منى عباس فضل
بعد حالة تقشفيّة ناشفة من التواصل بين
المنظمات النسائيّة والمجلس الأعلى للمرأة المعني "بالاستراتيجيّة الوطنيّة
للنهوض بالمرأة البحرينية" وتمكينها ومساواتها، طالعتنا مؤخرًا وسائل الإعلام
المحلّي والتواصل الاجتماعي؛ بفيديوهات ترويجيّة لإحياء فكرة "العلاقة
التشاركيّة التشاوريّة" من خلال توقيع "مذكرة تفاهم" وعقد لقاءات بين
الأعلى وبعض هذه المنظمات ومن يمثلها.
في حقيقة الأمر؛ حسنًا يبدو هذا المشهد؛ بيد
إنه غريب ويثير التساؤل؛ فقد مضى زمن اكتفى فيه الأعلى بالترويج "للاستراتيجيّة
الوطنيّة" وما يعلنه ويتداوله من خطاب يغلب عليه لغة الإنجازات وترديد
المصطلحات والمفاهيم المتداولة بكثافة والتي تحمل عناوين "كالتمكين، والتوازن
بين الجنسين، وتكافؤ الفرص" وغيرها الكثير إلى جانب ما يرى إنه حققه من
إنجازات ومكاسب على مستوى حقوق النساء والفتيات البحرينيّات.
فتور وأبويّة
ثمة وجه آخر للمشهد يمور في العمق ويعبر عن
حقيقة مغايرة وإن لم يُفصح عنها؛ فعند العودة للوراء والتغلغل في العمق؛ نجد إن العلاقة
بين الطرفين -أي المجلس الأعلى للمرأة والجمعيات النسائية- لطالما اتسمت بشيء من
الفتور والأبويّة فيما سادتها الندب التي رسمت حدود فاصلة لتلك العلاقة ومعاييّرها
على مدى ثلاث عقود ومن طرف واحد هو الذي يخطط وينفذ ويملئ التعليمات؛ فكل هذا وذاك
لا يمكنه إذابة الجليد المتراكم؛ لاسيما وإن عبء التجربة قاسٍ ومقلقٍ؛ فقد كابدت "الحركة
النسائيّة البحرينية بمنظماتها" الصعاب والمعيقات وهي تحمل تقاريرها الدورية وتستعرضها
أمام المحافل الدوليّة لتناقش واقع المرأة البحرينية وما تتعرض إليه من تمييز وانتقاص
لبعض الحقوق بسبب النواقص والخلل في التشريعات والقوانين التي تقف حائلاً إزاء تحقيق
"المساواة" الفعليّة للنساء والفتيات؛ في مقابل سرديّة تركز حديثها عن
الإنجازات والمكتسبات بتضخم وأطناب وفي الوقت الذي تطالب فيه المنظمات النسائية وبشدة،
بالدعم وتخفيف القيود وبعلاقة قائمة على التشاور والتبادل بينها وبين المجلس
الأعلى للمرأة.
على المستوى السطحي، ما يحدث اليوم في هذا
المشهد ليس صدفة، ولا يمكن فهم واستيعاب هذا التقارب والصحوة المفاجئة في التواصل؛
دون تدوير أسئلة متعدّدة تتبادر للذهن ولا يمكن إغفالها؛ لماذا "مذكرة
التفاهم" الآن؟ ما مضمونها؟ وكيف ستنفذ؟ وماذا بعد هذه اللقاءات؟ ما المطلوب
من الحركة النسائيّة البحرينية؟
كلفة اللقاءات
إن كلفة هذه "اللقاءات وتوقيع مذكرة
التفاهم" بين هذه الأطراف، كلفة عاليّة تدفع أثمانها المنظمات النسويّة إذا
ما افتقدت إلى الجديّة والعمل الحقيقي؛ وهي التي تشتكي الحال دائمًا من الخلل
والقصور في العلاقة التشاركيّة حيث "حجب المعلومات والبيانات والتهميش وانعدام
التشاور والمساءلة بل والتضيق عليها في إنفاذ بعض برامجها ومشروعاتها"؛ أمَا
في حسابات "المنظمات الدوليّة" فهي استجابة لمتطلبات طالما طالبت بها الدول
الأعضاء داعيّة لهم إلى تعديل أوضاع علاقتهم مع "مؤسسات المجتمع المدني"
ومنها "المنظمات النسائيّة" بما يحقق أهداف التنميّة المستدامة لاسيما
وهم بالنسبة لها ركنًا رئيسيًا في هذه التنميّة.
لا شك أن هذا الانفتاح بين المؤسسة الرسميّة
والأهليّة خطوة محمودة؛ وقد جاءت استجابة إلى ما تم تداوله ومناقشته في اجتماع "لجنة
وضع المرأة" في دورتها التاسعة والستين في 21 مارس الماضي، حين تم استعراض قضايا
المساواة والتمكين بعد مرور 30 عامًا من "إعلان منهاج بيجين"؛ هذا
الإعلان الذي وضع خارطة الطريق لتمكين المرأة، حيث تركز نقاش اللجنة والوفود
الرسميّة للدول الأعضاء ومنهم طبعاً البحرين التي قدمت تقريرها، على تقييم ما تم تنفيذه
والتحديّات التي تؤثر على تحقيق المساواة بين الجنسين وبما يحقق خطة التنميّة
المستدامة لعام 2030، وحث الحكومات على الشروع في مباشرة العمل وصياغة التشريعات
لتقويّة الوعي العام بغية تعزيز حقوق المرأة وتحقيق التنميّة المستدامة؛ وإلغاء
قوانين الخصخصة التي زادت من حدة الفقر وتعميق حالة عدم التكافؤ.
حقوق المرأة تحت الحصار
الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو
غوتيريش" أكد في هذا الاجتماع: "بأن النساء حطمن الحواجز وكسرن الأسقف
الزجاجيّة، وأعدن تشكيل المجتمعات، فالمزيد من الفتيات دخلن المدارس، والمزيد من
النساء شغلن مناصب السلطة، وإن النشاط الرقمي قد أشعل حركات عالميّة من أجل
العدالة، وإن حقوق المرأة هي حقوق إنسان، لكنه اعترف بأن هذه الحقوق لا تزال "تحت الحصار" والمكاسب
المتحققة هشة وغير كافية، وإن سمّ النظام الذكوري قد عاد محملاً بالانتقام؛"
وأضاف: "بإن المساواة للجميع مهمة طويلة الأمد وهي بعد ثلاثة عقود تبدو أبعد
مما كنا نتخيل؛ وإن الوقت قد حان للعالم لتسريع التقدم والوفاء بوعد بيجين؛ كما إن
الفجوات هائلة، والأهوال القديمة مثل العنف والتمييز وعدم المساواة الاقتصادية
متفشيّة؛ منها فجوة الأجور التي تبلغ "20%" بين الجنسين وتعرض واحدة من
كل ثلاث نساء للعنف عالميًا، وكل عشر دقائق، تُقتل امرأة على يد شريكها أو أحد
أفراد أسرتها، وتعيش "612" مليون امرأة وفتاة في ظل الصراعات المسلحة؛ ويؤكد
بأنه وبهذا المعدل فأن القضاء على الفقر المدقع للنساء والفتيات سيستغرق 130 عامًا"،
وأختتم "بأن حقوق المرأة تتعرض للهجوم، والأدوات الرقميّة تعمل على إسكان
أصوات النساء، وتضخيم التحيز وتأجيج المضايقات، وأصبحت أجساد النساء ساحات للمعارك
السياسيّة، حيث يتصاعد العنف عبر الإنترنت إلى عنف في الحياة الواقعيّة، كما نشهد
تعميمًا للتعصب وكراهية النساء.
لا قيمة للكلمات بدون
عمل
أما المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة
للمرأة "سيما بحوث" أكدت من جهتها: "بأنه لا قيمة للكلمات بدون
عمل، وإن هناك حاجة ملحة إلى تعزيز المساواة بين الجنسين"؛ فيما شدد
"فيليمون يانغ" رئيس الجمعيّة العامة للأمم المتحدة في كلمته على أهميّة
"أن تحقيق المساواة بين الجنسين يتطلب توفير قدر أعظم من الموارد، وتشريعات
وسياسات حاسمة، وتفكيك للمعايير التمييزيّة، والإصلاحات المؤسسيّة، وإن المساواة
تتطلب التزامًا ثابتًا بتسخير التعدديّة لدعم وتعزيز المساواة بين الجنسين، وهذا
يتطلب التزام حقيقي وإرادة.. إلخ"، بدوره دعا الأمين العام "غوتيريش"
إلى تجديد الالتزام بإعلان بيجين والوقوف بحزم كي نجعل "وعد الحقوق والمساواة
والتمكين" حقيقة واقعة لكل امرأة وفتاة حول العالم من خلال أربع خطوات لخصها
كالتالي:
الأولى؛ تعزيز التمويل المستدام للتنميّة المستدامة حيث يرسم "ميثاق
المستقبل" الذي اتفق عليه العام الماضي، خطوات جريئة إلى الأمام.
الثانية؛ تكثيف الدعم للمنظمات النسائيّة، لأنها تلعب دورًا حيويًا
في المساءلة وفي دفع التقدم والدفاع عن الحقوق وضمان سماع أصوات النساء والفتيات
ومصالحهن.
الثالثة؛ اتخاذ إجراءات بشأن التكنولوجيا، حيث يلتزم "الميثاق
الرقمي العالمي" باتخاذ إجراءات من أجل النساء والفتيات لتشجيع قيادتهن
ولتصحيح البيانات المتحيزة جنسيًا.
الرابعة؛ ضمان المشاركة الكاملة والمتساويّة والفعّالة للمرأة في
بناء السلام؛ فضلاً عن اتخاذ الإجراءات الضامنة لمشاركتها بشكل كامل ومتساوٍ وفعالٍ
وقيادتها في صنع القرار على كافة المستويات وفي جميع مناحي الحياة.
وعليه ماذا نستنتج؟
نستنتج بأن تكثيف دعم "المنظمات النسائيّة"
التي يرتكز دورها الحيوي على الدفاع عن الحقوق وضمان سماع أصوات النساء والفتيات
والأهم المساءلة؛ يمثل مرتكزًا مهمًا وحيويًا في تجديد التزام الدول الأعضاء ومنها
البحرين "بمنهاج بيجين" وللوصول إلى تحقيق شعارات "التمكين
والمساواة وتكافؤ الفرص" الذي يرفعها المجلس الأعلى للمرأة في خطاباته وفي "الاستراتيجية
الوطنية للنهوض بالمرأة"؛ الأمر الذي يثير التساؤل عن مستوجبات ومستحقات
الفترة القادمة؛ فما تم تداوله في اجتماع "لجنة وضع المرأة" في دورتها
التاسعة والستين الشهر الماضي، حيث قدم الجانب الرسمي والأهلي تقاريرهما بشان الإنجازات
والخلل؛ لهو في غاية الوضوح والعمل على تحقيقه لا يتطلب سوى الجديّة والإرادة القويّة
والقرار الحكيم في إرساء "علاقة تشاركيّة حقيقية" قائمة على التشاور
والتبادل والتكامل الفعلي بعيدًا عن ترديد الشعارات وبهرجة الإعلام المظهري؛ ويمكن
تلخيصها في الآتي.
خلاصة
أن يتوافر الجانب الرسمي على الجديّة في إعادة طرح التعديلات التي
تطالب بها الحركة النسائيّة البحرينيّة والمتعلقة بالمواد التمييزيّة في "قانون
أحكام الأسرة" وإعطاء ذلك أولوية طرحه أمام السلطة التشريعيّة لمناقشة بنود الميراث والحضانة المشتركة والطلاق والخلع،
ورفع الحد الأدنى لسن زواج الفتيات وتعدّد الزوجات..إلخ؛ وبما
يحقق العدالة والإنصاف والمساواة للنساء.
كذلك تعديل "قانون الجنسيّة" بما يمنح المرأة البحرينية حق نقل
جنسيتها لأبنائها؛ و"قانون الحمايّة من العنف الأسري" وتوفير البيانات
والإحصاءات الرقميّة المتعلقة بالعنف ضد النساء والفتيات وكل ما يتعلق بحقوقهن؛ وفك
القيود والتضيق على منظمات المجتمع المدني وتقويض وصول المرأة إلى مراكز صنع
القرار بسبب المادة "43" في قانون الجمعيّات الأهليّة التي تحرم الناشطين
والناشطات من الترشح لعضويّة مجالس إدارة مؤسسات المجتمع المدني بسبب عضويتهم
السابقة في جمعيات سياسيّة منحلة، فهذه المادة تخالف الدستور والاتفاقيّات
والمعاهدات الدوليّة، وقد أثرت سلبًا على انتخابات الاتحاد النسائي البحريني وجمعيتي
نهضة فتاة البحرين، وأوال النسائية، إلى جانب مراجعة
قوانين الضمان الاجتماعي وتعديلها بما يوفر الحماية الاجتماعية للفئات الهشة من
المجتمع ومنهن النساء ربات البيوت ومن فقدن أعمالهن، والتغطيّة الاجتماعيّة
للعاملين في "القطاع غير المنظم" و"المشاريع الخاصة الصغيرة"
ممن يفقدن الحمايّة الاجتماعيّة والامتيازات الوظيفيّة.. فضلاً عن اعتماد الموارد
الكافيّة للتدريب والخدمات وغيرها الكثير الكثير؛ إن في هذا تحدٍ كبير واختبار صعب
لنجاح الإرادات!
المنامة – 23 أبريل 2025
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق