الأربعاء، 5 يوليو 2023

التعليم في البحرين: ولغة الإنجازات

منى عباس فضل

التعليم آلية مهمة للتحوّل الاجتماعي والثقافي والسياسي بل وشرط أساسي لأي عملية تغييّر مجتمعي لكنه وتبعاً للباحث البحريني باقر النجار؛ التغييّر لا يرهن بالتعليم وحده، وإنما بقوة تأثير الأنساق والنظم الاجتماعية الأخرى الفاعلة في المجتمع كالأنساق الأسرية والدينية والسياسية، وعبر مؤسساته التي يعاد من خلالها تشكيل القيم وفق الحاجات والتطلعات المستقبلية، وبالتالي فإن تطوّر نظام التعليم يعد شرط من شروط التنمية المستدامة بل وأداة أساسية محركة في هذه العملية بما فيها تغييّر الإنسان صانع التغيّر.

تتباهي البحرين أمام المجتمع الدولي بتحقيقها تقدماً كمياً ونوعياً في التعليم، وتستشهد في ذلك بأعداد الملتحقين به وخريجه، لكن ذلك وبمعايير التطوّر والنجاح الحقيقيين للنظام التعليمي لا يقاسان بعدد الخرّيجين أو كمية معارفهم العلمية وحجمها برغم أهمية ذلك، وإنما في قدرته -أي النظام التعليمي- على تمدين مخرجاته وإنسابها إلى منظومات الحداثة، وبما يقدمه الفرد إلى وطنه وأمته من عمل وجهد وإبداع عقلي حسب النجار. من ناحيتها اليونسكو تشير في تقرير لها: "بأن نتائج التعليم في بلداننا الخليجية عامة لاتزال منخفضة مقارنة بالبلدان الأخرى ذات مستويات الدخل المماثلة، الأمر الذي يجعل من جودة التعليم مصدر قلق يدفع باتجاه تجاوز هذه المعضلة".

تبرز أهمية التعليم في البحرين من خلال استناده إلى قواعد دستورية وقانونية وتشريعات متصلة بتجويده، فالمادة (2) من "مشروع قانون التربيّة والتعلِّيم" لعام 1985 تؤكد بأنّ فلسفة التعليم منبثقة من الدستور الذي يركّز في بنده السابع "على أنّ تكفل الدولة توفير فرص تعليم لكل مواطن وترسيخ سياسة تعليميّة شاملة ترتكز على ركيزتين، الأولى تتمثّل في نشر التعلّيم، والثانيّة تحدّيد نوعيّته وتحسِّين مستواه ليتناسب مع احتياجات المتعلّمين ومتطلّبات التنميّة الاجتماعيّة والاقتصاديّة للمجتمع"، وماذا أيضاً؟  

محلياً الجميع على قناعة ولايجادل أن العملية التعليمية شهدت تطوّراً نوعياً خلال الثلاث العقود الأخيرة بل وتغيرات تركّزت على إعادة النظر في نظام التعليم وتطويره خصوصاً مع ارتباطه بالتجديد الإداريّ، فقد صدرت الكثير من القرارات واللوائح والأنظمة المتعلقة به منذ ثمانينات القرن الماضي؛ كما سعت إلى تحسِّينه من خلال وضع المعايير المتعلقة بالأبنية المدرسيّة، واختيار المعلّمين، واعتماد الخطّط الدراسيّة وتحديد العلاقة بين التلميذ والمعلّم، وتراخيص إنشاء المؤسّسات التعليميّة الخاصّة الأهليّة والأجنبيّة، واللجان الاستشارية لتقوّيم المناهج والتشخيص واعتماد نظام التدريب التربوي، وترافق ذلك بمشروع إصلاحه عام 2005 وصدور قانون التعليم رقم (27) لسنة 2005 وقانون التعليم العالي الصادر بمرسوم رقم (3) لسنة 2005، وغيرها مما يعد مقوَّمات أساسية للعمليّة التربويّة، إضافة إلى انضمام البحرين إلى مجموعة اتفاقيات دوليّة وإقليميّة وثنائية ذات علاقة بأهداف التعلّيم والتي صدرت بشأنها مراسيم وقوانين حتى في مرحلة الذكاء الاصطناعي؛ ومنه يمكن القول أن النظام التعليمي خضع لمحاولات الإصلاح، لكن ذلك برأي بعض المحللين أصاب في جوانب وأخفق في أخرى؛ وهذا ما كشفه تقرير "هيئة جودة التعليم والتدريب" الأخير الذي سنتطرق إلى أبرز نتائجه، لكن قبلها لنتوقف عند مسألتين مهمتين الأولى حول مؤشرات التعليم والثانية تتعلق بموازناته.   

مؤشرات التعليم

تعد إحصائيات التعليم مرتكزاً أساسياً في إعداد استراتيجيات وسياسيات العملية التعليمية وتحسينها وتطوير خدماتها وبما يحقق أهداف التنمية المستدامة لاسيما عند مقاربتها بمستويات الجودة والمؤشرات الدولية للتعليم فضلاً عن إن البحرين ترتكز في استراتيجيتها التنموية على الرؤية الاقتصادية 2030 وعلى التحول من اقتصاد يعتمد على إيرادات النفط إلى اقتصاد متنوع قادر على التنافسية العالمية؛ الأمر الذي يثير التساؤلات عند مقارنة مؤشرات التعليم ومخرجاته النوعية مع هذه التطلعات والأهداف. 

قدرت دراسة لميرزا القصَّاب بعنوان "ما بعد النفط: تحديات البقاء في دول الخليج العربية"؛ أن نسبة النمو السنوي لعدد الطلاب والطالبات في البحرين تمثل (3.11%) من عام 2012 -2017، وذلك بعدد (248 ألف) عام 2012 وصل إلى (289 ألف) في عام 2017، وتوقع المؤلف أن يصل النمو في عام 2030 إلى (424 ألف) و(767 ألف) في عام 2050؛ ومن جهتها تفيد التقارير التربوية العربية والدولية بأن البحرين سجّلت انجازات مهمة بمؤشر البيانات الرقمية للإلمام بالقراءة والكتابة للفئة العمرية (15-24 سنة) قدرت بـ(99.9%) و(79.2%) للفئة العمرية (65 سنة فأكثر) وذلك وفقاً لإحصائيات 2019-2020(1) وإن نسبة التسرب حسب البيانات الرسمية منخفضة وتبلغ أقل من (0.40%) فضلاً عن انخفاض نسبة أمية الكبار التي بلغت (2.46%)، كما تجدر الإشارة إلى إن هناك اتفاقية اقتصادية لدول مجلس التعاون لعام 2001، تنص على تبني الدول الأعضاء للبرامج اللازمة للمحو الشامل للأمية في جميع دول المجلس ضمن جدول زمني وسن التشريعات اللازمة لذلك. 

وعند النظر الى البيانات المعلنة سنجد أن إجمالي المتوسط التقديري للملتحقين في كافة مراحل التعليم من الجنسين خلال فترة 2014-2020 في ارتفاع وبعدد يمثل (275,490) كما في الشكل أدناه، وهذا دلالة على التوسع الكبير الذي خضع له التعليم عامة وزيادة فرصه، بيد إن السؤال لا يزال يتكرر عن قدرة هذا الإنجاز في تغيير ماهية المخرجات التعليمية وتجويدها نوعياً وبما يلبي التطلعات الطموحة للاستراتيجية الوطنية 2030 ويلبي احتياجات المجتمع وتطوره الاقتصادي والاجتماعي؟

موازنات التعليم

استراتيجياً تتفق أغلب الدراسات بإن الإنفاق على التعليم يعد استثماراً لرأس المال البشري، ومن هذا المنطلق أولت البحرين أهمية لهذا النوع من الإنفاق وبما يضمن اتساق أهداف السياسات التعليمية وموازنتها مع الاحتياجات والموارد المتاحة، فحددت حصة من الناتج المحلي عامة ومن الميزانية العامة للدولة خاصة للتعليم، ولاشك إنها استفادت من المقاربات الدولية في تقويم حجم الاستثمار الملائم في التعليم والتعرف على الاستخدام الأمثل للموارد المخصصة لهذا القطاع، واعتمدت كغيرها من بلدان الخليج على عائدات النفط لإدخال البرامج المتعددة في مناهجه وإدارته وإصلاحه، لكن ذلك لم يضمن لها مستوى الجودة والمخرجات المتوقعة تماماً كما كشفت نتائج تقرير هيئة الجودة للتعليم والتدريب الذي سنناقشه لاحقا. في هذا الصدد؛ يشير ميزا القصاب في دراسته "إلى إن الإنفاق على التعليم مثل نسبة (11%) من إجمالي المصروفات لميزانية 2018، فيما قدر مصروفاته المتوقعة عام 2030 بـ(2.2%) وفي 2050 بـ(7%)، كما يتوقع إنها سوف تستمر في التصاعد، مما يمثل تحدياً لسياسة الحكومة وأولويات النفقات العامة".

وحسب البنك الدولي(2) خصصت البحرين في عام 2020 نسبة (2.2%) للتعليم من إجمالي ناتجها المحلي، فيما يشير تقرير لليونسكو(3) بأنها خصصت له نسبة (9.1%) من إجمالي مصروفاتها الحكومية في عام 2021؛ هنا ثمة ما يستوجب التذكير به وهو إن هذا المعدل يعتبر دون توصيات الامم المتحدة لتحقيق الأهداف التنموية المستدامة التي تنص على أن الانفاق على التعليم يجب أن يصل الى (6%) من الناتج المحلي الاجمالي و(20%) من موازنة الدولة العامة على الأقل، آخذين في الاعتبار بأن نسب الإنفاق تتباين بين الدول، وتعود أسباب التباين إلى اختلاف النظام السياسي للدولة وطبيعة نموذجها ومنهاجها الاقتصادي والتباين في معدلات النمو السكاني والتركيبة الديمغرافية للمجتمع وتوزيع السكان على الفئات العمرية المختلفة إلى جانب الاختلاف في مؤشرات التعليم المختلفة، كنسب الأمية والالتحاق بالمدارس والتسرب المبكر إلى سوق العمل والاكتظاظ في الصفوف ومعامل عدد التلاميذ/التلميذات لكل أستاذ..إلخ من العوامل التي لا نجد لها أثراً في مناقشات السلطة التشريعية ومساءلتها للميزانية المخصصة للتعليم. 

من خلال الجدول التالي يقدر متوسط نسبة المخصص للإنفاق على التعليم في البحرين من 2016 إلى 2018 بـ(10.5%) من الميزانية المعتمدة للدولة، ويلاحظ أن النسب المخصصة ظلت بنفس المستوى حتى أخذت في الانخفاض بين 2019-2021 بنسبة (9.9% إلى 8.8%)، وبالمجمل تعتبر هذه النسبة منخفضة قياساً لمقياس الأمم المتحدة كما أسلفنا ومنخفضة لأهمية الاستثمار في التعليم والتدريب وفي تنفيذ برامج الدولة تبعاً للاستراتيجية الوطنية 2030 وتنويع مصادر الدخل والتركيز على تطوير اقتصاديات المعرفة، ومن الواضح أن مخصصات التعليم تنفق أغلبها على وزارة التربية والتعليم بمتوسط نسبة تبلغ (83%) يليها جامعة البحرين وكلية البحرين للمعلمين معاً بمتوسط نسبة (13%)، ونسبة (3%) للبوليتكنيك و(1%) فقط لهيئة جودة التعليم والتدريب. 

في هذا الشأن ثمة ما يستوجب النظر إليه في تقارير البنك الدولي واليونسكو والبرنامج الانمائي للأمم المتحدة التي تفيد "بأن الدول العربية تنفق على التعليم مبالغ ربما تزيد أحياناً عما تنفقها بعض الدول المتقدمة، إلا أن ذلك لم يساعدها على تقليص الفجوات التنموية، فمتوسط ما تنفقه دول "منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية" على التعليم يصل إلى (5.8%) من الناتج القومي لهذه الدول، الا أن هناك تراجع واضح في نظامها التعليمي أدى إلى نسب عالية من البطالة بين الخريجين من المغرب إلى الخليج، كما تكشف البيانات عن اختلالاً في هيكل الانفاق على التعليم لصالح الرواتب والاجور والنفقات التشغيلية الاخرى وذلك على حساب البرامج التطويرية والرأسمالية" لم لا والتقديرات تشير الى ان أكثر من ثلثي الانفاق على التعليم يذهب لتغطية فاتورة الاجور وجزء يسير فقط منه يوجه لأنشطة وبرامج تحسن من نوعية عملية التعليم ومخرجاته، خصوصاً والأغلب يعتمد منهج أو نمط البنود في بناء الموازنات العامة وتوزيع مخصصات الانفاق فيها على القطاعات المختلفة بما فيها قطاع التعليم، ومن المعروف أن هذا النمط نمط تقليدي وغير تنموي، ويفتقد في كثير من الاحيان إلى ممارسات المساءلة وقياس وتقييم الأداء، بينما تعتمد الدول المتقدمة على نمط موازنات البرامج والأداء أو نمط الموازنات المبنية على النتائج(4). 

الجودة والإنجازات.. ولكن؟

جاءت نتائج مراجعات هيئة جودة التعليم والتدريـب(5) لأداء المدارس الحكومية للعام الدراسي 2020-2019 وعليها ما ناقشناه حول مؤشر التعليم والإنفاق عليه، لتضع حداً فاصلاً لمساءلة لغة الإنجازات التي ما برحت تسعى في إطار العلاقات العامة لتجميل واقع يخفي في باطنه مظاهر الاختلال والنواقص ويفتقد إلى المساءلة الحقيقية للفساد وسوء الإدارة لاسيما مع ارتفاع معدلات البطالة وتدني مستوى المخرجات التعليمية وعدم اتساقها ومتطلبات سوق العمل؛ فالنتائج التراكمية لـ(207 مدرسة حكومية) في الفاعلية العامة التي تضمنها التقرير؛ تمثل (35%) من المدارس في وضع "غير ملائم" و(29%) "مرضٍ"، ولو جمعنا النسبتين سنجد إن "انعدام الفاعلية" في مدارس البحرين يمثل نسبة (64%). وعزت الهيئة هذا التدني إلى عـدم تعامل المدارس التي تمت مراجعتها بجدية مع توصيات تقاريرها السابقة، وضعـف الخطط الاجرائية المبنية على تلك التوصيات، وعدم تغطيتها كافة جوانب العمل المدرسي في عدم تطور الأداء وأحياناً تراجعه؛ الأمر الـذي انعكس من وجهة نظرهم بصورة مباشرة على تقدم الطلبة الأكاديمي والشخصي، اللافت في مراجعتهم لهذه المدارس حسب جنس الطلبة أن (62%) من مدارس البنين في وضع "غير ملائم" ما يعني إنها لا تزال تعاني من عدم قدرتهــا على رفع دافعية الطلاب للتعليم، وليس أدل على ذلك من سوء الإدارة والتخطيط رغم كل جعجعة الخطابات التي تتصدر الإعلام والصحف.

في الأداء التراكمي لهذه المدارس وكما في الشكل (3) تبين وجود تحديات تتعلق بنسبة من المدارس الابتدائية التي هي في وضع "غير ملائم" على مستوى الطموحات، والأسوأ كما ورد في التقرير في ظاهرة تراجع أداء المرحلة الاعدادية، حيث لاتزال (37) مدرسة إعدادية بنسبة (62%) مستقرة في وضعها "غير الملائم"، وذكر بأن التحديات الكبيرة التي تواجههــا هذه المدارس ترتبط بسلوكيات الطلبة، ومدى ملاءمة الاستراتيجيات المستخدمة لمرحلتهم العمرية، وضعف عمليات الإعداد للانتقال مـا بيـن المراحل التي يستوجب النظر فيها بصفة عاجلة من قبل وزارة التربية والتعليم. 

في الإنجاز الأكاديمي كما في الشكل التالي (6) (49%) من المدارس وضعها "غير ملائم" و(19%) منها "مرضٍ"، وهي نسب عالية تشير فيها الهيئة إلى ارتفاع التحديات التي تواجه الطلبة والطالبات عند انتقالهم للمراحل التالية من التعليم؛ ومما قد يؤثر مباشرة على دافعيتهـم نحو التعلم، فيما حصلت (33%) من المدارس على تقديري "ممتاز" و"جيد"؛ بسبب تملك الطلبة مهارات تعلم فاعلة، ساندتها إستراتيجيات تعليم وتعلم ممكنة من قبل المعلمين والمعلمات في المدرسة؛ وهذه النسب بالنسبة للهيئة تشكل قلقاً يتمثل في ضعف المخرجات الأكاديمية، ومن أسبابه المباشرة وجود فجوة في أداء الطلبة ما بين أدوات التقويم الداخلية من اختبارات ومشروعات وغيرها من جهة، ومع نتائج الامتحانات الخارجية من جهة أخرى، "ولقد عـززت الملاحظة الصفية من قبل مراجعي الهيئة وجود تباين بين مستويات الطلبة الحقيقية داخل الدروس، ومستوياتهم في الأعمال الكتابية، ونتائج الاختبارات الداخلية، إضافة إلى افتقار اختبارات هـذه المدارس إلى الدقة في البناء والتصويب". 

ولجهة التعليم والتعلم والتقويم في الشكل (8) كان أداء أغلب المدارس (49%) بمستوى "غير ملائم"، وأعزت ذلك مباشرة إلى عدم قدرة هذه المدارس على الوصول إلى الطلبة، واستثارة دافعيتهم نحو التعلم، وتمكينهم من مهارات التعلم المستقل، فظهرت الدروس فيها بصـورة غير منتجة، وتنقصها مهارات الإدارة الصفية من قبل المعلميـن، في حين اتضح عكس ذلك في المدارس ذات التقديرين: "ممتاز" و"جيد". ولعل أبرز العوامل السلبية المؤثرة في فاعلية إستراتيجيات التعليم والتعلم عامة، حسب التقرير تتمثل في وجود عدد من المعلميـن ممن يْؤِثرون تقديم الدروس بصورة تلقينيه، بحيـث يتمحور الدور الأكبر في العملية التعليمية حولهم عوضاً عن تمحوره حول الطالب؛ مما يزيد من نسبة اتكالية الطلبة على التلقي، ويؤثر في تطور مهارات التعلم لديهم. 

وفيما يتعلق بالقيادة والإدارة والحوكمة في الشكل (10) تبين أن (49%) من المدارس في وضع "غير ملائم" و(19%) "مرضٍ"، فيما حصلت (33%) منها على تقديري: "ممتاز" و"جيد"؛ وتعد نسبة الأداء المتدني تبعاً للتقرير مرتفعة، ولعل أبرز أسبابها يتمثل في عدم استقرار الهيئتين التعليمية والإدارية؛ مما أثر على استمرارية جهود التطوير والتحسين، وكذلك عدم البناء على توصيات تقارير مراجعة الجودة السابقة، وضعف عمليات التمهن. 

أما من حيث القدرة الاستيعابية على التحسن في (62) مدرسة خاصة كما في الشكل (12) سنجد من الناحية التراكمية أن (7) منها فقط في وضع "ممتاز" و(8) "جيد" فيما (24) منها في مستوى "مرضٍ" و(23) "غير ملائم"؛ ما يعني وتبعاً للتقرير إن هذه المدارس (لاحظوا إنها خاصة) تواجه تحديات تتمثل في فاعلية التعليم والتعلم خاصة في المراحل الدراسية المتقدمة، وضعف أساليب التقييم الفاعلة التي تلبي احتياجات الطلبة، وقلة فاعلية الدعم الأكاديمي المقدم لهم، وبذلك ترتفع نسبة المدارس التي وضعها "غير ملائم" لتصل إلى (37%) من هذه المدارس؛ مما يعد نسبة حرجة؛ نظراً لما يثيره هذا الأمر من التساؤل عن مدى قدرة هذه المدارس على التعامل مع التحديات التي تواجهها والتي تشمل ضعف عمليات المتابعة للأداء في المدرسة، والتركيز على الإجراءات دون أثرها على العمليات، وعمومية برامج التطوير المهني، فضلاً عما تواجهه بعضها من قلة الاستثمار في الموارد المادية والبشرية؛ والتي تسبب ضعفاً في قدرتها على استقطاب الكفاءات التعليميـة المناسبة، أو توفير المرافق والموارد التعليمية اللازمة. أما نسبة المدارس الحاصلة على تقديري: "ممتاز" و"جيد"، في قدرتهـا على التحسـن فهي تمثل (11%) و(13%) على التوالي، فقد أظهـرت قدرة فاعلة على التحسـن؛ نظراً لدقة عمليات التقييم الذاتي وفاعلية التخطيط لديها، والتركيـز على برامج رفع الكفاءة المهنية التي تستهدف الاحتياجات التدريبية الفعلية للمعلمين، في حين أن (24 مدرسة بنسبة 39%) وضعها "مرضٍ"، وحصلت (23 مدرسة بنسبة 37%) على تقدير "غير ملائم"؛ ما يعني أن متوسط تقدير النسبتين يمثل (76%) وفي هذا اختلال في قدرة هذه المدارس التي تم مراجعتها على التطوير وتحسين الأداء مما سيترك حتماً أثره على ضعف المخرجات التعليمية. 


خلاصة الأمر، هذه المعضلة لا تقتصر على البحرين، كما لا يمكن التنكر لنتائج العديد من الدراسات حول التعليم في منطقتنا الخليجية والعربية؛ والتي توصلت إلى عدم مواكبة مناهجنا التعليمية لتطوّرات العصر وتقنياته، بل وتخلّفها عن مجاراة التطوّرات النوعية التي يشهدها الحقل التعليمي الدولي ومتابعتها خصوصاً مع تحديات عصر الذكاء الاصطناعي وتطوره، مما يعمّق من الهوة الفاصلة بين التعليم فيها وفي العالم المعاصر، ومن خلال ما تناولناه تبين إن التعليم لايزال يغلب عليه الطابع النظري، وتصميم مناهجه وإعداد كتبه ومواده لايزال يتم بالأساليب التقليدية التي تكرس حفظ المعلومات واسترجاعها في عمليتي التعليم والتقويم، وبالتالي قلة الاهتمام بمهارات تعويد الطلاب وتعليمهم على حل المشكلات ومواجهة المواقف المستجدة وتشجيعهم على المبادرة وتحمل المسؤولية، وهذا الوضع لاشك ينتج ضعف في كفاءة النظام التعليمي وارتفاع مستويات الهدر التي كشفتها بجلاء نتائج مراجعات هيئة الجودة والتدريب. 

صحيح أن المجتمعات الخليجية حتى لا نقول البحرين فقط، تجاوزت النقاش في مقاربة التعليم بعوائق الفقر أو انعدام المساواة ذلك لأن تطور التعليم وتشريعاته بارزة بيد إننا بحاجة إلى رؤية وتحليل أبعد من ذلك في ظل المنافسة والتحديات، وصحيح تحققت إنجازات كمية في مؤشرات التعليم بينتها أرقام قيد الالتحاق بكافة مراحله وتشريعاته، وهناك ضخ للموازنات وإن كانت تحتاج إلى مساءلة وتخطيط، إلا إن هناك ما يشيء عن فجوة عميقة بين الخطاب التربوي الإعلامي الذي يتحدث عن إنجازات تعليمية نوعية استعراضية، وبين ما تحقق فعلياً على أرض الواقع خصوصاً مع حجم الإنفاق على التعليم ومخرجاته التي لا تتناسب ومتطلبات الإصلاح وسوق العمل ناهيك عن الرؤية الاستراتيجية بمداها الواسع أو جانبها الجزئي، بل وهناك إصرار على الاستمرار في توجهات العملية التعليمية التقليدية، والخلل هنا لا يكمن في جوهرها فقط؛ وإنما في التعاطي مع المفاهيم التربوية والإدارية المعاصرة وفي اصلاح التعليم وعلاقته بالاقتصاد وتلبية حاجات المجتمع. 

المصادر:

(1) بوابة البحرين؛ https://www.bahrain.bh/wps/portal/ar/BNP/HomeNationalPo

(2) أنظر الموقع الإلكتروني للبنك الدولي؛ https://data.albankaldawli.org/indicator/SE.XPD.TOTL.GD.ZS?locations=BH

(3) اليونسكو، معدل الإنفاق العام على التعليم من إجمالي الناتج المحلي في البحرين 2005-2020، أنظر https://data.albankaldawli.org/indicator/SE.XPD.TOTL.GD.ZS?locations=BH

(4) نصر عبد الكريم، الانفاق الحكومي على التعليم العام في العالم العربي، ورقة عمل (المؤتمر الاقتصادي الاول: الاقتصاد الاردني في عالم متغير بتنظيم من الجمعية الاردنية للبحث العلمي)، عمان/الاردن 15-16/4/2013.

(5) هيئة جودة التعليم والتدريب، التقرير السنوي 2020، ص 18، أنظر: التقرير السنوي 2020هيئة الجودة.pdf

 

المنامة – 5 يوليو 2023

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق