الأحد، 21 أبريل 2024

واقع تعليم الفتيات في البلدان العربية والإسلامية

 


إعداد: د.منى عباس فضل

 عرض تفصيلي قمت بإعداده على برنامج البور بوينت وتقديمه في الندوة العلمية التي عقدت في مدينة الرباط في الفترة من 17-19 أبريل نيسان 2024 تحت عنوان "واقع تعليم الفتيات في البلدان العربية والإسلامية" والتي تمت بالتعاون بين منظمة المرأة العربية ومنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو).

 الورقة تمثل خلاصة ونتائج تقرير بحثي تم التعاقد على إعداده وتنفيذه منذ ستة شهور مع منظمة المرأة العربية وشارك فيه العديد من الخبراء والخبيرات الباحثين في مجال التعليم وقضايا حقوق المرأة في البلدان التي تم مسحها وتناولها بالتفكيك والتشخيص والتحليل وبالاستعانة بالبيانات المتوفرة، أما الدول فهي (مصر، المغرب، تونس، السعودية، لبنان، العراق، البحرين، واليمن).

 ركزت في ورقتي هذه؛ على خمسة محاور رئيسية؛ الأول منها بعنوان؛ حقوق الفتیات في التعليم وتطوره، والثاني حول الفروقات بین الجنسین ومؤشراتھا في أنظمة التعليم وقد اشتملت مناقشة هذا المحور على مفهوم تمكین الفتیات والتسرب من التعلیم، أما في المحور الثالث فقد ناقشتُ تعليم الفتیات بین تدابير إصلاح التعلیم وفجوات القوانین، ومن نماذجها تشریعات الزواج وتشريعات العمل، وفي الرابع ناقشت تعليم الفتیات وتدابير موازنات الإنفاق عليه فيما تطرق المحور الخامس الى التدخلات الاجتماعية لمعالجة معوقات تعليم الفتيات.

  












































الثلاثاء، 2 أبريل 2024

في المشهد الاستراتيجي: غزة بابٌ للعبور

 

ينشر بالتزامن في مجلة الهدف - لتحميل العدد 57: اضغط/ي هنا

https://hadfnews.ps/post/127335


منى عباس فضل

 

من نقطة الانطلاق، تحديداً من عملية "طوفان الأقصى" تعمل دوائر القرار السياسي والخبراء والمحللون وفق سيناريوهات متعددة لتفسير وتحليل ما حدث وتداعياته الاستراتيجية على المنطقة، وتقديم استشرافات ما بعد الحرب على غزة، حيث تتكرر الأسئلة حول أبرز مشاهد الحدث وأهميتها وتأثيراتها التي تتشابك مع صراعات المنطقة وتداخل حروبها وواقعها الجيوسياسي.

 

فالحرب على غزة مستمرة ومفتوحة زمانياً ومكانياً، وهي حربٌ غير تقليدية وبأهداف محددة ومفاوضات بين أطراف تسعى إلى وقف إطلاق النار وما يترتب عليه الأمر، لماذا؟ لأن الإسرائيليين أعلنوها بأنهم يخوضون معركة وجودية، وإن أهدافهم المتطرفة تتمحور حول تدمير المقاومة والاحتفاظ بالسيطرة الأمنية على غزة حتى لا تشكل تهديداً لهم؛ وأداتهم في ذلك "الإبادة الجماعية"، واحتمالات تمدد الصراع تصاعدياً إلى أبعد من غزة، تحديداً إلى الجبهات الفلسطينية كـ"الضفة الغربية" ومناطق أخرى كلبنان وارد، وذلك في ظل استعصاء التوصل إلى أي اتفاقات لوقف إطلاق النار أو عقد أي صفقة لإطلاق سراح الرهائن والأسرى الفلسطينيين مع إصرار إسرائيل على تحقيق أهدافها المعلنة باحتلال غزة وحصارها وتهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم، وتنفيذ التطهير العرقي واستباحة الضفة الغربية، وعليه فملامح المشهد الاستراتيجي متداخلة وتبرز باتجاهات مختلفة المسارات وبوضع مرشح إلى المزيد من مشاريع تقسيم المنطقة وارتفاع حدة العنف والإصطفافات؟

 كيف؟ نشرح أكثر.

 

القضية الفلسطينية قوة ضاغطة

فلسطينياً؛ عادت القضية الفلسطينية لتشكل قوة وأولوية ضاغطة على النظام العربي والعالمي، وهي تتضمن انعكاسات وارتدادات خطيرة ومتعدَدة إقليماً ودولياً، الدلالة تتكشف من تمدّد الحرب إلى ساحة البحر الأحمر ودخول اليمن والعراق على خط الاشتباكات الأخيرة التي تمس مصالح العدو الصهيوني والأمريكي والأوروبي في المنطقة، وبالتالي جر الولايات المتحدة إلى صراع قد يقلب مواقفها وسياساتها ويكون معه الوضع أسوأ بكثير مما هو عليه، فالسلام والاستقرار الذي تنشده الأخيرة يمر عبر غزة، هذه حقيقة فاقعة، وقد أثارت الضربات الانتقامية التي نفذتها الولايات المتحدة وحلفاؤها قلقاً عالمياً، لم لا وطريق البحر الأحمر يعد أحد أكبر ممرات الملاحة بين أوروبا وآسيا حيث تمر عبره نحو "15%" من حركة الملاحة البحرية في العالم، ويرى بعض المراقبين بأن هذه الضربات إنما تدلل على ضعف السياسات الأمريكية وتراجع قوتها في منطقة الشرق الأوسط.

 

في المشهد العام، النظام العربي وعلى الرغم من أهمية بلدانه استراتيجياً إلا أن الواقع عرّى كل مساوئه، فهو يعاني من الضعف والتفكك والانهيار ودوله تفتقد إلى فعل السياسة الخارجية والنظام الإقليمي المستقل، وهي ومنذ عقود رهينة لتحكم القوى الدولية ونفوذها وسيطرتها، كما إنها مخترقة من قبل بعض الأطراف الدولية والإقليمية حتى في ممارسة أدوارهاً السياسية والاقتصادية؛ مما يجعلها على خط ناري من المصالح المتضاربة والأجندات الجيوسياسية والتنافس على مناطق النفوذ والموارد والممرات المائية الاستراتيجية التي تزعزع أمنها القومي بل وحتى سيادتها.

 

ومع تكشف مسارات الحرب على غزة، اتجهت التحليلات مجدداً للحديث عن تشكل "نظام شرق أوسطي جديد" تدفع باتجاهه الولايات المتحدة الامريكية التي برز دورها على المستوى الإقليمي والعالمي، لاسيما مع النزاع الأوكراني والحرب على غزة ومشاركتها في صنع القرار الإسرائيلي وعدم اقتصارها على الدور الدبلوماسي وهذا وضع غير مسبوق حسب رأي البروفسور ناثان ج. براون من جامعة جورج واشنطن، إلى جانب ما تقدمه من مساعدات ودعم ثابت تمنحه إلى إسرائيل "14 مليار دولار" للمساعدات الأمنية و"3.8 مليار دولار" تتلقاه سنوياً، عدا عن مساندات من حاملات الطائرات، والغواصات النووية، وجنود وضباط وقيادات عسكرية أمريكية تشارك الجيش الإسرائيلي في حربه، فيما تطرح من جهة أخرى تركيا وإيران أنفسهما كلاعبين إقليميين يفرضان حضورهما في أي تحالفات أو ترتيبات تتم في المنطقة.

 

طوفان الأقصى نقطة تحول

وعليه لا مبالغة في القول بأن عملية "طوفان الأقصى" قد شكلت في هذا الوضع المتحرك والحرج نقطة تحول وانعطافة استراتيجية في الشرق الأوسط، وأصبحت معه القضية الفلسطينية ببعدٍ رمزي محركاً دولياً سيمتد تأثيره على أي اتفاقيات وترتيبات ستشهدها بلدان المنطقة؛ ناهيك عن التطوُرات التي ستلحق بإعادة تشكيل المشهد الإقليمي، فالدعم الأمريكي لإسرائيل مفتوح بل وتدخلها مباشر في قرارات الصراع كما اشرنا بسبب تخلخل القوة العسكرية الإسرائيلية، وتمدد نشاط المقاومة في لبنان والعراق واليمن وبالتالي اختلاط الأوراق، وهذا ما يجعل الطرف الإسرائيلي يتحرك بمسارات أكثر تشدداً تجاه القضية الفلسطينية، ويساعده في هذا الموقف ما حققه نسبياً منذ عام 2020 في إطار اتفاقيات "التطبيع الإبراهيمية" مع بعض الأنظمة العربية والخليجية كـ"الإمارات والبحرين والمغرب" وقبلها مصر والأردن والتواصل مع قطر وتبادل الاتصالات والحوارات التي تعطلت منذ حرب غزة بشأن التطبيع مع السعودية، وإسرائيل في هذا الإطار وبما حدث في مجتمعها من انقسامات حادة بعد "طوفان الأقصى" وقضية رهائنها العالقين، تناقش وضعها الاستراتيجي ضمن سيناريو الاحتلال الكامل لقطاع غزة وضم الضفة الغربية وتهجير الفلسطينيين، الأمر الذي يؤدي إلى المزيد من التحديات لأطراف النزاع وانكشاف الصراع وانعدام التوازن في المنطقة وعدم الاستقرار.

 

بالنسبة للمقاومة الفلسطينية ورغم من تطوّر أساليبها وأدواتها إلا أنّ وضعها غير متكافئ مع جيش الاحتلال، لكنها في ذات الوقت تمتلك حاضنة شعبية وبنية تحتية من الأنفاق تحت الأرض عجز جيش العدو حتى اللحظة عن كشفها، وهذا الأمر يربك حسابات الجانب الإسرائيلي خصوصاً مع إطالة أمد الحرب، وتغيير قواعد الاشتباك في تحركات الجبهات اللبنانية واليمنية والعراقية التي تشتت إسرائيل وتربك حساباتها كما وقد توسع من نطاق الصراع على هذه الجبهات وغيرها، وبالتالي تخلق حالة من انعدام التوازن الأمني في المنطقة بسبب التضارب بين موقف الشارع العربي الرافض للوجود الإسرائيلي واحتلاله لفلسطين، وبين حكوماته التي اتجهت إلى التطبيع مع العدو وعقد الاتفاقيات والاتصالات.

 

أخطر السيناريوهات

أما أخطر السيناريوهات المتداولة؛ فهي تتمثل في دخول إيران مباشرة في الحرب، خصوصاً مع ما تنفذه إسرائيل من اعتداءات واغتيالات بحق عناصرها، ما يعني التدخل الأمريكي المباشر أيضاً، وهذا يجعل المنطقة على كف عفريت في زيادة مستويات التصعيد بتأثراتها على النظام الإقليمي والدولي، وتشابكها مع صراع القوى الدولية على المصالح والنفوذ، وثمة من يقول بأن هذا الوضع ربما يكون مريحاً لروسيا التي لا تزال تخوض حربها مع أوكرانيا، لاسيما حين تحقق انتصاراً وتقدماً، وإن ذلك حتماً سيؤدي إلى عالم متعدد الأقطاب خصوصاً مع تنامي الدور الصيني والروسي في المنطقة وتعزز دورهما الإقليمي وقد شهدنا منذ فترة تحركات الصين باتجاه السعودية لفتح قنوات تواصل بينها وبين النظام الإيراني.

 

على المستوى الإقليمي العربي، تبرز التحديات فاقعة، مباشرة في كل من مصر والأردن من تداعيات غلق المعابر والأزمة الإنسانية التي تحدث في قطاع غزة واستمرار جيش الاحتلال بقصف الشعب الفلسطيني والتجاوزات التي تتم في كافة الأراضي الفلسطينية، فما يحدث يمثل قلقاً وتحدياً عميقاً لهما، خصوصاً مع إصرار إسرائيل والولايات المتحدة على التهجير القسري للفلسطينيين، والمخاوف تبرز حول سيادة أراضيهما بهذا التهجير إلى سيناء والأردن، وتبعاً للمحليين فإن ضغط الكارثة الإنسانية التي تحدث في الأرضي المحتلة قد يعيد تشكيل مشهد النزاع الإقليمي والنظر جدياً في أولويات السياسات الأمنية المتعلقة بقضايا السلام والحرب كما قد يؤلب الشارع المصري والأردني على حكوماته ونكون أمام انتفاضات واحتجاجات شعبية كالتي حدثت قبل عقد من الزمن، فيما يرى آخرون بأن هذا الوضع قد يعيد الحوار مجدداً لإحياء مبادرة السلام العربية وحل الدولتين الذي ترفضه إسرائيل وكذلك المقاومة الفلسطينية.   

 

يضاف إلى ذلك؛ تحديات إقليمية أخرى تتشابك مع مسارات الحل السياسي في ليبيا وفي الحرب الدائرة على السلطة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع وتدخل الأطراف الإقليمية غير المباشر في هذا الصراع وبتداخلها وتشابكها مع المصالح الخارجية والانقسامات الداخلية ما يجعلها ساحة مفتوحة على حرب طويلة الأمد، فالمشهد هنا مثقل بالتحديات الإقليمية والدولية وأطرافها الفاعلة والمؤثرة والذي حتماً ستدخل في اعتبارات إعادة تشكيل خارطة المنطقة ما بعد غزة.

 

ازدواجية المواقف والأفعال  

على المستوى الدولي، اتسعت قاعدة المعارضين للحرب المدمرة على غزة وعلى المذبحة التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني، وقد تابعنا موقف "دولة جنوب أفريقيا" المشرّف في محكمة العدل الدولية ومن دعمها كالبرازيل وماليزيا وباكستان وغيرهم؛ إلى جانب الاحتجاجات التضامنية في أوروبا والولايات المتحدة واستنكار شعوبها للمواقف المزدوجة لدولها خصوصاً من قضية وقف اطلاق النار في غزة واستمرارية بعضها في دعم الكيان الصهيوني، فقد عبرت بعض الشعوب والنخب السياسية والمجتمعية عن استنكارها لما يحدث من مواقف سلبية وعدائية تجاه الشعب الفلسطيني، ومما لاشك فيه فإن هذا يمثل صحوة ضمير، كما يثير الكثير من القلق في دوائر القرار بالعواصم الغربية، لاسيما تلك التي يتغلغل فيها النفوذ السياسي والإعلامي الصهيوني.

 

الخلاصة، وبرغم زخم حراك الشعب العربي  ضد الحرب الإسرائيلية واحتلال فلسطين؛ إلا إنه لم يصل بعد إلى مستويات التأثير على المشهد العام؛ لم لا ومؤسسات الدولة العميقة في أغلب البلدان العربية وخصوصاً المطبعة مع العدو، لا تزال تعمل وتتحكم في إيقاع الحراك الشعبي العربي ومما يزيد الطين بلة، الضعف الذي تعاني منه الحركات الاحتجاجية وعجزها عن إفراز قيادات حزبية ونقابية شعبية قادرة على التأثير الفعلي بالتعبئة وإدارة الموقف السياسي الذي يجبر النظام العربي على مراجعة موقف بعض أطرافه المتواطئ مع إسرائيل واتخاذ إجراءات تعبر عن مواقف الشعوب العربية في تضامنها مع القضية الفلسطينية، أما الأمر الثابت الذي يسجل في هذا المشهد، فإنه ودون حل للصراع التاريخي بين العرب وإسرائيل وحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه في سيادة أرضه واستقلاله وحريته، لن يكتب النجاح لأي استقرار لكيان العدو الصهيوني أو لأي نظام جديد يعاد تشكله في هذه المنطقة.

 

المنامة – 19 مارس 2024


الخميس، 11 يناير 2024

ضريبة التحويلات المالية مهمة ولكن؟

 


منى عباس فضل

 

لايزال الجدل قائماً حول مشروع "قانون التحويلات المالية" للأجانب الذي تم التصويت عليه في البرلمان؛ بين الحكومة والنواب حيث أطلق بعضهم تحذيرات بشأن التداعيات السلبية التي تخلفها هذه الضريبة، فيما استنفر الفريق المؤيد لها مستغرباً موقف الحكومة المناهض بحجة أنه يخالف الدستور ومبدأ الحرية الاقتصادية.

 

خلاصة آراء بعض النواب "إن الأجانب في البحرين يستفيدون ولا يفيدون..وإنه عند فرض الضريبة سنحصل على 20 مليون دينار سنوياً، هي كفيلة بعودة زيادة المتقاعدين..وإنه لا عنصرية في فرض الضريبة على تحويلات الأجانب التي تبلغ "2.7 مليار دولار" سنوياً ومن دون أي عائد على خزينة الدولة، كما استنكر آخرون سياسات الحكومة المنحازة للوافدين على حساب المواطنين. إلخ". ترى هل سيمر إقرار مشروع القانون في الغرفة الثانية "مجلس الشورى" كما حدث في البرلمان؟ وهل فعلا الحكومة لا ترغب في فرض ضريبة على تحويلات الأجانب؟ وما هي الأبعاد الموضوعية التي غابت عن مناقشة البرلمانيين لهذه القضية؟

 

في حقيقة الأمر وتبعاً لتقارير متعددة، اختلاف الآراء حول فرض ضريبة على التحويلات المالية إلى الخارج ليس قصراً على البحرين وإنما سبقتنا إليه دول خليجية أخرى كالكويت؛ وهناك بلدان كسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية والإمارات والولايات المتحدة؛ تفكر جدياً بفرضها، وقد مرت بلدانهم بذات السجالات التي يحذر فيها الخبراء والسياسيون والمنظمات العالمية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي من تداعياتها، كما إنها قضية تناقش من وجهة نظر اقتصادية تأخذ في اعتبارها إن الاقتصاد المحلي جزء لا يتجزأ من الاقتصاد الحر المكبل بالاتفاقيات الدولية والأنظمة التي تحكمه وتتحكم فيه. كيف؟ لنرى.

 

مزايا وعيوب

تجمع الآراء بأن لهذه الضريبة عيوب ومزايا، فهي من جهة تمثل فرصة من فرص تنويع مصادر الدخل الاقتصادي قصير المدى، ومن جهة أخرى تفرض تحديات بعيدة المدى لها علاقة بالاقتصاديات وأسواق العمل.

 

في تقرير نشر في السنوات الأخيرة للخبير في البنك الدولي "ديليب راثا"، أورد فيه أهم الأسباب التي تجعل من فرض هذا النوع من الضرائب فكرة سيئة؛ فهو يرى: "بأنها تخلق ازدواجية ضريبية لدافعي الضرائب من المهاجرين؛ لماذا؟ لأنهم بالأصل خاضعين فعلياً لمبدأ الضرائب المباشرة وغير المباشرة في البلد المضيف، وبالتالي فإنهم يتحملون عبء هذه الضريبة مرتين خصوصاً إذا كانوا من الفئات التي ترسل تحويلاتها إلى الأسر الفقيرة"، آخذين في الحسبان أن هناك أكثر من "25 مليون" وافد يعملون في بلدان الخليج أغلبهم يشغل وظائف ذات مهارات متدنية".

 

ويضيف؛ "بأنها ستؤدي إلى زيادة تكلفتها؛ وهي تتعارض بشكل مباشر مع التزامات مجموعة العشرين، وهدف التنمية المستدامة المتمثل في القضاء على عدم المساواة بين البلدان والسعي إلى خفض تكاليف التحويلات إلى "3%" في غضون عام 2030، وزيادة تعميم الخدمات المالية؛ مشيراً إلى أن متوسط تكاليف معاملات إرسال التحويلات قد بلغ "30 مليار دولار سنوياً"، وإن هذه التدفقات الحيوية التي يرسلها أكثر من "200 مليون" عامل مهاجر، تساعد الأسر على رفع مستوى معيشتهم وتحسين الصحة والتعليم والسكن، وتعزز إمكانية الاستفادة في تنظيم المشاريع خصوصاً في البلدان الأشد فقراً".

 

إلى جانب أن رسوم التحويل من وجهة نظره تعتبر أعلى في البلدان الأكثر فقراً، وقد حذر من أن هذه الضريبة ربما تحفز على تجنب التحويل عبر القنوات الرسمية والقانونية المرخصة والآمنة كـ"المصارف وشركات الصرافة والحوالة" للتدفقات المالية واللجوء عوضاً عنها إلى تحويل الأموال نقداً عبر الأصدقاء والأقارب والأخطر عبر المعاملات الرمادية غير الرسمية كـ"السوق السوداء" التي يصعب رصدها وتتبعها في عمليات غسيل الأموال والتزوير؛ وكلها في نهاية المطاف مخاطر أمنية على المدى البعيد، وهذا فعلاً ما حذر منه البعض واستنكره المؤيدون بالقول إن على الحكومة أن تضبط إجراءاتها الأمنية والرقابية حين تنفيذ القانون.

  

من ناحية متصلة؛ يجد "ديليب راثا" أن هذا النوع من الضرائب سيوثر سلباً على الأنشطة التجارية والسياحية والاستثمارية والأعمال الخيرية؛ وقد يؤدي إلى إعادة توجيه تدفقات التحويلات عبر بلدان ثالثة، مما يضطر المهاجرين إلى سداد رسوم التحويل مرتين؛ أما الإيرادات المتحققة منها فهي ضئيلة مقارنة بمستوى إيرادات الدولة العامة؛ وهذا ما دللت عليه تجارب مثل الغابون عام 2008 وبالاو في عام 2013، ناهيك عن تأثيرها السلبي على أعمال مقدمي خدمات التحويلات، وتأثيرها تباعاً على ما سيدفعونه من ضرائب مستحقة عليهم. الأهم إنها ستؤدى إلى هجرة رواد الأعمال، وفقدان أسواق العمل الخليجية لجاذبيتها على المدى البعيد وهي التي تعتمد على العمالة الآسيوية التي تشكل مكوناً رئيسياً في الاقتصاد.

 

بالمقابل يقترح الخبير الاقتصادي "إم آر راغو" على الحكومات عوضاً عن فرض الضريبة؛ اتخاذ تدابير تحفيزية أكبر للاستثمارات المحلية وفتح الاقتصاد والسوق للأجانب بل وزيادة الفرص لتجميع العائلات الذي يقلل من رغبتهم في التحويلات المالية، وأظن أن هذه النصيحة مثيرة للجدل ولا تتناسب والواقع البحريني، فالسوق متشبع ومفتوح على مصراعيه والمساحة الجغرافية فاضت بما تتحمله من عمالة مهاجرة ذات مهارات متوسطة ومتدنية تشكل عالة مرهقة على الاقتصاد والبنية التحتية وعلى الخدمات التي تقدمها الدولة.

 


بيانات رقمية

على مستوى الدول المصدرة للتحويلات المالية تُعد الولايات المتحدة من أكبر البلدان المصدرة إلى أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، فضلاً عن روسياً خصوصاً بعد الحرب مع أوكرانيا في عام 2022 حيث شهدت التحويلات منها زيادة هائلة وصلت إلى (111.2 مليار دولار) وفقاً لبيانات شراكة المعرفة العالمية بشأن الهجرة والتنمية التابعة للبنك الدولي (KNOMAD)، أما على مستوى منطقتنا العربية، فتحتل دول مجلس التعاون الخليجي المرتبة الثانية، وهي تُعد الأكبر بفارق كبير عند قياس التحويلات المالية بإجمالي الناتج المحلي، حيث تتجاوز نسبة العمالة الأجنبية فيها "90%" من عدد السكان، وتعد الإمارات والسعودية (47.5 و40.7 مليار دولار) من أكبر المصدرين للتحويلات إلى جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا وشمال إفريقيا. وتبعاً لتقديرات البنك الدولي؛ فقد حول المغتربون بدول مجلس التعاون مجتمعة؛ أكثر من "100 مليار دولار" في عام 2015 وهذا يمثل "7.7%" من الناتج المحلي الإجمالي المشترك لهذه الدول، وهو يعد رقماً كبيراً، فيما تشكل التحويلات من الولايات المتحدة "0.7%" وفي بريطانيا "0.9%" من الناتج المحلي الإجمالي.

 

يذكر "ديليب راثا" في تقريره آخر بأن التحويلات العالمية إجمالاً سجلت رقماً قياسياً في عام 2022 بلغ "647 مليار دولار" وهو بمعدل ثلاثة أضعاف حجم المساعدات الإنمائية الخارجية، وفي الحقيقة والقول له؛ قد تتجاور قيمة التحويلات هذا الرقم؛ لأن عدداً كبيراً من الأشخاص يرسلون أموالهم عبر قنوات غير رسمية لا ترصدها الإحصائيات الرسمية، ويدلل على أهمية هذه التحويلات؛ حيث يتجاوز ما تتلقاها مصر مثلاً إيرادات قناة السويس، وفي سريلانكا قيمة صادرات الشاي والتحويلات إلى المغرب هي أكبر من عائدات السياحة فيها، وإن الهند تمثل أكبر متلق عالمي للتحويلات المالية، حيث تلقت في عام 2022 أكثر من "100 مليار دولار" يليها المكسيك والصين والفلبين؛ فيما تتجاوز قيمة الأموال التي يرسلها المهاجرون خمس إجمالي الناتج المحلي في كل من "طاجيكستان ولبنان ونيبال وهندوراس وغامبيا واثنى عشر بلداً آخر"، ويعزو الاقتصادي "إم آر راغو" في مقال له نشر في صحيفة "ذي ناشيونال"؛ بأن أحد أسباب ارتفاع قيمة تدفقات التحويلات المالية هو النقص في فرص الاستثمار في البلد المضيف إلى جانب الافتقار إلى الضرائب، الأمر الذي يدفع الوافدين إلى توفير المال وتحويل مدخراتهم إلى بلدانهم الأصلية بدلاً من الدول المستضيفة".

 

الخلاصة

ماذا يعني كل ذلك؟

يعني إننا أمام قضية شائكة ومعقدة تتجاوز رؤيتنا لها من زاوية محلية صرفة، لاسيما ونحن شركاء في خطط التنمية المستدامة شئنا أم أبينا، والتحويلات المالية التي ترسلها العمالة المهاجرة إلى أسرها توفر دخلاً مهماً لملايين البشر في الاقتصادات النامية، وإن العالم يواجه تحديات زيادة الفجوة في المداخيل بين البلدان الغنية والفقيرة إضافة إلى الضغوط الديمغرافية والمتغيرات المناخية وما تفرزه من زيادة معدلات الهجرة.

 

ومنه ينبغي على متخذي القرار دراسة الحالة المحلية في خضم الواقع المتشابك من كافة النواحي والنظر للبدائل؛ فما يقترحه بعض الخبراء من إتاحة فرص الاستثمار والتملك أمام الوافد الذي لا يجد ما يغريه في ادخار أمواله بالبلد المضيف، أن يناقش بجدية أعمق تتطلب مزيداً من الشفافية في المعلومات والبيانات الإحصائية للأجانب ومستويات مداخيلهم والتي يمكن القياس عليها في تحديد جدوى هذه الضريبة، والإجابة عل الأسئلة عما إذا كنا مستعدين للمزيد من هكذا حلول وإجراءات وضغوط خصوصاً مع احتكار الأسواق وضخ العمالة الأجنبية غير المنتجة في الاقتصاد والفساد وضعف الإجراءات الإدارية والرقابية والإفقار التي يتعرض له المواطن وغيرها الكثير.  

المنامة - 11 يناير 2024