الخميس، 13 يونيو 2019

"صفقة القرن"...تصفية للقضية الفلسطينية

منى عباس فضل
 للنظر في أمر "صفقة القرن" يستوجب العودة قليلا للوراء، تحديداً منذ التوقيع على "اتفاق أوسلو" عام 1993. حسب الكاتب "شفيق الغبرا": "في ذلك الوقت توفرت بيئة دولية وإقليمية لإيجاد حل للصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي، حيث تضمن الإتفاق على خطوات لنشوء سلطة فلسطينية في مرحلة أولى، ثم التفاوض بين هذه السلطة وإسرائيل على القضايا الشائكة ومنها: اللاجئون وحق العودة والقدس والحدود والسيادة والمستوطنات وغيرها من القضايا"، كما وضع شرط أساسي للانتهاء باتفاق قبل مرور خمس سنوات عليه".

وقتها كما يضيف حذرت أصوات فلسطينية ومنها المفكر الفلسطيني الأمريكي "إدوارد سعيد": "من أن الصهيونية عاجزة عن تقديم حل للصراع، وأنها لن تقبل بدولة فلسطينية مستقلة مهما تنازل لها الفلسطينيون، فإسرائيل لن تتراجع عن المستوطنات وتمددها ولا عن القدس واحتلالها ولا عن يهودية الدولة وعنصريتها، ولن تقبل بعودة اللاجئين ولن تعترف بكل الكوارث التي بدأت منذ النكبة في العام 1948".

ثمة ظروف ومتغيرات فرضت نفسها على المشهد السياسي الإقليمي آنذاك؛ كاغتيال رئيس الوزراء "إسحاق رابين" عام 1995 الذي أثر على تغير الموازين بتراجع إسرائيلي عن "أوسلو" وتنامي دور تيار اليمين الذي لم يتقبل في الأصل فكرة السلام، إلى جانب أجواء الساحة الفلسطينية التي اتسعت تناقضاتها وخلافاتها خصوصاً بين "حماس وفتح" حول "العمل المسلح" واستمرار المفاوضات.

في التحليلات قيل بأن "ياسر عرفات" اكتشف في لحظة ما خصوصاً بعد اغتيال رابين بأنه خدع في ظل ضغوطات كان يمارسها حزب الليكود واليمين مع وصول نتنياهو لرئاسة الوزراء عام 1997، ومع ذلك وافق على الذهاب إلى مؤتمر "كامب ديفيد" للتوصل لاتفاق سلام مع الرئيس كلينتون وحكومة حزب العمل برئاسة إيهود باراك عام 1999، لكن المؤتمر كما تعلمون فشل بسبب التشدد الإسرائيلي وعدم قبول الفلسطينيين بما وضع على طاولة المفاوضات، لم لا وهو لم يضمن لهم السيادة على القدس وعلى كل أراضي الضفة الغربية ولم يتضمن حق العودة، وإرضاء لإسرئيل حمل "كلينتون" "عرفات" مسؤولية فشل المفاوضات إلى أن سارت الأوضاع بعدها نحو المواجهة، (للمزيد أنظر مقالة "لماذا فشل أوسلو ولماذا تسقط صفقة القرن لشفيق الغبرا، موقع: عربي 21، 20/9/2018).

وبدأت الانتفاضة الفلسطينية عام 2000 التي شجع عليها "عرفات" بسبب تعثر وفشل "اتفاق أوسلو"، وعند وصول "شارون" للحكم في 2001، بدأت الانتفاضة الثانية التي في حقيقتها حرب بين إسرائيل والفلسطينيين استمرت حتى 2005، وقد استشهد فيها ألوف الشبان والمقاتلين الفلسطينيين وجرح 48 ألف فلسطيني ناهيك عن حملات الاعتقال، وأعاد جيش الاحتلال الإسرائيلي احتلال الضفة الغربية وفرض حصار على "ياسر عرفات" في مقر قيادته برام الله، وبدأت إسرائيل بتشييد جدار الفصل العنصري حول مدن وقرى الضفة الغربية، وتنامى الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية العربية الذي وصلت وتيرته لقمتها مع وصول "شارون" للحكم الذي قام باغتيال عدد كبير من القادة الفلسطينيين منهم الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين "أبو علي مصطفى"، في المقابل وقعت مئات من عمليات المقاومة الفلسطينية في المستوطنات وفي أراضي فلسطين ضد جنود ومواقع الاحتلال، كما تشير المصادر لتورط "شارون" في مقتل "عرفات" بالسم أثناء حصاره في 2004، ومنذ اختفاء "شارون" عن الساحة عام 2006 بسبب الغيبوبة استمر الجمود والتدمير المنهجي من حكومات اليمين لكل اتفاقات "أوسلو" ناهيك عن العدوان على غزة في 2009 في ظل احتلال إسرائيلي وحصار عنصري. 


"صفقة القرن"
تجمع التحليلات إلى إن "صفقة القرن" أو "خطة فلسطين الجديدة" التي يتم الحديث عنها منذ 2017 ما هي إلا إعلان عن وفاة "اتفاق أوسلو"، وفي حقيقتها كما يشير الكاتب توفيق المديني في مقالته (صفقة القرن وعودة الاستعمار في المشروع القومي الديمقراطي العربي، مجلة البلاد اللبنانية، 8/9/2019)؛ هي "خطة سلام أمريكية قائمة على مسارين متوازيين: التوجه الأمريكي-الصهيوني المعنون بالمبادرات الاقتصادية "ورشة المنامة في 25-26 يوينو" لتحسين مناخ الثقة بالتسوية ولإزالة العقبات أمام الحل السياسي وفتح الملفات الكبرى لقضايا الحل النهائية باتجاه تصفية القضية الفلسطينة"، وعليه فهي صفقة لا تقدم شيئاً.

هناك تسريبات ممنهجة ومتعمدة من أطراف عدة وبتغطية واسعة عن بعض أجزاء"الصفقة" التي يرى المراقبين بأنها جاءت في سياق الخطة لأغراض دعائية ولجس النبض وصولاً لتأييدها. نشرت صحيفة "إسرائيل اليوم" المقربة من رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" ما ذكرت بإنه نص وثيقة متداولة في وزارة الخارجية الإسرائيلية حول عناصر "خطة صفقة القرن" للتسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين وقد تضمنت مجموعة بنود يقتضي التوقف عندها وعند دلالاتها وهي (للمزيد أنظر المقالات التالية المنشورة في موقع العربي الجديد بتاريخ 26 مايو 2019 وهي؛ فلسطين الجديدة لأسامة يوسف، صفقة القرن..قراءة في دلالات الوثيقة المسرّبة لثابت العمور، من فلسطين التاريخية إلى فلسطين الجديدة لأحمد عبدالهادي، وفلسطين الجديدة..نكبة ثانية لمحمد ريان):

اتفاق ثلاثي

يوقع اتفاق ثلاثي بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية وحماس، تقام بموجبه دولة فلسطينية تدعى "فلسطين الجديد". الوثيقة تذكر "حماس" المصنفة بالإرهاب من واشنطن كطرف في الاتفاق، لكن ذكرها يأتي منفصل وغير مدرج  تحت إطار "منظمة التحرير"، ولم تقُل الوثيقة بأن الاتفاق سيكون بين إسرائيل والطرف الفلسطيني أو الفلسطينيين، ما يعني أنها تتوقع استمرار الانقسام بل وتستهدف إبقاءه؛ وتضع حماس في مواجهة منظمة التحرير؛ كما تستبعد بقية الفصائل خاصة غير المنضوية تحت إطار منظمة التحرير الفلسطينية.


دولة أم كيان فلسطيني
تبعاً للوثيقة لن يكون هناك "دولة ذات سيادة" حسب المتعارف عليه في القانون الدولي، إنما "كيان بمستوى حكم ذاتي" وربما أكثر قليلاً، كيان مقطع الأوصال أكثر مما يبدو دولة، الكيان يقع بين الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة وبالطبع سيكون منزوع السلاح، ما يعني نسف كل الاتفاقيات السابقة في "أوسلو" وما تبعه من خرائط طرق ولقاءات، وإلغاء وتجاوز كل القرارات الدولية والأممية الصادرة منذ 1948 المتعلقة بالقضية الفلسطينية ومكوناتها من عودة اللاجئين والقدس والسيادة والحدود والمياه وغيرها، ومما كشفته الوثيقة تفصيلاً في هذا الصدد:
1.      يمنع تأسيس جيش للكيان، ويمنع السلاح خارج نطاق السلطة الشرعية، والسلاح المسموح هو سلاح الشرطة فقط، وتتكفل إسرائيل بالدفاع عن الكيان في إطار اتفاق بين الطرفين، كما تتكفل السلطة والدول العربية بتغطية تكاليفه.
2.      لن يتم تبادل أراضٍ في الضفة الغربية، ولن يتم تعديل حدود عام 1967. 
3.      ربط الضفة الغربية وقطاع غزة بجسر معلق "أوتوستراد" يرتفع عن سطح الأرض (30 متراً)، وتغطى تكاليفه من أطراف دولية. 
4.      لن تكون "القدس عاصمة "للدولة الفلسطينية الجديدة"، واعتبار إحدى المناطق فيها التي ستضم للكيان الجديد بمثابة عاصمة دائمة، و"بلدة أبو ديس" مرشحة لتجسد هذه العاصمة. 
5.      تتمتع المستوطنات الإسرائيلية بتواصل جغرافي بينما تربط التجمعات الفلسطينية بربط مواصلاتي فقط عبر طرق التفافية وجسور، وهو ما يحول الضفة الغربية إلى كنتونات ومعازل متناثرة ومنعزلة، مع تأكيد الصفقة على حرية الحركة بين المدن الفلسطينية وإزالة الحواجز، وضمان حرية الحركة التجارية بين الضفة وإسرائيل والأردن وغزة. 
6.      بعد الإعلان عن "فلسطين الجديدة"، يتم البحث عن صيغة سياسية اتحادية مع الأردن "كالكونفدرالية أو أي صيغة سياسية أخرى، بمعنى "مشروع الوطن البديل" ما يعنى خلق حالة تأزيمية في الدولة الأردنية لتغيير هويتها إلى فلسطينية.

عن القدس والمقدسيين

تحسم "صفقة القرن" قضية القدس سلفاً بالإستناد إلى ما مهد إليه "دونالد ترامب" حين نقل السفارة الأميركية إلى مدينة القدس في 14 أيار/ مايو 2018 في اعتراف رسمي بسيادة إسرائيل على القدس. تشير الصفقة بأن الوضع الإداري في القدس سيبقى على ما هو عليه من حيث تبعيتها لبلدية دولة الاحتلال، ما يعني بقاءها تحت السيطرة والسيادة الإسرائيلية المطلقة، وإن "الحرم القدسي" سيبقى مفتوحاً لممارسة الشعائر الدينية لكافة الأديان، كما يرد مصطلح "السيادة الوظيفية" الخاصة بالبلدة القديمة والحرم، وهي سيادة تتعلق بالمجال التشغيلي والوظيفي، الأهم فيما ورد بشأن سكان القدس الفلسطينيين وهم حوالي "120 ألف مقدسي" والمتوقع -حسب ما توحي الوثيقة- أن تسحب هوياتهم المقدسية ويلغى حق وجودهم في مدينتهم المقدسة بما يمهد لاحقاً لطردهم وترحيلهم منها وإفراغها بشكل تام من الفلسطينيين. 


المستوطنات
كشفت الصحيفة في "وثيقة صفقة القرن"؛ سيتم ضم جميع المستوطنات لإسرائيل بما فيها المسافة بينها وبما يشمل الطرق الالتفافية والمحيط الأمني لكل مستوطنة، ما يعني "لن يكون هناك إخلاء للمستوطنات في الضفة المحتلة"، كما أن غور الأردن الذي يمثل "28%" من مساحة الضفة الغربية سيبقى تحت الاحتلال، علماً بأن مساحة المستوطنات وملحقاتها والمناطق التي تعرفها إسرائيل بالاستراتيجية والحيوية لأمنها ومن ضمنها "غور الأردن" تشكل حوالي (60%) من مساحة الضفة الغربية المحتلة، كما تجدر الإشارة إلى إعلان وزير الخارجية الأميركي "بومبيو" بأن واشنطن ستعترف بضم إسرائيل لمستوطنات الضفة إذا ما قررت ذلك، كما اعترفت بضم الجولان السوري إلى إسرائيل. 

قطاع غزة "فلسطين الجديدة"
حسب تصور الوثيقة سيبقى قطاع غزة مركز الكيان المسمي "فلسطين الجديدة" وهو يشمل أيضا الشريط الساحلي الشمالي لسيناء بعمق(720 كيلومتراً)، بيد إنه وتبعاً لمحللين ثمة ثلاث عقبات يتطلب تجاوزها لتحقيق هذه الرؤية؛ أولها مسألة تجاوز سيطرة "حماس" المصنفة بإنها إرهابية حسب التعريف الأميركي، وبالتالي عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، ثانيها أن تتسلم جهة ثالثة البنية التحتية العسكرية وسلاح المقاومة الثقيل والخفيف و"مصر" هنا مرشحة للقيام بهذا الدور، أو السلطة الفلسطينية نفسها بعد بسط سيطرتها على غزة، أما الثالث وبسبب ضيق المساحة الجغرافية وندرة الموارد وانعدام التواصل مع الخارج، تقترح "الصفقة" أن تبادر مصر بالمساهمة في حل هذه المشاكل بتقديم تسهيلات كبيرة للفلسطينيين في المنطقة ما بين "رفح وشرق مدينة العريش"، وإقامة منطقة صناعية بسيناء على الحدود لخلق فرص عمل تستوعب الآلاف من سكان قطاع غزة، ومطار وميناء وربما تطوير ميناء ومطار العريش، ومشاريع طاقة وتحلية ميناء تكفي لسد حاجة بضعة ملايين"، ولحساسية الموضوع لدى الشعب المصري، يدور الحديث حول بقاء السيادة المصرية على المنطقة المشار إليها. 

إلغاء حق العودة للاجئين
تتجاوز "صفقة القرن" قضية "حق العودة للاجئين"، وتقدم رؤيتها بإعتبار أن عدد اللاجئين (نحو 50 ألفاً) فقط  وإن هؤلاء يمكنهم العودة إلى قطاع غزة بعد الإعلان عن "فلسطين الجديدة" رغم إن سجلات الأمم المتحدة تشير إلى إنهم (5.4 مليون لاجي...للمزيد أنظر مقالة: أميرة أبو الفتوح "ورشة الخزى والعار" موقع عربي 21، 5/6/2019)، أما اللاجئون في الأردن ولبنان فسيتم توطينهم مع التعويض وبإغراءات مالية ضخمة للدول المضيفة وتشجيع الدول الأخرى خصوصاً الأوروبية على استقبال مزيد من الفلسطينيين وتجنيسهم.

يرى المراقبين بأن الإدارة الأميركية قد مهدت لهذا الأمر بخطوات عملية على الأرض تمثلت؛ بوقف تمويل وكالة الغوث الدولية "أونروا" لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين واتهامها بالفساد، وهي التي تعد بمثابة دليل قائم وشاهد قوي معترف به دولياً على الحقوق السياسية والقانونية للاجئين الفلسطينيين. طالبت الإدارة الأميركية إسرائيل بالتضييق على أنشطة الوكالة وخصوصاً في مناطق الضفة المحتلة وأوعزت كذلك لدول عربية بالتوقف عن دعم الأونروا بالأموال لصالح اللاجئين الفلسطينيين في محاولة جادة لتصفير خدماتها.


تمويل الصفقة برشاوى سياسية
يهتم مهندسوا "صفقة القرن" ببند التمويل وتوفير المتطلبات المادية و"المحفزات الاقتصادية" وكأنه مشروع اقتصادي بغطاء سياسي، تحدثوا عن مبالغ ضخمة توحي بأنها "أموال رشوة سياسية" لتمرير "صفقة القرن"، إذ يقدر كلفتها الأولية بحوالي (30 مليار دولار) قابلة للزيادة، تستخدم لتغطية مشاريع البنية التحتية، أما حصص التمويل فيفترض توزيعها بين الدول المانحة؛ بنسبة (20%) تدفعها الولايات المتحدة و(10%) يتحملها الاتحاد الأوروبي وباقي التكلفة (70%) تدفعها دول الخليج (السعودية والإمارات) كما تتكفل اليابان وكوريا الجنوبية أيضا بالدفع، واللافت هنا أن الوثيقة تصور السعودية كلاعب ثانوي في حسب ما تحدده الراغبات الأمريكية إذا لا دور لها إلا في دفع التكاليف الأمر الذي يغيب عملياً دورها الإقليمي وهي صاحبة "المبادرة العربية للسلام" التي تقدمت بها لقمة بيروت عام 2002 ورفضتها إسرائيل.

دلالة أخرى متعلقة ببند الدول العربية والخليجية المانحة، الصفقة تخرج القضية الفلسطينية من حساباتهم وأجنداتهم، والإستدارة لإسرائيل لم تعد مجرد تطبيع اقتصادي وتبادل مصالح ومنافع كما يروج عرابو التطبيع، إنما بات أمرها تماهي مع كيان العدو الإسرائيلي على حساب القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني، في الوقت الذي يسود فيه الصمت الرسمي إزاء مضمون الوثيقة، ما يعني انتهاء الممانعة العربية وحالة ما يسمى بالنظام الإقليمي العربي.

جدولة زمنية
حسب الوثيقة يبدأ التنفيذ بعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة وتفكيك البنية العسكرية لفصائل المقاومة، وتسهيل الحركة من وإلى قطاع غزة كمرحلة أولى من خلال المعابر مع إسرائيل ومصر، وتنشيط الحركة التجارية مع الضفة الغربية المحتلة، ثم بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية بعد عام من الشروع في تطبيق الاتفاق، وخلال خمس سنوات سيتم بناء مطار وميناء وعلى الأغلب في قطاع غزة، وحتى إنجاز ذلك يستفيد المواطن الفلسطيني من تسهيلات المطارات والموانئ في إسرائيل؛ نعم إسرائيل التي ترتعد من حركة ظل طفل فلسطيني في الشارع ستفتح مطاراتها وموانئها للفلسطينين ياله من خداع وسراب. 



الرفض يقود لمقصلة العقوبات
تنتهي الوثيقة ببند رقم (10) بعنوان مسؤولية، وعند قراءة دلالة هذا البند سنجد إنه أقرب لإعلان حالة حرب، فهناك عقوبات ستفرضها الإدارة الأميركية على أي طرف من الأطراف في حال رفضه "لصفقة القرن" أو يُعطلها، حقاً إنها لغة بلطجة وتغول كما وصف أحدهم وليست لغة وسيط دولي يمكن أن تفضي إلى إتفاق، لم لا وفيها تهديد واضح للسلطة الفلسطينية وفصائل المقاومة المسلحة في غزة، بقطع جميع أشكال الدعم المادي عن السلطة الفلسطينية والضغط على الدول المانحة أيضا لتحجب مساعداتها ما يعني دفع السلطة الفلسطينية للانهيار، وتهديد فصائل المقاومة، خصوصاً "حركتي حماس والجهاد الإسلامي" في حال أصرتا على التمسك بسلاحهما فإنها ستعرض نفسها للآلة العسكرية الإسرائيلية للتعاطي معها وآلتها حتما هي "الاغيتالات"، وبالنسبة لإسرائيل توجد إشارة يتيمة ملتبسة لإمكانية تعرضها لعقوبات اقتصادية.

في السياق من المهم الإشارة إلى الخطة العقابية لليمين الصهيوني الحاكم وبالاتفاق مع الإدارة الأميركية بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية المحتلة في حال رفض السلطة الفلسطينية لمشروع "فلسطين الجديدة"، وهو المتوقع الذي ترجحه إسرائيل، ما يعني ضم حوالي (60%) من مساحة الضفة الغربية المحتلة لإسرائيل، عملياً إهالة التراب نهائياً على مشروع حل الدولتين.




في الختام؛ يتفق المحللين بأن "صفقة القرن" وتبعاً للتسريبات والإجراءات التي تم العمل بها منذ الإعلان عنها؛ تحول القضية الفلسطينية إلى مجرد قضية إنسانية "قضية مساعدات وإعانات"، وفي جوهرها تستهدف الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة وفي دول الشتات. لا شك إن سنوات التفاوض مع دولة الاحتلال الإسرائيلي قد رسخت القناعة بأن إسرائيل لا يمكنها الإعتراف بأدنى حق من حقوق الفلسطينيين، كما إن "الدولة الفلسطينية الجديدة" تشكل جسماً هلامياً لا كيان حقيقي له ولن يفضي لسيادة أو استقلال ذلك لأن الصفقة تحصر نظرها إلى الإنسان الفلسطيني من زاوية الاحتياجات الحياتية بعد تجريده من حقه القانوني في العودة وسلب حقوقه السياسية كلاجئ.

واقعياً إسرائيل ابتلعت الأرض وتسعى في هذا المسار إلى "ترويض الوعي العربي والفلسطيني" للقبول بمشاريعها الاستيطانية؛ وتحويل الأمة العربية بثرواتها وجغرافيتها ومواقعها ومواردها لمستعمرة جديدة للولايات المتحدة وتحويل الكيان الصهيوني إلى دولة طبيعية وصديقة وشقيقة للدول العربية وتأكيد سيطرتها وتسلطها العسكري والسياسي والاقتصادي كما يقول "المديني"، وهنا تكمن خطورة هذه الصفقة المشبوهة، إن "فلسطين الجديدة" ليست مجرد تعبير ومصطلح يمرر عبر وثيقة وزارة الخارجية الإسرائيلية كمشروع أو كحل، إنما هو خطة استهداف للوعي الفلسطيني والعربي والعمل على ترويضه لتقبل "مبدأ التطبيع" وللتوقف عن ممارسة النضال والمقاومة والقبول بالأمر الواقع، وهذا يمثل خطراً عميقاً، خصوصاً مع حالة الترويج للتطبيع كأمر لا مفر منه. إن "صفقة القرن" تؤسس لصراع جديد مختلف وخطير وتعيد تشكيل خارطة العلاقات الفلسطينية والدولية، إنها تنتزع حق المقاومة والحق في تقرير المصير، وفي نهاية المطاف تجعل من واشنطن شريك في جريمة أي حرب قادمة ضد الفلسطينيين.

أما الرهان الإسرائيلي-الامريكي على صناعة سلاماً يتجاوز الشعب الفلسطيني يجده الكاتب "شفيق الغبرا" مبالغ فيه. لماذا؟ لأن دول عربية برأيه "قد تقترب من التنسيق في هذا المشروع وقد تجد لها مصالح محدده، لكنها لأسباب ذاتية وداخلية عربية وإسلامية لن تستطيع السير في خطة لا تشمل القدس ولا تشمل موافقة الفلسطينيين الواضحة..لقد سقطت فرص السلام بالكامل" مضيفاً "إلى إنه وبرغم أن الحالة الفلسطينية الراهنة مثقلة بالجراح، لكنها بنفس الوقت شديدة المعرفة بنقاط قوة ونقاط ضعف العدو، وهي تتحلى بالذكاء الفطري في ظل أكثر من مائة عام من الصراع، ما يفرض على الشعب الفلسطيني البقاء على الارض والتمسك بالحقوق والمنازل والمدن والمناطق وتطوير ألية مؤسساته والاعتناء بالمعرفة والتعليم وبناء القدرات".

خلاصة الأمر صحيح ما قيل "بأن ظهر الفلسطينيين قد بات مكشوفاً عربياً وأنهم وحدهم عليهم التصدي والدفاع والقتال من أجل حقهم وأرضهم"، إلا إن المؤكد أيضاً "بأنهم يمتلكون أوراق مهمة في غزة والضفة وفي القدس المحتلة والشتات الواسع، أوراقهم الأساسية تتلخص بعدالة قضيتهم ودعم الشعوب العربية والإسلامية حتى اللحظة فالحد الأدنى من الشرعية الإسرائيلية غير مكتمل لأنه متوقف على قبول الفلسطينيين بالسلام وفق قيم واضحة للعدالة والحقوق".

منى عباس فضل
المنامة – 13 يونيو 2019



هناك تعليق واحد: