منى عباس فضل
بعد مفاوضات مكثفة قبل أسابيع جاء قرار أغلبية
زعماء الكونغرس الأمريكي بسن قانون يفرض عقوبات وتدابير تقييدية جديدة على روسيا، هي
الأوسع والأشمل عما كانت عليه منذ 2014، وذلك على خلفية مزاعم اتهامها بالتدخل في
انتخابات الرئاسة عن طريق حملة تضليل وقرصنة مارستها.
من جانب متصل اعتبر محللين أن القانون الجديد
انقلاباً للكونغرس على الرئيس دونالد ترامب يقوض سلطاته كرئيس فيما له علاقة برفع
أي عقوبات مفروضة على روسيا دون موافقة الكونغرس، لم لا وهو الذي ألمح في حملاته
الانتخابية إلى التفكير في الاعتراف بالقرم كجزء تابع لروسيا واقترح وقتها رفع
العقوبات عن موسكو، ذلك برغم قدرته على التصويت بحق الاعتراض "فيتو" على
مشروع القانون، لكن ذلك كان سيثير شبهة لجهة دعمه للكرملين، ولهذا وقع على القانون
على مضض وبما يتعارض أصلاً مع إرادته ورؤيته تبعاً لبعض التحليلات.
المفوضية تحتج
المفوضية الأوروبية لم يروق لها أمر قانون
العقوبات الجديد، وهي تجده يستند إلى اعتبارات محلية بحته كما حذرت من عواقبه
المحتملة والمحفوفة بالمخاطر التي يصعب التكهن بها، خصوصاً وإن الاتحاد الأوروبي
يبذل جهوداً كبيرة تتعلق بتنويع مصادر طاقته بعيداً عن روسيا، لذا لا عجب أن ارتفعت
وتيرة قلقه والتلويح باتجاه اتخاذه اجراءات مضادة فيما لو طالت العقوبات مصالحه
الاقتصادية.
بدورها نشرت "الفاينانشيال تايمز" نص
وثيقة للاتحاد الأوروبي؛ تلمح إلى أن بروكسل قد لا تعترف بهذه العقوبات على أراضيه
أنها تنتهك مصالح أعضاءه، معتبرة إن فرضها "خطوة أحادية" غير محسوبة،
كما طالبت بضمانات أمريكية مكتوبة أو علنية توضح أمرين، الأول أن العقوبات لن تؤثر على مصالح
الاتحاد والثاني عدم فرضها ضد شركات تابعة له، لاسيما في مجال الطاقة وتحديداً في مشروع بناء
خط الغاز "السيل الشمالي 2" بين روسيا وألمانيا.
المفوضية في بيانها نبهت عن استعدادها للتدخل
حماية لمصالحها، من خلال وضع القانون الأمريكي تحت التشريع الأوروبي الذي بالنسبة لها يملك
اليد العليا فوق تشريعات الدول الأخرى خارج حدوده، وعبر قوانين منظمة التجارة
الدولية، كما شددت على تداعيات العقوبات وتأثيرها على استقلالية الاتحاد على صعيد
الطاقة والانعكاسات السياسية السلبية المحتملة، وذكرت بأهمية تنسيق سياسة العقوبات
بين دول مجموعة السبع، وماذا أيضا؟
أيضاً وضح البيان أن القانون يشمل فرض عقوبات
على أي شركة بما فيها الأوروبية التي تساهم في تنمية وصيانة وتطوير أو ترميم
أنابيب للطاقة مصدرها روسيا، ما يعني إنها قد تؤثر على البنى التحتية لوسائل نقل
الطاقة إلى أوروبا، وعلى مشاريع حاسمة ضمن تنويع الطاقة في أوروبا مثل الغاز الطبيعي
المسال في البلطيق، وغيرها مما سيوضح لاحقاً.
ألمانياً كانت الأعلى صوتاً في الاحتجاج وقد حذرت
بعدم قبولها لأي عقوبات أمريكية جديدة تطال أي شركات أوروبية. وزير خارجيتها
أشار "إلى أنه لا ينبغي أن تصبح العقوبات الاقتصادية آلية لسياسة واشنطن
الصناعية، ...إذ لا يحق لها الإملاء على الشركات الأوروبية؛ وكيف تتعامل مع الشركاء الأجانب؟" هكذا قال، أما الخارجية
الفرنسية فأعلنت "بأن العقوبات الجديدة ضد إيران وروسيا وكوريا الشمالية تبدو
مخالفة للقانون الدولي، لأن نطاقها الجغرافي يمتد خارج الأراضي الأمريكية".
النتيجة، إن التباينات الأمريكية البارزة
والمضمرة بين البيت الأبيض والكونغرس تجاه العلاقة مع روسيا وبرغم توافق
الديمقراطيين والجمهوريين بأغلبية على فرض قانون العقوبات الجديد، إلا إن الرئيس ترامب
أجبر على توقيع قانون العقوبات الأخيرة، الأمر الذي يضع العلاقة بين أوروبا وموسكو
مقابل خيارين عسيرين، فأما أن تجاري أوروبا واشنطن وتجازف بعلاقتها مع روسيا، أو أن تقف ضد قرار الكونغرس الذي سيؤدي إلى علاقة متوترة معها، وفي كلا الحالتين الأمر
صعب وشاق عليها، فيما يشير المحللين إلى زيادة فرص انتعاش وتقوية التحالف الروسي - الصيني
والإيراني بسبب العقوبات. السؤال المهم هنا، ماذا عن الموقف الروسي وردود أفعاله؟
ما تأثير العقوبات على اقتصاده؟ من المتضرر الأكبر من هذه العقوبات؟
غضب روسي
برغم اتهامات الكونغرس الموجهة إلى موسكو، إلا
إن الأخيرة تنفي أي تدخل لها في شأن الانتخابات الأمريكية، ولهذا أثارت حزمة
العقوبات الجديدة غضبها واستنكارها، وكرد فعل فوري حال اتخاذ
قرار العقوبات؛ أعلن مسؤولون أمريكيون أن روسيا ألغت اجتماعاً مع كبار من ديبلوماسييهم،
وأتبعتها لاحقاً بإنهاء خدمات "755 دبلوماسياً وموظفاً" ضمن البعثة
الدبلوماسية الأمريكية، الأمر الذي يكشف ماهية العلاقات بين موسكو وواشنطن والتي
نزلت لأدنى مستوياتها مقارنة بما حدث أبان الحرب الباردة، إضافة إلى حالة التوتر بين
واشنطن والاتحاد الأوروبي كون القرار يجيز فرض العقوبات على شركات أوروبية أيضا.
لوحظ أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم
يتوانى عن القول "بأن العقوبات ما هي إلا دليل على صراع داخلي في الولايات
المتحدة، وإن سياسة فرض واشنطن العقوبات على موسكو بذرائع مختلفة تهدف باستمرار
إلى احتواء روسيا"، كما ندد رئيس وزراءه بالعقوبات واصفاً إياها
بـ"الحرب الاقتصادية الشاملة" واعتبرت رئيسة مجلس الاتحاد الروسي
العقوبات ضد بلادها تعبير عن رغبة لدى واشنطن في التضييق على موردي الطاقة الروس
للسوق الأوروبية".
وفي الوقت الذي اتخذت فيه روسيا إجراءات
فورية غاضبة بطرد الدبلومسيين، فسرها أحد الكتاب بإنها ردود فعل الطرف العاجز الذي
يتصرف بمظهر القوي محاولاً الالتفاف على أزماته الداخلية، ومع ذلك فقد تحركت روسيا
بحسب أحد التقارير نحو أسوأ الاحتمالات، وأسرعت العمل في بناء "كيش
ستري" أسفل البحر الأسود معتمدة على سفن تابعة لشركة "أول سيز جروب إس
إيه" السويسرية، كما حرصت شركتها "غازبروم" ومنذ مدة في الحصول على معدات
لإرساء خطوط أنابيب الغاز أسفل المياه، لتحصين وضعها ضد أي عقوبات، معتمدة على قرض
بضمان "غازبروم" حيث دفعت شركة مقاولات روسية "مليار دولار" لبناء سفينة
عملاقة في سنغافورة تستخدم في إرساء خطوط أنابيب أسفل الماء لحساب شركة نيجيرية
تمر بأزمة مالية.
باختصار الروس أخذوا
في اعتبارهم احتمالية فيما لو أخل الشركاء الأوروبيين بالتزاماتهم، فأن "غازبروم"
يمكنها الاستغناء عنهم، لاسيما وحسب ذات التقرير المجال متاح أمامها للحصول على
المعدات وقطع الغيار من آسيا في إطار اتفاقيات سرية، وهذا تبعاً لخلاصة تقرير
"لبلومبيرغ" أن مشكلة العقوبات الأمريكية القديمة والحديثة التي تثير غضب
الحلفاء والمؤسسات التجارية، قد تدفع بروسيا نحو المزيد من الاكتفاء الذاتي.
ومنه يجوز السؤال عن ماهية تلك العقوبات وكيف ينظر إليها المراقبين؟ وهذا ما سيتناوله الجزء اللاحق من المقال؟
ومنه يجوز السؤال عن ماهية تلك العقوبات وكيف ينظر إليها المراقبين؟ وهذا ما سيتناوله الجزء اللاحق من المقال؟
منى عباس فضل
المنامة-8 أغسطس 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق