الأحد، 10 سبتمبر 2017

المواد-العار في البلدان العربية


 منى عباس فضل
الأردن ليس وحده من اشتغل على منجز تشريعي كبير منتصراً فيه للمرأة ومحافظاً على حقوقها عبر إلغاء "المادة المشينة" في قانون العقوبات، فقد سبقه إلى ذلك دول أجنبية وعدد محدود من البلدان العربية كالمغرب ومصر وتونس ولبنان في إلغاء نصوص مشابهة من تشريعاتها وهناك من يعمل على إلغائها كالعراق.

في المغرب ألغيت المادة (475) عام 2014 من القانون الجنائي والتي تقضي بإعفاء المغتصب من الملاحقة القانونية في حال تزوج بالمغتصبة، صحيح أن الإلغاء جاء استجابة لمطالبات تراكمية للحركة النسائية، بيد أن الحادثة التي هزت المغرب بانتحار أمينة فيلالي التي تعرضت للاغتصاب في عمر 16 عاماً وأجبرت على الزواج من مغتصبها بموجب قرار قضائي، قد فرضت إلغاء المادة، كما تعتبر مصر من اوائل من ألغى المادة (85) عام 1937 والمادة (291) عام 1999 من قانون العقوبات، أما في تونس فقد أقر برلمانها منذ شهرين قانوناً يجرم العنف ضد النساء ويقدم الحماية لهن لا سيما واحصاءات 2010 كشفت بأن (47%) منهن يتعرضن للعنف الأسري.

يرى المختصون في الشؤون القانونية والحقوقية للمرأة، بأن هذه الإنجازات تكشف الغطاء عن واقع ظلم المرأة العربية والإجحاف بحقوقها والتمييز ضدها في قوانين العقوبات التي تتسيد فيها السلطة الدينية والسياسية بذهنية ذكورية تحكم قبضتها قيود منظومة الثقافة السائدة والأعراف والقيم المجتمعية.

لقد احتدم النقاش خلال العقدين المنصرمين ولا يزال بشأن "مواد-العار" في قوانين العقوبات العربية، وأخذت نصيباً كبيراً من التداول وجهود الناشطين والناشطات وقوى المجتمع والحركات النسائية ممن قدن حملات مكثفة لتوعية المجتمع وللضغط على السلطات التشريعية لتغير مكامن الخلل، حتى باتت تتداخل مساحة السجال والمناقشات حول تعديل قوانين العقوبات بالأزمات السياسية والأوضاع الاقتصادية لأنظمة الحكم، بل وصارت جزأً لا يتجزأ من الأسئلة المزمنة العالقة دون إجابات شافية ولا حلول جذرية بشأن إنجاز الدولة المدنية وتحديث قوانينها وعلاقتها الملتبسة بالدين وبحقوق المرأة وتمكينها ومساواتها كمواطنة، وقد تباينت شدة وإلحاح هذه  السجالات لجهة جريمة الاغتصاب من مجتمع إلى آخر.

71% نعم لإلغاء 308
في الأردن ألغى مجلس النواب الشهر الماضي المادة (308) من قانون العقوبات، وكنص قانوني كانت المادة تؤمن للمغتصب مخرجاً قانونياً للإفلات من عقوبة جريمة الاغتصاب بمجرد زواج المعتدي من ضحيته المعتدى عليها لنحو أربع سنوات.    

في هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى مطالبات الحركة النسائية منذ سنوات بتعديل وإلغاء المادة ومشاركتها في تنفيذ الحملات، كذلك نشير إلى دراسة بحثية نفذتها جمعية "تضامن" الأردنية حول "الجرائم الجنسية ضد النساء-المادة (308) من قانون العقوبات الأردني نموذجاً"، وذلك للوقوف على التأثيرات القانونية والاجتماعية والنفسية والصحية الإيجابية منها والسلبية على النساء والفتيات والأسرة. استناداً إلى نتائجها شُكل تحالف مدني أردني ضم أكثر من (116) هيئة ومنظمة وجمعية ومئات الناشطين والناشطات لإلغاء المادة (308)، خلص بحثهم إلى أن (71%) من عينة الدراسة عبرت عن تأييدها لحملة إلغاء المادة، كما أثيرت العديد من التساؤلات حول مدى دستوريتها، حيث أن الأصل في التشريعات أن تطبق على جميع الأشخاص دون تمييز أو تفرقة، وهذه المادة تسمح بالتمييز بين الاشخاص في حالة تعدد الجناة أو تعدد المجني عليهن، كذلك عند اختلاف ديانة المعتدي أو كون المجني عليها متزوجة.   

ومع ذلك، فقد تفاوتت مواقف نواب البرلمان الأردني بشأن إسقاط المادة "بما تنص عليه من إسقاط العقوبة عن مرتكب الجنحة أو الجناية الجنسية الواردة في نص القانون، إذا تم عقد زواج صحيح بين المعتدي والمعتدي عليها، مشروطاً بحد أدنى لاستمرار هذا الزواج "3 سنوات للجنحة و5 سنوات للجناية"، إذ إنه وتبعاً لنص القانون، يمكن للمغتصب بعد أن تزوج من ضحيته أن يطلقها، وتسقط الملاحقة القضائية عنه.

حسب التقارير، سادت عملية التصويت على إلغاء المادة فوضى ووُجهت انتقادات حادة قيل أن سببها تصويت بعض النواب رغم عدم معرفتهم على ماذا يصوتون، وحيث طالب نشطاء منظمات المجتمع المدني وقوى سياسية وحزبية تقدمية بإلغاء المادة التي يجدون فيها مخرجاً للمعتدين وظلماً للمرأة والفتاة التي تتعرض للجريمة وتصبح لاحقاً مطلقة، وإن إتمام هذا الزواج سبباً لإسقاط الحق العام للمجتمع في معاقبة الجاني، فضلاً عن كونه شكلاني يأتي في حالة إذعان وإذلال واستجابة لابتزار المعتدي وأهله للضحية وعائلتها، كان هناك من يميل إلى إبقاء المادة وتعديلها بإتمام الزواج إذا كان هناك رضى من الضحية (إذا عمرها بين 15-18 عاماً) معللين ذلك بأن المجتمع عشائري ويفضل الستر على المعتدى عليها وعائلتها وتغليب المصلحة، ولهذا يجدون إن المادة (308) تمثل أيضا مخرجاً لإثبات نسب الطفل وتفادي ظاهرة الأمهات العازبات، هل هم على حق؟

لا أظن، عملياً الضحية توقف في مراكز الإيواء إذا كانت قاصراً، وفي مراكز الإصلاح والتأهيل بالسجن إذا كانت فوق سن الـ18 حتى يُبَتّ في القضية، فيما يطلق سراح المعتدي عليه بكفالة تنقذه من العقوبة، أما المفارقة الفاقعة والمؤسفة برزت في تصويت بعض النواب الرجال من كتلة الإصلاح (أخوان مسلمين) مع الإلغاء، فيما صوتت نساء من الكتلة ذاتها ضد الإلغاء.   

جدل بعد إلغاء 522  
في لبنان وتزامناً مع نشر جمعيات أهلية لبيانات إحصائية تكشف عن تصاعد نسب حالات الاغتصاب المبلغ عنها، وبعد نضالات ممتدة وكفاح خاضته المنظمات المدافعة عن حقوق النساء لإلغاء المادة (522) من قانون العقوبات اللبناني، صادق البرلمان مؤخراً على إلغاء المادة التي كان نصها يمنع تجريم المغتصب إذا تزوج من ضحيته بالإشارة "على أنه إذا عُقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى الجرائم الواردة في هذا الفصل (الاغتصاب - اغتصاب القاصر - فض بكّارة مع الوعد بالزواج - الحضّ على الفجور-التحرّش بطفلة - التعدّى الجنسي على شخص ذي نقص جسدي أو نفسي..)، وبين المعُتدّى عليها أوقفت الملاحقة وإذا كان صدر الحكم بالقضية علق تنفيذ العقاب الذي فرض عليه"، إلا إن أوساطهم القانونية تشير إلى أن هذا الإلغاء سيُبقي باب الجدل مفتوحاً على مصراعية بسبب التداخل بين المحاكم الدينية والمحاكم المدنية -أي بين القوانين الشرعية والقوانين الوضعية- مما يخلق تناقضاً بين مفهوم العقوبة ومفهوم الستر، في ظل غياب قانون مدني موحد يعامل اللبنانيين في قضايا الزواج والطلاق والميراث وفق معايير موحدة.

نعم لإلغاء 353
أما في البحرين فمعلوم أن قانون العنف لا يجرم ممارسة العنف وإنما يحيل إلى باب العقوبات الذي ورد في المادة (17) "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد في قانون العقوبات أو أي قانون آخر...إلخ". بمعنى أن هذا النصّ لا يوفر حماية للفتيات والنساء من جريمة الاغتصاب في المادة (353) من قانون العقوبات، وبالتالي هذا لا يتناسب وخصوصية الجريمة وآثارها على الضحايا، فنص المادة يشير إلى "لا يحكم، بعقوبة على من ارتكب أية جرائم هتك العرض أو الاغتصاب إذا عقد زواج صحيح بينه وبين المجني عليها، فإذا صدر عليه حكم نهائي يوقف تنفيذه وتنتهي آثاره الجنائية بمجرد إنجاز العقد"، ما يعني إمكانية لجوء الجاني إلى الزواج من الضحية للإفلات من العقوبة وتطليقها فيما بعد، وقد يكرّر جريمته على أخريات.

إضافة إلى ما سبق، غالباً ما يتعرض النشطاء في البلدان العربية أثناء قيادة حملاتهم لإلغاء أو تعديل القوانين التي تنتهك حقوق المرأة، إلى اتهامات بمحاولة استغلال الوضع وفرض أجندة خارجية مستوردة وتدميرية لكيان المرأة والأسرة، لا تتناسب وقيم وأخلاق المجتمع العربي والإسلامي، أو بإنهم يزايدون سياسياً على حكوماتهم أو لغاية أن تحقق المنظمات النسائية مساحات حقوقية أكبر للمرأة تساهم في علمنة المجتمع وتحديثه بما يتعارض والشريعة الإسلامية، بيد إن واقع الحال أن ضحايا الاغتصاب من الفتيات يتعرضن عند تطبيق مواد-العار في حال زواج الضحية من المجني، إلى إساءة نفسية وجسدية، الأمر الذي يقود إلى طلب الطلاق وسقوط أي ملاحقات قضائية للمعتدي المغتصب الذي قد يكرر فعلته.

من هنا، فأن إلغاء هذه المواد المشينة من قوانين العقوبات العربية يعني ما يعنيه من تجريم الاغتصاب الذي يستلزم عقوبات رادعة، وأحكاماً خاصة لوصف الجريمة وتحديد أركانها وأوصافها وحالاتها وطريقة التبليغ عنها وحماية الضحايا وملاحقة المرتكبين جزائياً. 

منى عباس فضل
المنامة-10 سبتمبر 2017

الثلاثاء، 5 سبتمبر 2017

أين اختفى شعب الخليج؟!

منى عباس فضل
مع الفورة النفطية، تدريجاً اختفى شعب الخليج، أين هم؟ من غيبهم، كيف ولماذا؟
تسأل عن البائع منهم؟ يقال لك المواطن لا يعمل بائعاً ولا سباكاً ولا حمالاً ولا سائقاً ولا صاحب بقالة ولا خضرجي ولا خياطاً ولا حلاقاً ولا منظفاً ولا حارس أمن ولا ولا ولا؟ مهن كثيرة لا تعد ولا تحصى لا يمكنك أن تجد عاملاً مواطناً فيها من تلك البلاد ومثيلاتها إلا باستثناءات ضئيلة.

تظن وتردد في سرك؛ ربما هم يتربعون في الوظائف المصرفية المجزية أو وزارت الدولة برتب وظيفة عالية المداخيل يأمرون ويتسيدون وووو، بيد إن الدراسات انتهت إلى أن القطاع الخاص وحده خلق "5.4 ملايين وظيفة" استحوذت العمالة الأجنبية على "90%" منها. تنظر يمينك تتلفت يسارك فلا تجد للمواطنين أثراً في مهن الطبابة والتمريض في المستشفيات إلا فيما ندر على الرغم من انتظار أعداد كبيرة لهذه المهن من خريجي هذه التخصصات في بعض البلدان، وجودهم في الأمن والشرطة بشروط وقيود ومحاذير، وحتى وظائف التعليم التي كانت مقصداً لهم فقد غزاها الغرباء من كل حدب وصوب يزاحمونهم حولها.

قالوا: إن كنت تبحث عنهم ينبغي أن تلقي نظرة في سجل تقاعدهم المبكر فستجده كاشفاً عن حال أعور ومستور، ومنهم من تربع قوائم الانتظار بوعد لوظيفة طال انتظارها لسنوات بعد التخرج الجامعي، أو ربما في صدارة قوائم العاطلين عن العمل لهذا السبب أو ذاك أو ربما التهمته قوائم المهاجرين المغتربين عن أوطانهم طوعاً أو إجباراً طلباً للرزق أو لشئ من الأمان وحفظ الكرامة.

المواطنون أقلية
أين اختفى شعب الخليج؟
تفتش عنهم وتنقب عن غيابهم من المشهد العام، فلا تجد إلا نفراً ضئيلاً منهم يتجولون في مراكز التسوق ضائعين وسط جيوش القادمين من أصقاع بلاد الدنيا هرباً من وحوش العوز وبحثاً عن مداخيل سريعة وفرص أعمال قد تحقق الأمنيات والأحلام. في مقالة لدلال موسى منشورة في كتاب "الثابت والمتحول 2017" عن مركز الخليج لسياسات التنمية، تشير إلى أن غير المواطنين يشكلون نسبة عالية أقلها بنحو "50%" وأعلاها نحو "90%" من إجمالي المواطنين"، فيما تشير الإحصاءات الرسمية بأن المقيمين من غير المواطنين يمثلون "39%" من إجمالي سكان السعودية في عام 2015 و"89%" في الإمارات و"86%" في قطر و"45%" في عمان و"69%" في الكويت و"53%" في البحرين.

اختفى المواطنون من شوارع بلدانهم واحُتلت أمكنتهم في الأزقة القديمة عمالة أجنبية ووافدة بحضور كثيف، يثير الاستغراب والخوف والتساؤل عن مغزى هذه السياسة ومن وراء ظاهرة تفشي العمالة السائبة والعمال غير النظاميين، من وراء المتاجرة بهم وزجهم في سوق السخرة "الفري فيزا" حيث يشكلون فائضاً لا يقدم أي إضافة إلى الإنتاج بحسب الاقتصاديين.

أحزمة البؤس
اختلفوا على تسميتهم تارة يطلقون عليهم عمالة وافدة وتارة أجنبية، ووراء التسميات ما وراءها من حقوق ومستوجبات وأعباء لا تعد ولا تحصى تنتظر بلدان الخليج إن طال الوقت أو قصر، ففي نهاية المطاف هناك حقوق والتزامات أقرتها المنظمات العالمية لهذه العمالة وتجارهم المحللين وأسيادهم في بلدانهم الأصلية يدركون تلك المخاطر، لكن من يعبأ لضياع الأوطان من؟! هي الأطماع والجشع ولا شئ يعلو عليهما، هو التخبط وسياسات السوق ونظام الكفالة التي معها يتعاظم الخوف من الآثار السلبية على تركيبة المجتمع وعلى عاداته وتقاليده بل ومخاطر الفوبيا و"السلوك العدواني" ضد الأجانب أو العكس نظراً للمعاملة غير السوية في بعض الحالات كما تشير مقالة دلال.

ينتشرون كالجراد، تميزهم ألبستهم الرثة أو هندامهم الفلكوري وروائح أطباقهم وأطباعهم ورطن لغاتهم ومنهم من تميز بلغة الزعيق في الأمكنة العامة، ومنهم من لا يتوقف عن الثرثرة والبصق على الجدران ومنهم من يطالعك بملامح السكينة والبؤس والهدوء القلق وشعور العوز والضياع، ومنهم من يتكور في شكل حلقات وجماعات صغيرة هنا وهناك في الأزقة المهملة التي تشكل أحزمة تلتف حول خاصرة مدن الملح الكئيبة بأبراجها العالية، أزقة وأحياء بكاملها صارت كنتونات للقادمين بلا حدود لا تطأ صوبها أقدام مسؤول أو مواطن هارب مما صار عليه الحال. يتجمعون لمشاهدة عرض ما أو تبادل أحاديث الهموم مع أقاربهم عبر الهواتف الذكية وما توفر من خدمات مجانية؛ تعلو أصواتهم وتنخفض همهماتهم بحسب أحوال عائلاتهم وأوضاعها، فهناك من يرقد بين سكرات الموت والرحيل وهنا من يعاني منهم من صدمة كما حدث لشغالة الجيران التي تزوج عليها زوجها في الغربة بعد أن تسلم بانتظام مرتباتها الضئيلة، مجتمعات فائضة بكاملها تعيش على حافة مجتمعات يسودها ضغط الوضع الشاذ والفوضى الخطيرة التي يتهرب من مشاهدتها وملامستها أي مسؤول.  


 ينوه الباحثون ومعهم مراكز الدراسات إلى أن تفشي ظاهرة العمالة الأجنبية والوافدة وزيادتها في أسواق الخليج، أمر غير مدروس لاسيما لجهة العمالة غير الماهرة التي تشكل عالة على اقتصاديات المنطقة، فأغلبهم يعيش وضعاً رثاً ووجودهم بهذه الأعداد والكثافة يمثل كارثة ديمغرافية واقتصادية، بل ويزيدون ويشرحون ويثبتون بالأرقام والوقائع بأنهم بذرة لكارثة سياسية قادمة لامحالة بسبب غياب سياسات الحماية والضمان والعدالة الاقتصادية والمشاركة في اتخاذ القرار، تماما كما حدث لبلاد تدعى "توباغو وترينيداد" في بحر الكاريبي، مع اختلاف التفاصيل. ترى ما حكايتها؟

درس ترينيداد
تبعاً للمصادر اشتهرت "توباغو وترينيداد" بحرفة الزراعة لقصب السكر والبن والكاكاو وجوز الهند والموز، وأصبحت منذ 1978 مورداً للنفط والغاز. استوطنها الهولنديون بعد الأسبان وجلبوا إليها آلاف الأفارقة للعمل في مزارعها الكبيرة، كما وفد إليها مستوطنون فرنسيون ومعهم عبيدهم للعمل في زراعة قصب السكر في القرن الثامن عشر، فيما استجلب إليها الاستعمار الإنجليزي عشرات الآلاف من أفريقيا للعمل في حقولهم، حتى سيطروا عليها تماماً بعد تنافس وحروب مع الأسبان والفرنسيين وانتهى الحال ببريطانيا إلى إحكام سيطرتها على "ترينيداد وتوباغو" وجمعتهما في إدارة استعمارية موحدة عام 1961، وصارت دولة مستقلة في 1962، لكنها بقيت ضمن دول الكومنويلث البريطاني. وماذا بعد؟

أيضاً مرت عبر تاريخها بحركات ثورية خصوصاً الحركات الاجتجاجية للعمالة السوداء على البطالة، وقد بلغ سكانها تبعاً لاحصاءات 2015 "1,354,483 نسمة" مقارنة بـ"848,481 نسمة" عام 1960، وهم ينقسمون من حيث أصولهم العرقية إلى "40%" من الهنود الآسيويين والصينيين الذين استجلبتهم بريطانيا كعمال سخرة بعد إلغاء تجارة الرقيق، حيث يمثل الهندوس وحدهم نسبة "34%" من إجمالي السكان، إضافة إلى "39%" من الأفارقة، وخليط من أعداد كبيرة من الصينيين والبريطانيين والفرنسيين والبرتغاليين والأسبان، وبعض العرب من سوريا ولبنان. والنتيجة أن أصبح الكاريبيون المواطنون الأصليون في هذه البلاد أقلية ينافسها القادمون في مجمل حقوق المواطنة، وقد صار لهم وضع تمثيلي في التشكيلات الحزبية والمشاركة في اتخاذ القرار بالبرلمان نظراً لضمان حقوقهم السياسية ومستوجبات المواطنة حالهم حال المواطن الأصلي.

في مسح استقصائي شاركتُ فيه مع برفسور وخبير اقتصادي من ترينيداد وكنا منتدبين من "منظمة العمل الدولية" عام 2010 لاستطلاع وضع أطراف الإنتاج الثلاثية في بعض بلدان الخليج، كان يشير بحرقة أثناء زيارات الاستطلاع للجهات الرسمية المعنية بسوق العمل إلى ضرورة إعادة النظر في استقدام الأيدي العاملة الأجنبية، منوهاً وشارحاً لتأثيراتها السلبية على الأوضاع المحلية اقتصادياً وسياسياً. قال محذراً: "أنظروا اليوم إلى وضع بلادي حيث يزاحمنا الأجنبي ليس في الفرص الوظيفية والاستثمارية بل وحتى في المشاركة السياسية وفي اتخاذ القرار بالبرلمان، إنه خلل كبير ويجب معالجته، وعليكم أخذ العبرة من تجارب الآخرين".

لكن من أسف لا حياة لمن تنادي، فالأنانية والجشع وانتشار وباء الفساد وسوء إدارة الاقتصاد ومعهم غياب الضمير وحكمة العقل، مجتمعة أوصلت أوطاننا إلى الأرقام المرعبة؛ "57%" هي نسبة العمالة الأجنبية في السعودية و"95%" في قطر و"81%" في الكويت و"78%" في البحرين" وهي دون أدنى شك باتت أحد أبرز مظاهر خلل التركيبة السكانية والقنبلة الموقوتة.

د.منى عباس فضل 
المنامة 5 سبتمبر 2017