الأحد، 6 نوفمبر 2022

الإعلام الرقمي وصورة جديدة للمرأة

 


الدكتورة منى عباس فضل

ساهمت الثورات التقانية والاتصالاتية في إحداث تحوّلات جوهرية على الحضارة الإنسانية التي انعكست آثارها على كافة مظاهر الحياة في المجتمعات؛ وذلك من خلال توظيف أدوات الإعلام الرقمي المتنوعة التي واكبت التطوّر التكنولوجي الحديث وأدواته.

 

عرفت الدراسات الإعلام الرقميّ بأنه الإعلام التفاعليّ أو التشاركيّ أو الشبكيّ أو إعلام الوسائط المتعدّدة وغيرها من المسميّأت حيث يستخدم فيها الأجهزة الإلكترونيّة التي يتم عبرها نقل البيانات وتداولها كالكابلات الرقميّة، والأقمار الصناعيّة، وأجهزة الحواسيب والأجهزة المحمولة والهواتف الذكيّة ببرامجها والوسائط المتعدّدة كالصوت والصورة، ومواقع الويب، ومقاطع الفيديو، وإعلانات الإنترنت بتطبيقاته المختلفة مما جعله بديلاً عن الإعلام الورقي.

 

لعبت أدوات الإعلام الرقمي عبر منصاتها المختلفة دوراً تفاعلياً رائداً تميزت بالتحوّلات التي حدثت في مختلف المجالات حيث استخدم فيها الأفراد هذه الأدوات في تفاعلهم البشري والعمل عن بعد وكعنصر أساسي في أنشطتهم على اختلاف مستوياتها التي قادت إلى جعل العالم قرية كونية Global village؛ مما عزز من سيطرته وهيمنته مقارنة بوسائل الإعلام التقليّدية المتمثلة في الصحافة والتلفزيون، كما تنامي بروزه خلال العقد الأخير وأصبح الوسيلة الأكثر استخداماً وأهميّة في التواصل والتبادل بين شعوب العالم.

 

أظهرت الدراسّات أن مستخدمي الإعلام الرقمي وتطبيقاته في تنام ٍمستمر وسريع، وشهد عالمنا اليوم تعاظم دوره مع اضمحلال الحدود الفاصلة بينه وبين أشكال الاتصال والتواصل التقليّدية التي أدخل أدواتها ووسائطها المختلفة في مراحل جديدة من التحوّلات الجذريّة العميقة، نظراً للتقدم التقني وسرعة انتشار الإنترنت الذي يُقدر مستخدموه عالميّاً حسب تقارير إعلاميّة بـ(4.95 مليار) مستخدم وبما يعادل (62%) من إجمالي سكان العالم وعربياً بنحو بـ(291 مليون) مستخدم، الأمر الذي أثر على تداخل حياة الأفراد على المستويات السياسيّة والاقتصاديّة والمهنيّة والاجتماعيّة والعلميّة والثقافيّة في ظل التطوّر التكنولوجي المتسارع؛ وقد انعكس هذا التداخل والتشابك في توسيع دائرة التواصل بين البشر، فأصبحوا يتلقون المادة الإعلامية والمعلوماتية الثقافية والسياسيّة بصورة فورية يجري نقلها وتداولها بصرف النظر عن محتواها وطبيعتها وتوجهاتها على مدار الساعة، مما أضاف مفاهيم جديدة على حريّة الرأي والتعبير وعلى الصورة التي يُقدم فيها المرأة وقضاياها.

 

الإعلام الرقمي والتغيير

مع اتساع مجالات الإعلام الرقمي وتطبيقاته في إطار تنامي أنشطة المجتمعات الحديثة وانعكاساتها على الواقع الإنساني والحضاري، أصبح الإعلام الرقمي أداة لنشر الثقافة المعلوماتيّة بتنوعاتها، وفي هذا الشأن تتباين الآراء وتتفاوت حول نوع التغيير الذي أحدثه من حيث سرعة تلقي المعارف وسهولة تبادل المعلومات وسرعة التواصل بين الناس وبين مدى فاعليّة هذا التغيّر مقارنة بنوعيّة هذه المعلومات، إضافة إلى ماهيّة تأثيره في رسم صورة جديدة للمرأة من خلال الحضور المؤسسي والكمي والنوعي في مجالات التشبيك والتكوين وتحسين الأداء وتوفير المعلومة حول المرأة وقضايا النوع الاجتماعي، خصوصاً وإن صورتها في الإعلام الرقمي تتشكل من خلال صورتها في المجتمع، ولأن الصورة النمطية لها في المجتمع تؤثر سلباً في صورتها لدى وسائل الإعلام الرقمي، حيث يجد منتقديه إنه يساهم في الترويج للجهل بسبب القصور المعرفي ومحدوديته من حيث المحتوى والمضمون الذي ينطلق من تحيز حين يُقدم فيه المرأة ودورها في تنميّة المجتمعات، وذلك عبر تكرار الصور النمطية لها وتكريسها في دورها التقليدي كما سنتناوله لاحقاً، فضلاً عن التعاطي مع موضوعها بشكل غير متجانس تبعاً للتفاوت بين وضعيات المرأة الميسورة والفقيرة، المتعلمة والعاملة والأمية والعاطلة والمتحجبة وغير المتحجبة ...إلخ، فهذه الوضعيات تخفي مشاكل فئوية يستوجب مراعاتها عند البحث عن الصور التي يشكلها الإعلام الرقمي للمرأة، فيما يضيف آخرون مع هذا الاتجاه؛ بأن المجتمعات العربيّة لا تزال تقليديّة في جوهر تفاعلها وعلاقات أفرادها برغم مظاهر الحداثة التي أحدثها الإعلام الرقمي وتأثيراته عليها، فهي لاتزال خاضعة لتأثير منظومة العادات والتقاليّد وطرق التفكير التي تعبر عن الأنساق الاجتماعيّة السائدة وقيودها، بل وإنها تُخضع أدوات الإعلام الرقمي لنشر هذه الأفكار وتجذيرها على الرغم من ارتفاعِ مستوى الوعي بالإعلام الرقمي ووفرة كوادره المؤهلة والعاملة في تطوير مجالاته وتطبيقاته المعلوماتيّة.

 

بالمقابل هناك من يلفت إلى اندماج الإعلام الرقمي بما تقوم به وسائل الاتصال التقليديّة وتداخله وتكامله معها؛ حيث يمكن قراءة الصحافة الورقية وتتبع الوقائع عامة وأوضاع المرأة خاصة عبر شاشة الحاسوب بصورة فورية حال صدورها وحتى قبل وصولها إلى أيدي القراء، وبأن تطوّر أجيال الهواتف الذكيّة وقدرتها الهائلة على التبادل الاتصالي بصورة كاملة وفورية قد عكست زخماً وأحدثت تأثيراً على نقل الأحداث من مواقعها وفي لحظة حدوثها كما لاحظنا قبل فترة وجيزة عند ارتكاب جريمة العنف والقتل التي راحت ضحيتها شابة مصرية بسبب رفضها الزواج من القاتل، وقبلها في الأردن والمغرب وغيرها، فقد أثارت هذه الجرائم ضجة واسعة ووقعاً عميقاً في استقطاب الرأي العام وحشد التضامن من المواطنين والجماعات المختلفة والأفراد، فثمة رسائل ودعوات تتم في إطار الإعلام الرقمي وتأخذ أبعاداً سياسيّة واجتماعيّة وأيديولوجيّة وتجاريّة وثقافيّة وحقوقيّة تتفاعل في كافة المجالات والميادين، لاشك أن تعاظم دور الإعلام الرقمي هنا أثر في مضمون تلك الرسائل والدعوات التي تتلقاها المرأة وتتفاعل معها الأمر الذي ساهم في نقل اهتمامها وتفاعلها إلى النشاط الإلكتروني حيث يُعاد بث الرسائل على التويتر أو الانستغرام والفيسبوك وإبداء الإعجاب بمجموعة أو تشاطر المعلومات والفيديوهات القصيرة عبر التطبيقات المتعدّدة.

 

فضاءات جديدة

كتب الكثيرون عن منافع الإعلام الاجتماعي الرقمي وتأثيراته الإيجابيّة في رسم صورة جديدة للمرأة حيث فتح أمامها آفاقاً متنوعة كانت في يوم ما مغلقة عليها، وأفسح لها مساحات واسعة لتفريغ الشحنات والتعبير عن ذاتها، كما كتبوا عن تأثيراته السلبية التي تجسدت في ردود الأفعال المتفاوتة تجاهها، وارتبط كلٌ من التأثيرين الإيجابي والسلبي بشكل مباشر وغير مباشر بقضاياها وما يتعلق بحقوقها واهتماماتها وأوضاعها؛ ولولا وسائل التواصل الاجتماعي لاختفت صور العنف والظلم الواقع عليها في المجتمع ولما أثارت جرائم العنف بحقها ضجة وتشكلت حولها قضية رأي عام عززت من التضامن والمساندة للنساء من ضحايا القتل وجرائم الشرف والاغتصاب والحرمان من حضانة الأبناء، ولما برزت جهود الناشطات في المنظمات الحقوقيّة المعنية بحقوق النساء وتمكينهن، ويلحظ ذلك التأثير عن طريق الإعلان عن أخبار المرأة أو تبادل الرسائل المتعلقة بها عبر الواتس آب والتويتر والفيسبوك وغيرها من التطبيقات أو من خلال الحصول على المعلومات عنها، كما إن أوضاعها تتأثر بالتحوّلات التي يحدثها الإعلام الرقمي من كونها تمثل مادة إعلامية أو "رسالة" لترويج فكر محدد أو لتعزيز نظرة نمطية تقلل من مكانتها وتحط من قدرها وبما لا يتناسب وما حققته من تقدم وإنجازات.

 

تأثيرات إيجابية

ويجادل إعلاميون حول مرونة الإعلام الرقمي وسهولة نطاقه وتعدّد أغراضه وأساليب أدواته مؤكدين بأنها سمحت بتبادل المعلومات المتعلقة بقضايا النساء وحقوقهن ولأهداف متعددة، فهو يقدمها كناشطة ومدافعة قويّة عن حقوقها في الفضاء الرقمي ومؤثرة في السياسيّات بمواقع اتخاذ القرار، ولم يقتصر وجودها على شبكة المواقع الإلكترونية فقط، إنما أصبحت في موقع التبادل الفوري المباشر وحققت انتشاراً فاعلاً استخدمت فيه المنصات كأداة للمناصرة حيث يتم تبادل الصور والوثائق والدراسات بل وإدارة المناقشات وتعميم الرسائل، وهذه مزايا ومنافع تعزز من صورة المرأة القياديّة الملهمة في المجتمع بمختلف فئاتها ومستوياتها نظراً للقصور الإعلامي الرسمي أحياناً في تناول بعضها أو تغيبها عن إعلامه التقليدي، وهذا يتم من خلال المجموعات الناشئة والناشطة في وسائل الإعلام الرقمي المدافعة عن حقوق النساء حيث يتم تناول مشكلاتها واهتماماتها وأعمالها ومنجزاتها عبر المنصات الرقميّة، الأمر الذي يعزز من سياسات تمكيّن المرأة ومساواتها، كما تبرز من خلاله قيمة الأدوات الرقميّة ومنصاتها بالذات عند استهدافها لفئة الشابات للتوعيّة بهذه القضايا ودعم الحملات، وبما يسمح بالوصول إلى أوسع جمهور منها، ففئة الشباب والشابات كما هو معروف يعتمدون في تواصلهم وتبادلهم للمعلومات على هذه الوسائل عوضاً عن الصحافة الورقيّة أو المنتديات المباشرة.

 

إن تنوع استخدامات الإنترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي في نشر المعلومات وتنفيذ حملات المدافعة سمح للناشطات النسائيات بتعزيز التواصل ومساءلة المسؤولين والصحافة التقليديّة، حيث تسجل كل القضايا بكثافة وتنقل مباشرة على منصات التويتر والانستغرام وتكون موضع إنكار أو تحقيق للمصداقية كما يمكن من خلالها الأرشفة وإجراء المقابلات عبر خاصيّة البودكاست أو الزوم وغيرها مما يسمح للعامة بمتابعة الحدث بتلقائية وإبداء الرأي والتعبير عن المواقف، كما يفتح من خلال المدونات حواراً ثرياً تلعب فيه الناشطات دور الوسيط بين المسؤولين والرأي العام الذي لا يقتصر على طرح الأسئلة وإنما إثارة الحوار حولها بدينامية وتسليط الأضواء عليها والتفاعل معها بصورة حيّة وفوريّة، وهذا أفسح لها المجال لمراكمة الخبرات وتطوير أدوات المدافعة.

 

تطوّر التشريعات

كذلك تسمح هذه المنصات للناشطات من جهة متصلة بالوصول إلى الجمهور وبالملايين في المناطق التي يصعب الوصول إليها، وغالباً ما يساعد الإعلام الرقمي عند تغطيته لقضايا المرأة وحقوقها وما أنجزته من تقدّم على استقطاب تغطية الإعلام التقليدي محلياً ودولياً، ومما لا شك فيه أن نشطاء حقوق النساء أنجزوا تقدماً لا يستهان به على مستوى التشريعات والقوانين التي جاءت لصالح المرأة وبمساعدة الإعلام الرقمي، ونشهد ذلك من خلال التضامن مع الحملات والمناسبات الاحتفاليّة كيوم المرأة العالمي 8 مارس، أو الحملة البرتقالية للقضاء على العنف ضد المرأة في 25 تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام وغيرها من مناسبات تُمارس فيها أنشطة وحملات توعيّة متعدّدة تكشف تجارب نساء العالم ونضالاتهن وما حققنه لتحسين ظروف المرأة العاملة والوصول بها إلى مواقع صنع القرار ومشاركتها السياسيّة وتحسين ظروفها الاجتماعيّة والاقتصاديّة، لهذا نجد أن هذه القضايا تتصدر وسم محدّد برسالة موجهة لإحداث التأثير المراد، وغالباً ما يتم الإعلان عن حملات المناصرة والمدافعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تستحوذ على تغطيّة إعلاميّة دوليّة ومحليّة، فقد غدت المجموعات ومنظمات حقوق المرأة تعتمد بكثافة على هذه الأدوات الإلكترونية في إثارة القضايا المهمة وتوصيلها وتحفيز الحوار بشأنها في المجتمع.

 

وعليه يجمع أغلب المحللين بأن أدوات التواصل الرقمي أدّت إلى إحداث تأثير تراكمي انعكس إيجاباً على إحداث نجاحات كبيرة وتقدّم على مستوى التشريعات والقوانين الخاصة بالمرأة كإقرار قوانين الأسرة ومدونات الأحوال الشخصية فضلاً عن إدخال مشاريع قوانين منح الأم جنسيتها إلى أبنائها إلى جدول أعمال بعض البرلمانات ومناقشاتها إضافة إلى تعزيز تجارب إدخال "الكوتا النسائية" في المشاركة السياسيّة للنساء ومراكمة الخبرات في خوض العمليّة الانتخابيّة وغيرها، فمن خلال حملات الفيسبوك وقوائم البريد الإلكتروني والمواقع الإلكترونية وتطبيقات الانستغرام والتويتر وغيرها، نجحت بعض الحملات التي خاضتها المرأة في جذب انتباه الإعلام المحلي والدولي بمستوى الدعاية التي أحاطت بتلك الحملات ومضامينها فحظيت بدعم واسع من مجموعات المدافعة عن حقوق المرأة، وهذا بدوره أدى إلى اصدر تشريعات الحماية من العنف الأسري في العديد من البلدان العربية والدعوة إلى جمع التواقيع لدعم إصدار القوانين أو تحديث بعضها المراد إصداره في البرلمانات وأصبح التوقيع على العرائض ينجز من خلال منصات الإنترنت، وبالمثل لوقف التصويت عن بعض القوانين والقرارات التي تنتقص من حقوق المرأة وتحد من تمكينها.

 

التضامن والتشبيك

إلى ذلك تعتمد منظمات المرأة الحقوقيّة على الإعلام الاجتماعي لتنظيم المشاريع داخلياً وبناء التحالفات والتعاون في المبادرات المشتركة وتقوية العلاقات مع الداعمين، ففي إطار التنظيم اليومي هناك صفحات لعقد الاجتماعات والتنسيق الداخلي، وصفحات عامة للتعبير عن الناس ودعمهم، وهذا التواصل يقوي العلاقات ويعززها بتراكم الخبرات والتجارب وتطوير المهارات، كما تستخدم أحياناً لبناء تحالفات متنوعة والتنسيق مع المنظمات الأخرى بسبب تداخل بعض الأنشطة والفعاليات.

 

تأثيرات سلبية

إلى ذلك ترتبط وسائل الإعلام بتعدّدها ارتباطاً وثيقاً بالإعلام الرسمي وبالتنظيمات السياسيّة والمجموعات الطائفيّة والإثنيّة الأمر الذي يفسح المجال واسعاً لها للترويج عن أفكارها ومبادئها المؤدلجة ذات التوجهات التي تتسيد خطاباتها وهذه تتفاعل وتتأثر بالانتماءات الطائفيّة بقوانينها ونظمها الاجتماعيّة المتعلقة بوضع المرأة في الأسرة وفي الفضاء العام من خلال بث رسائل محدّدة تتفاعل وتتشابك في ظل وجود قوانين وتشريعات متحيّزة، الأمر الذي يؤدي إلى بروز فضاء اعلامي متحيز في مجتمعاتنا العربية؛ وقلما يتفاعل هذا الفضاء مع قضايا النساء ومصالحهن في الحصول على حقوقهن المتساوية مع الرجال، إذ تفسر هذه القضايا والمشكلات من منظور تحكمه العلاقات الأبويّة والنظرة الدونيّة والتسلطيّة والتفاعلات والتشابكات في إطارها، وقد لاحظنا ذلك جلياً في الحملات التي قادتها منظمات نسائيّة بشأن حق الأم في نقل جنسيتها لأبنائها وزوجها أو حصولها على الحضانة أو الطلاق أو المساواة في الإرث أو رفع التحفظات عن اتفاقية السيداو وغيرها، فغالباً ما تنبري هذه الجماعات والتشكيلات من خلال دورها ونشاطها في الإعلام الرقمي بمواجهة شرسة لهذه الحملات والتصدي لها من منظور ديني وتقليدي وبما يناهض حق المساواة للمرأة؛ وها هي إيران تعلن قبل أشهر، عن رفضها لاتفاقية السيداو المعتمدة من الأمم المتحدة وعدم الالتزام بها والاكتفاء بأحكام الشريعة الإسلاميّة.

 

تحيز إعلامي

وعلى الرغم مما تتمتع فيه المرأة اليوم من حقوق كثيرة متشابهة لحقوق الرجل، إلا إنها لا تزال تعاني من اللامساواة والتمييز الاجتماعي والقانوني المتمثل بالقوانين التمييزية بعيوبها وثغراتها التي تتجسد في السياسات والإجراءات التي تعالج أوضاع المرأة في الأسرة، فاغلب قوانين البلدان العربيّة باستثناء مصر والمغرب والجزائر وتونس واليمن والعراق، لا تستطيع المرأة العربية منح جنسيتها لأبنائها وزوجها الأجنبي، وفي معظمها لا تحصل على مخصصات الضمان الاجتماعي في حالة تفرغها للعمل المنزلي ورعاية الأطفال، وغالباً ما يكون تمثيلها في المناصب السياسيّة والقياديّة متدنياً، إضافة إلى ضعف فاعليّة القوانين المعمول بها للحماية من العنف الأسري ونواقصها واختلالاتها خصوصاً في الاقتصاص من جرائم الشرف والاغتصاب، كما تعاني العاملات في الوظائف والأعمال المتدنية من الاستغلال والإساءة الجسديّة والنفسيّة والجنسيّة لاسيما عند فئة العاملات المنزليات.

 

وبالتالي من وجهة نظر الاتجاه الناقد، صحيح أن الإعلام الرقمي يلعب دور كبير في التعاطي مع القضايا المجتمعية، إلا إن الصحيح أيضاً أنه يعاني من قصور في تغطيته لمشكلات المرأة ومعاناتها بالمستوى والرتم السريع الذي ينجز فيه تحولاً في الوصول إلى المساواة لصالح النساء، فهو لا يبرز الواقع الحقيقي للمرأة والتطوّر الذي حدث لها في التعليم والعمل والممارسة السياسيّة وتناول إنجازاتها وقضاياها والتحديات التي تواجهها برسائل إعلاميّة جادة وهادفة، فحضورها فيه صورة وموضوعاً غالباً ما يقل في السياسة ويكاد ينعدم في الاقتصاد ويكثر في الاجتماع ويتم تناولها في الفن والثقافة القائمة على مواضيع الأسرة والطفل والطبخ والموضة، كما يتم التركيز على مهن نسائية نخبوية ويتجاهل النساء المهنيات، فالمشكلة ليست في التركيز على الصورة النمطيّة لها، وإنما في غياب الصورة الأخرى لها، كعاملة في المهن التخصصيّة وما تعانيه من فقر وتهميش والعمل في بيئة صعبة، كذلك تبرز التحيزات من خلال عدم التركيز على نشر الأفكار والاتجاهات الجديدة نحو دعم مشاركة المرأة في جهود التنمية وتغيير القيم السلبيّة تجاه مكانتها وحقوقها في المجتمع بما يخدم أهداف تمكينها للقيام بدورها في التنمية المستدامة، وتبدو المفارقة بأن نتائج المسوحات الإعلاميّة والإحصاءات تشير إلى أن المرأة العربية هي الأكثر استخداماً لوسائل الإعلام المختلفة.

 

ويمكن رصد مضامين وأشكال إعلاميّة عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي، من أخبار وتقارير وصور وفيديوهات ترفيهية أو تثقيفية لاتزال تركز على المرأة كجسد وتوظيف هذه الصورة كعنصر لجذب اهتمام الرجل المستهلك، أو لشراء سلعة أو خدمة، والاعتماد عليها كنموذج للإعلان للتشجيع على الاستهلاك، وحصرها في الأدوار التقليديّة كزوجة وربة بيت خاصة في دورها الاستهلاكي، ويشيع الموقف عن قلة كفاءاتها بسبب المشاكل الأسريّة والزوجيّة التي تحاصرها أو من خلال المبالغة والتهويل أو التهوين في مواقفها، وكلها صور غير واقعيّة وموضوعيّة للمرأة لأنها تعتمد على الموقف التقليدي منها كذات.  

 

تحديات

من هنا تواجه المرأة في إطار الإعلام الرقمي وتطوّره السريع تحديات متعدّدة؛ أبرزها الحاجة إلى امتلاك المهارات الرقميّة بمعرفة تواصليّة عاليّة، وعلى الرغم من انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتزايد الناشطات الشابات في مجاله ممن يتمتعن بوعي كافٍ بالتقنيات الاجتماعيّة عند استخدامها في نطاق التمكين الاقتصادي كالأعمال التجاريّة والاجتماعيّة والتعليميّة والتدريبيّة والثقافيّة، إلا إن أعداد من يتمتعن من جيل الأمهات بمهارات التواصل الاستراتيجي الرقمي والتفكير النقدي لا يزال ضعيفاً في تحديث المعلومات واستخدام المنصات إذ لا يزال وصولهن إلى الإنترنيت محدوداً وتنتشر بين بعض الناشطات في مجال حقوق المرأة ثقافة التقاعس في رفع مستويات التواصل الإلكتروني؛ وتأثير تواصلهن لا يترجم بالضرورة في زيادة نسب مشاركتهن السياسيّة، مما يجعل من فائدة الإعلام الرقمي محدودة ومتفاوتة بحسب خصوصيّة المجتمعات وحريّة التعبير والقيود وغياب التشريعات والدعم الرسمي، فيما تبقى فئات كبيرة من النساء رهينة الانتماء المطلق إلى التحالفات السياسيّة أو الطائفيّة القائمة على الانتماءات الدينيّة في تفاعلها مع شبكات الإعلام الرقمي وأدواته.

 

وهذا يتطلب، زيادة التعاون وتأسيس شبكات منظمة تعمل على قضايا النساء وهمومهن، بحيث تمكن الناشطات من الاستفادة منها كما يمكن للأكاديميين والتقنيين والشباب من تقديم التدريب والتوجيه لتحسين عمليّة التواصل الإستراتيجي والتفكير النقدي وتطوير مهارات الإعلام الرقمي عبر تقديم مقررات وورش عمل في الجامعات والمعاهد وفي مؤسسات المجتمع المدني، يتم التركيز فيها على هذه المهارات وعلى مواد التربيّة الإعلاميّة والرقميّة، وكيفية استخدام الإعلام الرقمي بشكل فعال وبعدة لغات.

 

الخلاصة

إلى هنا نجد إن منصات الوسائط الرقميّة أحدثت ثورة في كيفية التواصل بين الناس وأدت إلى تغييرات جوهريّة في مكان العمل وفي مجال النشاط العام حيث استطاعت من خلالها المرأة من اكتساب فرص الظهور وزيادة فرصها في الوصول إلى المعلومات وإلى التفاعل الذي وفر لها فرصاً أكبر من التعليم والتدريب والتواصل مع الآخرين، وقد تعزز ذلك بدعم من سياسات التمكين وتأثيراتها؛ بيد إن البيانات لا تزال قليلة حول دور الإعلام الرقمي والتقنيات الاجتماعية في حقيقة تمكين المرأة ورفع مستوى مساواتها السياسيّة والاقتصاديّة وجسر الفجوة الاجتماعيّة؛ ذلك لأن محتوى الإعلام الرقمي إجمالاً لا يراعي تحقيق المساواة بين الجنسين في المجتمعات ولا كسر القوالب النمطيّة الجنسانيّة من خلال إظهار النساء في مناصب قياديّة وكخبرات في مجموعات متنوعة في اهتماماتها وانشغالاتها من الموضوعات على أساس يومي وليس كاستثناء، وهذا يمثل تحدياً كبيراً لطرفي الإعلام الرقمي من جهة والمرأة ذاتها من جهة أخرى.

 

المصادر

1)        المحرر، الغرب يرسم صورة أخرى للمرأة العربيّة، 25/1/2017، أنظر الموقع الإلكتروني: https://bit.ly/3RrJN57

2)        أنتوني غدنز، علم الاجتماع، ط1، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2005، الصفحات 501-535.

3)        إيمان قنديل، صورة المرأة في الإعلام سلبيّة ونمطيّة ورمز للإثارة (الأخيرة)، البيان، 8 مايو 2009، أنظر الموقع الإلكتروني: https://www.albayan.ae/our-homes/2009-05-08-1.431656

4)        أمينة الزياني، صورة المرأة في الإعلام التونسي: وثيقة توجيهية، العربي الجديد، 24 أبريل 2019، أنظر الموقع الإلكتروني: https://www.alaraby.co.uk/%D8%B5%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%B3%D9%8A-%D9%88%D8%AB%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D8%AA%D9%88%D8%AC%D9%8A%D9%87%D9%8A%D9%91%D8%A9

5)        جاد ملكي وسارة ملاط، الإعلام الرقمي والاجتماعي في النشاط المدني: فعالية أم عبء؟ أنظر الموقع الإلكتروني: https://bit.ly/3qlgVzB

6)        جيسيكا لمبرت وآخرون، دليل الصحفي المهني من أجل مقاربة إيجابية للمرأة في الإعلام، ط1، المغرب: منظمة البحث عن أرضية مشتركة، 2016.

7)        ختام محمود محمد، صورة المرأة في الإعلام العربي، مجلة النبأ، حزيزان 2004، أنظر الموقع الإلكتروني؛ https://annabaa.org/nbahome/nba77/016.htm

8)        معزة مصطفى أحمد فضل السيد، الإعلام الرقمي وانعكاساته على التعارف بين الحضارات، 2 يناير 2020، أنظر الموقع الإلكتروني؛ org/arabic/studies/21726

9)        محمد شومان، ملاحظات على بحوث صورة المرأة في الإعلام، اليوم السابع، 23/12/2017، أنظر الموقع الإلكتروني؛ https://www.youm7.com/story/2017/12/23/%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AD%D8%B8%D8%A7%D8%AA-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A8%D8%AD%D9%88%D8%AB-%D8%B5%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9-%D9%81%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85/3567866

10)    ندى أمين، المرأة العربية إعلامياً وسلطات الثقافة والسياسة والمال، 9/2/2018، أنظر الموقع الإلكتروني: https://bit.ly/3qsm4pu

11)    The crucial role of media in achieving gender equality, Submitted by: International Media Support, Free Press Unlimited, The Carter Center,
Fondation Hirondelle, Global Alliance on Media and Gender, International Women’s Media Foundation, Media Diversity Institute,
RNW Media, World Association for Christian Communication and WAN-IFRA; See: https://bit.ly/3QwiIf

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق