الثلاثاء، 23 يوليو 2019

عندما يروننا..When They See Us



منى عباس فضل
مؤخراً شاهدت فيلم "When They See Us" على شاسة "نيتفليكس Netflix" حيث لم يتبادر لذهني حينها تقييمه تقنياً موسيقاً، تمثيلاً، إنما كان جل تفكيري قد انحصر على سردية الحكاية ومعاناة الأطفال وأهاليهم وصلة الحكاية الوثيقة بتاريخ الولايات المتحدة المتأسس على خطايا تتمثل في استعباد السود والإبادة الجماعية للأمريكيين الأصليين فضلاً عن خطابات الكراهية المضمرة والمكشوفة في المجتمع؛ لم لا والرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" ما فتىء يدعو في نهج عنصري وخطاب بلطجي إلى تقليص الحقوق المدنية والإنسانية للملونين والمهاجرين اللاتينيين والمسلمين والجماعات المهمشة من أعراق مختلفة، كان آخرها دعوته لأربع نساء ملونات عضوات في الكونغرس "بالعودة إلى وطنهن الأصلي".

هذه النبرة ليست خافية على أحد، وهي تعبير فاقع عن المواقف العنصرية البشعة التي رصدتها وحللتها دراسات عديدة خلصت في نتائجها إلى إنه ومنذ بدء الحملات الانتخابية لترامب ارتفعت معدلات جرائم الكراهية بنسبة "226%" حيث أطلق خطابه العنان للكراهية والعنف السياسي القاتل.  

أحداث فيلم "عندما يروننا" تتسم بحالة صعبة وخطيرة مكثفة من الحزن والكآبة القابضة للنفوس المثيرة لمشاعر الغضب والاستفزاز والإحباط وخيبات الأمل تجاه الظلم والتهميش والقمع الذي يمارس بكافة صوره وأشكاله. الفيلم لم يُخفِ نواقص المجتمع الأمريكي وأظهرعيوب نظامه القضائي في فترة زمنية امتدت لـ"25 سنة"، كما تناول نماذج إعلامية وسياسية لم يتورع عن كشف حقيقة وجهها القبيح والتقليب في ماضيها "كاستحضار ترامب" رجل الأعمال عام 1989 في أحد المشاهد وقد نشر إعلاناً في إحدى الصحف كلفته "8000 آلاف دولار" يطالب بإعادة تطبيق عقوبة الإعدام مجدداً وبأخذ الحق من هؤلاء المجرمين، برر ذلك بإنه لإخافة المجرمين من كل الأعمار، كما ظهر في مقابلة مع الإعلامي "لاري كينغ"من سي إن إن قال فيها "إن المشكلة في مجتمعنا هي أنّ الضحية ليس لديه أية حقوق والمجرم لديه حقوق لا تصدق". إن هذا المشهد وتلك التصريحات أضفت المزيد من المصداقية لأبعاد وخطورة ما يحدث في الحاضر ليس في المجتمع الأمريكي وإنما في مجتمعاتنا المحلية التي تتسم بانشطاراتها الطائفية والمذهبية التي تتغذى على دعم ومباركة من الاستبداد، وعليه فالفيلم يعد بحق عملاً جريئاً وفاضحاً للمستور والنفاق والكذب.   


حكاية الفيلم من القوة التي تستحضر الألم والإستياء، وهي مأخوذة عن قصة حقيقية حدثت في ثمانينات القرن الماضي وبما عرف بـ"قضية عدّاءة سنترال بارك في نيويورك"، لكنها -أي القضية- لا تزال موضع سجال ساخن في المجتمع الأمريكي حالياً. تدور الأحداث في وقت كان فيه المجتمع يموج بحالة من الرفض والنبذ غير المباشر لذوي البشرة السمراء، ذلك على الرغم من الاعتراف بحقوقهم المدنية والقضائية والسياسية.



أطفال في غرف الاستجواب
في ليلة التاسع عشر من شهر أبريل عام 1989، تعرضت شابة مصرفية تدعى تيشا ميلي“Trisha Meili” ؛ للاعتداء والاغتصاب في الحديقة المركزية بمدينة منهاتن في نيويرك حيث تركت تنزف في حالة مأساوية. في ليلة الهجوم قبضت الشرطة على كل من وقعت يدها عليه من المراهقين الذين أحدثوا صخباً بالحديقة؛ ومنهم خمسة أحداث "أنترون كراي، يوسف سلام، كوري وايز، وريمون سانتانا، وكيفن ريتشاردسون" أعمارهم تحت السن القانوني ما عدا واحد منهم -أي تتراوح بين "14-16" سنة- أي أطفال-، أربعة منهم أمريكيون من أصل أفريقي وواحد من أصل إسباني، وفي الواقع جميعهم لم يرتكبوا أي جرم على الإطلاق.

   


أخذوا الأطفال الخمسة للاستجواب لتواجدهم في نفس الوقت بالحديقة، وتحت وطأة الاستجواب القاسي يتسمر المشاهد أمام الشاشة في حال حيرة وتوجس إزاء ما يتعرضون إليه من رهبة وخوف وبكاء بحُرقة جراء التهديد والوعيد والضرب والتجويع والمخالفات التي ارتكبت بحقهم وحق أهاليهم خلال عدة أيام، وهذا رد فعل طبيعي ومنطقي لجسامة الفعل الذي ظهرت فيه نزعة الكراهية والنبذ كونهم ملونين وأصولهم من أعراق مختلفة حيث حكمت الأهواء الشخصية سير التحقيق وتلفيق التهم في ظل غياب الأدلة وتزييفها وفشل البوليس في الوصول إلى القاتل الحقيقي.



فساد الشرطة والقضاء
وضع الأطفال في غرف الاستجواب مع المحققين وبعضهم دون وجود ذويهم، فاستفردوا بهم وأجبروهم على الاعتراف والتوقيع على إذنات بأنهم إرتكبوا الجريمة"، ذكر فيما بعد الشاب "يوسف سلام" أحد المتهمين الخمسة بأنه اعترف بارتكابه للجريمة كذباً بالإكراه، وذلك بعد تعرضه لسوء المعاملة من قبل الشرطة أثناء فترة احتجازه. في أثناء المحاكمة، تجاهل الادعاء العام الأدلة التي تشير إلى وجود مرتكب واحد فقط للجريمة بدلالة حمضه النووي كما أثبت التحليل أنه لم يكن يطابق أيّاً من حمض الأطفال المشتبه بهم. عوضاً عن ذلك تم إدانتهم في عام 1990 بقانون تعسفي من قبل هيئة محلفين في محاكمتين منفصلتين استناداً كما أشرنا إلى اعترافات قسرية ومخالفة للحقيقة، كان عقابهم كابوس سنوات سجن تراوحت بين "5-15 سنة" وسلبهم حريتهم وكرامتهم، وقد تناولت وسائل الإعلام والصحافة الحدث على نطاق واسع.




ظهر الحق واستمر الباطل
مع أحداث 11سبتمبر وتحديداً في عام  2002 التي برزت في أحد المشاهد اعترف المجرم الحقيقي المسجون على ذمة جرائم اغتصاب عديدة وسابقة عن مسؤوليته بجريمة "عدّاءة سنترال بارك" وهذا أكّدته ثبوت فحوصات الـ"الحمض النووي DNA" سابقاً، إثرها تم تبرئة الأطفال الذي أصبحوا رجال بعد 13 عاما أدينوا خطأ ونالوا فيها العذاب والاغتصاب والفساد داخل السجن السيء الصيت، كما برعت مخرجة الفيلم في إبراز حقيقة وضع السجون التي تمتلئ بالمجرمين وبفساد رجال الشرطة والمسؤولين، سارع الأطفال-الرجال-الأبرياء إلى رفع دعاوى قضائيّة ضد ولاية "نيويورك" في عام 2003، بدعوى محاكمتهم محاكمة كيدية اتسمت بالتمييز العنصري ضدهم وسببت لهم أزمات نفسية وندوب لا تشفى.


أغلقت القضية في 2014 مقابل غرامة مالية قدرها "41 مليون دولار، بيد إن ترامب وفي نفس العام وصف التسوية "بالفضيحة" قائلاً: "إنه لازال من المحتمل أن تكون مجموعة الخمسة هي الفاعلة..وإن التسوية لا تعني البراءة..فهؤلاء الشباب لا يملكون ماضي يشبه تماما ماضي الملائكة"، كما أطلق في 2016 أثناء حملته الرئاسية حسب التقارير خطاباً ذكر فيه بأنّ الرجال الخمسة ممن اتهموا في قضية "عدّاءة الحديقة المركزية" كانوا مذنبين، وأنه ما كان ينبغي إخلاء سبيلهم أبداً، الأمر الذي دفعهم مع غيرهم من المدافعين عنهم إلى انتقاده بشدة، كذلك يشار وقتها إلى تراجع السناتور الجمهوري "جون مكين" عن تأييده مشيراً إلى "تصريحاته الفاحشة  حول الرجال الأبرياء قي قضية عدّاءة الحديقة المركزية". ترامب لم يتوانى عن الذكر في خطاباته بأن المهاجرين المكسيكيين ممن لا يحملون أوراقاً ثبوتية هم مجرمون أو مغتصبون أو أشخاص يجلبون المخدرات، وانتقد قاضٍ مكسيكي أميركيّ بأنه متحيز في قراراته بسبب تراثه المكسيكي كما نشر إحصائيات مزيفة على التويتر تدّعي بأن الأمريكيين السّود من أصل أفريقي وإسباني مسؤولون عن غالبية عمليّات قتل البيض والجرائم العنيفة. 

ختاماً مخرجة الفيلم "Ava DuVernay إيفا دوفيرناي" تشير إلى أن أكثر من "23 مليون" حساب في نتفليكس Netflix في جميع أنحاء العالم قد شاهدوا الفيلم منذ عرضه لأول مرة في 31 مايو الماضي. الفيلم رسالة ذات مغزى سياسي واضح للزمن الحاضر برغم إن أحداثه تعود إلى 1989، والمخرجة دون شك نجحت في ملامسة عنصرية المجتمع الأمريكي على حقيقتها عبر إطلاق العنان للمشاعر الفردية المكبوتة ولخطابات السلطة التي تشجع على الكراهية والعنف وتمجده، فهي لم تكتفى بأداء استاتيكي إنما جاءت الأحداث والمشاهد فاضحة وكاشفة لأشكال العنف الفتاكة المنتشرة بسبب خطابات الكراهية والقمع والفقر والتمييز وفساد مؤسسات السجون وأجهزة الشرطة والقضاء وكل ما يضمر في النفوس من أحقاد، كانت بارعة في التعبير عن سوء استخدام القسوة والقوة لتعويض مشاعر العجز الدفينة التي يعاني منها العنصريون والنظام العام.    

منى عباس فضل
المنامة –23 يوليو 2019

الأربعاء، 3 يوليو 2019

كذب وتضليل صهيوني في المنامة

منى عباس فضل

البلد الصغير الذي طالما كان هادئاً ومسالماً تعرض مؤخراً ولا يزال إلى هزة عنيفة وعميقة مست مشاعره وانفعالاته عبر الضرب على جسده وعقله من تحت الحزام وفوقه وبتلقِى صفعات كان تأثيرها عليه أشبه بسياط أسياخ الجمر.

تماماً وكما كانت الدعاية النازية "بإيديولوجيتها الدينية والسياسية" أقوى الأسلحة التي اعتمدها الحكم النازي في منتصف القرن الماضي لغزو العالم واحتلاله وبسط هيمنته، يأتي فعل كيان العدو الصهيوني على ذات النسق والمنهج المتعمد في "ورشة صفقة العار" التي عقدت بالمنامة. ترى ما الذي اعتمدته آلة الدعاية الصهيونية لتسويغ مشروع تصفية القضية الفلسطينية؟

تشير أغلب مؤلفات علم النفس الاجتماعي والسياسي التي اهتمت بتحليل الدعاية العنصرية النازية بأنها "لاعقلانية" وتعتمد في بث رسائلها على استفزاز المشاعر وإثارة العواطف بكل الوسائل النظيفة والقذرة، الصادقة والكاذبة وعبر الصور ومن خلال المقابلات التلفزيونية والصحافية التي يتصدرها شخصيات رسمية بارزة أو مجتمعية مرموقة أو من عامة الشعب أو المثقفين والفنانين أو رجال الدين أو نشطاء المجتمع في كافة المجالات.

تطبيع بالقوة الناعمة والقسرية
على مستوى الواقع المحلي، هذا ما حدث عندما استخدمت آلة الدعاية الصهيونية طرقاً ترويضية لتقبل "مبدأ التطبيع" وأساليب اتسمت بالتضليل وليّ الحقائق وتشويهها إلى جانب بث الأكاذيب والشائعات باستخدام لغة الشعارات الإنسانية والتنموية في غير مواضعها في محاولة لفرض وجودها ومشروعها فرضاً بقوة الأمر الواقع دون مناقشة خصوصاً في ظل تكثيف جرعات القمع والمنع لأنشطة المجتمع المدني المناهض لعملية "التطبيع مع العدو الصهيوني" وفي ذات الوقت تلميع صورته بلغة إنسانية لا صلة لها بما يمارسه الصهاينة من حصار وتجويع وقتل وتدمير وتشريد بحق الشعب الفلسطيني، بل وتسهيل التعاطي معه تحت عنوان ورشة "السلام من أجل الإزدهار" للفلسطينين.

محلياً اعتمدت "الدعاية الإعلامية الصهيونية" على مدى أيام أسلوب "الصدمة" حيث لم يتوقع المواطن يوما ما بأن بلده ستكون بوابة "لتصفية القضية الفلسطينية" ولم يخطر له على بال أن ينطلق منها علناً "التطبيع الخليجي مع كيان العدو الصهيوني". الرسالة الإعلامية الصهيونية الخبيثة كانت فاقعة بصورها الموحية والمجازية التي شهدناها في صورة الصهيوني الذي رفع جواز سفره الإسرائيلي بتحدٍ أمام مدخل "الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو"، وشهدناه في التحقيق الصحفي الذي يبرز مشهد التساهل والبهجة بالمنتظر والقادم بوقاحته وشراسته، كان الحرص شديداً على أن  تبث هذه الرسائل بانتظام ورتم سريع وعلى كافة وسائل التواصل الاجتماعي وعبر رسائل اعلامية مارست التضليل وحرف الحقائق بلا هوادة وبلا توقف خلال أيام انعقاد "ورشة المنامة".


لن تتحقق أحلامكم بالتمدد
أبطال هذه الآلة كانوا من الصحفيين والإعلاميين الصهاينة الذين تم اختيارهم بدقة متناهية لأداء دور محدد، وهم من النساء والرجال بأسماء مشهورة تسبقهم ابتساماتهم وتاريخهم السئ الصيت وغبطتهم بوطء أرض البحرين والخليج لأول مرة وهم يتجولون بكل حرية وأريحية مع حراسة أمنية مشددة في شوارع سوق العاصمة المنامة وأزقتها وميادينها الرمزية التي دُنِّست بوجودهم. إن رسائلهم تبعث على الاستفزاز والإثارة، ردّدوا بشماتة طيلة الوقت:

-  "إنه حلم وتحقق".! نعم إنه حلم من أحلام التمدد الاحتلالي والاستيطاني الإسرائيلي من فلسطين إلى الخليج.

يفيد تقرير صحفي للعدو؛ "بأن ورشة المنامة الاقتصادية حدث عالمي لكنها لا تشغل بال المواطن البحريني البسيط، وفعلياً معظمهم –أي المواطنين- لم يسمعوا بها...". بالتأكيد تكشف هذه الرسالة عن كذب وتضليل، لماذا؟ لأن الشعب بكل فئاته ومؤسساته عارض عقدها ورفض "التطبيع"، وقد ضجت وسائل التواصل الاجتماعي في إيصال رسائلهم وتغريداتهم التي لا لبس فيها بوسم "بحرينيون ضد التطبيع" و"فلسطين عربية من البحر إلى النهر"، "القدس عاصمة فلسطين الأبدية" و"البحرين ضد التطبيع" و"تسقط صفقة العار"..إلخ، كما رفرف العلم الفلسطيني جنب العلم البحريني على سطوح المنازل في كل مناطق البحرين وأزقتها ولم يتوانى المواطنون عن كنس وتنظيف العتبات التي دنسها الصهيوني أمام مقر جمعيتهم المقاومة للتطبيع، في حركة رمزية مثلت رداً قوياً صاعقاً على الاستفزاز الإسرائيلي.


 في تقريرهم أيضاً التقوا بأحدهم وادّعوا بأنه تاجر بحريني وحين عرفوا بأنفسهم وهويتهم؛ رد عليهم:
- بأن "الناس هنا لا يحبون إسرائيل".
سألوه: (لماذا)؟
رد التاجر المزعوم: لأن الناس هنا مسلمون ولا يوجد في اسرائيل مسلمون ولأنهم استولوا على فلسطين. واعتذر لهم عن صراحته.سأله الصهيوني:
-هل علينا ألا نشعر بالأمان هنا، أو إنه ليس مرغوب بنا هنا؟ جاء رد التاجر:
- كل من يأتي إلى هنا فهو آمن، لا مشكلة في ذلك؟

حقاً هذا نموذج فاقع من السم المدسوس بين ثنايا تقرير آلة العدو الإعلامية، هنا تكمن خطورة الرد بما يوحي به من مضامين ودلالات رمزية أصر الإعلام الصهيوني على تثبيتها وبثها في ذهن المتلقي، وهي إنه لا مانع لدى المواطن البحريني من التطبيع مع العدو الإسرائيلي، وفي هذا كذب وتزوير لحقيقة موقف المواطنين إزاء الهرج الذي ساد على مسرح الحدث. 


في سياق "تقريرهم" يعلق الصحفي الإسرائيلي: "..بأن البحرينين لم يرغبوا بمجئ الكثير من الصحفيين سواء من العالم وبالأخص من إسرائيل، ويبدو إن البحرينين لم يلتقوا من قبل بالاسرائيليين.. لكنك أيضا تسمع هنا آراء أخرى أكثر انفتاحاً واعتدالاً "لاحظوا هنا أن الاعتدال بالنسبة إليهم يعني القبول بالتطبيع"...ثم التقطوا أحدهم من الشارع وسألوه:

-  هل على الحكومة الإسرائيلية والفلسطينية الجلوس سوياً وتسوية جميع الخلافات؟ رد صاحبنا الذي يبدو ملقناً بعبارة جاهزة ذات دلالات تطبيعية:
-   لا أريد أن أقاتلك أو أقاتل جاري، الجميع يعيش على أرض واحدة؟!.

لكن يا هذا من قال بأن المواطن في كل الأرض العربية عاجز عن ممارسة النضال والمقاومة في سبيل تحرير فلسطين المحتلة؟ ومن قال بأنه يقبل العيش ذليلاً دون مقاومة العدو في ظل سلام الجبناء الذين يبعون فلسطين بـ "50 مليار دولار" ويحرمون شعبها العيش بسلام في دولة فلسطينية ذات سيادة حقيقية؟

الإسلام المتصهين
ليس غريباً والحالة هذه أن يلعب الإعلام الصهيوني لعبة خطيرة للغاية بتحفيز قوته الباطنية التدميرية لزعزعة ثوابت القضية الفلسطينة في وجدان الشعب البحريني، ليس اعتباطاً أن يُستهدف مجتمعنا المحلي من بين مجتمعات دول الخليج، هذا المجتمع الذي طالما عُرف بالتسامح والسلام وأيضاً بالشجاعة والنضال وبعمق حبه لفلسطين وشعبها وبأن شعب البحرين لعب دوراً كبيراً في حركة تاريخ الوطن والعروبة وفي مناصرة القضية الفلسطينية منذ نكبة 1948 وحتى اللحظة، لاشك ان هناك دوافع سيكولوجية تم العمل عليها في اعتماد القصف الإعلامي الخطير الذي تعرضنا له جميعاً عبر المقابلات التي تم إجراؤها مع أناس يبدو من مظهرهم أنهم عاديون في المجتمع لكنهم لُقِّنوا بما بجب أن يقولوه، وربما لأول مرة نستمع لأصوات غريبة علينا تتحدث بالعبري، مقابلات تسمم النفوس وتتلاعب بالعقول وتُستخدم لترسيخ فكرة "التطبيع" وجعلها ظاهرة ممكنة في كافة أرجاء الوطن العربي والقبول باستيطيان العدو الصهيوني وتأبيد احتلاله لفلسطين خصوصاً في هذا الظرف الزمني المحدد الذي يسود فيه الاستبداد والخواء والاحتراب الطائفي والإثني بفعل الاستعمار الجديد.

ثمة مشهد شاذ وبائس لا علاقة له بالواقع المحلي حين توجِّه الصحفية الصهيونية لمواطن خليجي سؤالا:
-         كيف لنا أن نكون في البحرين ونتحدث بالعبرية؟ رد عليها بإعجاب وزهو مفتعل:
-         "لا أصدق.. مرحباً بكم في البحرين"؛، غريب أمره لماذا لا يرحب بها في بلده الأم؟!

صاحبنا المتصهين، وكما عرف نفسه صاحب مؤسسة تعليمية لتعليم اللغات ومنها العبرية طبعا ذكر بأنه يعشقها ويتحدث بها، لماذا؟ لأن حبه لها والقول له؛ بسبب الأنبياء..كالملك داود، وشيعياهو، يومياهو، دانييال وإنه يؤمن كمسلم باستمرارية أنبياء "إسرائيل". هنا نلاحظ استحضار الإيديولوجي الديني والسياسي لهز قناعات المتلقي، وذكر بأنه نشط في مواقع التواصل الاجتماعي ولا يتردد في نسج علاقات مع صحفيين إسرائيليين. حقاً صفاقة لا حدود لها؟! تسأله الصحفية الصهيونية:
-         أتؤمن أنه سيحل السلام هنا في الشرق الأوسط؟ يرد بكل ثقة في رسالة خبيثة للمس بالوعي العربي:
-         إنشالله بإذن الله يحل السلام علينا في العام القادم وعلى القدس، أحبك يا قدس عاصمة الملك داود.!

نعم لقد سمعنا وقرأنا عن الإسلام المتصهين، واليوم نشاهده حياً في هذا المشهد القبيح والغريب عن ثقافة مجتمعنا المحلي والعربي، كما يجدر التنويه إلى أن آلتهم الإعلامية الهجومية لم يغب عن بالها زيارة الكنيس اليهودي في قلب المنامة والتذكير بعدد أفراد الجالية اليهودية هنا وإنه -أي الكنيس- أقيم قبل نحو مئة عام وتم ترميمه قبل نحو 20 عاما..إلخ رسالة التقرير التي اختتمت قولها بأن الحدث ربما لم يحقق اختراقاً سياسياً لكنه حتماً حقق فرصة لتواصل الإسرائيليين بالمواطنين، وفي هذا تزييف وتحريف لما يحدث تجاه "التطبيع وصفقة القرن" من المواطنين الرافضين لهما.

المدفعية السيكولوجية
لقد كان التركيز واضحاً على استيراتيجية واحدة وبواسطة فرض "قوة الأمر الواقع" وهي أن "التطبيع ممكن" في هذا البلد وإن الناس في حالة استسلام وقبول عقلاني، بل وإن ما يحدث هو المنطقي، ولهذا وضع الإعلاميون المتصهيون والمتلهفون على "التطبيع" ومروجو "صفة القرن" قناعاً على وجوهم كانوا يدغدغون به عواطف العامة والأسواً أنهم يستحضرون فيه ذكر الشعب الفلسطيني زوراً والقول بأنهم يعملون لصالحه ولصالح تمكين المرأة الفلسطينية التي تم تجريدها من أرضها وهويتها وحقها في العودة بمشروع كوشنر... إلخ".


 وكما كان الإعلام النازي يعمل في نشر رسالته التي أطلق عليها "المدفعية السيكولوجية" بنجاح من خلال الموسيقى والفنون والمسرح والأفلام والكتب والإذاعة والمواد التعليمية والصحافية، عمل الإعلام المتصهين والمتهافت على التطبيع في خلال أيام عدة على تحفيز الرأي العام واستثارته بتجميل "التطبيع" وإنكار الحقيقة الكامنة وراء عقد "ورشة المنامة" من كونها منطلقاً لصفقة العار المشبوهة "صفة القرن" ولتصفية القضية الفلسطينية وبيعها من جيب الشعب العربي، إلى القول بأن الورشة هدفها "السلام والإزدهار للشعب الفلسطيني".

خلاصة الأمر أن آلة الإعلام المتصهينة والمتهافتة على التطبيع مستمرة في بث رسالتها التخريبية للتأثير في الرأي العام؛ برسالة مفادها: "بأن الحال" صار بالنسبة إليكم لا حول له ولا قوة في مواجهة السلام القادم ..."بصفقة القرن" و"بالتطبيع". من هنا فإن العدو يعمل بشكل دؤوب على إفقادكم القدرة على الإرادة بل ومحوها، ومن أجل انتزاع الولاء السياسي للتطبيع، بيد إن حقيقة ما يحدث هو تضليل للوعي الجمعي المتيقن بعدالة القضية الفلسطينية وبحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه وبالعودة إليها.

إن ما تقوم به آلة الدعاية الصهيونية له آثار مرئية كما له متغيرات غير مرئية تصيب عمق عواطفنا ومشاعرنا كأفراد وكمجتمع، لا شك إن مجتمعنا المحلي المحصَّن ضد التطبيع قد تم اختراقه من الصهاينة، هذا يظهر جلياً على السطح من استحضار مخزونه التدميري الذي يعمل على تفكيك العقائد الاجتماعية والسياسية والقيمية والأخلاقية تجاه القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، إنه يعمل على خلق شروط جديدة وظروف تهيء القبول الصاغر بوجوده بيننا وفي بلداننا، إنه العدو الصهيوني ولا غير، فاحذروا، ثم احذروا.! 

منى عباس فضل
المنامة –3 يوليو 2019