الجمعة، 11 أغسطس 2017

تعليق على مقال د.محمد الرميحي


مرحبا ويسعد مساءكم  

في مقال بعنوان "على أي وجه ستنتهي الحرب الأهلية السورية؟ نشر في 5/8/2017 بصحيفة الشرق الأوسط "أنظر الرابط" أدناه، للدكتور محمد الرميحي،

https://aawsat.com/home/article/991081/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%85%D9%8A%D8%AD%D9%8A/%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A3%D9%8A-%D9%88%D8%AC%D9%87-%D8%B3%D8%AA%D9%86%D8%AA%D9%87%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%87%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9%D8%9F

يتساءل عن الكيفية التي ستنتهي عليها الحرب الأهلية في سورية.

في سياق تحليله يقارب بين ما حدث من حروب أهلية في العالم وكيف كانت نتائجها التي لا يختلف إثنان معه على تلك النتائج، وإن كانت منطلقات التحليل وموقف المتابعين تتم من زوايا متعددة ومختلفة، وهي –أي النتائج- تتلخص في التدمير وخراب الأوطان ومعاناة الإنسان الذي تتحول معه الأرض وما عليها كتلة مدمرة أو هشة قابلة للإلتواء والإنكسار والتفتت.

في هذا الصدد، يعرض د.الرميحي بالتحليل خمسة عناصر وجدها الأشمل والمشتركة والجوهرية للحروب الأهلية في العصر الحديث؛ أولها يتمثل في تمدد شرر الحروب من النطاق المحلي الضيق إلى النطاق الإقليمي والدولي، وغالباً ما تكون نتائجها حروب تتم بالوكالة وتدخل في الدول التي تخسر أمنها واستقلالها وسيادتها.

أما العنصر الثاني، فيرى تمثله في الدمار الهائل الذي تخلفه الحروب على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، وما تتركه من القتلى وجرحي ومختفين وقبور جماعية ومُهجرين ومشردين ومظاهر الجوع والمرض والتشرد. 

العنصر الثالث يجده في الندوب الغائرة التي تتركها الحروب من كراهية وعداء وحقد وعنصرية بين مكونات المجتمع الواحد والأسوأ منه سقوط هيبة الدولة، حيث ينتهى الأمر إلى القتل على الهوية وسيادة قيم الغابة في ثارات المنتصر ضد المهزوم والعكس، فيصبح النسيج الاجتماعي هشاً قابلاً للعطب.

في العنصر الرابع، يُحمل "الدين والطائفة والحزب" مجتمعين أدواراً مهمة في عملية الصراع والحروب. هنا يتساءل المرء كيف إنه لم يناقش "دور الأنظمة الدكتاتورية والتسلطية" بأشكالها الملكية والقبلية أو الجمهورية التي تتوارث الحكم وباتت تملك الأرض بما عليها، وتتعاطي مع الأوطان كغنيمة "دول غنائمية".

الدكتور وبرغم فطنته وعمق خبرته وعلمه وتنظيراته لم يتطرق إليها –أي الأنظمة- والطريقة التي تحكم بها وتدير الدولة، لم يكشف للقارئ كيف إن أغلبها يحكم بالدم والحديد؛ يُسخر الدين والطائفة والأحزاب والآلة الإعلامية والعسكرية والأمنية وعليهم جماعات المولاة وجيوش العلاقات العامة ومن ينتشرون كالفطر رهن إشارة الأنظمة في وسائل التواصل الاجتماعي بشتى أنواعهم وأشكالهم التي تحكم أنشطتهم وعقيدتهم مفاهيم يأتي على قمتها "من ليس معنا، فهو بالضرورة ضدنا"، وإن على الجميع الانصياع والتحدث بلغة واحدة تنتفي معها قيم الديمقراطية وممارسة حرية الرأي والتعبير في ظل ممارسة ممنهجة للبطش والترهيب والترغيب لكل من تسؤول له نفسه الخروج عن المرسوم والمحدد من ممارسات ومواقف مرغوبة.

لاشك أن د.الرميحي لا يفتقد للفطنة والمعرفة لكشف هذا الجانب، إنما فقط نُذكر بما غفل عن مناقشته في السياق الذي سلط فيه نقده اللاذع لبعض الأطراف دون المس بمن يقابلهم ويضادهم من أطراف أخرى، الأمر الذي يشكل معضلة علمية في منهجية التعاطي والنقاش لأي ظاهرة سياسية أو اجتماعية. إن الموضوعية تقتضي مناقشة العوامل ولاسيما الرئيسة منها والفعالة في اطار تشابكها وتفاعلها وقربها وتضادها وتأثيراتها دون نقصان قدر الإمكان، حتى وإن كانت الانحيازات تجاه طرف دون آخر.

بشأن العنصر الخامس والأخير الذي تطرق إليه باقتضاب عن الكيفية التي تبدأ فيها الدولة بفقد عناصر استقلالها وبعض سيادتها بسبب التدخلات الخارجية، حيث قارب ذلك الأمر بأمثلة على أنظمة ومجتمعات وأحزاب محددة دون غيرها، بالتأكيد نتفق معه فيما أورده من أمثلة لكننا نضيف، بأن الدولة تفقد سيادتها أيضاً حين ترتضي وجود قواعد عسكرية أجنبية على أراضيها أيا كانت سواء لجهة روسيا أو الولايات المتحدة الأمريكية أو الإيرانية أو التركية أو غيرها.

الدول تفتقد سيادتها حتما ويصبح المواطن لا قيمة له حين تستعين بالخبرات الأجنبية لقمع شعوبها والبطش بهم سواء أكانت تلك الخبرات لأجهزة من كيان العدو الصهيوني أو من الولايات المتحدة الأمريكية أو الروسية أو الأوروبية أو التركية أو الإيرانية أو الباكستانية أو من أي خبرات عربية أخرى، وتحت ذارئع المحافظة على الأمن القومي. هنا يبرز السؤال بشأن المواطنة والحريات والحقوق وثقافة حقوق الإنسان.  

نتفق مع د.الرميحي فيما خلص إليه من أن "الدروس الأكيدة في نتاج الحروب الأهلية تؤكد حقيقتين؛ الأولى بمجرد نشوب الحرب الأهلية، فإن الأمور لا تعود أدراجها من جديد، وتفقد الدولة، حتى لو عادت استقلالها الحقيقي، والثاني أن أياً من الدول الخارجية التي تشارك في حرب أهلية بعيدة عنها تخرج بخفي حنين، أي خاسرة لا محالة. قد يطول الوقت لإنهاء الحروب الأهلية في منطقتنا، ولكن النتيجة (للعقلاء فقط) هي الدرسان السابقان!"، انتهى الاقتباس.

هذا بالطبع ينطبق على الجميع، وليس على مجتمع دون آخر، ليس على دولة دون أخرى.
تحياتنا للدكتور وقلمه النابض بالحيوية.

منى عباس فضل
المنامة-11 أغسطس 2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق