دعونا نصارح بعضنا البعض وبشفافية؛ ما أدخل
القضية الشائكة في أبعادها الحالية وتأثيراتها إلى دائرة ردود الأفعال المتباينة
هو "إشكالية التجنيس" الذي حدث منذ عقدين وانعكس سلبًا بهذا الشكل أو
ذاك على تحميل المرأة البحرينية تداعيات هذه المعضلة واستمرار الانتقاص من مواطنتها
والاعتراف "بحقها في نقل جنسيتها إلى أبنائها" ففي الأخير هي من تتحمل
نتائج وزر هذا الحرمان واستمراره في الوقت الذي يتمكن فيه الرجل الحاصل على
الجنسية البحرينية من نقل جنسيته إلى زوجته غير البحرينية وإلى أبنائه وبناته تبعًا
لمقتضيات قانون الجنسية البحريني.
المساواة حق أصيل
وعليه؛ مهما يحدث من تأجيل في معالجة هذه القضية، فهذا الحق، يعد حق أصيل من حقوق المساواة ومرتكزًا أساسيًا من مرتكزات تحقيق أهداف التنمية المستدامة الـ "SDGs"، كما لا يغيب عن البال بأن تسعة من هذه الأهداف التي تسعى الدولة إلى تحقيقها لها علاقة مباشرة "بحقوق الجنسية المتساوية" وهي "1، 2، 3، 4، 5، 8، 10، 11، 16"، حيث يجمع خبراء التنمية بإن مشاركة أفراد المجتمع تعد شرطًا أساسيًا لتحقيق التنمية المستدامة في المجتمعات؛ ولهذا من المهم السماح للأطفال عامة بالحصول على جنسيات أمهاتهم، الأمر الذي يعزز من فرصتهم في الوصول إلى التعليم والعمل والسكن والرعاية والصحة وممارسة كافة حقوق المواطنة، كما يلغي الضغط النفسي عن من يعاني ويجاهد منهم في الحصول على هذه الحقوق، ويقلل من الآثار الضارة على صحتهم وحالتهم المعيشية والنفسية.
تنشط الجهات المدافعة عن حق الأم البحرينية منح
جنسيتها إلى أبنائها وعلى رأسها "الاتحاد النسائي البحريني"، مطالبة بإزالة
التمييز من خلال تعديل المادة "الرابعة" من قانون الجنسية المعمول به
منذ عام 1963 وبما يتضمنه من تعديلات، وهو الذي يكرس التمييز القائم على النوع
الاجتماعي في هذا الحق، لم لا وقد حظيت المرأة باهتمام بالغ في المواثيق الدولية
بما يكفل لها معاملة متساوية مع الرجل في نقل الجنسية إلى أبنائها مقارنة بما
تعانيه من تمييز في أغلب التشريعات الوطنية، فهي تتمتع بحقوق الإنسان المعترف بها
دوليًا دون استثناء، إضافة إلى تمتعها بعدد من الحقوق التي فرضها الواقع الاجتماعي،
ومن المهم الإشارة إلى المعاملة التفضيلية التي شدد عليها "النص الدستوري البحريني
وميثاق العمل الوطني" على مبدأ المساواة وسن التشريعات الخاصة بحماية الأسرة
وأفرادها وبما ويتماشى
والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان وبالمساواة بين الجنسين؛ ما يعني أن أي تشريع يُعتمد محليًا ويتسم "بالتمييز" في الحقوق والواجبات بين المواطنين على أساس الجنس، يعد تشريعًا مخالفًا للدستور،
ويتوجب إلغاؤه استنادًا إلى ما سبق.
التباس التدابير المؤقتة
في شأن ما سبق، تردد الحديث كثيرًا في وسائل الإعلام وعند مناقشة "تقرير السيداو الرابع" عن المتحقق من تطور وحلول قامت بها الدولة من خلال مجموعة من المبادرات التي جاءت لصالح "الأمهات البحرينيات المتزوجات من أجانب". ولإبراز الاهتمام بهذه القضية المعقدة؛ قيل بإن "المجلس الأعلى للمرأة" يتابع هذا الملف من خلال "لجنة مشتركة" بينه وبين "الديوان الملكي" و"وزارة الداخلية"؛ وإن الدولة منحت خلال عشر سنوات ما لا يقل عن 4000 جنسية، وصدر قانون (22) لسنة 2017 بتعديل مادة من القانون (74) لسنة 2006 لأبناء المتضررات من ذوي الإعاقة، ويمكن لهؤلاء الأمهات الاستفادة من صندوق النفقة شريطة إقامة أسرتهن الدائمة حيث يتم تنفيذ الإجراء تبعاً لتقدير الصندوق لظروف كل حالة على حده، فيما صدر قرار لوزير الداخلية برقم (24) لسنة 2022 بشأن تأشيرة الدخول ورخصة الإقامة العائلية "الإقامة الذهبية"، إلى جانب الحديث الدائم عن معاملة هؤلاء الأبناء كالبحريني في رسوم الصحة وإعفاءات من رسوم التعليم والإقامة استنادًا إلى القانون رقم (35) لسنة 2009، وعن تيسير منحهم تأشيرة دخول ولغير المقيمين منهم إقامة ميسرة وتسهيل إجراءات إصدار وثيقة سفر محددة المدة لأبنائهم للدراسة أو العلاج؛ وهنا يستوجب طرح التساؤلات عن مدى فاعلية وجدوى هذه المبادرات والحلول المؤقتة؟.
من خلال الرصد البياني، وجدنا إن عدد الأمهات المتضررات من التمييز في قانون الجنسية في سجل "الاتحاد النسائي البحريني" قد ارتفع من 2017 ولغاية 2025 من "444 إلى 1263" حالة بنسبة زيادة قدرها 285%، وتبين دراسة سابقة بأنه ما لا يقل عن نسبة "75%" منهن تقدمن بطلب الحصول على الجنسية لأبنائهن من شئون الجنسية والجوازات والإقامة فضلاً عن المجلس الأعلى للمرأة، كما تبين إن لدى هؤلاء الأمهات من الأبناء والبنات وتبعًا لما أدلو به من معلومات أنهن أمهات إلى ما لا يقل عن عدد "3,537" ابن وابنة يعني "بدون جنسية أو هوية"، وإن أغلب أزواجهن ينتمون إلى بلدان يسودها الاضطرابات والحروب وعدم الاستقرار ما يعني رغبتهم الشديدة للإقامة الدائمة في البلاد حيث يأملون في الأمن والاستقرار الاجتماعي والنفسي.
في حقيقة الأمر، ورغم أهميّة "التدابير المؤقتة" وضرورتها؛ إلا إنها لا تحل المشكلة جذريًا، وتطبيقها يعتمد الانتقائيّة كمنهج وهي تفتقد للمعايير العلميّة والمقاييس في تجزئتها للمشكلات بل وتخلق الالتباس والتشويش حول بعض الممارسات، فشواهد وضع الحالات وشكواهم المستمرة تعكس في جانب منها؛ حالة من التضليل بين المعلن عنه وبين تضخيم هذه التدابير مقابل تصغير لتأثيرات المعاناة الذهنية والنفسية والاجتماعية للأمهات والأبناء، إن شهادات الحالات التي استقبلها "الاتحاد النسائي البحريني" أو ما تضج به المؤتمرات والملتقيات المحلية والخارجية من شكاوى ومآسي؛ تكشف عمليًا وفعليًا بأن الأمهات المتزوجات من أجانب يواجهن مصاعب وإجراءات مضنية في مسار تتبع وتنفيذ التدابير المؤقتة، سواء في الحصول على قرض أو سكن من الإسكان، أو عند التقدم بطلب لإقامة أبنائهم ما فوق 21 عامًا المرهونة بحصولهم على عمل وكفالة جهة محددة، أو عدم حصول بعضهم على بطاقات شخصية لإنجاز معاملاتهم في الصحة والعمل ومواجهة بعض المشكلات عند إدخال أبنائهم للعلاج في قسم الطوارئ وكل هذه المعاناة وتلك تزداد في حالة طلاق الزوجة أو هجرها.. إلخ. تتحدث إحدى الأمهات باسم "um7amza76" تعليقًا على خبر نشر على حساب "انستغرام الاتحاد النسائي البحريني" قائلة:
- "ليتنا نحصل على حل
بأسرع وقت، أنا أم بحرينية، وأولادي يدرسون في الخارج حالهم حال أي طالب بحريني،
لكن عند تجديد الإقامة في البداية يتم الرفض، قالوا لي: ولدج "ابنك"
مقيم خارج البحرين أكثر من 6 شهور. قلت لهم: لا. هو يخلص الفصل ويرجع إلى البحرين،
الفصل 3 شهور ونص، والصيف 5 أشهر في البحرين، طلع إنهم حاسبين أيام الدراسة إضافة
لأيام الترانزيت إيلي يستخدم عشان يوصل مكان دراسته وأقل من أسبوع سافر فيه
للإجازة، وحاولت معاهم، وقدمت إثبات إنه يدرس بره "خارج" مثل أي طالب
بحريني، ليش القسوة لعيال أم البحرينيات "تقصد المتزوجات من أجانب"، أو
بالأصح عقاب وإلى درجة عدم الموافقة على تجديد الإقامة، يعني ولدي ما يرجع
البحرين؟!، وأنزين وين يروح؟ لهالدرجة عظيم الجرم الزواج من أجنبي، إنه ولد
البحرينية ما يقدر يسافر، ولين وافقوا بعد محاولات..."أشكره هددوا:
"تحملي إنه ولدج يقعد بره البحرين أكثر من 6 أشهر خلال السنتين..."!
الاستقرار
الأسري للمرأة
هذه الشكوى وغيرها
المئات، تلفت النظر للتوقف عند إعلان "المجلس الأعلى للمرأة"، مؤخرًا
وفي مؤتمر اعلامي صحفي عن أولوية مجالات الخطة الوطنية لنهوض المرأة البحرينية
للفترة (2025-2026) أي خلال عام واحد، والتي تركز على أربع محاور بمبادراتها
ومؤشراتها المتعلقة بصنع واتخاذ القرار والمشاركة الاقتصاديّة وجودة الحياة؛ في
الحقيقة ثمة ما يستدعى التوقف عند هذا الإعلان وإثارة السؤال حول أهم أولوياته
المتمثلة في "تأمين الاستقرار الأسري للمرأة" من خلال مواصلة تطوير
منظومة التشريعات وسياسات الحماية الاجتماعيّة ونشر الثقافة القانونيّة والتوعية
الأسريّة وذلك لأهميّة تعزيز دور المرأة في الأسرة والمجتمع والحفاظ على القيم
والثوابت والهوية الوطنية"، عن مدى الجدية في تحقيق المبادرات والوعود المتعلقة
بحل ملف "الجنسية" وعن مدى مطابقة المعلن عنه بحقيقة واقع ومعاناة حال
الأمهات مع أبنائهن المعلقة لأكثر من عشر سنوات حيث يرزح "مقترح تعديل قانون
الجنسية" منذ 2014 للتداول، السؤال: هل سنشهد قريبًا تغيير نوعي في الموقف
الرسمي تجاه منح المرأة البحرينية "حق" نقل جنسيتها لأبنائها تحقيقًا لتأمين
الاستقرار الأسري لها كما نص الدستور وكما كفلته المواثيق الدولية وكما يعدون بتحقيقه في المحافل الدولية والإعلام؟
خلاصة الأمر، المراوحة والتأجيل في البرلمان هو سيد الموقف، والمطلوب يتعلق بتعديل المادة (4-أ) من "قانون الجنسية" بنص اقترحه "الاتحاد النسائي البحريني" كجهة مدافعة عن هذا الحق ومطالبة به: "يعتبر الشخص بحرينيًا إذا ولد في البحرين أو خارجها وكان أباه بحرينيًا أو أمه بحرينية عند الولادة"، وإضافة الفقرة (ج) للمادة (4) لمعالجة وضع الأبناء ممن ولدوا قبل تاريخ العمل بتعديل القانون بحيث تنص على إنه "يحق للأبناء الذين ولدوا لأم بحرينية وأب غير بحريني قبل تاريخ العمل بتعديل القانون، الحق في إعلان رغبتهم في التمتع بالجنسية لوزير الداخلية ويعتبرون بحرينيين ويصدر قرار بذلك من الوزير أو بالقضاء مدة سنة من تاريخ الإعلان دون صدور قرار مسبب بالرفض"، تماماً كما طالبت به أيضاً لجنة "السيداو" وأصرت على وضع جدول زمني لاعتماد تعديل المادة من القانون.
المنامة – 18 مايو 2025
* المقال مضمون لندوة قدمتها الكاتبة في الجمعية
البحرينية لحقوق الإنسان بعنوان "اللامساواة في حق الأم البحرينية منح
جنسيتها إلى أبنائها" بتاريخ 14 مايو 2025، إضافة إلى بعض ما تم تداوله في المناقشات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق