منى عباس فضل
الدين العام يتصاعد
ومعه يتكرر تخفيض التصنيف الإئتماني للبحرين من(B1) إلى (B2)، ما يعني أن سعي البنك المركزي لوكالات التصنيف لرفع التصنيف
الائتماني غير الاستثماري للحصول على معدلات فائدة وأفضلية في السوق الدولي
باعتبار أن هناك اكتشافاً نفطياً جديداً سيحسن من مستوى الإيرادات، قد صار هباءً
منثوراً.
أفتى الخبراء بأن هذا التصنيف تم تحديده تبعاً لفرضية
"موديز" بأن البحرين ستتلقى دعماً مالياً خليجياً قد يعدل من حالتها
الائتمانية، برغم مما تردد بأن الدعم لم يكن كافياً وشاملاً كي يسعف الاقتصاد
المحلي للحفاظ حتى على التصنيف (B2) بسبب سداد صكوك سيادية تقدر قيمتها بـ(750 مليون دولار) مستحقة مع
نهاية 2018، فيما تؤشر التوقعات بأن الاحتياجات التمويلية أكثر من (30%) من الناتج
المحلي الإجمالي ما بين 2018-2020، وحسب تقديرهم أيضاً أن هذا يمثل مستوى عالياً من
المخاطر بمقياس المعايير الدولية، بل وفي ظل ضبابية طبيعة الدعم الخليجي، فقد سبق
وأشار الاقتصادي جمال فخرو قبل عام "بأنه لا يمكن إضافة الدعم الخليجي
للموازنة لأنه دعم مشروط بتنفيذ مشاريع محددة تحول مبالغه إلى المقاول مباشرة،
وبحسب القانون لا يجوز في الموازنة تخصيص إيراد محدد للإنفاق على مصروف محدد"،
مضيفاً "نشكر دول الخليج، لكن ما يحك جلدك إلا ظفرك..ويجب الاعتماد على أنفسنا"
بيد أن الأسوأ منه يكمن في توقعات الخبراء بمزيد من التعثر عن السداد والنزول
لقائمة(Caa1, Caa2, Caa3) . الهذا المستوى وصل الحال؟!
مشهد مخيف
نعم هكذا يبدو
المشهد مخيفاً خصوصاً عند إمعان النظر في تطوّر الدين العام وتصاعده تاريخياً والذي
وحسب فخرو "سندخل معه في نفق مظلم وهو دين ثقيل على البحرين"، لم لا ومؤشراته
سجلت تصاعداً دراماتيكاً، ارتفع من الملايين إلى المليارات التي تخطت حاجز (1.9،
2.5، 3.5 مليار د.ب) بين الأعوام 2009-2010-2011 لتصل إلى (11.6 مليار د.ب) في
2018.
أسباب تعاظم الدين
العام متعددة أبرزها تأثيرات الأزمة المالية العالمية منذ 2008 وما تلاها من تدهور
لأسعار النفط وانخفاض الإيرادات كونه يشكل مصدراً رئيسياً للدخل، كذلك بسبب مستوى
المصروفات المتكررة في موزانة 2017 و2018 وزيادة حجم الإنفاق الذي تغيب عنه
الشفافية، ولأن توقعات ارتفاع أسعار النفط متأرجحة في حدود (68 دولار للبرميل) ولم
تصل لحدود حاجة الاقتصاد في إحداث توازن بعد؛ بمعنى أن يصل سعر البرميل قرابة (119
دولار للبرميل)، الأمر الذي دفع باتجاه المزيد
من الاقتراض من الأسواق المحلية بنسبة (52.4%) والخارجية بنسبة (47.6%) عام 2016 وذلك
لسد عجز الميزانية العامة وتغطية المصروفات.
إذن الاقتراض لم
يكن لأجل تمويل الاستثمار أو عمليات التنمية إنما بهدف الاستهلاك ودفع فواتير
الواردات السلعية، بل وأسوأ منه دفع فوائد القروض وارتفاع أسعار الفائدة في أسواق
المال مما فاقم من حجم المشكلة وزاد من أعباء خدمة الدين العام. بمعنى أن تأثيرات
تخفيض التصنيف الإئتماني يفرض شروطاً قاسيةً على عملية الاقتراض ويرفع من سعر
الفائدة ليس على الحكومة فقط، وإنما على المؤسسات المالية والمصرفية نفسها، وهذا
ما يجعل المخاطر تقفز كأشباح خصوصاً مع تبني سياسة "تسديد الديون
بالديون" وزيادة الإنفاق الأمني بسبب الإضطربات السائدة في المنطقة منذ
الحراك الشعبي عام 2011.
مؤشر عدم الأمان
عند مناقشة مؤشرات
قياس الدين العام لجهة مستوى الأمان أو الخطورة على الاقتصاد الوطني، نجد تصاعداً
في معدل النمو السنوى للدين العام يفوق معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، وفي هذا دلالة
مقلقة، يضاف إليها تجاوز نسبة الدين العام للرتبة (60%) مقارنة بالناتج المحلي،
وهذا أيضاً يقع في منطقة عدم الأمان فما بالك أن وصلت النسبة إلى (75%) عام 2017
و(88%) حتى الآن.
ومع ما تؤكده الدراسات
بشأن خطورة هذه المؤشرات وما ستؤدي إليه من تراجع ثقة المستثمرين بالاقتصاد
وانعكاسه على تراجع رتبة التصنيف الائتماني وبالتالي ارتفاع كلفة الاقتراض، إلا أن
أحد الخبراء المحليين سبق وخفف من وطأة الوضع قائلاً؛ "أن تحديد نسبة الدين
العام من الناتج المحلي الإجمالي حسب المعايير الدولية والاقتصادية لا تمانع من تجاوز
نسبة (100%) وبالتالي صعود النسبة في البحرين لما فوق (86%) لا يشكل خطراً على
الاقتصاد طالما أن الحكومة قادرة على الإيفاء بالتزاماتها وقادرة على سداد الدين،..
موضحاً أن معظم الدول المتقدمة لديها دين عام يفوق ناتجها الإجمالي بأكثر من (100%)
كالولايات المتحدة وإيطاليا وإيرلندا وإسبانيا وفرنسا.
الذي لم ينوه إليه
الخبير أن هذه الدول تتمتع بمصادر دخل متنوعة زراعية وصناعية وتجارية وسياحية كما لديها
مقومات اقتصادية مرنة تسعفها في رفع مستوى إيراداتها إضافة لما تتميز به من نظم
وتشريعات ومؤسسات يشارك فيها المواطن في اتخاذ القرار وفي الاستجابة لأي قرارات
تتعلق بترشيد الإنفاق أو دفع الضرائب، الأهم لديها شفافية ومؤسسات صارمة تجاه
ممارسة الفساد الذي يشكل هدراً للمال العام. في هذا السياق تجدر الإشارة لما ذكره فخرو
"هناك دول تقترض لكن اقتصادها ودخلها يعطيها المجال لتسدد ديونها، لكن في
البحرين ليست ثمة قدرة للسداد، فالدين يزداد في ظل غياب البرنامج الزمني الذي يوضح
كيفية معالجة الدين العام..".
وفي دراسة لغرفة تجارة وصناعة البحرين حول الدين العام؛ ما يشير إلى إن ارتفاع متوسط نصيب الفرد من الدين العام يفترض أن لا يتجاوز نسبة (50%) من متوسط دخله السنوي، فيما تكشف حالة البحرين بإننا بلغنا مرحلة الخطر مع ارتفاع النسبة إلى (60%) عام 2015 وإلى (74%) في 2016، إضافة لمؤشر العجز في الموازنة العامة لمواجهة النفقات والذي وصل في 2015 إلى (233%).
كيف نسدد الدين العام؟
صحيح أن الدين
العام ظاهرة عالمية مقبولة وفق مستويات محددة بل ويمثل مصدر من مصادر الإيرادات
العامة لتمويل نفقات الدولة، إلا إن استمرار صعوده يعكس هشاشة النظام المالي وضعفه
وقد يؤثر سلباً على سيادة بعض البلدان بسبب ضغوطات الهئيات الدولية المانحة
وشروطها كصندوق النقد الدولي وغيره، وسواء اقتنع البعض أم لم يقتنع فالبحرين دخلت
مرحلة الخطر مع نسبة الـ(60%) للدين العام مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، بل
وتجاوزت عتباتها مع استمرار صعوده لـ(88%)، ولا يبدو الأخذ الجاد بالتحذيرات من
مغبة تداعيات هذا الوضع، فلا تنويع حقيقي لمصادر الدخل أو تنفيذ مبادرات لتنمية
الإيرادات غير النفطية رغم الجعجعة هنا وهناك، ولا تطوير لأنظمة تحصيل الإيرادات
المستحقة على الوزارات والجهات الحكومية والشركات ومؤسسات القطاع الخاص والأفراد
والعقارات.
أما بالنسبة للدعوات
التي ارتفعت ولاتزال لتطبيق منهج الضرائب و"الرسوم" ومراجعة بعض الخدمات
الحكومية المقدمة للمواطنين واسترداد قيمتها أو إعادة دراسة تقييم الدعم المقدم إليهم
فيسودها الارتباك والمزاجية في كيفية توزيع الاستفادة من دعم السلع والخدمات
الأساسية كما إن مردودها ضئيل مقارنة بحجم الدين العام ولا يزال الأجنبي يتمتع
بخيرات الدعم، ولا تزال عملية ترشيد الإنفاق الحكومي تتخبط بين الأولويات وغير الضروريات،
ويرى خبراء اقتصاديين بأن زيادة الموارد من 50-100 مليون د.ب في السنة أو حتى القيمة
المضافة لن تغير الكثير، ذلك لأن الدين العام بالمليارات وليس بالملايين.
خلاصة الأمر، هذا النفق
المظلم يقود إلى طرح السؤال المعضلة عن كيفية تسديد الدين العام، كما يفرض على
الجميع عدم التلكؤ في مواجهته كتحدّ كبير لا يمكن التعامل معه إلا من موقع
المسؤولية التاريخية والتفاعل معه بقدر ضئيل من التوترات والاضطرابات ومن موقع
الاستجابة للحلول العملية التي تتشارك فيها كافة الأطراف المعنية لوضع خطة وطنية
استراتيجية ببعد زمني يعالج جذور الأزمة ويدفع باتجاه التكيف الذي يفرض على الدولة
ومؤسساتها ومواطنيها التعامل مع الدين العام برؤى مختلفة وبآليات تدير الأزمة بضمير
وواقعية كي يتجاوز الوطن محنة الدين العام وإخفاقاتها.
المنامة - 7 أغسطس 2018
منى عباس فضل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق