الاثنين، 1 مايو 2023

منتسبي "خطوة" وحكايتهم مع هيئة التقاعد

منى عباس فضل

 

إنها صرخة لقمة العيش وقطع الأرزاق وهدر الكرامة، هي معضلة الفشل والتجاهل واللامبالاة في زمن التوحش والفقر والغلاء والانحطاط. عن أي حكاية وأي معاناة نتحدث؟

 نتحدث عن الوجع والمفارقة بين تعداد المنجزات والنجاحات، وبين أصوات مقهورة ارتفعت يملؤها شعوراً بالظلم واللاعدالة التي وقعت عليهم دون حساب، دون محاسبة، دون استماع، دون شفافية.

 

تصف متضررة حالتها كما حالة غيرها: (أكتب رسالتي وكلي أمل وثقة بأن تجدون حلاً لمشكلتي ومشكلة الكثير من نساء البحرين اللاتي عملن بجد واجتهاد لسنوات استنزف فيها العمل طاقتهن من أجل توفير حياة كريمة لأبنائهن وتلبية حاجاتهم التي باتت صعبة في ظل الغلاء الفاحش وتدني الرواتب، وما إن تجاوزنا سنوات عديدة في العمل وطمحنا إلى الوصول لمرحلة التقاعد والتفرغ التام لأسرهن ومراعاة أبنائهن ومتابعة تحصيلهم الدراسي وقضاء وقت طويل برفقتهم؛ حتى جاء قرار "التقاعد الجديد" الذي كان كالصاعقة التي هدت كيان المرأة بعد انتظار سنوات، لم يكن لهن من مخرج سوى اللجوء إلى "برنامج خطوة" لضم سنوات عملن فيها دون تأمين، ومع ذلك تبقت أشهر قليلة أو سنة وسنتان حتى يخضعن إلى تطبيق القانون، فهل يعقل أن يطبق القانون على من تجاوزت سنوات عملهن عشر سنوات وأكثر؟ فبدل أن يعملن لمدة أشهر أو سنة بعد تطبيق "القانون الجديد"، سيعملن لمدة ست سنوات أو أكثر. هذا ظلم وإجحاف في حق المرأة البحرينية.. فهل تكافئ بهذا القانون التعسفي؟ خاصة وأن البعض تعملن في وظائف ذات رواتب ضعيفة لا تقارن بمستوى عملهن وأدائهن والتعب؛ كمعلمات رياض الأطفال والعاملات في المصانع وغيرها، أليس من حق المرأة أن توفر جزء من صحتها وطاقتها لأطفالها بعد هذه السنوات؟ وكأنها تجري خلف سراب فكلما تقدمت للتقاعد زادت السنوات.  كلنا أمل أن تجد مشكلتنا ومعاناتنا حلًا وذلك بعمل استثناء أو شراء المدة المتبقية لهن، كلنا أمل في وقفتكم معنا.. ).   


وحيث لايزال السجال دائراً بين النواب والحكومة في أروقة البرلمان حول موقف "الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية" وشرائح المتضررين من منتسبي برنامج "خطوة" الذين ينتظرون موقفاً رسمياً ينتشلهم من الضياع والمعاناة. ولكي ندرك حقيقة ما يحدث، علينا إلقاء الضوء على ماهية البرنامج خصوصاً وإن وزارة التنمية الاجتماعية تعتبره إحدى منجزاتها الرائدة.

 

ما هو برنامج "خطوة"؟

كعادتها سوقت وزارة التنمية "برنامج خطوة للمشروعات المنزلية" كأحد أهم وأبرز مبادراتها التنموية والذي كما ورد في أديباتها بأنه "يستهدف" التمكين الاقتصادي والاجتماعي للأسرة البحرينية، ويوفر لها ولأفرادها الاحتياجات والتسهيلات لبدأ مشروعاتهم التجارية من المنزل، وإنه استند على القرار الوزاري (رقم 39 لعام 2010)، وقد اعتبرته بلغة التفخيم "برنامج أول خطوة يخطوها صاحب فكرة مميزة للتسجيل القانوني وبدون أي تكلفة مالية للتسجيل". وماذا أيضا؟

 

برنامج يستهدف ست من فئات اجتماعية مصنفة كـ: صاحب فكرة لمشروع منزلي؛ المسجلين في برنامج الأسر المنتجة، المستفيدين من البرامج التدريبية بالمراكز الاجتماعية، العاطلين عن العمل، المتقاعدين، المستفيدين من برنامج الضمان الاجتماعي، ويشار إلى إنه يمكنهم التسجيل في البرنامج من خلال ملي استمارة متبوعة بسلسلة إجراءات إدارية أخرى.

 

وزير العمل لا يخفي سعادته بالقول إن البرنامج حقق نجاحات متعددة منذ 2010، سواء من خلال زيادة عدد الأسر المنتجة الحاصلة على الترخيص، أو عدد الذين تحولوا إلى رواد أعمال وحصلوا على سجلات تجارية، أو عبر قصص النجاح المتحققة لبعض المنتسبين له، إضافة إلى فوز البرنامج بجائزة البرنامج الخليجي العربي للتنمية "أجفند" في المسابقة الدولية لمشاريع التنمية البشرية الريادية للعام 2014 في مجال تسويق المنتجات المصنعة منزلياً، وجائزة التميز الحكومي العربي كأفضل مشروع لتنمية المجتمع عام 2020، منوهاً إلى ارتفاع عدد الحاصلين على رخصة المنزل المنتج إلى (1243) أسرة منذ بدء انطلاقته، كما يعدد كتيب "خطوة" المنجزات المتحققة من عام 2010-2020 كما في الجدول التالي:


في السياق، يصنف "برنامج خطوة" حوالي (20) نشاط إنتاجي تمارسها هذه الشرائح من بينها التطريز والتصميم والخياطة وصناعة التحف والإكسسوارات وأشغال النسيج ودروس في المطبخ المنزلي، والأشغال الفنية واليدوية وخدمات الأفراح..إلخ، إضافة إلى (16) نشاط إنتاجي خاص بالمواد الغذائية من بينها عمل السمبوسة وتعبئتها والمهياوة والرنكينة. أما مميزاته التي تعددها الوزارة في خانة المنجزات المتحققة حتى عام 2021؛ فهي تمثل (12 ميزة) أهمها؛ أن التسجيل فيه بالمجان، ويمكن للمنتسب الحصول على بطاقة تعريفية خاصة وشهادة قيد للعمل من المنزل وتجديد التصريح سنوياً بدون رسوم، إلى جانب توفير تدريب احترافي ومنافذ للتسويق، ودعم للمشاركة في المعارض والمسابقات وتطوير جودة المنتجات، وتطوير المهارات الإدارية، وتوفير حاضنات إنتاجية وإمكانية الحصول على التمويل للمشاريع وتوفير غطاء قانوني مجاناً من خلال قرار رقم 39 لسنة 2010 لتنظيم العمل من المنزل. أما أبرز مميزاته التي يدور حولها السجال حالياً، (أنه يوفر تأمين اجتماعي؛ من خلال الاستفادة من التأمين الاجتماعي الاختياري في الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي، والتي تضمن للمستفيدين من برنامج خطوة مستقبلهم التقاعدي).



 ثقل الخطاب والوعود

وعليه نخلص إلى أن مضامين "مشروع خطوة" الحكومي بكل ما يحمله من ثقل الخطاب والوعود بالتأمين الاجتماعي والتعابير المنمقة؛ قد أغرى الكثيرين والكثيرات وشجعهم للانضواء تحت مظلته وبحسب الشروط والمعايير التي وضعت، بل وفتح أبواب الأمل للعاطلين والعاطلات في إيجاد مخارج لأزمتهم ومعاناتهم المستعصية منذ سنوات؟ والسؤال يلح هنا؛ هل وفرت الوزارة والهيئات الحكومية ذات العلاقة الضمانات لكل الوعود والمميزات التي تم التسويق والترويج لها؛ وبما يوفر لهذه الفئات الأمن الاجتماعي والاستقرار النفسي. في الحقيقة لا يبدو الأمر كذلك. كيف!  

 تشير الوقائع إلى اعتصام قامت به مجموعة من منتسبي "برنامج خطوة" في مبنى الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية في يوم الجمعة 27 أبريل احتجاجاً على إيقاف طلبات التأمينات الخاصة بالبرنامج. قالوا: (نحن مجموعة من المتضررين من القرار المفاجئ الذي صدر عن التأمينات الاجتماعية، قبل أسبوع واحد فقط من تاريخ تطبيق قانون التقاعد الجديد، وذكروا بأنهم قاموا بجميع الاجراءات المطلوبة من إصدار قيد الترخيص، وشراء المدة المتبقية للتقاعد، وإنهم وصلوا إلى مرحلة متقدمة من إجراءات صرف المعاش التقاعدي؛ وإذا بهم يفاجئوا بإيقاف الطلبات وطلب توفير قيد للمدة المطلوب ضمها أو شرائها ..).

 وذكروا أيضاً (أن وزارة التنمية أخبرتهم بعدم مقدرتها في توفير القيد القديم للمدة المطلوب منهم للتقاعد، وذلك بسبب عدم وجود أو توافر قيد قديم قبل 2010، وان تم إصدار التراخيص والقيود الخاصة بالأسر المنتجة بعد 2010 مع العلم بأننا بحاجة إلى شراء سنوات ومدة من قبل 2010 وتسألوا: كيف لنا إصدار قيد وتراخيص من العدم وغير متوافره قبل سنة 2010؛ وإن الكثير منا قد تدين المبلغ الذي تم دفعه لشراء السنوات، والكثير منا بلا مدخول شهري ثابت؛ ووضعنا الحالي صعب، إذ لا وظيفة ولا تأمين ولا راتب ولا تقاعد ونحن بحاجة ماسة الى قلوبكم الرحيمة لإنهاء جميع معاناة المتضررين من وزارة التنمية وهيئة التأمينات، ولكي يتم استئناف الطلبات قمنا بمراجعة التأمينات اكثر من مرة، وكذلك "مركز خطوة"، ونأمل من المعنيين مساعدتنا في ايجاد حل منصف لنا). كما عاودوا التجمع والاعتصام ثانية يوم الأحد 30 أبريل في نفس مبنى الهيئة وتحدث أحدهم عن أوضاعهم، وقال إنهم يمرون بأوضاع معيشة صعبة، وطالبوا مجدداً بحل لمعاناتهم التي تهدد مستقبلهم ومستقبل عوائلهم.

 معضلة تتحدى النواب

قبلها بيومين وأثناء المداولات البرلمانية ذكرت النائبة حنان فردان: (أن هيئة التأمينات الاجتماعية أساس المشكلة فيما يخص أزمة مشتركات برنامج خطوة اللواتي تقدمن بطلبات التقاعد المبكر قبل انقضاء فترة العمل بقانون التقاعد القديم وقدمن كل ما هو مطلوب لأجل ذلك بحسب اشتراطات الهيئة وبما يتفق مع القانون، إلا أن الهيئة لم تلتزم بالقانون وتعسفت في استخدام سلطاتها عبر مخالفة سياستها مع حالات التقاعد السابقة ومطالبة المشتركات العازمات على التقاعد بشروط تعجيزية لم تكن مطلوبة في السابق فقط من أجل تعطيل تقاعدهن وفرض مواصلة اشتراكهن كمؤمنات ضمن القانون الجديد الذي سوف يتطلب منهن العمل لعشر سنوات إضافية).

 أضافت النائبة (بأن الهيئة تتعسف في استخدام سلطاتها مع هذه الشريحة الضعيفة من المجتمع من أصحاب المداخيل المتدنية فقط لأنها شريحة لا ناصر لها، وتنكرت لكل الأصوات العاقلة المنادية بإنصاف مشتركات برنامج خطوة من النواب وغيرهم من نخب المجتمع، وأن الحكومة مسؤولة عن اتاحة حق التظلم لجميع من تم تعطيل خطواتهم قبل سريان القانون الجديد، خصوصا وأن الشريحة التي اختارت الهيئة أن تضيق عليها خيارات التقاعد هي الشريحة الأضعف في المجتمع، والذين يشكل المساس بحقوقهم التقاعدية تعدياً على أمنهم المعيشي واستقرارهم الاجتماعي، وهو الأمر الذي لم تراع الهيئة عواقبه، خصوصاً أن عدداً واسعاً من هؤلاء استقالوا من وظائفهم في سبيل استيفاء الاشتراطات المطلوبة، ما يجعلهم في موقف في غاية الخطورة بعد تعنت الهيئة في تيسير إجراءات تقاعدهم. وأكملت: لا يمكننا أن نصمت عما يتعرض إليه هؤلاء المواطنات من ظلم يتناقض مع أصل وظيفة التأمين الاجتماعي التكافلية والمعنية بحماية الأسر البحرينية وصون كرامتها).

                                              

 الخلاصة

إلى هنا تبقى معاناة المتضررين معلقة بانتظار أن تتحمل الجهات المعنية مسؤوليتها بالإيفاء بالتعهدات؛ ليس بتوفير حق التظلم وحسب لهذه الشريحة، وإنما بالاستماع إليهم بجدية وعدم تجاهلهم والاستجابة إلى مطالبهم وحفظ حقوقهم التقاعدية وأمنهم الاجتماعي والأهم كرامتهم، وأن لا يغيب عن البال أن هذا الوضع مخجل لا يتناسب وخطاب الترويج للمنجزات الريادية والنجاحات؛ وإنما هو تعبير فاقع عن أزمة في كيفية اتخاذ القرارات غير المدروسة، وإن ما يحدث وصمة سوداء لما تحقق من جوائز وتميز "لمشروع خطوة" وما يتم احتسابه ضمن المتحقق في سياق أهداف التنمية المستدامة والتجارب الناجحة في مجال تمكين المرأة ومساواتها وتأمين استقرار الأسرة البحرينية وأمنها الاجتماعي، كما إنه يشكل تحدياً لقدرة البرلمان على إيجاد مخارج منصفة وعادلة للمتضررين ولمن يعملون في القطاع غير المنظم بعيداً عن الخطابات والوعود الفقاعية والإنشائية.

المنامة - 1 مايو 2023 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق