الأحد، 11 أبريل 2021

جمعية نهضة فتاة البحرين تستذكر فقيدتها الراحلة السيدة فائقة خليل المؤيد

 

تحرير: د.منى عباس فضل/كاتبة وباحثة 

وعضوة جمعية نهضة فتاة البحرين

 بمناسبة تأبين رائدة العمل النسائي وإحدى مؤسسات الجمعية وعضوتها الفخرية الفقيدة الراحلة "فائقة خليل المؤيد" تقف عضوات جمعية نهضة فتاة البحرين لحظة صمت تقديراً وإجلالاً لذكرى رحيلها ويستذكرن تفانيها وتضحياتها وعطاءها الذي سخرته لخدمة العمل النسائي والاجتماعي والأهم للمرأة البحرينية.

 من يحفر في سيرة الفقيدة، سيجد أن ما تركته من إرث وبصمات لم يقتصر على الفترات التي عاصرت فيها نشأة الجمعية وتطور نشاطها المجتمعي، وإنما سيجدها في الخاتمة التي توّجت بها نشاطها في السنوات الأخيرة من حياتها، وأعني هنا تدوين تفاصيل تجربتها في العمل النسائي البحريني بأسلوبها وعلى طريقتها وبكل ما في التجربة وما عليها.

 لاشك أن تفاصيل سيرتها تعدّ اليوم مرجعاً توثيقياً خصباً يسجل مراحل التغيير والتطور الذي مرت به النساء في مجتمعنا المحلي، سنلامس كل ذلك من خلال شهاداتها وما دونته من تعليقات وآراء وما سجلته من أحداث بالتواريخ والأسماء وبما أسعفتها به الذاكراة بأمانة ورصانة ووعي وحس رفيع بالمسؤولية تجاه عملية التوثيق وتجاه كل رائدات العمل النسائي اللواتي شاركن معها التجربة.

 لقد ساهمت في تسجيل تفاصيل ما مرت به وهي التي ترعرعت وسط عائلتها الممتدة والصغيرة ومن خلال  صداقاتها وعلاقاتها بمدرّساتها في المدرسة وتأثيرهن عليها، فالتعليم كما ذكرت كان بوابتها إلى العمل التطوعي: "بعد حصولي على الشهادة الإبتدائية من مدرسة عائشة أم المؤمنين سنة 1946، آمنت بأهمية التعليم في تغيير حياة المرأة"، وطموحها اتسع ولم يتوقف عند مستوى الشهادة الابتدائية المعتمدة آنذاك فأكملت المرحلة الإعدادية عام 1965 ثم الثانوية عام 1971 حتى نالت ليسانس الآداب من جامعة بيروت العربية بالانتساب عام 1976، وأسّست لاحقاً مشروعها الخاص "روضة البراعم الصغيرة".

 في مذكراتها تقول: "من هذه النقطة تحديداً كانت بداية تعلّقي بالعمل التطوعي ومن خلال السيدة وفيقة صواف التي عملت كمديرة ومفتشة لمدارس البنات بوازرة التربية والتعليم حيث كان لها الفضل في إعداد نخبة من الطالبات المميزات والتي شاركت إلى جانب غيرها من السيدات في تأسيس "نادي السيدات" الذي أغلق عام 1953"، وهي ترى بأن لتلك المرحلة انعكاس عظيم في بناء شخصيتها حيث ترسخ في داخلها وبشكل إيجابي حب العمل التطوعي ومساعدة الأسر المحتاجة والرغبة في التعلّم والتعليم وغرسه في نفوس الأجيال بشكل عملي، كما اكتسبت حسب شهادتها، صفات أساسية كانت عدّتها في العمل التطوعي كالتواضع والرحمة والخلق الكريم في التعامل مع الآخرين، أما في الجانب الثقافي فقد ترسخ لديها حب القراءة الذي دفعها للمساهمة في مشروع محو الأمية الذي تصدرت له الجمعية إلى جانب نشاطها الاجتماعي ومتابعتها للأحداث الوطنية والاجتماعية والسياسية التي كان لها دورٌ بالتأثر والتأثير في سير الأحداث الأساسية على الأفراد والجماعات في المجتمع البحريني.

 في تفاصيل مسيرة نشاطها التطوعي الاجتماعي ومنذ بدايات تأسيس جمعية نهضة فتاة البحرين وحتى رحيلها، نجد أن الأحداث والمواقف التي تناولتها قد شكلت مكوّناً من مكوّنات دورة حياتها اليومية التي ساهمت فيها بتصوير محطات مهمة من تاريخ الحركة النسائية واهتماماتها واتجاهات شخوصها الاجتماعية والثقافية، ولاشك أن في هذا حماية كبيرة لهويّة مجتمعنا البحريني الأصيل وتاريخه؛ فما ترويه لم يخلُ من التعبير عن مواقف اجتماعية وثقافية وحتى سياسية برزت من بين ثنايا الشواهد والوثائق الأصلية التي حفظتها ونظّمتها بجهد فردي وحرصت بأمانة على عرضها وإبرازها من خلال واقع المرأة البحرينية قبل النفط وبدايات تعليمها وبما مثّله كمحطة تاريخية هامة في تحديث المجتمع ونهوض المرأة وما أحدثه من تغير جذري في حياته، كما لم تغفل الفقيدة "أم جمال" عن الإشارة إلى رائدات التعليم حتى العربيات منهن ودورهن في إرساء مرتكزات العملية التعليمية والتربوية والمشاركة في الشأن العام وقضايا المرأة والمجتمع، ووجدت أنهن شكّلن نقطة تحوّل نوعي؛ تذكر: "بدأت السيدة عائشة يتيم إلى جانب عدد من سيدات المجتمع البحريني ومنهن بلقيس الساعي كريمة المؤيد ولولوه محمد الزياني وصفية عبدالله بشمي وحصة هجرس وهيا هجرس وفاطمة العوضي وجواهر آل شريف ونفيسة أكبري وزينب الساعي وفاطمة الفائز وأنا، بتأسيس جمعية نهضة فتاة البحرين كأول تجمع نسائي بحريني خليجي في مارس عام 1955.."

كانت مسكونة بدينامية السرد والوصف؛ وبهاجس نقل خبراتها الشخصية والخبرات المختلفة لجيلها إلى أهل الحاضر من الفتيات والنساء وإلى الأجيال القادمة، ولهذا حاولت في إطار نشاطها التطوعي بالجمعية نقل المعرفة والخبرة القديمة   التي تمثلت في مسؤولية دور الشاهدة التي تدلي بشهاداتها حتى لا يضيع مصير ومخزون تجربة جمعية النهضة العريقة التي تأسست من جهود جماعية وتطورت مع المتغيرات التي مر بها المجتمع، وفي تسجيلها لهذه التجربة كشفت عن الخيارات والفرص التي كانت متاحة أمام المرأة البحرينية في مجتمعنا لاسيما في مجال التعليم والنشاط العام والعمل التطوعي وعبرت عن رأيها وبطريقتها فيما حدث تجاه نوازع احتجاج التيار الديني على تأسيس "نادي السيدات"، كذلك عن الموقف تجاه المشاركة السياسية للمرأة في أول تجربة انتخابية، وهذه الروايات المختلفة والمتقاطعة التي تتكامل مع بعضها البعض ومع معطيات الحاضر وبما شهده من أحداث ومواقف؛ تعدّ جزءًا حيوياً ذا قيمة مضافة لتاريخ الحركة النسائية البحرينية، ولهذا يستوجب علينا اليوم ألا نقرأ تجربة الراحلة "فائقة المؤيد" باختزال وبمعزل عن تاريخ المجتمع، إنما بشكل متكامل وشامل ودقيق متمعّناً في الهدف وعمق التفكير الذي تميّز به جيل من الرائدات الأوائل في الحركة النسائية البحرينية، وبما له علاقة بقضايا المرأة البحرينية وبالمكتسبات التي حققتها.

 في السياق وانطلاقاُ من شعورها العميق بالمسؤولية تجاه جمعية نهضة فتاة البحرين، استعرضت في سيرتها نشأة الجمعية وما تزامن معها من سجال حول وجودها من بعض المعارضين الدينيين وكيف شكّلت الصحافة المتنوّرة وقتها داعماً للحركة النسائية في نشأتها وكيف صمدت في وجه التيار الديني التقليدي، سجّلت كل تفاصيل أنشطة الجمعية الاجتماعية والثقافية في البدايات، كمساهمة الجمعية في لجنة مكافحة السل؛ تذكر الراحلة: "شاركنا في الحملة الوطنية عام 1955 لمكافحة السل، بالدعوة إلى التطوع بالتعريف بالمرض وأعراضه وكيفية الوقاية منه وعلاجه، وعبر الأنشطة الخيرية التي تبرعنا بريعها إلى هذه اللجنة"، وتستطرد في سردها عن الحفلات الخيرية الأخرى لمرضى العيون عام 1959 ولمكافحة الأمّية وغيرها الكثير كالمساعدات التي قدمتها الجمعية لرابطات الطلبة في الخارج عام 1968، ويانصيب تعليم الكبار وصندوق الطلبة الجامعيين عام 1972 والحفل الذي أقيم لصالح تعليم الطلبة الجامعيين في الخارج عام 1973، وغيرها الكثير.

 أما على المستوى العربي والقومي فتسجّل الراحلة مواقف جمعية نهضة فتاة البحرين المبدئية التي لا تزال ملتزمة بها وعلى ذات النهج، فتشير إلى مساهمة الجمعية في إقامة أسبوع للتضامن مع الثورة الجزائرية التي اشتعلت عام 1958، وعن القضية الفلسطينية تشير إلى الحفلتين الخيريتين الساهرتين اللتين أقامتهما عام 1965 وعام 1969 وخصصت تبرعاتهما لصالح جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، كما ذكرت تنظيم حملتين لجمع الثياب والأدوية لأبناء النازحين الفلسطينيين بعد حرب حزيران ونكسة 1967 وتوثق كل ذلك بالأدلة والشواهد، منوّهة إلى تشكيل وفد من الجمعية توجّه إلى الأغوار دعما للثوار الفلسطينيين عام 1969 حيث سلّم إلى قادة "منظمة فتح" المبالغ التي جمعت خلال السوق الخيري ودعماً للعمل الفدائي وهو مبلغ "8506 دولارات"، وإلى تأليف هذا الوفد من رائدات العمل النسائي "السيدة عائشة يتيم رئيسة الجمعية وقتها، والسيدة كريمة المؤيد وشيخة الزياني، وتضيف "..في طريقنا مررنا ببيروت وزرنا مكاتب "اللواء" وقد تم إجراء مقابلة معنا أوضحنا فيها دور الجمعية والهدف من الزيارة" كما تشير إلى الحفل الذي أقيم لصالح الصندوق القومي الفلسطيني عام 1971، وفي المحصلة النهائية يبقى أن قيمة هذه الشهادات مهمة في حاضرنا وذات أهمية عالية وهي لا تزال تؤكد على أن مؤسسات المجتمع المدني ومنها الجمعيات النسائية ما برحت تتبنّى قضية الشعب الفلسطيني بشدّة ولا تتنازل عن موقفها المبدئي تجاه الأرض المحتلة. 

 تمتّعت الفقيدة "المؤيد" ببعد نظر في تركيزها على العمل النسائي الخليجي من خلال علاقة الجمعية بالجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية بدولة الكويت حين شاركت الجمعية في أول تجمّع خليجي للمرأة عام 1968 بالكويت وبالحراك النسائي في دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر والسعودية إضافة إلى المنظمات والاتحادات النسائية العربية، وقد دعمت ذلك بالوثائق والصور التي توفرت بين يديها.

 أما عن قناعتها الراسخة بمشاركة المرأة كمواطنة كاملة الأهلية في العملية السياسية وبأهمية دور الجمعيات النسائية ومنهم النهضة في هذا النشاط الذي انعكس من خلال تسجيلها لوقائع تصدى جمعية نهضة فتاة البحرين وجمعية أوال النسائية وجمعية الرفاع الخيرية الثقافية لإسقاط حق المرأة في المشاركة السياسية عام 1972 ودورهم في القيام بالتحركات الواسعة التحالفية مع مؤسسات المجتمع المدني الداعمة لحقوق المرأة مشيرة إلى الخطاب الاحتجاجي الذي رفعته الجمعيات إلى المجلس التأسيسي عام 1973 للتعبير عن الاستياء لعدم تحديد معنى المواد الدستورية التي تضمن للمرأة حقها الشرعي، وعلى اقتصار كلمة المواطنين على الذكور فقط إلا أن الرسالة كما تشير؛ أسقطت ولم تقرأ ضمن الرسائل الواردة للمجلس التأسيسي في اجتماعاته.  

 كرمت الفقيدة "فائقة المؤيد" مرات عديدة من جمعية نهضة فتاة البحرين وحصلت على عضويتها الفخرية في 14 فبراير 2001،  نظير الخدمات التي قدمتها للجمعية، وعلى ما يبدو أن لذلك انعكاساً كبيراً  ومؤثراً على نفسها لم تغفل عن الإشارة إليه بحكمة في سيرتها: "لقد مر بي شريط من الذكريات الجميلة والحلوة وأنا أتابع ذلك المشهد الرائع في عام 2000 حين تسلمت العضوات القديمات بجمعية نهضة فتاة البحرين شهادات التكريم والتقدير من العضوات الحاليات بمناسبة مرور خمسة وأربعين عاماً على تأسيسها...إن التاريخ يشهد بذلك..هي خمسة وأربعون عاماً تعكس الفعاليات والنضالات والأعمال الجادة التي على ضوئها تأسست جمعية نهضة فتاة البحرين..إن بدايات العمل النسائي في البحرين وتأسيس الحركة النسائية المنظمة والمدركة لدورها في المجتمع أبرزت الحقائق التاريخية المدعمة بالوثائق والصور والشهادات. ليس محزناً أن يجري الزمن ويلفنا بين طياته ولكن المحزن أن يلفنا ثم يلفظنا دون أن نترك ولو بصمة بسيطة ناصعة على صفحاته...وعندما التقت الأيدي المتصافحة خلال حفل التكريم، الأيدي المعطاءة القديمة بالأيدى المعطاءة الحديثة، أدركت بأن 45 عاماً أخرى قادمة إن شاء الله ستسجّل صفحات مشرقة لتاريخ المرأة البحرينية مليئة بالعطاء وكسب المنجزات".

 رحم الله الفقيدة "أم جمال" التي فارقت الدنيا بعد رحلة طويلة مليئة بالعطاء والوفاء، تركت إرثاً غنياً من التجارب تأسس على الجهد والتفاني الذي تمتعت به، ومهما كتبنا فيها من كلمات رثاء لن نوفيها حقها لما قدمته من وقت وجهد للحراك النسائي والعمل التطوعي، وهذا ما يزيدها احتراماً وتقديراً ومحبة في قلوبنا. 

ليتغمدها الله بواسع رحمته، ويسكنها فسيح جناته، لها الذكرى العطرة والسلام لروحها. 

تحرير: د.منى عباس فضل / كاتبة وباحثة

وعضوة جمعية نهضة فتاة البحرين

المنامة -28 مارس 2021