الاثنين، 28 أغسطس 2023

أساسيات بناء سياسة اجتماعية أسرية فعالة وناجحة


د.منى عباس فضل

- ورقة عمل قدمتها الباحثة في المنتدى الخليجي الثالث للسياسات الأسرية: ممارسة المواطنة المسؤولة والهوية في دول مجلس التعاون الذي عقد بمدينة صلالة في سلطنة عمان في الفترة من 28-30 أغسطس 2023


تمهيد 

 

حققت المجتمعات المحلية في دول مجلس التعاون الخليجي تقدماً نوعياً على مستوى الحقوق الاجتماعية والإنسانية لمختلف الفئات والشرائح المجتمعية، كما أدرجت هذه الحقوق ومفاهيمها وما جاء في سياقاتها من تطبيقات اجتماعية في دساتيرها ومنظوماتها التشريعية وأطر سياساتها العامة لاسيما نظمها الخاصة بالضمان الاجتماعي وشبكات الأمان التي أنشأتها في إطار قناعتها بدور القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع الأهلية كشركاء فاعلين في الدفاع عن هذه الحقوق والمكتسبات، كما بذلت الجهود المختلفة والمبادرات لتمكين أفراد الأسرة على كافة المستويات وخصوصاً المرأة التي عززت من مشاركتها وانخراطها في الحياة العامة والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهي لذلك استحدثت التشريعات والقوانين.

 

وكنتيجة لبروز الاهتمامات الدولية والإقليمية بالتنمية المستدامة وأبعادها وبما اشتملت عليه من خدمات أساسية وامتلاك سلع للأسرة وهي تمثل حقوق لأفراد المجتمعات؛ وبما نصت عليه الاتفاقيات الدوليّة والإقليمية ووثائق  المؤتمرات العالمية والعربية، فقد انضمت دول مجلس التعاون الخليجي إلى هذه المنظومة التي صدرت بشأنها المراسيم والقوانين الوطنية، ومنها النص العالمي لحقوق الإنسان التي تنص مواده على الحق في التعليم والعمل، فضلاً عما تضمنته اتفاقية العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي أقرت عام 1966، و"اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل"، و"اتفاقية منظّمة العمل الدوليّة رقم (182) لسنة 1999 وغيرها المتعلق بمكافحة التمييّز وفئة المعاقين، والانضمام إلى "اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة "السيداو" مع التحفظات على بعض موادها والتي أكدت على أهمية أن "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة لكي تكفل لها حقوقاً متساوية لحقوق الرجل في كافة الميادين".

 

كما عملت الحكومات على تصميم وتنفيذ استراتيجياتها الإنمائية الوطنية ذات الأبعاد الإستراتيجية والتشريعية لتحقيق التنمية الشاملة التي تتطلب تقدماً معرفياً وتغيراً قيمياً باحترام الاستدامة والمساواة والعدالة فتركزت تعهداتها على السعي إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة وأبرزها الهدف الثالث "الصحة الجيدة والرفاه"، والرابع "التعليم الجيد" المتمثل في المعارف والمهارات التي يوفرها نظام التعليم ومؤسساته، والقيم والسلوكيات والإبداع والابتكار عبر الجامعات ومراكز الأبحاث، والهدف الخامس "المساواة بين الجنسين" والثامن "العمل اللائق ونمو الاقتصاد" والعاشر "في الحد من أوجه عدم المساواة" وغيرها مما يساهم في تحقيق المساواة بين الجنسين وتكافؤ الفرص في كافة المجالات والاستقرار في الحياة العامة1  وكل ذلك ارتكز على قواعد دستورية وقانونية في هذه البلدان؛ وإن اختلفت الآراء والتحليلات تجاه الأداء في هذا الجانب.

 

وعلى الرغم مما تحقق من إنجازات نوعية ومكتسبات تناولتها التقارير المحلية والدولية بشأن تفعيل دول المجلس للنهج الرعائي في قوانين الضمان الاجتماعي والمساعدات العامة والرعاية الاجتماعية التي تتسم بالاستدامة وتمنح بمقتضاها الأسر والأفراد المشمولين بأحكامها إعانات نقدية وعينية وقوانين لتوفير خدمات الصحة والتعليم والإسكان بشروط وإجراءات معينة حققت نتائج ملموسة في سد الحاجات الأساسية للأفراد المستفيدين، كما وضعت آليات وأطر مؤسسية مختلفة عكست مضامين سياستها الاجتماعية المتكاملة التي كيفتها تبعاً للخصائص الجغرافية والتاريخية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية التي تتميز بها المجتمعات الخليجية، إلا إن تسارع المتغيرات الاقتصادية والسياسية وانعكاساتها على هذه المجتمعات قد ألقت بظلال تأثيراتها وتحدياتها على مسارات التنمية الاجتماعية وما سعت إليه من غايات وأهداف اجتماعية واقتصادية أدت في بعض المنعطفات إلى توسع نطاق الفجوات بين بعض الفئات الاجتماعية، وتقلص شرائح الطبقة الوسطى وتراجع أوضاع العديد من فئاتها الضعيفة والهشة التي تعاني من البطالة وانخفاض مستوى المداخيل وإن بشكل نسبي بين هذه البلدان.

في هذا الشأن يشير بعض دارسي واقع المجتمعات الخليجية "إلى افتقار النهج الذي اتبعته بلدان المجلس إلى القدرة على لعب دوراً فاعلاً في تحقيق تغيير ملائم في الواقع الاجتماعي وتوزيع عادل لثمار النمو الاقتصادي من جهة، والحد من أسباب نشؤ الفقر من جهة أخرى، إذ بقى النهج الرعائي بعيداً عن التعامل مع إشكالية الفقر بمعناها الواسع، والتي تقتضي اعتماد نهج التمكين في المشاركة في الحياة العامة وكسب العيش عن طريق العمل"2.

 

من طرفها أطلقت "الإسكوا"3 مؤخراً إصدارها حول الفقر في بلدان مجلس التعاون الخليجي؛ وذكرت فيه حقائق صادمة، مشيرة "إلى أن ازدهار اقتصاد المنطقة خلق انطباعاً بأن معدلات الفقر فيها منخفضة أو لا وجود لها"، فالكل يعتقد أن أهل الخليج يعيشون في رخاء وبحبوحة عيش منوهة "إلى إنه وعلى مدى عقود، اعتمدت اقتصاديات المنطقة على ثرواتها الطبيعية التي مؤلت الإيرادات الحكومية والدخل القومي وارتفاع الإنفاق الحكومي، مما انعكس على ارتفاع نصيب الفرد من الإيرادات وإعانات الحكومة، إلى جانب معدلات الضرائب المنخفضة والعمالة الواسعة في القطاع العام.. إلخ"؛ وشددت في تقريرها إلى إنه لم يُبذل سوى القليل من الجهد في التحقيق بمدى انتشار الفقر وعمقه، حتى إنه لم يتم تحديد خطوط له تحدد معدلاته وفقاً للتعاريف الوطنية.

 

وقد استندت "الإسكوا" في تحديد خطوط الفقر الخليجي على "مقياس دخل الأسرة والإنفاق الاستهلاكي"، على الرغم من وجود معارضين لهذا المقياس يرون؛ أنه لا يعكس صورة واقعية وحقيقية عن مستوى حرمان الأسرة ذات المداخيل المتدنية مؤكدين أن إحصاءات الدخل لابدّ وأن يعززها الانطباعات الذاتية للفقراء وأساليب فهمهم لحالتهم الاجتماعية، بل أن هناك من يجد صعوبة في تحديد الدخل الذي يمثل حداً فاصلاً بين الأسرة الفقيرة وغير الفقيرة، باعتبار إن تحديد حد أدنى لدخل الأسرة هو تعريف ذو طابع اجتماعي متغير بحسب ثقافة المجتمع والفترة التاريخية التي يمر فيها، إضافة إلى إن وضع الأسرة في المجتمع الواحد متباين من حيث حجمها وتركيبتها وفقاً للعمر والجنس وتغير مستوى المعيشة الذي لا يتطابق مع تغير مستوى دخل الأسرة، وبالتالي فإنه لا يعطي إلا صورة جزئية عن ظاهرة الفقر؛ وفي كل الأحوال، الأمر يستوجب المزيد من الجهود لإعادة ترتيب الأولويات وتلبية الاحتياجات بما يحقق حياة أسرية فعالة وناجحة يسودها الأمان والاستقرار. 

 

وعليه فإن مناقشة أساسيات بناء سياسة اجتماعية أسرية فعالة وناجحة تأخذ باعتبارها هذا الواقع القائم؛ لابد لها من الوقوف على عنصرين مهمين كمدخل للمقاربة والتحليل؛ هما:

 

(1)   الأسرة الخليجية كمؤسسة مجتمعية

لكي يحقق أي مجتمع أهدافه فإنه يقيم المؤسسات الاجتماعية التي تتناسب مع حاجاته الأساسية المتصلة بإعداد الفرد، وهي تمثل الأنماط الاجتماعية لأنواع السلوك الوظيفي التي يمارسها الأفراد والجماعات، فضلاً عن تحديدها لأنواع العلاقات والاتصالات بينهم4 والأسرة في هذا الإطار تشكل جماعة أوليّة صغيرة الحجم من الناحية الواقعية، وهي تمثل مؤسسة إذا نُظر إليها في ضوء العلاقات البنائية والمعايير التي تنهض عليها والوظائف التي تؤديها5، وهي تعتبر الجماعة الأولية الأساسية في التنظيم الاجتماعي،  نظراً لدورها في تنمية وبناء الشخصية وتحديد أنماط السلوك في النظام الاجتماعي المتشابك وبذلك فهي تشكّل عاملاً مهمّاً في بناء السياسات الاجتماعية الأسرية الفعالة والناجحة في أي مجتمع من المجتمعات.  

 

وقد اتفق علماء الاجتماع على إنها الخلّية والجماعة الأولى التي ينتمي إليها الفرد ويقع تحت تأثيرها، فتؤثر على نموه وتشكيل ميوله واتجاهاته، من خلال نزعة المحاكاة والتقليد لمن حوله، فيتشرّب بمبادئهم وميولهم واتجاهاتهم. وتأثير البيئة الأسرية يكون كبيراً في السنوات الأولى ويقلّ تدريجاً كلّما زاد النمو، كما أن الضمير ينمو لدى الطفل قبل ذهابه إلى المدرسة ويبدأ تدريبه على الملاحظة والانتباه والتمييز بين الأشياء، فضلاً عن النمو الاجتماعي، وهو يتأثر بالمستوى الثقافي والتعليمي لأفراد أسرته وما يسمعه منهم من مناقشات وأحاديث، وأحكام خلفية. ومنه فإنّ الأسرة كما يؤكد مصطفي حجازي تقع في موقع النواة من شبكة المؤسسات الاجتماعية المنظمة لحياة الناس والموجه لسلوكياتهم والمؤطر لأنشطتهم، فمن خلالها تتجسد شرائع المجتمع وقوانينه ونظمه وقيمه، وتكوين الهوية الثقافية الوطنية وبناء الانتماء، وهي الضامنة للصحة النفسية والحصانة والمتانة الشخصية، وبمقدار تماسكها وصحتها ورسوخ بنيانها، فإنها تشكل منبعاً للقيم السلوكية والتكيف مع المجتمع والجماعة والتوافق مع الذات، فضلاً عن كونها مركز بناء نظام من العلاقات والعقلانية والتوجهات والقيم6. 

 

تتنوع تعريفات الأسرة كمؤسسة أولية ووسيط اجتماعي وتختلف باختلاف البيئة الاجتماعية وظروف الأفراد والأزمنة والأمكنة التي تتشكل فيها، مع الإشارة إلى أن اهتمام علماء الاجتماع والانثروبولوجيا الاجتماعيين قد انصب في تعريفها على النسيج القرابي، فهي -أي الأسرة- الوحدة الوظيفة المكونة من الزوج والزوجة والأبناء المرتبطة برباط الدم والأهداف المشتركة، وفي الإطار البيولوجي والثقافي تُعرف على إنها جماعة اجتماعية بيولوجية نظامية تتكّون من رجل وامرأة "يقوم بينهما رابطة زواجية مقررة" وأبنائهما، وهي تقوم على دعامتين بيولوجية، علاقات زواج، علاقات دم، اجتماعية، دينية، ثقافية7.

 

وعند الطاهر لبيب هي "المؤسسة التربوية الأولي"، لكونها مصدر كل تربية صحيحة يتأثر بها الطفل، والتنشئة الاجتماعية هي صلب التربية ومعناها الاصطلاحي من المنظور التربوي هو "التطبيع"، على الرغم من أن التنشئة الاجتماعية غير مدروسة بما فيه الكفاية، وتأثيرات أغلبها قائم على افتراضات ومسلمات غير ثابتة علمياً8، إلا إنّ الأسرة تعد أهم وسيط لعملية التنشئة الاجتماعية، وهي التي تحدد هوية الطفل ومركزه الاجتماعي على أساس وضعها في النظام الطبقي؛ أما بالنسبة لـ"رونيه أوبير" فيشير إلى أن البيئة الأسرية، رغم إنها تستند في بعض النواحي إلى أسس طبيعية، تظل أولاً وقبل كل شيء، مؤسسة اجتماعية وثقافية-تتغير بنيتها المادية والنفسية بتغير المجتمعات؛ فالتكيف مع الحياة الأسرية، والصلات بين الآباء والأبناء والعواطف التي ترتبط بها، أمور تتجاوز إذاً المستوى البيولوجي النفسي، وفي هذه البيئة تنتشر الميول الأولى التي ستنظم حولها الحياة الاجتماعية، كعدوى الاتصالات، وتقليد الحركات، والتجاذب المتبادل بين النظائر9.

 

خلاصة الأمر؛ تغدو الأسرة الجماعة الأولية الأساسية في التنظيم الاجتماعي في المجتمع الخليجي، نظراً لدورها في تنمية وبناء الشخصية وتحديد أنماط السلوك في النظام الاجتماعي المتشابك10، الذي يشكل شخصية الفرد ويوجه نشاطه ويبقى على المجتمعات واستمرار نشاط أفراده ونموهم، ولهذا أولت دساتير المنطقة في موادها كما يتضح في الجدول أدناه اهتماماً بالغاً بهذا الكيان وأفراده لترسيخ مبدأ الأمان والاستقرار وتلبية الاحتياجات وتنمية القدرات بما يحقق قيامها بدورها في المجتمع بفعالية ونجاح، ما يعني أهمية دراسة تفاصيل أوضاعها وبنيتها والمتغيرات التي تطرأ عليها عند بناء أي سياسة اجتماعية.


مكانة الأسرة في دساتير دول مجلس التعاون الخليجي

الدولة

المادة الدستورية

 

المملكة العربية السعودية

المادة (9) الأسرة هي نواة المجتمع السعودي، ويربي أفرادها على أساس العقيدة الإسلامية وما تقتضيه من الولاء والطاعة لله ولرسوله ولأولي الأمر.. واحترام النظام وتنفيذه وحب الوطن والاعتزاز به وبتاريخه المجيد. المادة (10) تحرص الدولة على توثيق أواصر الأسرة والحفاظ على قيمها العربية والإسلامية ورعاية جميع أفرادها وتوفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم11.

 

 

 

مملكة

البحرين

المادة (5) أ- الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، يحفظ القانون كيانها الشرعي، ويقوي أواصرها وقيمها، ويحمي في ظلها الأمومة والطفولة، ويرعى النشء، ويحميه من الاستغلال، ويقيه الإهمال الأدبي والجسماني والروحي، كما تعنى الدولة خاصة بنمو الشباب البدني والخلقي والعقلي ب- وتكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها في المجتمع، ومساواتها بالرجال في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية، ج- تكفل الدولة تحقيق الضمان الاجتماعي اللازم للمواطنين في حالة الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو اليتم أو الترمل أو البطالة، كما تؤمّن خدمات التأمين الاجتماعي والرعاية الصحية، وتعمل على وقايتهم من براثن الجهل والخوف والفاقة. د-الميراث حق مكفول تحكمه الشريعة الإسلامية12.

 

دولة

الكويت

المادة (9) الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، يحفظ القانون كيانها، ويقوي أواصرها، ويحمي في ظلها الأمومة والطفولة. المادة (10) ترعى الدولة النشء، وتحميه من الاستغلال، وتقيه الإهمال الأدبي والجسماني والروحي. المادة (11) تكفل الدولة المعونة للمواطنين في حالة الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل كما توفر لهم خدمات التأمين الاجتماعي والمعونة الاجتماعية والرعاية الصحية13.

 

دولة

 قطر

المادة (21) الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، ينظم القانون الوسائل الكفيلة بحمايتها، وتدعيم كيانها وتقوية أواصرها والحفاظ على الأمومة والطفولة والشيخوخة في ظلها. والمادة (22) ترعى الدولة النشء، وتصونه من أسباب الفساد وتحميه من الاستغلال، وتقيه شر الإهمال البدني والعقلي والروحي، وتوفر له الظروف المناسبة لتنمية ملكاته في شتى المجالات، على هدى التربية السليمة14.

 

دولة

الإمارات العربية المتحدة

المادة (15) الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، ويكفل القانون كيانها، ويصونها ويحميها من الانحراف. المادة (16) يشمل المجتمع برعايته الطفولة والأمومة ويحمي القصر وغيرهم من الأشخاص العاجزين عن رعاية أنفسهم لسبب من الأسباب، كالمرض أو العجز أو الشيخوخة أو البطالة الاجبارية، ويتولى مساعدتهم وتأهيلهم لصالحهم وصالح المجتمع15.

 

 

سلطنة عمان

المادة (12) المبادئ الاجتماعية: -الأسرة أساس المجتمع، ينظم القانون وسائل حمايتها والحفاظ على كيانها الشرعي وتقوية أواصرها وقيمها، ورعاية أفرادها وتوفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم. -تكفل الدولة للمواطن وأسرته المعونة في حالة الطوارئ والمرض والعجز والشيخوخة، وفقاً لنظام الضمان الاجتماعي، وتعمل على تضامن المجتمع في تحمل الأعباء الناجمة عن الكوارث والمحن العامة.. إلخ16.

 

 

(1)  مفهوم السياسة

تعددت الاجتهادات في تحديده المعنى الاصطلاحي لكلمة سياسة، وهو يدور حول المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام إدارة الدولة، والأهداف التي تسعى إليها سلطاتها تحقيقاً لمصلحة المجتمع؛ حيث تتفرع السياسة العامة للدولة إلى فروع متعددة، أبرزها السياسة الخارجية التي تعنى بالنهج المعتمد في تعاملات الدولة الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية والتجارية.. الخ مع الدول الأخرى، والسياسة الداخلية التي تتمثل في المناهج التي تختطها لتسيير الشؤون الاقتصادية والمالية والاجتماعية والبيئية.. إلخ لمواطنيها، وبالنسبة للأخيرة فهي متعددة بفروعها الداخلية بتعدد الأنشطة والحاجات المجتمعية، وتسعى كل منها إلى تحقيق غايات محددة، تشكل معاً الأهداف الاستراتيجية التي تعمل الدولة بمختلف هياكلها المؤسسية الرسمية والأهلية على بلوغها؛ وتقع "السياسة الاجتماعية" في لب السياسة الداخلية للدولة، دون إغفال علاقتها بالسياسة الخارجية فيما يتعلق بالتعاون وتبادل الخبرات بين الدول في تنفيذ سياساتها الاجتماعية الوطنية17.

 

ومن وجهة نظر مصطفي حجازي؛ يتحدد مفهوم السياسة Policy باعتبارها قاعدة أو مجموعة مبادئ توضع لتوجيه القرارات، وتحقيق النتائج المرجوة، وهي تتضمن ما يستوجب عمله، وما هي مبرراتها، وهي بمثابة إعلان نوايا أو التزام يحدد الأنشطة والتوجهات ومن المسؤول عن تنفيذها، وهي تسعى للوصول إلى إيجابيات معينة مع تجنب بعض السلبيات التي قد تنتج عن هذه الأنشطة، ويتعين التنبه عند رسم السياسة إلى الآثار غير المقصودة التي قد تصاحبها، وغير المتوقعة في الخطة الأصلية، حيث تبرز هذه الآثار كلما ازداد تعقيد المنظومات المتصلة بها كقضايا السياسات المالية الرسمية أو سياسات التنمية؛ ولابد أن تتخذ السياسة طابع الوثيقة المكتوبة التي يتعين اعتمادها من المراجع الرسمية كي تكتسب مشروعيتها، وتفرض التزام العمل بها وتحقيق أهدافها. وتختلف السياسة عن كل القوانين والتشريعات الحاكمة المنظمة والخطط الإجرائية التنفيذية، كما تتضمن وثيقتها على مفاهيم السياسة وبنودها وأهدافها ومبرراتها ومجالاتها كالجهات المستفيدة منها وماذا تحقق لهم، وتحدد فيها مواعيد بدء التنفيذ والانتهاء، والجهات المسؤولة عن تنفيذها ومتابعة التقييم"18.

 

مضيفاً "بأن السياسة مسار أو أسلوب عمل محدد يتم اعتماده من بين مجموعة من الخيارات لتوجيه واتخاذ القرارات الحالية والمستقبلية، وهناك مدارس فكرية متنوعة ومنهجيات مختلفة لوضع السياسات الاجتماعية وبما يتلاءم مع كل بلد عن الآخر بحكم الخصائص التي تميزه، وبالتالي لابد من الانطلاق بطرح السؤال عن ماهية السياسات الاجتماعية المناسبة التي توضع لمجتمعاتنا ويستوجب تنفيذها؟ وهي ذات بعدين الأول من كونها خيارات يتم اتخاذها على أعلى مستويات الحكومات وبما يحدد توجهاتها وأولوياتها وقيمها وأهدافها، والثاني لكونها خيارات تتخذ بهدف تبسيط العمليات وضمان اتساقها كوضع أدلة لسياسات محددة. وهي تأخذ بالاعتبار التوجه الاستراتيجي لكل حكومة وبما ينسجم مع أهدافها، ويجب أن تصمم هذه السياسات وتطبق بوضع نتائج محُدّدة كي تتحقق كوضع سياسات صحية تؤدي إلى زيادة معدل الأعمار، أو سياسات تربوية تؤدي إلى محو الأمية؛ وهذا يعني بأن هذه السياسات تحتاج إلى آليات عمل متماسكة وإجراءات مراجعة وتقييم واضحة واستخلاص لنتائج التجارب والدروس بحيث يتم تكييف هذه السياسات وتعديلها حسب التوجّه الاستراتيجي للدولة عند اقتضاء الحاجة19.

 

(2)  السياسة الاجتماعية

هي الخيارات والتوجهات والأهداف التي تحقق شروط الحياة المؤدية إلى الرفاه على مختلف الأصعدة الحياتية، وهي تشكل جزءاً من السياسة التنموية للدولة وفي إطار التوجهات السياسية الحاكمة للمجتمع20، وقد اتفق الدارسين على إن السياسة الاجتماعية Method/manner هي النهج الذي تعتمده الدولة تأسيساً على المنظور perspective السياسي والاقتصادي الذي تتبناه، لغرض تنظيم أداء منظمات السوق والهياكل الاجتماعية، بما يكفل تحقيق التوزيع العادل للثروة القومية وتعزيز رأس المال البشري والعمل المنتج، سعياً إلى توفير الرفاهية الاجتماعية والتنمية والتكافل والاستقرار الاجتماعي. وبالتالي فهي نهج -أي طريقة- يتصف بالانتظام، وهو يقوم على منظور سياسي واقتصادي تتبانه الدولة، وقد يتخذ في بعض الحالات صيغة "أيديولوجبة" في الدول التي تقودها أحزاب تتبني أيديولوجيا خاصة بها، وهي تهدف إلى تحقيق غايات محددة يقتضي تنفيذها اتخاذ إجراءات تتحدد بقرارات من الجهات المختصة في الدولة، وتتأطر في العادة بإطار قانوني يكسبها صفة الإلزام، ولها غايات ذات طبيعة بنائية، فهي لا تقتصر على تقديم خدمات إلى الفئات لتمكينها من الحصول على احتياجاتها الأساسية فقط، وإنما غدت آلية بناء مجتمعات تسودها العدالة والاستقرار، وتتوفر لها مقومات الاستدامة، عن طريق تحسين نوعية الحياة للناس كافة بمختلف أبعادها21.

 

أهمية بناء سياسة اجتماعية أسرية

تنبع أهمية بناء أي سياسة اجتماعية أسرية ناجحة وفعالة من كونها تعبيراً عن حاجة المجتمع إلى التحديث والتطوير ووضع السياسات المنسجمة مع أفضل الممارسات؛ وبالتالي فهي عنصر أساسي للتخطيط المستقبلي للأسرة وتأمين حاجات الأجيال القادمة من الخدمات السكنية والتعليمية والصحية وبمعايير وخصائص تعزز من قدرة الأسرة على التكييف مع المتغيرات والتطوّرات التي يشهدها العالم وبما يمر به من كوارث وحروب وأزمات اقتصادية وسياسية تنعكس على المستويات المعيشية لأفرادها وعلى مداخيلهم في ظل ارتفاع الأسعار والتضخم وانتشار البطالة والأمراض والتغيير المناخي والنزاعات؛ فكل هذا وذاك يؤثر بصورة مباشرة وغير مباشرة على حياة المواطنين.

 

وهنا لابد من دراسة هذه العناصر وتأثيراتها على الأسرة في إطار شبكة علاقاتها المتداخلة؛ وأن تأخذ الحكومات في الاعتبار عند تحديد خياراتها وتوجهاتها لتلبية الاحتياجات تحمل مسؤوليتها في دراسة كافة التحديات والخيارات التي تمكنها من التخطيط للأهداف البعيدة والمتوسطة المدى، كوضع سياسات تستهدف تطوير البنى التحتية وتوسعة مجالات خدمات الرعاية الصحية "من مستشفيات" والتعليمية "من مدارس وجامعات" وطرق وتأمين فرص العمل اللائق والأجور العادلة ورفع مستويات المعيشة وتعزيز الحماية الاجتماعية وضمان الأمن الغذائي وقدرة قطاع النقل من استيعاب تزايد أعداد السكان وتدفق السلع التي تسلك الطرقات وبما يخفض من معدلات حوادث السير والوقت المهدور بسبب الازدحامات، ومدى قدرة قطاع الطاقة والمياه من تأمين الطاقة الضرورية والهواء النظيف والإدارة الجيدة للمياه والنفايات بما يتوافق مع أهداف البيئة والتنمية المستدامة، والتزام معايير الجودة في تقديم هذه الخدمات للأسرة ونوعيتها عبر الاستثمار في الموارد البشرية عن طريق التعليم والتدريب والتمكين وكل ما يسهل على وصول أفرادها إلى الخدمات22، وهنا تبرز أهمية القدرة على تقييم الاحتياجات من خلال رصد الظواهر وجمع البيانات وتقييم النتائج ووضع سياسات شاملة واستهداف فئات معينة لتلبية احتياجاتها، وتصميم الخدمات حسب حاجة فئات معينة من السكان تبعاً للمداخيل أو الجنس أو غيرها، واتخاذ التدابير الحكومية وغير الحكومية لتعزيز مشاركة المرأة وإنصافها في قرارات السياسة العامة التي تؤثر على حياتها فهي ركن أساسي في الأسرة بحكم تعدد أدوارها المجتمعية.

 

كيف نبني سياسة اجتماعية أسرية فعالة وناجحة؟

تتفق أغلب الدراسات بأن خصائص السياسة الاجتماعية الأسرية الفعالة والناجحة23؛ هي تلك التي تتميز بمرونتها وقابليتها للتعميم والتطبيق وتركز على نشر مبادئ ومفاهيم تؤدي إلى أسرة متآلفة ومتماسكة في علاقات أفرادها وبنيتها؛ وهي التي تستند إلى الأدلة التي تتضمن بيانات واحصاءات دقيقة وسليمة تعبر عن احتياجات أفراد الأسرة والخدمات المقدمة إليهم ومدى شموليتها وجودتها وتحديد تكاليفها، كما إنها تدرس وتستفيد من خلاصة أفضل الممارسات العالمية في مجالها، وذلك بإجراء مقارنات معيارية تلائم البيئة المحلية من خلال التعرف على كيفية استخدام البيانات في اتخاذ القرارات، فضلاً عما إذا تم معالجة مسائل أو وضع مشابهة من حيث المعلومات والطرق المستخدمة والحلول المقترحة، ومؤشرات النجاح، كذلك يمكن التثبت من صحة فرضياتها إلى جانب النظر في معطيات الأطراف المعنية بشكل أساسي بها، كوضع الحكومات والمنظمات غير الحكومية المحلية والعالمية بما تقدمه من رؤية نافذة حول بعض المنهجيات التي تعالج واقع الأسرة واحتياجاتها، إضافة إلى قدرتها على إجراء مراجعات تتم بدعوة لخبراء محليين أو أجانب أو مجموعات مناقشة تقدم أدلتها وإثباتاتها ومرئياتها حول المسائل المتعلقة بالأسرة على المدى البعيد، كما تقييم تكلفة السياسة مقابل فوائدها ونتائجها.

 

مقومات السياسة الاجتماعية في الاستراتيجيات الوطنية

لإرساء مقومات لسياسة اجتماعية أسرية فعالة وناجحة لدول مجلس التعاون الخليجي، يستوجب مناقشة وضع الأسرة الراهن فيها من حيث تحليل البيانات المتوفرة ومن مصادر المتنوعة التي تعزز من قراءة الواقع على حقيقته وبموضوعية من خلال الأدوات التحليلية؛ والاطلاع على استراتيجيات الدولة ومبادراتها ذات الصلة بالأسرة وأفرادها.

أضافة إلى ذلك؛ البحث في خصائص مختلف الشرائح الأسرية التي يتكون منها الواقع الأسري في هذه المجتمعات، وهي تتنوع من حيث القضايا والمشكلات التي يحتاج كل منها إلى سياسة رعاية خاصة بها تندرج ضمن استراتيجيات الرعاية العامة للدولة، في هذا الشأن يؤكد مصطفي حجازي: "على أهمية تحويل التوجه البحثي من التركيز التقليدي على المشكلات وعلاجها، إلى التفتيش عن الإيجابيات والإمكانات والاستناد عليها وتنميتها، طالما أن أي سياسة رعائية وتمكينية تنصب في الأساس على تنمية القدرات والإمكانات، إلى جانب التحول من منظور التصدي الجزئي للقضايا إلى منظور التكامل في الرؤية والتدخل، سواء على مستوى البرامج وأنشطتها أم على مستوى الفاعلين والأطر المؤسسية التي يعملون من خلالها24".

في هذا الشأن توضح تجارب بعض الدول أن هناك من يشكل مجالس رصد وهيئات استشارية اجتماعية "كجمعيات الأعمال والنقابات والاتحادات العمالية والمنظمات غير الحكومية وغيرها من هيئات المجتمع المدني"، وهي تابعة للهيئات الرئيسية المعنية بالسياسات العامة في أي بلد وتمثل صوت المجتمع المدني ويشكل وجودها عنصراً هاماً في تعزيز مشاركة المواطنين في بناء هذه السياسة الاجتماعية بتقديم المقترحات وجمع البيانات المتعلقة بقضايا الأسرة الاجتماعية وتحليلها وبما يساهم في وضع السياسة الاجتماعية الأسرية الفعالة، فضلاً عن إعداد التقارير الاستراتيجية حول شؤون الأسرة وظروفها الاقتصادية والاجتماعية من "البطالة والفقر والإقصاء الاجتماعي والقدرة على الوصول إلى الخدمات من تعليم وصحة والسكن25..إلخ، ويمكن إيجاز أهم المقومات التي أجمعت عليها الدراسات الاجتماعية على النحو التالي:

1.     تنفيذ سياسة اجتماعية تحقق العدالة والمساواة للمواطنين في الحصول على الخدمات وعلى اختلاف أوضاعهم الاقتصادية وانتماءاتهم ومما يزيد من كفاءة وإنتاجية فئات المجتمع الأضعف اقتصادياً على أن تغطي النواحي التالية:

أ‌- الحماية الاجتماعية

بتلبية الاحتياجات الأساسية كالمعونات والمخصصات الشهرية التي تقدمها الدولة للأسر ذات المداخيل المتدنية والمحدودة ولشرائح سكانية أخرى، إضافة إلى المكرمات والهبات في بعض المناسبات، وإعفاءات من تكاليف بعض الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء والوقود ومعالجة احتياجات الفئات الضعيفة في الأسرة وحمايتها من مخاطر الكوارث والأزمات الاقتصادية كالغلاء والتضخم، وتعميم المساواة بين المواطنين في توسعة مظلة الحماية الاجتماعية والمعاشات التقاعدية للعاملين في القطاع غير المنظم ولا يمكن لبعضهم امتلاك البيوت والسكن بسبب هشاشة "مداخيلهم" وعدم قدرتهم على تسديد إيجارات المساكن والتخلف في دفع أقساطها أو أقساط القروض المصرفية والسيارات وفواتير الكهرباء وتأمين المواصلات؛ وتتيسر التمويل لهم دون فوائد وتعزيز فاعلية إجازات الأمومة ودعم ربات البيوت واليد العاملة بدون أجر وتوسيع نطاق الخدمات الكفيلة للعناية بالطفل والمسن والمعوق في الأسرة وحمايتهم.

 

ب‌-   الصحة

تعزيز جودة الخدمات الصحية الأساسية لاسيما المتعلقة بصحة الأم والطفل باعتبار أن توفيرها وتيسرها يعد أساس لتحسين صحة الأفراد والعائلات والمجتمعات المحلية ورفاهها ولما لها من تأثير مباشر على إنتاجية اليد العاملة والازدهار والنمو الاقتصاديين، ويمكن تنفيذ ذلك من خلال تطوير برامج خدمات الصحة الوقائية، وتوسيع نطاق تغطية الرعاية الصحية المجانية أو بكلفة ميسرة ومعالجة الاحتياجات الخاصة في الأسرة والصحة الإنجابية بتقديم خدمات روتينية ووقائية ورفع مستوى الوعي بالتغذية خصوصاً مع انتشار الأمراض المزمنة والصحة النفسية مع ارتفاع مستويات العنف، وذلك ببرامج التثقيف والوقاية والحماية بتطوير التشريعات التي تجرم ممارسة العنف. 

ج‌-   التعليم

انطلاقاً من أن تعليم المواطن هو أساس النمو الاقتصادي الطويل الأجل والتماسك والاستقرار الاجتماعي العام، وأن الاستثمار فيه يساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، يمكن اتخاذ التدابير بتجويد النظام التعليمي وإلغاء الرسوم وتعزيز الجهود لمنع التسرب من المراحل التعليمية ومجانية التعليم في مرحلة الحضانة في بعض البلدان؛ وتطوير التعليم الثانوي والمهني/الفني وما بعد الثانوي ومقاربته مع احتياجات سوق العمل وتشجيع أفراد الأسرة على اكتساب المهارات المهنية والفنية، والاهتمام بنوعية التعليم العالي ومضمونة والاستثمار في تدريب المدرسين وبناء قدراتهم ومراجعة المناهج الدراسية والتعرف على الاحتياجات المحلية التي تتأثر بالمتغيرات السريعة وتعزيز المعايير التعليمية الوطنية الموحدة؛ وبرغم من إلزامية التعلم ومجانيته مع الرعاية الصحية، إلا إن تدني مستويات الخدمة الصحية والمخرجات التعليمية وجودتها باتت تستهلك مداخيل الأفراد وتؤثر على مستوياتهم المعيشة باللجوء إلى خدمات الطب والتعليم الخاص، في ظل ارتفاع مطرد للأسعار وتدني الأجور وتزايد الاقتراض الاستهلاكي لسد الاحتياجات.

ح‌-    فرص العمل اللائق

توسعة مجالات فرص العمل اللائق لأفراد الأسرة للحد من البطالة في أوساطهم وإصلاح تشريعات العمل وقوانينه حسب المعايير الدولية واتفاقيات حقوق الإنسان التي تحقق تحسناً في المستويات المعيشية وترفع مداخيل الأسرة، فالعمل اللائق ورفع مستوى الإنتاجية يساهم في رفاه العاملين ويحد من الفقر ويعزز المساواة ويرسخ التماسك والاستقرار الاجتماعي لأفراد الأسرة، إلى جانب تطوير المهارات بالتدريب وبما يتناسب ومتطلبات سوق العمل وتوليد الفرص عبر الحوافز الضريبية والإعانات.

2.     توسيع خيارات الناس وإشراكهم في صناعة قرارات مجتمعهم بمنظور تنموي يتجاوز التنمية الاقتصادية فقط، وهذا يستوجب تمتع المواطن بالحرية والمبادرة والتفاعل.

 

3.     اعتماد السياسة الاجتماعية كوسيلة وأداة لمعالجة المشكلات التي تعاني منها الأسرة وسد حاجاتها وتأمين الحماية لها ضد مخاطر الكوارث والأزمات الاقتصادية وتحولات السوق، وإعادة النظر في الأنظمة الإدارية والتشريعية للعمل الاجتماعي والتي تنظم عمل ونشاط مؤسسات المجتمع الأهلية ورفع القيود عنها مما يساهم في التحول من منهج الرعاية الفوقية إلى توفير فرص تمكين الأسرة وبناء قدراتها.

 

4.    الأخذ باللامركزية في التنفيذ وتوزيع المسؤوليات الخاصة بتنفيذ السياسات الاجتماعية وتوسعة مشاركة مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات المهنية والنقابية وترسيخ مبدأ الشراكة والمسؤولية، وصياغة أهداف تشغيلية للسياسة الاجتماعية قابلة للقياس الكمي والزمني؛ وذلك بتحديد حجم الإنجاز المستهدف ونوعيته ضمن مهلة زمنية محددة، وتحديد الأولويات في التنفيذ والموارد المالية والبشرية المطلوبة ومتابعة تقدم الإنجاز وتصويب الانحرافات وتقييم مدى تحقق الأهداف وتقدم العمل ومقوماته بوضع مؤشرات قياس معيارية.

 

5.     وضع نظم للمتابعة والتقييم، وضمان استمرارية تمويل الحكومات والقطاع الخاص للمشاريع والمبادرات، والنظر إلى التخطيط والتنفيذ بشكل متكامل بين البرامج الفرعية للخطة التي وضعت للأسرة وبين جهود الهيئات الفاعلة الرسمية والأهلية المركزية والمحلية من خلال شبكة تنسيق الجهود وتضافر الموارد وتبادل المعلومات والخبرات والاستفادة من خلاصات التجارب الإقليمية والعالمية26.


6.    توفير قاعدة بيانات ومرصد اجتماعي كأداة هامة لمتابعة تطوّر أوضاع الأسرة؛ ويمكن إنشاءه كمنظمة مستقلة أو شبه حكومية أو خاضعة للإشراف الحكومي، وهو يتولى رصد الظواهر الاجتماعية واتجاهات أفراد الأسرة للاسترشاد بها في وضع السياسة الاجتماعية وتوجيهها وتقييم آثار البرامج وتوقع مجالات التغيير والتعثر المحتملة، فضلاً عن إجراء مسوحات كمية ودراسات تشخيصية للمشكلات والفرص والإمكانات المتاحة لها، على أن تأخذ خطط السياسة الاجتماعية في اعتبارها طبيعة قوى المجتمع وإمكاناته ومعوقاته وخصائصه وقيمه الثقافية؛ ويمكن اعتماد أربع أدوات لتوفير هذه البيانات وتحليلها:

 

أ‌-    الاطلاع على الاستراتيجيات والمبادرات الوطنية للأسرة في دول مجلس التعاون والتي يمكن من خلالها تحليل تجارب الدول وما انبثق عنها من مبادرات وبرامج ومشاريع ذات صلة بالتماسك الأسري وهذه تمثل أحد أهم ركائز تحليل الوضع القائم وتقييمه.

 

ب‌-   إجراء استطلاع رأي يستهدف التعرف على الواقع والتوصل إلى نتائج تساعد في فهم وقياس مستوى فهم وإدراك مواطني المجلس بحقوق المواطنة والأسرة على أن يتم التركيز على مسألتين هما؛ التماسك الأسري والمجتمعي، والمقارنات المعيارية بالنظر في برامج ومبادرات دول المجلس في دعم استقرار الأسرة والمجتمع، ويمكن النظر هنا إلى "الخطط الوطنية الخمسية وبرامجها كما في "رؤية 2030 في البحرين والمملكة العربية السعودية وقطر والكويت وسلطنة عمان والإمارات"؛ على أن تتناول المقارنة العناصر الأساسية لبرامج الحماية الاجتماعية المتعلقة بالعنف والحد من الإساءة من خلال المعايير الوطنية لحماية الطفولة وأفراد الأسرة ومراجعة السياسة الوطنية للأسرة من خلال قانون الأسرة التي تستهدف تطوير الاستشارات الأسرية وخدمات الحماية الاجتماعية وغيرها. 

 

ج‌-   تحليل التحديات والفرص؛ المتعلقة بالظواهر والمتغيرات الاجتماعية والثقافية التي تؤثر على أفراد الأسرة، خصوصاً مع محدودية الدراسات والبحوث الميدانية في المجالات الاجتماعية وصعوبة الحصول على المعلومات بسبب خصوصيتها وانعدام الشفافية، وهذا يتطلب زيادة تفعيل شبكات التواصل لتبادل المعلومات الاجتماعية، وتوحيد الجهود لتنفيذ سياسات التنمية الاجتماعية، وعقد شراكات مع القطاع الخاص والقطاع الأهلي خصوصاً مع ضعف أثر البرامج التوعوية، واختلاف الثقافات بين أفراد المجتمع الواحد وما يعاني منه المجتمع الخليجي من اختلال في التركيبة السكانية. 

 

د‌-   إطلاق المبادرات باستهداف تماسك واستقرار الأسرة في المجتمع الخليجي وهي التي تساهم في تعزيز وعي أفرادها بقواعد تكوين الأسرة السليمة وتماسكها من خلال نشر الرسائل التوعوية بأهمية تبني الممارسات الداعمة لتلاحمها وغرس قيم وسلوكيات المواطنة المسؤولة بين أفرادها ويمكن الاستعانة هنا بمؤشر قياس نسبة التلاحم عبر أداة "الاستبيان".

 

ذ‌-    نشر المعلومات لتشجيع المواطنين ورصد القوانين والأنظمة وإبداء الآراء بشأنها؛ وإقامة روابط مع المنظمات الأخرى الفاعلة في البلد المعنية بشئون الأسرة وأفرادها وإقامة شبكات وشراكات مع أكاديميين وباحثين من ذوي الخبرة في العلوم الاجتماعية والإنسانية والنفسية والاسترشاد بدراساتهم وأبحاثهم في الفقر والإقصاء وتعزيز القدرات والتأهيل والإرشاد النفسي والأسري وغيرها مما له علاقة بالسياسة الاجتماعية.

 خاتمة

تأكد لنا من خلال العرض أهمية بناء سياسة اجتماعية أسرية فعالة وناجحة على مستوى بلدان مجلس التعاون وبمنظور موضوعي شامل يتناسب وطبيعة المتغيرات المتسارعة التي يمر بها العالم وتنعكس تأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على مجتمعاتنا المحلية، خصوصاً مع التحديات المتمثلة في اتساع الفجوات بين الشرائح المجتمعية، وتمدد مساحة التهميش الاجتماعي بمظاهرها في تآكل الهوية وضعف الشعور بالمواطنة وانتشار المشكلات الاجتماعية كالفقر والبطالة والطلاق وممارسة العنف وكل ما يؤثر على استقرار الأسرة وأمنها النفسي والاجتماعي.

كما توصلنا إلى ضرورة تغيير منهجية الرؤية إلى الواقع وتطوير السياسات الاجتماعية القائمة بما يتسع مفهومها ومكوناتها وعناصرها ونهجها وأسلوب صياغتها وتحديد غاياتها للفئات المستفيدة منها، وأن تتوافق آليات تنفيذها مع حقائق الواقع المجتمعي على حقيقته ولمواجهة المشكلات والمخاطر التي تتعرض لها الأسرة الخليجية؛ ما يعني أهمية تطوير طرق الأداء وأساليب القياس لمدى فاعلية السياسة الاجتماعية القائمة وبما يحقق الأمن الاجتماعي والاستقرار ويعزز من الشراكة المجتمعية في صياغتها وتنفيذها ومتابعتها.

إن هذا الأمر يتطلب مزيد من الشفافية في تدفق المعلومات وتطوير أدوات الرصد والقياس والمتابعة وتحديد الأولويات تبعاً لتلبية احتياجات الأسرة والمخاطر والاضطرابات التي تمر بها والناتجة عن تنامي ظاهرة العنف والفقر وانخفاض مستوى المداخيل وما يتعرض إليه الشباب من تهديد يلامس القيم والسلوكيات، على أن تتأسس إعادة صياغة السياسة الاجتماعية على المصلحة العامة للمجتمع، وإفراد موازنات كافية لتمويل برامجها وأنشطتها بالتنسيق والتعاون مع القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، حيث أثبتت التجارب المختلفة نجاعة نهج المشاركة في رسمها لهذه السياسات وتنفيذها، فضلاً عن الاستفادة من دور الإعلام المستنير في حملات التوعوية والتغيير ومن كونه يمثل مصدراً للمعلومات المتعلقة بالمشكلات الاجتماعية وأساليب التصدي لها ورأي المستفيدين من السياسات الاجتماعية وأوجه النقص فيها ومقترحاتهم بشأن تطويرها واختيار الحلول المناسبة لها؛ إلى جانب تفعيل دور السلطة التشريعية لممارسة دورها في رسم وصياغة السياسات الاجتماعية الأسرية بمضامينها وبما تضعه من أحكام وإجراءات لتنفيذها، فهم ملزمون بالتواصل بقواعدهم للتعرف على حاجاتهم في مجالات سياسات القوى العاملة والأسرة والطفولة والشباب والإسكان والصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية والحماية الاجتماعية وكل ما يحقق الاستقرار والنجاح لأفرادها والتنمية المستدامة للمجتمع.

المصادر والمراجع

1.     منى عباس فضل، ورقة عمل "مقاربة أجندة 2030 بالخطة الوطنية لنهوض المرأة البحرينية، محاضرة للاتحاد النسائي البحريني بالتعاون مع مركز كوثر-البحرين، 17/فبراير/2020. 

2.      يوسف الياس، "الإطار القانوني للسياسات الاجتماعية في دول مجلس التعاون"، المكتب التنفيذي، ط1، العدد96، 2015، ص42.

3.      الإسكوا، تقرير "3.3 مليون مواطن في بلدان مجلس التعاون الخليجي في براثن الفقر"، مايو 2023، أنظر:  كتيب الفقر في الخليج 2023.pdf https://www.unescwa.org/ar/resources?type=publication&page=1

4.     منير المرسي سرحان، في اجتماعيات التربية، ط2، بيروت: دار النهضة العربية للطباعة والنشر، 1981، ص 174.

5.     أحمد زايد، "الأسرة والمدينة والخدمات الاجتماعية: المنظور السوسيولوجي"، المكتب التنفيذي، العدد36، ص 22.

6.     مصطفى حجازي، التخطيط الاجتماعي لرصد وتلبية احتياجات الأسرة الخليجية، المكتب التنفيذي؛ العدد 27، ص 17-18. 

7.      مصطفى حجازي، م.ن؛ العدد 27، ص 28. 

8.      الطاهر لبيب، "الأسرة العربية: مقاربات نظرية"، المستقبل العربي، عدد 308، أكتوبر 2004، ص 79-102.

9.      رونيه أوبير، التربية العامة، ط 8، بيروت: دار العلم للملايين 1996، ص 215-116.

10.   مجموعة باحثين، "دعم دور الأسرة في مجتمع متغير"، المكتب التنفيذي، العدد28، ص 237. 

11.    دستور المملكة العربية السعودية، أنظر الموقع الإلكتروني؛ https://www.refworld.org/cgi-bin/texis/vtx/rwmain/opendocpdf.pdf?reldoc=y&docid=54295e7a4

12.   دستور مملكة البحرين لعام 2002، أنظر الموقع الإلكتروني؛ https://faolex.fao.org/docs/pdf/bah117079Ar.pdf

13.   دستور دولة الكويت لعام 1962، أنظر الموقع الإلكتروني؛ https://faolex.fao.org/docs/pdf/kuw128727.pdf

14.    الدستور الدائم لدولة قطر لعام 2004، أنظر الموقع؛ https://encyclop.sjc.gov.qa/lawlib/Images/court_admin/laws/constitution/index1_2wh.htm

15.   دستور الإمارات العربية المتحدة لعام 1971، أنظر الموقع الإلكتروني؛ http://www.forumfed.org/pubs/ara/constitution_UAE.pdf

16.   دستور سلطنة عمان لعام 1996، أنظر الموقع الإلكتروني؛ https://www.icnl.org/wp-content/uploads/Oman_law-1996-ar.pdf

17.   يوسف الياس، "الإطار القانوني للسياسات الاجتماعية في دول مجلس التعاون"، المكتب التنفيذي، ط1، العدد96، 2015، ص17-18.

18.   مصطفى حجازي، "نحو سياسة اجتماعية خليجية للأسرة من الرعاية إلى التمكين"، المكتب التنفيذي، ط1، العدد70، 2012، ص 47.

19.   زهير حطب، "تحديات السياسة الاجتماعية واحتياجاتها في مجلس وزراء الشؤون الاجتماعية الخليجي: مقاربة تطبيقية"، المكتب التنفيذي، ط1، العدد71، 2012، ص234.

20.   مصطفى حجازي، "نحو سياسة اجتماعية خليجية للأسرة من الرعاية إلى التمكين"، المكتب التنفيذي، ط1، العدد70، 2012، ص 48.

21.   يوسف الياس، "الإطار القانوني للسياسات الاجتماعية في دول مجلس التعاون"، المكتب التنفيذي، ط1، العدد96، 2015، ص17 22-24.

22.   زهير حطب، "تحديات السياسة الاجتماعية واحتياجاتها في مجلس وزراء الشؤون الاجتماعية الخليجي: مقاربة تطبيقية"، المكتب التنفيذي، ط1، العدد71، 2012، ص 10.

23.   زهير حطب، م.ن، ص68.

24.   مصطفى حجازي، "نحو سياسة اجتماعية خليجية للأسرة من الرعاية إلى التمكين"، المكتب التنفيذي، ط1، العدد70، 2012، ص 46.

25.     الإسكوا، السياسة الاجتماعية المتكاملة من المفهوم إلى الممارسة "التقرير الثاني"، 2008، أنظر الموقع الإلكتروني: https://www.unescwa.org/sites/default/files/pubs/pdf/sdd-08-3-a.pdf

26.   مصطفى حجازي، "نحو سياسة اجتماعية خليجية للأسرة من الرعاية إلى التمكين"، المكتب التنفيذي، ط1، العدد70، 2012، ص 55.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق