منى عباس فضل
للأجابة على الأسئلة التي انتهينا إليها في المقال السابق بشأن ماهية العقوبات الامريكية
الجديدة على روسيا وكيف ينظر إليها المراقبين، يمكن القول إنها تستهدف العمود الفقري للاقتصاد الروسي،
وتحديداً قطاع الطاقة الذي تنشط فيه شركات تطوير الأنابيب الروسية، كما إنها - أي
العقوبات - تفرض قيوداً على بعض مصدري الأسلحة الروس. وإذا عدنا لتفاصيل جوهرها فهي
تتمثل في عناصر محددة كما أوردتها وسائل الإعلام في النقاط التالية:
1.
تعمل العقوبات على تجميد الأصول الروسية وحظر
التعامل مع أفراد روس، كما لا يجوز لأي شخص أمريكي الجنسية التعامل مع أشخاص
محددين جاء ذكرهم في هذه العقوبات من قبل الكونجرس أو بأي طريقة أو وسيلة كانت.
2.
حضر التعامل مع أي شركات روسية من قبل أفراد
أو مؤسسات أمريكية محددة في العقوبات.
3.
حُددت العقوبات على قطاعات محددة كالدفاع،
والقطاع المالي والمصرفي كونه يتحكم في عملية التحويلات المالية في روسيا فضلاً عن
قطاع الطاقة الذي تعتمد عليه روسيا بشكل كبير ويمثل عصب اقتصادها.
4.
يفرض قانون العقوبات قيوداً على الصادرات
التكنولوجية الروسية والخدمية النفطية.
تأثير العقوبات على الاقتصاد الروسي
وعليه كثيرة هي السجالات والتساؤلات بشأن تأثير عقوبات الولايات
المتحدة على الاقتصاد الروسي، خصوصاً وإن العقوبات تكررت، إذ سبق وفرضت على روسيا عام
2014 بسبب ضمها لشبه جزيرة القرم إلى أراضيها، كما فُرضت بحق أفراد وشركات روسية، حيث
طرد إثرها الرئيس السابق بارك أوباما "35 دبلوماسي" وأغلق مقرين دبلومسيين
لروسيا في الولايات المتحدة.
"صندون النقد الدولي" تطرق إلى
العقوبات السابقة بالتحليل والتوقعات التي لخصها تقرير اقتصادي نشرته قبل أسابيع
"محطة CNBC"
العربية، مشيراً إلى إن تلك العقوبات ستقلص الناتج المحلي الروسي لتصل به من مستوى
"1.5%" إلى "1%" على المدى القصير، كما يتوقع تراجعات في نمو
الناتج المحلي على المدى المتوسط قد تصل لنسبة "9%"، وماذا أيضا؟
توقع الصندوق الدولي تراجعاً في الإيرادات
الروسية قد تصل نسبة زيادتها إلى "30%"، ولهذا تأثير على تراجع إيرادات
الشركات التي تعتمد عليها الأسواق الأوروبية بأكثر من الثلث، فيما ستتراجع حسب
توقعهم قيمة أصول الشركات بأكثر من النصف "50%" وينخفض عدد العاملين في
تلك الشركات إلى نسبة أكثر من "30%"، أما التكلفة السنوية التي ستؤثر
على الاقتصاد الروسي بسبب العقوبات فسوف تكلف الاقتصاد الروسي نحو "40 مليار
دولار"، أي ما يمثل نسبة "2%" من الناتج المحلي الإجمالي، وإن هذا
التأثير سيكون أكبر وأقسى فيما لو استمر انخفاض أسعار النفط. كيف؟
ستبلغ تكلفته على الاقتصاد الروسي خسارة
قيمتها ما بين "90-100 مليار دولار"؛ ما يعني خسارة على مستوى الناتج
المحلي الإجمالي من "4-5%"، بيد إن تأثيرات الخسائر تبعاً لتقرير"CNBC"، تكمن في انخفاض أسعار النفط أكثر منه في موضوع العقوبات الأمريكية؟ كيف؟
يخلص التقرير؛ إلى أن تأثير العقوبات سيكون
أقل "3 مرات" من تأثير انخفاض أسعار النفط بسبب اعتماد الاقتصاد الروسي على
الصادرات النفطية أكثر منه اعتماداً على صارداته من الغاز الطبيعي، كما إن
العلاقات التجارية الأمريكية-الروسية ليست بمستوى متقدم، فهي ضعيفة بلغة الأرقام، فالدولتين
لا تعتمدان على بعضهما البعض تجارياً، والورادات الأمريكية لروسيا تمثل
"2%" فقط، فيما تمثل صادرات أمريكا لروسيا ما نسبته "1%" من إجمالي الاستثمارات المباشرة فقط؛ وبالتالي فأن نسبة
هذا التأثير على الاستثمارات ستكون منخفضة جداً، بيد إن المتأثر بهذه العقوبات أكثر
فأكثر ستكون أوروبا التي ستضعها العقوبات الأمريكية في مأزق حقيقي، لماذا؟
العجوز أوروبا متضررة
لأن هناك مؤشرات خطيرة تشير إلى تأثر شركات
أوروبية تعمل في قطاع الطاقة، وهي مستثمر رئيسي أيضا في روسيا، يأتي على رأسها
مشروع نقل الغاز الروسي عبر بحر البلطيق من خلال إرساء خط أنابيب مشروع Nord
Stream 2" "
الذي تنوي روسيا إنشاءه ليصل إلى ألمانيا، علماً بأن من يرعى هذا المشروع شركات
ألمانية وفرنسية كـ"يونيبر" و"فنترشال" الألمانيتين و"إنجي
الفرنسية" و"رويال داتش شل" التي تشارك في ملكيتها المملكة المتحدة
وهولندا و"أو إم في جروب" النمساوية، حيث تبلغ قيمة هذا المشروع
"9.5 مليار دولار". ماذا يعني هذا؟
يعني أن المشروع سيكون على المحك من
وجهة نظرهم في حال شهدنا تطبيق فعلي لهذه العقوبات.
خلاصة الأمر، سياسة الولايات المتحدة تجاه
روسيا ومن وجهة نظر العديد من الباحثين والمتابعين تفتقر إلى الاستيراتيجية
المتماسكة والشاملة، ومن الواضح إن قرار أغلبية زعماء الكونغرس بسن قانون العقوبات
الجديد على روسيا؛ يبتعد عما كان معتمداً في السابق على "مبدأ الاحتواء Containment" كما
كان أيام الحرب الباردة، بل على العكس يستند إلى رؤية متشددة، وقد سبق لمجموعة من
الخبراء في المؤسسات البحثية والاستيراتيجية ومنهم محموعة باحثين في "مؤسسة
التراث الأمريكية The Heritage Foundation"، سبق، وأن قدموا رؤيتهم
لصانعي القرار الأمريكي تجاه روسيا على المستوى الاستيراتيجي، وهي نصائح تعتمد على
عناصر عديدة متشددة يأتي على قمتها؛ تكبيد روسيا خسائر سياسية واقتصادية وعسكرية فادحة لا
تستطيع موسكو تحملها على المدى البعيد، بسبب تعثر اقتصادياتها.
ولأن موسكو تستمد نفوذها الجيوسياسي من خلال
توفيرها ما يقارب "30%" من احتياجات أوروبا للطاقة، حيث تستورد بلغاريا
وحدها، وهي إحدى دول حلف الناتو قرابة "95%" من احتياجاتها من غاز روسيا
التي تملك ثلاثة أكبر شركات استثمارية فيها، الأمر الذي دعاهم إلى نصح متخذي
القرار الأمريكي بعدم الاستجابة للضغط الأوروبي لتقليل أي عقوبات على روسيا بل
رفعها، مقابل العمل على تحسين قدرة أوروبا في تطبيق العقوبات وإنشاء خطوط الغاز
والنفط البدئلة التي تقلل الاعتماد الأوروبي عليها، فضلاً عن إلغاء التعرفات
الجمركية على المنتجات الأوروبية المماثلة وإزالة كافة القيود على صادرات الولايات
المتحدة من النفط والغاز الطبيعي لإعطاء أوروبا وآسيا مصادر بديلة للطاقة، إضافة
لاستبعادها من نظام التعاملات المصرفية الدولي؛ من جهته يرى ديفيد اغناتوس من الـ"واشنطن بوست" بأن العقوبات أصبحت من الأدوات المبالغ في استخدامها وبإفراط في مجال السياسية الخارجية الأمريكية لاسيما الاقتصادية منها، فنهاك كما يضيف عقوبات جديدة تفرض على مسؤولين في فنزولا إلى جانب كوريا الشمالية وإيران.
حقاً إنه جنون حروب الطاقة بين العملاقة، وعليه جنون الإرتياب واهتزاز الثقة بالنفس
في مواجهة التحديات التي تثيرها روسيا لزعامة الولايات المتحدة في النظام الدولي
ولنفوذها الحيوي في شتى مناطق العالم، ما يعني أن العالم يضع يده على قلبه أمام احتمالات زيادة وتيرة التنافس
الاستيراتيجي بين روسيا والولايات المتحدة على المدى المنظور.
منى عباس فضل
المنامة-9 أغسطس 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق