتناول هذه القضية الإشكالية التي غالبا ما يتجاذبها الخطاب الرسمي في صف
الإنجازات وما تحقق للمرأة في مواقع صنع القرار، باعتبار أن بلداننا قطعت أشواطاً
متقدمة في عملية التمكين وتحقيق المساواة، فيما ترى وجهات نظر أخرى أن التقدم
المتحقق لا يزال بطيئاً وأشواط العمل لا تزال بعيدة أمام نساء الخليج للوصول إلى
المواقع القيادية، وهذا يتطلب الجدّية ومضاعفة الجهود والشراكة التي تحقق هدف
المساواة.
المنامة – 20 يناير
2021
منى عباس فضل
- ينشر بالتزامن في نشرة الاتحاد النسائي البحريني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق