الخميس، 2 يناير 2025

ليس الحدث رياضياً بحتاً



منى عباس فضل

 

اليوم هو الثاني من العام الجديد المشتعل 2025، منذ طوفان الأقصى وحروب الإبادة في غزة وجنوب لبنان وضاحيته الجنوبية والمشاعر تختلط علينا، حزن وغصة يتمازج فيها الخاص بالعام، يتداخل فيها المحلي بالعربي بالإنساني الموجع ونحن نشاهد الكوارث ونتابعها ونعيش انعطافة التاريخ الصعبة والقاسية في أوطاننا التي فقدت سيادتها واستُبيحت فيها دماء شعوبنا العربية وأرواحها في ساحات الإبادة والقتل المتوحش.

كل ما يدور حولنا هائل وكارثي؛ أدمغتنا لم تعد تتحمل المزيد؛ نترقب بارقة الأمل وهي بعيدة المنال؛ في الأثناء؛ يأتي فريق منتخبنا الوطني البحريني لكرة القدم وبما يحققه من فوز تلو الفوز ويتأهل للنهائي في دوري كرة القدم الخليجية، تنتفض جماهير شباب الخليج العربي في الملاعب؛ تضج فيديوهات "اليوتيوب والتك توك" وغيرها في وسائل التواصل الاجتماعي، تضج بأهازيجهم وشيلاتهم واستعراض رقصاتهم الحماسية، ينغمس شباب البحرين في الحدث؛ تنقلهم الحافلات بالمئات إلى الكويت الشقيق لتشجيع المنتخب، فهم في "معركة كروية" وهم ليسو استثناء إذ معهم في ذلك عامة شباب الخليج.

يتبادلون عبارات التنافس "الرياضي" بعضها بروح رياضية مرحة تعبر عن محبة وتبادل رسائل سلام؛ وبعضها الآخر يضمر في ثناياه حصيلة ثقافة شعبية وسياسية مركبة ومعقدة يتم التعبير عن مكنوناتها بتلقائية في تشجيع الفرق الرياضية، ولا يمكن إغفال ما للشابات من نصيب في هذا الحضور والظهور المتميز؛ وقد طالتهم "الذهنية الذكورية" حتى من الأطفال المشجعين في الأستاذ الرياضي؛ يقول أحدهم:

-       بأن فريق الكويت خسر أمام البحرين في المباراة، لأن مشجعيه أغلبهم نساء؟! 

- لا تعليق!

للحقيقة المشهد يستحق الوقوف أمامه من اختصاصي علم الاجتماع والسياسة في الخليج؛ فهو يمثل ظاهرة اجتماعية سياسية اقتصادية بامتياز وإن بدت هذه الظاهرة؛ صوتية وعشوائية بمفارقاتها ودلالات مضامينها؛ لكن في جوهرها تعبيراً عن واقع تعيشيه شعوب هذه المجتمعات الاستهلاكية المضغوطة وكأنها في طنجرة طبخ بخارية، وبواقع فوارقها الطبقية وتفاهات الثقافة.

 يصدح صوت المعلقين الرياضيين وتحليلاتهم في الملاعب وبرامج الشاشات الفضائية ولقاءاتها كما تتنقل الميكرفونات الإعلامية بتنوعاتها الصحفية والتلفازية بين الشباب الخليجي المتحمس الغارق في المعارك الرياضية التي يخوضها، فالكأس هو الهدف النهائي وما بعده الطوفان!

وثمة أمر مهم، ليس الحدث رياضياً بحتاً، إذ في ذات التوقيت؛ نتابع ما يحدث في غزة وسوريا ولبنان والسودان.. إلخ؛ مسموح للشباب الخليجي التغني بالكرة وترديد أهازيجها ورفع أعلام الأوطان عالياً مع الكرة المدورة؛ بيد إن رفع علم فلسطين ممنوع، أو المطالبة بوقف مشاريع التطبيع مع كيان العدو الصهيوني أو التغني بما يوجع ويكشف قيح وقبح أوضاعنا العربية وما ترتكبه آلة الإبادة والتطهير العرقي الأمريكية الصهيونية في الأراضي المحتلة وغزة من مجازر وإبادة وتدمير وتصفية عرقية وحروب أهلية قائمة على الهوية..

من أسف، حالنا كحالهم لا نملك من أنفسنا إلا الهمس والتعبير المضمر عن القهر والذل وكما يقول "ميلان كونديرا":  "الإنسان كائن يسعى للوصول إلى نوع من التوازن، لذلك نراه يوازن ثقل السوء الذي يرهق كاهله، بوزن الحقد الذي يحمله.. من كتاب المقاومة بالحيلة لجيمس سكوت"؛ لا نقوى في هذا الطقس المشحون إلا على الانسياق وراء مشاعرنا المتحفزة حين يطرق إلى مسامعنا هذا اللحن الجميل والكلمات المعبرة التي تلامس شغاف قلوبنا وعقولنا فيما يتعلق بأوطاننا التي نعشق ونحب..

 "تبين عيني لك عيوني أنا وكل ما أملك فدا أرضك يا شوق إلى إذا أبعد يناديني يقول أنت عزيز الرأس وأهلك من أعز الناس.. يقول أنت بحريني يقول أنت بحريني. ألا يا ساحل البحرين، يا ريحة هلي الطيبين، أشمك طيب كل عمري، يا أغلى من نظير العين، يا دانة كل مداينها، أهي مني وأنا منها، يا شوق إلي إذا أبعد يناديني، إذا غربت أو شرقت، أشيلك حرزى يا الدانة، يا مركب في بحور الحب، خفق في صدري ربانه، وأنتي بالزمن نخلة، زرعها شعبنا كله، يا شوق إلى إذا أبعد يناديني...إلخ"...

عبارات أغنيتنا البحرينية المعبرة تمتزج بصدى ملاعب كرة القدم الخليجية، وهي تُبقي عقولنا مفتوحة على مصراعيها لما يحدث في أوطاننا من إخماد لحريات الرأي والتعبير، وللقوانين المقيدة والمكبلة لحرية الناس والمؤسسات، مفتوحة تراقب الفساد والبطالة التي يعاني منها شباب وشابات لا حول لهم ولا قوة، وللفقر الذي بدأ يتمدد ويرفع من مستويات الشرائح الدنيا للطبقة الوسطى، وإلى تردي خدمات الصحة والتعليم وارتفاع مستويات الضرائب والأعباء الملقاة على كاهل المواطنين مع ارتفاع مستويات المعيشة والتوحش المعولم؛...

ومع ذلك عام جديد عل الأمل يصحو فيه متجدداً بسواعد جيل الشباب والشابات نحو مستقبل أفضل لأجيالنا القادمة ولأوطاننا.


المنامة – 2 يناير 2025   


https://youtu.be/OIBbeqIdF8E?si=9WmSIcwlmgbeKBlc

رابط أغنية "تبين عيني"



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق