الخميس، 5 يناير 2023

هل حقاً ليس هناك أزمة حريات؟

 

منى عباس فضل

·      تعليق على تقرير صحفي نشر في صحيفة أخبار الخليج في 4 يناير 2023 بعنوان "الصحافة البحرينية تمر بأزمة فكر وثقافة وليس أزمة حريات"

 

 كما يقول المثل: وشهد شاهد من أهلها؛ وأي شهادة وأي تنظير، تشير مضامين التقرير الصحفي وعباراته إلى أن هناك (موضوع للحريات المقموعة) وتفترض بأن الحرية تتطلب فكراً ونقاشاً.

 

انتهينا اليوم إلى أن يعلموننا، ألف باء معنى الحرية ومفهومها، الحرية المغمّسة بالقمع والتهميش وبتر الحقوق في بيئة ينخر فيها الفساد؛ يعلموننا إياها من منظورهم، عبر صحافة تمثل الرأي والرأي الواحد الذي ينتظر وصول المقالات والتقارير الصحفية بعد أن ينالها التشذيب والتنقيح والتزويق، كي تمتلئ بها صفحاتها التي بشهادة التقرير لم تعد مقروءة ولا تهم القارئ لا من قريب أو بعيد، لم لا وهي ليست لسان حاله ولا معاناته ولا نبضه. التقرير يلقى اللائمة على المجتمع، يعني الناس التي لا حول لها ولا قوة، يعلمها كما جاء في تفسيرهم للمفسر، من منطلق "مفاهيم الحرية المسؤولية والالتزام بها وتعاطي المجتمع وتقبّله للحريات"، وهنا يطرق السؤال الباب عن أي حرية يتم الحديث؟ ما نوعها، ما حدودها؟ ما مجالاتها؟

هل هي الحرية التي يُمسك فيها بتلابيب الصحافة والإعلام لتشكيل الرأي العام كما يرغب إليه ويخطط، كما يراد؟ منذ متى صارت هذه الصحافة بيئة صحية لممارسة حرية الرأي وقد امتلأت بالسموم وبث الشتائم والتخوين عبر أعمدة امتهنت كتابة لا تشبه إلا الذوات المريضة، مليئة بكل الموبقات التي يخجل المرء عن ذكر تفاصيلها خصوصاً بعد أن وطّنت نفسها للترحيب بنهج التطبيع مع العدو الصهيوني، هي تاريخ أسود لا يزال ينهش في خاصرة الوطن وناسه.

 

في التقرير، يشار إلى إن الحرية تتطلب فكراً ونقاشاً؛ وماذا أيضا؟

ما الفكر وما النقاش المقبول الذي سيفرش على أرضية الصحافة الحرة والإعلام الحر؛ ما حدوده ما عناصره؟ قيل أن هناك لغطاً كبيراً في المجتمع حول حرية الصحافة؛ نعم هناك لغط كبير، بل قل هناك آهة وشكوى واحتجاج على تحجيم حرية التعبير والكتابة وإبداء الرأي بحسب المفهوم المتعارف عليه في منظومة الحقوق الدولية، وهذا لا يبتسر ويحدد فقط كما يشير التقرير إلى (عدم المعرفة) وكأن هناك في هذا المجتمع من يعرف ومن لا يعرف؟ فمن يمتلك زمام المعرفة والتنظير يحق له ممارسة حرية الكتابة والتعبير ومن لا يملك المعرفة بمقاسات ومعايير التنظير في إطار التقرير، لا يحق له مساحة من هذه الحرية.

 

هناك نسيان وتناسي لمسألة السيطرة على الإعلام ووسائله ومنافذه بالقوانين المقيدة، واحتكار ظهور المسموح لهم على الفضائيات المحلية والخارجية، حيث يحدد فيها من يدلي بدلوه في الأحداث وما يعصف بالمجتمع من منظور الرواية المراد إيصالها لا بما يعبر عنه الواقع. منعت الصحف والأقلام من الكتابة عنوة، وأغلقت منافذ التعبير عن الرأي المغاير المخالف الذي له روايته وتفسيره لما يمر به المجتمع من تفاعل وأحداث، والآن، وبعد أن بلغ السيل الزبى لما وصلت إليه الصحافة من فقر وتسطيح يذكر التقرير "بأنه وللأسف الشديد الصحافة البحرينية والإعلام بشكل عام يمران بأزمة فكر وثقافة، وليس أزمة حريات، لأن هناك أزمة في الفكر والثقافة على جميع المستويات"! ويضيف التقرير أن هذه الأزمة (الحمد الله تم الإقرار بالأزمة)، لا تناقش على أي محفل سواء صحفي أو إعلامي، حتى إننا نطالع الصحف لا نجد فيها ما يقرأ أو يضيف شيئاً جديداً.. فهي -أي الصحافة- من وجهة نظر التقرير تعاني وهي مريضة، بل ويجب أن نبحر بالسفينة بكل هدوء.. وبكل خوف، (حقاً كلام إنشائي).

لا نعلم عن ماهية الهدوء المعني هنا؟ ربما الهدوء الذي لا يوجع الرأس، لا ينغص الحالة المريحة التي وصل إليها حال الصحافة القائمة "التي تعاني ومريضة.." المتربعة على العرش باحتكار النشر والتعبير عن الرأي الأوحد، بعد أن ساهمت بإسقاط كل من كان يخالفها الرأي ودفعت باتجاه إقفال الصحف المخالفة التي لا يحق لها الوجود أصلاً بحجج كونها طائفية أو غير موالية ولا تتمتع بحس المسؤولية.. إلخ المعزوفة، لكن الغريب في الأمر أن يتم الإبحار برأيهم بخوف.

من يخوض غمار الإبحار في الأمواج، يستوجب عليه أن يكون جسوراً منصفاً عادلاً صادقاً في التعبير عن نبض الشارع وناسه، ليس مهتزاً ولا خائفاً متوجساً ولا ولا، أن يسمى الأشياء بأسمائها ولا يلقى اللوم لما وصل إليه الحال على الناس البسطاء من المواطنين الذين يعانون الأمرّين من ضغوط الحياة اليومية وما يفرض عليهم من ضرائب وما يقضم من حقوقهم ومداخيلهم وما يتعرضون إليه من بطالة فاقعة متوحشة تفترس مستقبل الشباب والشابات في كل المجالات والميادين في ظل تدفق ووجود أجنبي في البلاد ينذر بمخاطر استراتيجية، لا يبدو أن هناك من يستشعرها كما يفعل المواطن المسكين كونه يتعثّر بها في كل شاردة وواردة، وما زاد الطين بللًا أن يجد الصهاينة في وسط مناطقهم وعاصمتهم مساحة يردحون فيها ويحتفلون في صورة من صور التحدي الذي يشهده التاريخ في مجتمعنا لمشاعر المواطنين وكرامتهم.

إن الصحافة المنتهية صلاحيتها لا تجرؤ على مناقشة هكذا مشكلات ومعضلات بحرية وتوصف الحال بما يستوجبه الضمير الحي، فالحرية لديها أن تناقش المواطن فقط بتغيير نمط استهلاكه والاستفسار عن الاقتصاد المنزلي؟

 

ما أجهلكم بحال الناس وما أبعدكم عن نبض الشارع، من الأبراج العلوية يتم التنظير لهم بالقول إن (القوة الإدراكية عند شعبنا حتى الآن مازالت في مرحلة النمو ولم تصل إلى النضج بعد)، كم معيب النظر إلى شعب البحرين بأنه غير ناضج وغير مكتمل النمو، إنه الجهل؛ واللامسؤولية التي تقف عند حدود مساحة حرية إعلام وصحافة نطاقها أنا وما بعدي الطوفان.

فلو كنتم فعلاً تنشدون حرية صحافة وإعلام حقيقي، لفتحتم أبواب هذا النقاش الفكري كما يطلق عليه لمن يخالفكم الرأي وأفردتم مساحة له ليعبر إليكم عن رأيه بشكل حضاري دون اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي بسبب احتكار الصحافة ووسائل الإعلام التي فقدت مقوّماتها المهنية والتزامها في التعبير عن مختلف الآراء ووجهات النظر في المجتمع حتى تستحق أن يطلق عليها السلطة الرابعة، فهي هنا لا سلطة رابعة ولا أخيرة ولا يحزنون، هي شيء رخو ممل وعفا عليه الزمن ومضى. 

 

المنامة – 5 يناير 2023


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق