تعرفت عليه في مؤتمر لإطلاق الحركة العربية الديمقراطية الجديدة في العاصمة بيروت في أكتوبر 2002، عرفته ببساطته وتواضعه، بصوته الهادئ القوي وتماسكه بنهج المقاومة متشبثاً ومدافعاً شرساً عن القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني والعربي؛ عرفني عليه رفيق النضال الوطني الراحل عبد الرحمن النعيمي "سعيد سيف" الذي كانت تجمعه معه علاقة نضالية راقية.
توالت لقاءاتنا العابرة
في مؤتمرات وندوات أخرى عقدت في بيروت وعمان والبحرين وفي مناسبات فلسطينية ووطنية
وعربية أخرى؛ وكل الأحاديث التي جمعتنا عناوينها واحدة همومنا الوطنية والقضية
الفلسطينية وتحرير فلسطين ومقاومة التطبيع ومساندة المقاومة الفلسطينية وأهلها.
اليوم تَرجّل نائب الأمين العام السابق للجبهة
الشعبية لتحرير فلسطين اللواء داوود أحمد مراغة (أبو أحمد فؤاد)، رحل رحيل المناضلين الشامخين، بعد
أن أفنى حياته مدافعاً عن قضيته وشعبه الفلسطيني، ثابتاً على زناد المبادئ حتى آخر
رمق، وخلف لأجيالنا القادمة إرثاً وطنياً عروبياً نضالياً سيضيئ حتماً مسار دروبهم.
في سيرته؛ تقلد الرفيق
الراحل مسؤوليات عدة في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وشارك في بناء قدراتها
العسكرية والتنظيمية؛ وتولى قيادة القطاع الأوسط في الأردن
في أواخر ستينيات القرن الماضي، قبل انتقاله إلى لبنان بعد خروج المقاومة
الفلسطينية من الأردن، حيث قام ببناء قواعد عسكرية
تابعة للجبهة في جنوب لبنان، وأصبح مسؤولها العسكري، كما قاد عمليات عسكرية
لقواتها أثناء اجتياحي العدو الصهيوني جنوب لبنان عام 1978، والعاصمة بيروت عام
1982 وشارك كقائد عسكري ميداني في الملاحم
الأسطورية والمعارك البطولية التي خاضتها قوات الجبهة تحت قيادته أثناء الحصار وحين فتحت أبواب جهنم على بيروت التي كانت
تقصف بتواصل تحت المدافع وغارات طيران العدو.
كان الفقيد "أبو أحمد
فؤاد" محللاً سياسياً مرجعيته الفكر القومي والعروبي واليساري
الأممي الذي يرتكز على الفكر العلمي والإيمان بقضايا الشعوب التي تتطلع إلى الحرية
والعدالة والسيادة، فقد انتمى منذ شبابه إلى حركة القوميين
العرب، وانخرط في نشاطاتها السياسية والعسكرية في الأردن وفلسطين، واعتنق الفكر
الماركسي مع هزيمة 1967، وشارك رفيقه الراحل حكيم الثورة "جورج حبش"
وآخرين في تأسيس الجبهة الشعبية في نفس العام، كما مثلها في المحافل الدولية ونطق
باسمها واختير مسؤولاً للدائرة السياسية فيها ثم نائباً للأمين العام خلال المؤتمر
السابع للجبهة عام 2013.
يسجل للرفيق الراحل مشاركته في جولات متعددة من الحوار
الوطني الفلسطيني، ومساهمته في حوارات المصالحة في القاهرة في عامي 2017 و2021، فهو
الذي طالما اعتبر أن "الوحدة على قاعدة المقاومة المسلحة هي السبيل الأنسب
لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني"، وقد ظل متابعاً لتطورات النضال الفلسطيني والمقاومة
وحرب الإبادة التي ينفذها العدو الصهيوني على قطاع غزة حتى أواخر حياته ومن خلال حضوره ومشاركته
الفعالة في كلّ المحافل والمنابر العربية والدولية وكان آخرها
في فعاليات المؤتمر القومي العربي الثالث والثلاثون
في بيروت عام 2024 كل همه كان في إبراز
قضية فلسطين ومعاناة الشعب الفلسطيني ونصرة غزة وإسناد المقاومة رغم معاناته الصحية وظروف الشتات ومخاطرها وحتى
في الظروف العصيبة التي مرت بها القضية.
وفي هذه اللحظة الحزينة بألم الفقد، نستذكر للرفيق تواصله الدائم وحرصه
على متابعة أوضاعنا في البحرين وقضاياها واهتمامه بتوثيق العلاقة مع شعبنا بما
يدعم المقاومة الفلسطينية وصمودها وعلى قاعدة النضال العربي المشترك في مواجهة الاحتلال
وضد التطبيع مع كيان العدو الصهيوني ومشروعه العدواني الاستيطاني، والإيمان
بمركزية القضية الفلسطينية وعدالتها.
وإذ يحزننا اليوم ويبكينا هذا الرحيل لأبرز قادة الثورة الفلسطينية
ومقاومتها في هذا المنعطف التاريخي، وبعد مسيرة كفاحية حافلة؛ تميّزت بالصلابة
والمبدئية والتواضع والبذل والتضحيات والتي أفنى فيها المناضل القائد "أبو
أحمد فؤاد" عمره في خدمة فلسطين وشعبها وقضيتها، فأننا نتقدم للرفاق في
الجبهة الشعبية وإلى عائلة الرفيق وعموم أصدقائه ومحبيه؛ بخالص التعازي والمؤاساة.
المجد للمقاومة وعاشت فلسطين.
المنامة – 17 يناير 2025
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق