منى عباس فضل
قالها حنظلة فاقعة
كشمس نهارات الصيف العربية في كبد السماء، قالها ناجي العلي:
-
"الطريق إلى فلسطين
ليست بالبعيدة ولا القريبة إنها بمسافة الثورة".
لم يكن ناجي العلي شيخ
دين بعمامة وفتوى، ولا قائد سياسي أنيق، ولا ضارب ودع، ولا حاملاً لمباخر السياسيين
أو الحكام ولا شاعر منكس الرأس في بلاط السلاطين، ناجي الشهيد كان جراحاً بمبضع وقلم
فحم وعقل مستنير يخط أحلامه وأحلام الشعب الفلسطيني المشرد بفرشاة الفن
الكاريكاتوري تماما كمن يطلق مدفعاً ورشاشاً في وجه الطغاة.
هو الذي ابتدع حنظلة
المر، صبياً صغيراً واقفاً عاقداً يديه المكتفة خلف ظهره بعد مغادرة فلسطين،
شاهداً منتظراً، تارة في مواجهة هزائم زمن التطبيع والتلويث بالتسوية الأمريكية-الصهيونية-الرجعية
في المنطقة منذ بداياتها، وتارة قبالة فلسطين الحلم والمنارة، يالها من بلاغة للريشة
المعجزة التي نطقت بلسان الشعب الفلسطيني والوجدان العربي.
كانت الرسائل وعناوينها واضحة؛
من مآسي الذل والقهر والهزائم والتحديات والاصرار وكل الأحزان والأفراح الصغيرة
والكبيرة والأهم رسالة الانتماء إلى الهوية العربية النضالية في الميادين.
سئل ناجي العلي مرة عن
موعد رؤية وجه حنظلة فأجاب:
-
"عندما تصبح
الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته...".
حنظلة صار التوقيع الرسمي لكل
رسوماته التي لخص فيها الواقع العربي بمشاهد الحزن في كل المنعطفات، وبكل رمزية
العذاب والصعاب التي يعانيها الإنسان الفلسطيني، فخطّت يده رسم حقيقة الوجع على
جدران الزنازن منذ الصغر، وقام بتأصيل الفكرة والموقف المبدئي من التشرد في
الغربة، إلى الاضطهاد والتمييز العنصري في الأرض المحتلة على يد دولة الكيان
الصهيوني، فكانت الرسومات تعبيراً ودلالة عن جوهر رسالته السياسية اليومية التي
ينشرها ناقدة فاقعة لا لبس فيها للواقع الفلسطيني والعربي، فهو شاهداً محنك وعميق على
ما جرى ويجري من أحداث وموبقات.
أما فاطمة التي
تكرر حضورها في أغلب رسوماته المبدعة، كانت شاهداً ورمزاً معبراً عن شخصية المرأة
الفلسطينية القوية الشجاعة في نضالها اليومي بما لا يقبل الذل ولا المهادنة
والمساومة على القضية الفلسطينية، يقابلها ذاك المتكرش بمؤخرته العارية دون أقدام
رمزاً نقيضاً على حالة الرفاهية والترهل والتكرش والخيانة والانتهازية التي وصلت
إليها بعض القيادات في عالمنا العربي، فيما يقف الجندي الصهيوني المرتزق مرتبكاً وخائفاً
مهزوزاً تجاه جسارة أطفال حجار الثورة.
هي فلسطين التي يقف عند
حدودها مولياً ظهره لدعاة الذل والخنوع والتطبيع، وهي التي كبرت ولا تزال في
الضمائر من جيل إلى جيل.
كان ناجي العلي شجاعاً
لا يخشى الموت ولا يهاب تكميم الأفواه في جملة "ريشته البندقية"، التي
لم يتحمل مراراتها وشراراتها أصحاب الكروش المتضخمة، ولا آلة الإبادة العنصرية الصهيونية
فامتدت إليه برصاصة غدر وخيانة.
اختلفت الآراء حول غموض
اغتياله "استشهاده" في شارع آيفز بلندن، حيث أودت بحياته رصاصة غدر اخترقت
رأسه، ليسقط شهيداً في 29 أغسطس 1987، ولتبقى قضية فلسطين التي حملها
بريشته وضميره حية تشد رحالها من جيل إلى جيل حتى التحرير، ففي الخاتمة سجل رسالته
مدوية:
-
"اللي بدو يكتب
عن فلسطين، وإللى بدو يرسم لفلسطين، بدو يعرف حاله ميت، أنا مش ممكن أتخلى عن
مبادئ ولو على قطع رقبتي"..!
هذا هو العرس الذي لا ينتهي
في ساحة لا تنتهي
في ليلة لا تنتهي
هذا هو العرس الفلسطيني
لا يصل الحبيب إلى الحبيب
إلا شهيداً أو شريد...
من قصيدة "العرس الفلسطيني"
لمحمود درويش
لمحمود درويش
منى عباس فضل
المنامة-29 أغسطس 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق