جاءت دعوة الأمم المتحدة للانضمام إليها في الاحتفال باليوم الدولي
للمرأة في الثامن من آذار/مارس 2025 وتحت شعار "الحقوق والمساواة والتمكين
لكافة النساء والفتيات"، لتطرح أسئلة مثيرة حول إشكاليات معقدة تمس جوهر المفاهيم
التي تتداولها وتزخر بها أدبياتها ومواثيقها؛ كالتمكين
والمساواة والحرية والعدالة ومناهضة العنف وغيرها الكثير مما حملنا راية الدفاع الحقوقي
عنه طيلة عقود؛ لم لا وقد أصبحت بعض المصطلحات والمفاهيم فضفاضة خاوية من مضامينها
ودلالاتها أمام ما يحدث في عالمنا المتوحش، فهل المطالبة بهذه الحقوق والمدافعة
عنها ونحن نعيش لحظة مجازر الإبادة الجماعية في غزة وما تناله الفلسطينيات منها هو
مجرد مخادعة للنفس ونفاق، وكليشيهات متداولة للمناسبات ليس إلا؟
تشير المنظمة العالمية في حملتها؛ بأن المراد من شعار هذا العام وبالذات؛
هو الدعوة إلى العمل على إجراءات من شأنها فتح الباب أمام المساواة في الحقوق
والقوة والفرص للجميع ومستقبل نسوي لا يختلف فيه أحد عن الركب؛ وتضيف: "بأن
جوهر هذه الرؤية تتمحور حول تمكين الجيل القادم وهم الشباب والشابات والفتيات
المراهقات باعتباره جيل التحفيز لتغيير دائم"؛ وهي ترى "بأن عام 2025
يشكل لحظة محورية من كونه يتزامن مع الذكرى الثلاثين "لإعلان منهاج عمل بكين"،
هذه الوثيقة التي تعد مخططاً تقدمياً وتأييداً على نطاق واسع لحقوق المرأة
والفتيات في كل أنحاء العالم، حيث تدفع قدمًا بأجندة المرأة من حيث الحماية
القانونية والوصول إلى الخدمات وإشراك الشباب والتغيير في المعايير الاجتماعية
والصور النمطية والأفكار العالقة في الماضي؛ داعية مجدداً إلى مخاطبة وسائل
الإعلام وقادة الشركات والحكومات وقادة المجتمع المدني والشباب وغيرهم من ذوي
النفوذ لاتخاذ الإجراءات
اللازمة لتحقيق تلك الغايات والاستثمار في تعزيز حقوق المرأة والمساواة بين
الجنسين، وقد اعتمدت لأجل نجاح حملتها هاشتاج/وسم "#ForAllWomenAndGirls"
لإثارة النقاش وإلهام العمل؛ ما يدعونا عنوة للسؤال عن موقع المرأة والفتاة الفلسطينية
بما تتعرض إليه من إبادة جماعية في هذه الحملة وما يرافقها من خطابات ودعوات؟
في وقائع الأرقام تفتخر المنظمة الأممية؛ بأنه وقبل عام 1995 لم يكن
هناك سوى "12" دولة لديها عقوبات قانونية ضد العنف المنزلي "وماذا
عن عنف الإبادة الجماعية والتطهير والتهجير للفلسطينيات؟!!"، أما اليوم فهناك
ما لا يقل عن "1583" تدبيراً تشريعياً يعمل به في أكثر من "193
دولة" بما في ذلك "354 تدبيراً" يستهدف العنف المنزلي على وجه
التحديد، وهناك "112 دولة" لديها خطط عمل وطنية بشأن المرأة والسلام
والأمن – وهي زياد كبيرة تبعاً لها من "19 دولة" فقط في عام 2010؛ كما
تنوه إلى قتل امرأة على يد أحد أفراد أسرتها كل عشر دقائق، وإنه إذا استمرت الأمور
على هذا النحو، فإن الفتاة المولودة اليوم ستبلغ من العمر 39 عاماً قبل أن تشغل
النساء عددًا من المقاعد في البرلمان مثل الرجال، وتضيف بأن الفجوة بين الجنسين في
المشاركة في القوة العاملة ظلت لمدة عشرين عامًا وهي لاتزال راكدة، وقد تضاعفت
نسبة النساء اللاتي قُتلن في الحرب في عام 2022، ورغم انتشار التقنيات الناشئة
بالمساواة إلا إنها تُستخدم كسلاح ضد النساء والفتيات، حيث يتحملن العبء الأشد من
أزمة المناح المتصاعدة.
في الحملة الترويجية للاحتفال بيوم المرأة العالمي؛ تشير المنظمة أيضاً
في موقعها الإلكتروني إلى إن "لجنة وضع المرأة" فيها سوف تجتمع في دورتها
التاسعة والستين؛ التي ستعقد في الفترة من 10-21 مارس/آذار في مقر الأمم المتحدة
في نيويورك، ومن وجهة نظرها؛ يشكل هذا اللقاء لحظة ثورية فارقة في مجال حقوق
المرأة والمساواة بين الجنسين؛ حيث سيتم استعراض موضوع المساواة بين الجنسين
وتمكين المرأة والتقدم المحرز في تنفيذ إعلان بكين ومنهاج العمل، وقد سجلت المنظمة
في رسالتها لهذا اليوم ارتفاع أعداد الفتيات الدارسات في المدارس منوهة بإن بلدانًا كثيرة تجرّم العنف المنزلي، وبالتالي
فهناك موجة جديدة تتصاعد من النشاط الشجاع بقيادة الشباب في جميع أنحاء العالم، هكذا
ترى، وبرغم اعترافها بأن التقدم سيظل بطيئاً وغير متساوٍ وهشاً مقارنة بالجهود
المبذولة؛ بالمناسبة أغلب حكومات الدول العربية أعلنت متباهية بأنها ستشارك رسمياً
في هذا اللقاء؛ يا ترى ما الذي سيقولونه عما حدث ويحدث من إبادة جماعية وتطهير عرقي
وتهجير في غزة وآراضي الاحتلال الإسرائيلي وسجونه للنساء والفتيات الفلسطينيات؟ صدقاً،
لا أظن إنهم سيحركون ساكناً لا من بعيد ولا قريب وهذا ديدنهم من أسف!
ماذا يعني ذلك بالنسبة إلينا كمدافعات عن حقوق
النساء وتمكينهن في كل المواقع ولجيل الفتيات اليافعات من حولنا؟
ختاماً، نتفق مع ما ذهبت إلية المقررة الأممية السالم : "بأن
الشعارات لم تعد كافية إزاء مستوى جرائم القتل والإبادة والعنف في فلسطين
"غزة والضفة" وجنوب لبنان والضاحية"، خصوصاً حين تشدد على أهمية
اعتماد مصطلح "العنف الإنجابي الإبادي"(genocidal reproductive
violence) لتعريف حقيقية ما يحدث في غزة وبما يتجاوز أي
عنف شهدناه في تاريخنا البشري الحديث؛ ففي الأخير ترفع الأمم المتحدة شعارات
التمكين والمساواة وتقود الحملات لتحقيق التقدم؛ وتحدثنا عن مظلومية النساء
النابعة من فرط أبوية ثقافتنا السائدة في مجتمعاتنا المحلية وتطعن في بعض عاداتنا
وتقاليدنا، وقد يكون لها الحق في جوانب معينة، لكنها في نفس الوقت لا تفكك لنا حدود
المعايير الفكرية والسياسية الكامنة وراء ذلك؛ ولا تكشف لنا وتحاورنا حول إن من
يطالبنا بالتغيير والديمقراطية والتمكين من أجل العدالة والمساواة؛ ليس من أجل
سواد عيوننا وإنما تحقيقاً لمآرب تتشابك فيها سياقات مشاريع السيطرة والإخضاع لأكثر بلداننا العربية وعلى مستويات تفقدها السيادة والكرامة وحرية الإرادة.
تحية محبة وإجلال لتضحيات نساء لبنان وفلسطين البحرين
وكل بلداننا العربية!
المنامة - 8 مارس 2025
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق