السبت، 12 ديسمبر 2020

تصفير مجلس الأمة من الكويتيات

منى عباس فضل

في إطار الاستراتيجيات التنموية الوطنية وأهداف التنمية المستدامة الخاصة بتمكين النساء والمساواة بين الجنسين، شهدت الكويت في السنوات الأخيرة حضوراً نسائياً في المشهد السياسي المحلي وتمثيلاً نسبياً في الهيئات التشريعية والإدارية، لم لا والمرأة الكويتية أثبتت وجودها في الفضاء العام بما تعكسه من مستويات متقدمة في مجالات التعليم والاقتصاد والتي بدورها فرضت سن التشريعات والقوانين التي أنصفتها ومنحتها الحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، بيد أن تجربتها البرلمانية وما رافقها من تجاذبات، إضافة إلى نتائج مشاركتها الأخيرة في الانتخابات كشفت عن فجوة نوعية صادمة في عدم حصولها على أي مقعد في مجلس 2020، ذلك رغم الخبرات السياسية التي اكتسبتها وراكمتها في العمل التشريعي ترى ما الأسباب الكامنة وراء تصفير مجلس الأمة من تمثيل الكويتيات؟ وهل هن حقاً مسؤولات عن تلك النتيجة؟  

 لا يمكن تحليل واقع المشاركة السياسية للكويتيات بمعزل عن واقع الكويت السياسي والاقتصادي بل وطبيعة بنية المجتمع التي لاتزال تخضع في تشابكها وتفاعلها للعلاقات القبلية والعشائرية والطائفية، كذلك على التضاد أو التقارب بين هذه المكونات والنظام السياسي أو بين بعضها البعض، فكل هذا وذاك حتماً له تأثير عميق لما خلصت إليه نتائج الانتخابات الأخيرة.


نظام انتخابي مترهل

صحيح أن الكويت تعد أول دولة خليجية تعتمد النظام البرلماني منذ عام 1962، لكن الصحيح أيضاً أنها تفتقر إلى قانون ينظم الحياة السياسية فيها، فلا أحزاب ولا أي شكل من أشكال التنظيمات السياسية؛ هي فقط الديوانيات والتجمعات الدينية الرجالية التي تشكل محور النشاط السياسي المتحرك وحاضنته في العملية السياسية التي تتشابك امتداداً مع القاعدة الشعبية التي يبرز حراكها من خلالها التضادات والتفاعلات والتواصل المباشر بين المرشحين والناخبين الذين يتفاعلون في بيئة التنافس السياسي المعتمد وأدواته المتعارف عليها المشروعة منها وغير المشروعة؛ في بيئة الديوانيات والتجمعات يعتمد الرجال على تسويق أنفسهم وإقناع الناخبين بتبني قضاياهم وحل مشكلاتهم، وهي كما ذكرنا ذات طابع قبلي وعشائري وطائفي يتداخل فيها حراك جماعات الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي، وجميع هذه المكونات في حقيقتها لا تعترف بوجود المرأة في العملية السياسية، وغالباً ما تسعى إلى إقصاءها من منطلقات دينية وثقافية وايديولوجية تتعلق بولاية المرأة العامة والخاصة، وبهيمنة وسطوة الأعراف والتقاليد التي لا تؤمن بخبرات المرأة في المجال السياسي بل عدم كفاءتها وبأن العمل السياسي والبرلماني مصمم للرجال، وبالتالي لا مجال للحديث عن وجودها ونشاطها في فضاء هذه التجمعات الذكورية التي يمكن من خلالها كسب أصوات الناخبين وإقناعهم ببرامجها وأدئها.

 في السياق يعاني النظام الانتخابي وأدواته من ترهل ونواقص، يأتي على قمتها تقسيم الدوائر الانتخابية بشكل يعزز الانحيازات الفئوية والقبيلة والطائفية، أما آلية نظام الصوت الواحد المعتمدة منذ 2013 فهي تسمح للناخب باختيار مرشح واحد فقط من بين قائمة المرشحين في دائرته؛ ولطالما سعى الإصلاحيون إلى تعديل هذا النظام الذي عملت الحكومة على تغييره لصالحها باستمرار؛ حيث تغير في 1981 من عشر دوائر إلى 25 دائرة انتخابية ومنه إلى خمس دوائر. في هذا الصدد تتفق العديد من الآراء بأن هذه الآلية لا تعمل لصالح النساء للظفر بمقاعد في البرلمان، يضاف إلى تلك الاختلالات غياب هيئة مستقلة تشرف على الانتخابات وتضبط قيودها وعملية الاقتراع وأمنها وسلامتها وتمويل الحملات والمال السياسي وإعلان النتائج وتلقي الطعون والبت فيها، كما إنه وبسبب غياب الحياة الحزبية لا يمكن الحديث عن فرض إدراج المرأة بالقانون على قوائم المترشحين للانتخابات كما يحدث في الدول التي تتمتع بالنظام الحزبي، فضلاً عن عدم اعتماد النظام الانتخابي الحالي "لكوتا" تخصص مقاعد للمرأة والتي غالباً ما ينظر إليها بازدراء وتواجه بالرفض والنفور باعتبار أن هذه الآلية وحسب المعارضين لها تعد تمييزاً يتناقض ومفهوم المساواة بين الجنسين، وكل هذا وذاك يتطلب إصلاحاً سياسياً وهيكلياً وإجرائياً وقانونياً للنظام الانتخابي وبما يهيء بيئة ملائمة وصديقة للنساء تتيح لهن فرصاً واسعة للمشاركة في المنظومة السياسية القائمة والتمثيل فيها على نطاق واسع وفعال في مواقع صنع القرار. 



تشاوريات أم انتخابات فرعية؟

لاشك أن الانتخابات الفرعية "التشاورية" ونتائجها شكلت عنصراً سلبياً تجاه وصول المرأة إلى مجلس الأمة. ففي هذه التشاوريات غالباً ما يلتزم الناخبون بالمرشح الذي تمت تزكيته في الاجتماع الذي عقد من قبل قبائل وعوائل أو حتى تيارات دينية بشقيها أو فئوية، وبالتالي فهي تعد وسيلة لضمان عدد كاف من الأصوات للمترشح يوم الانتخاب، وقد تجرى في أكثر من دائرة انتخابية، وهنا بالطبع الفرص متاحة للرجال وتفتقرها النساء، على الرغم من تجريم هذه التجمعات قانوناً. عند مقاربة نتائج العملية الانتخابية الأخيرة للفائزين مع نتائج "التشاوريات" التي عقدت لذات المرشحين الفائزين، سنجد أن أغلب من فاز فيها قد حقق فوزاً مسبقاً بأصوات قريبة أو أكثر من التي حققها في "التشاوريات" وكما لممثلي قبائل العجمان في الدائرة الرابعة والخامسة والعوازم في الدائرة الأولى والثانية والخامسة والمطير في الدائرة الرابعة والخامسة، وعتيبة وقحطان وبنى هاجر في الدائرة الخامسة وشمر وبني غانم والظفير في الدائرة الرابعة، وهذا السلوك الانتخابي يكفي لإخراج النساء من دائرة التنافسية للوصول إلى مجلس الأمة.


الأصوات الخاسرة ودلالتها 

بينت أرقام الاقتراع العام الذي جرى في 5 ديسمبر مشاركة (567,594) ناخباً من بينهم (293,754) من الإناث، و(273,940) من الذكور، ترشح منهم (326) بواقع (296) رجلاً  و(25) امرأة توزعت على أربع دوائر انتخابية (8) منهن في الدائرة الأولى و(4) في الثانية و(9) في الثالثة و(4) في الخامسة فيما خلت الدائرة الرابعة من أي مرشحة. أسفرت النتائج عن فوز (50) مرشحاً ولا صوت للنساء على الرغم من تفوقهن العددي (52 في المئة) من إجمالي الكتلة الانتخابية، وكما تردد كن طريقاً سالكاً لعبور الرجال إلى المقاعد النيابية، ثمة من يعتقد أن ما حققته بعض المرشحات من أصوات كان جيداً؛ لكننا نرى خلاف ذلك فهي أعداد متواضعة مقارنة بما حققه الرجال.

 

الجدير بالملاحظة أن جميع أصوات المرشحات التي حصلن عليها في كل دائرة لم ترق إلى دخولهن مضمار المنافسة وتحقيق الفوز، فمثلاً حصدت عالية الخالد أعلى الأصوات من بين الأربع مرشحات في الدائرة الثانية وهي (1307) أصوات، لكنها كانت بعيدة عن المنافسة والفوز مقارنة حتى بأقل أصوات الفائزئن في الدائرة، ويكفي النظر عند جمع أصواتها مع الأصوات النسائية المتحققة في دائرتها وعددها (1891) سنجد أن الفارق يساوي (304) أصوات مع أقل الأصوات الفائزة وهي (2195) صوتاً، الأمر نفسه يتكرر في الدائرة الأولى التي حققت فيها غدير أسيري (1119) صوتاً بفارق (1048) صوتاً مع أقل الأصوات الفائزة في الدائرة وبفارق (456) لأصوات جميع المرشحات الثماني المتحققة في نفس الدائرة مقارنة بأقل أصوات الفائزئن وعددهم (2167) صوتاً، فيما كان وضع الدائرة الثالثة ذات التسع مرشحات الأسوأ إذ جاء عدد أصواتهن مجتمعة (1226) صوتاً وبفارق (1678) صوتاً مقابل أقل أصوات الفائزين وهي (2904) أصوات، أما الدائرة الخامسة فهي الأصعب بسبب مكونات بنيتها الاجتماعية القبلية والعشائرية والتي جرت فيها "التشاوريات"، حيث جاء إجمالي أصوات المرشحات الأربع (580) صوتاً فقط وبفارق (4216) مقارنة بأقل أصوات الفائزين في الدائرة وهي (4651) صوتاً. ماذا يعني ذلك؟

 



يعني باختصار أنه لو جمعت كل أصوات المرشحات المتحققة وهي تمثل (5408) أصوات فقط لم تكن لتوفر تنافساً حقيقياً قوياً يتناسب وطبيعة حراك الساحة السياسية كي يحقق فوزاً بمقاعد المجلس، وإن حالفهن الحظ، فلن يحصلن على أكثر من مقعد واحد أو مقعدين في أحسن الأحوال، وهذا يبطل الفرضية القائلة إن عدم الفوز كان بسبب كثرة عددهن وتشتت الأصوات التي كانت ترغب بإيصال العنصر النسائي للبرلمان، وقد نكون الأقرب قناعة بأن دور المرأة السياسي، وهذا ليس في الكويت وحدها بالطبع وإنما في كافة بلدان الخليج، قد اتسم بالوهن والمحدودية والترويج لبرامج التمكين السياسي ورغم تبني مبادئ الديمقراطية والمساواة، إلا إن ذلك جاء نظرياً لا يتجاوز الشعارات، كيف؟

 


قضايا عميقة وتمثيل ضعيف

رغم حداثة منح المرأة الكويتية حق التصويت والترشح للانتخابات في عام 2005، إلا إن الإصرار من قبل الدولة وفئات متعددة من المجتمع كان قوياً لجهة فرض الحقوق السياسية للمرأة، رغم المعارضة الشديدة التي تصدت لنزول النساء الميدان السياسي من قبل تيارات الإسلام المحافظ، ومع ذلك يسجل للكويتيات كسر الحواجز وتحقيق تمثيل نسبي في بداية تجربتهن الانتخابية والفوز بأربعة مقاعد دفعة واحدة في برلمان 2009 وإن كان يعزى الأمر إلى حداثة التجربة والتدخل الإيجابي الرسمي المباشر وغير المباشر بسياساته الداعمة التي اعتمدها لإيصال المرأة إلى مواقع صنع القرار.

 من جانب متصل، معلوم أن انتخابات 2020 عقدت في ظل وضع سياسي هش وأداء محبط للحكومة وتقاعس من مجلس الأمة لمعالجة ما تعاني منه البلاد من أزمات سياسية متراكمة وقضايا عميقة تصدرت شعارات الحملات الانتخابية؛ وأبرزها يمس الاقتصاد الذي يعاني بسبب جائحة كورونا والأزمة المالية والدين العام وعلاقته بحماية الرواتب وشطب القروض والأهم الفساد وحرية التعبير وتوفير وظائف للشباب وقضية "البدون" وسحب الجناسي ووجود لاجئين سياسيين والتعليم والصحة والإسكان وآلية العمل الانتخابي برمته..إلخ، وعليه يحق للمتابع التساؤل عما إذا شكلت القضايا الآنفة والملفات الشائكة محور الأولويات في برامج المرشحات وخطاباتهن؟ وماذا إذا كن يتمتعن بقدرة على إقناع الناخب الكويتي في معالجتها عبر البرامج التي روجن لها، آخذين بعين الاعتبار والموضوعية أحقية إثارة ذات السؤال لأي مرشح رجالي، وكون النظرة الذكورية السائدة غالباً ما تحاسب المرأة بشكل مضاعف عند تقييم الأداء والمهارات.

 في هذا الصدد؛ قيل الكثير منها؛ أن شعبية النائب تعتمد على القضايا الرقابية المتمثلة في الاستجواب والمساءلة الحكومية وطرح الثقة في المسؤولين، فيما لم تتخذ البرلمانيات السابقات هذا الاتجاه، كما تجدر الإشارة إلى ما طرحته الآكاديمية ابتهال الخطيب في مقابلة لها في برنامج ساعة خليجية؛ "من أن الأداء النسائي في المجلس السابق لم يكن حسناً، وقدم نموذجاً غير محبب للشارع وقد انعكس ذلك على ضعف التصويت للنساء، وإن العناصر المترشحة لم تكن بذلك العمق والقوة التي تخاطب قضايا حساسة ومصيرية تمس الأوضاع المحلية السياسية والاقتصادية، كما كان هناك عزوف من قبلهن عن الطرح العميق للقضايا الإنسانية...".

 

الخلاصة، يبقى أن الكويت لاتزال تتقدم عن جيرانها في الحراك السياسي ومرونة اللعبة السياسة، وقد سجلت تمايزاً في إنجازها للعملية الانتخابية والتشريعية بكل ما لها وعليها، ورغم القيود وانكماش حرية التعبير، تظل ساحة الكويت هي الأقدر بخبراتها وطبيعة بنيتها الاجتماعية وتنوعها على تقديم نموذج يفسح فرصاً واسعة للتعددية ولعملية التغيير والتطوير التي يتطلع إليها المواطن الكويتي عامة والمرأة خاصة، بل ونراقبها نحن الخليجيون دائماً بشغف وتقدير. 

منى عباس فضل 

المنامة - 12 ديسمبر 2020