الجمعة، 17 يناير 2025

وداعاً للقائد "أبو أحمد فؤاد"

 


 
منى عباس فضل

تعرفت عليه في مؤتمر لإطلاق الحركة العربية الديمقراطية الجديدة في العاصمة بيروت في أكتوبر 2002، عرفته ببساطته وتواضعه، بصوته الهادئ القوي وتماسكه بنهج المقاومة متشبثاً ومدافعاً شرساً عن القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني والعربي؛ عرفني عليه رفيق النضال الوطني الراحل عبد الرحمن النعيمي "سعيد سيف" الذي كانت تجمعه معه علاقة نضالية راقية.


توالت لقاءاتنا العابرة في مؤتمرات وندوات أخرى عقدت في بيروت وعمان والبحرين وفي مناسبات فلسطينية ووطنية وعربية أخرى؛ وكل الأحاديث التي جمعتنا عناوينها واحدة همومنا الوطنية والقضية الفلسطينية وتحرير فلسطين ومقاومة التطبيع ومساندة المقاومة الفلسطينية وأهلها.  

 

اليوم تَرجّل نائب الأمين العام السابق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين اللواء داوود أحمد مراغة (أبو أحمد فؤادرحل رحيل المناضلين الشامخين، بعد أن أفنى حياته مدافعاً عن قضيته وشعبه الفلسطيني، ثابتاً على زناد المبادئ حتى آخر رمق، وخلف لأجيالنا القادمة إرثاً وطنياً عروبياً نضالياً سيضيئ حتماً مسار دروبهم.

 

في سيرته؛ تقلد الرفيق الراحل مسؤوليات عدة في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وشارك في بناء قدراتها العسكرية والتنظيمية؛ وتولى قيادة القطاع الأوسط في الأردن في أواخر ستينيات القرن الماضي، قبل انتقاله إلى لبنان بعد خروج المقاومة الفلسطينية من الأردن، حيث قام ببناء قواعد عسكرية تابعة للجبهة في جنوب لبنان، وأصبح مسؤولها العسكري، كما قاد عمليات عسكرية لقواتها أثناء اجتياحي العدو الصهيوني جنوب لبنان عام 1978، والعاصمة بيروت عام 1982 وشارك كقائد عسكري ميداني في الملاحم الأسطورية والمعارك البطولية التي خاضتها قوات الجبهة تحت قيادته أثناء الحصار وحين فتحت أبواب جهنم على بيروت التي كانت تقصف بتواصل تحت المدافع وغارات طيران العدو.

 

كان الفقيد "أبو أحمد فؤاد" محللاً سياسياً مرجعيته الفكر القومي والعروبي واليساري الأممي الذي يرتكز على الفكر العلمي والإيمان بقضايا الشعوب التي تتطلع إلى الحرية والعدالة والسيادة، فقد انتمى منذ شبابه إلى حركة القوميين العرب، وانخرط في نشاطاتها السياسية والعسكرية في الأردن وفلسطين، واعتنق الفكر الماركسي مع هزيمة 1967، وشارك رفيقه الراحل حكيم الثورة "جورج حبش" وآخرين في تأسيس الجبهة الشعبية في نفس العام، كما مثلها في المحافل الدولية ونطق باسمها واختير مسؤولاً للدائرة السياسية فيها ثم نائباً للأمين العام خلال المؤتمر السابع للجبهة عام 2013.

 

يسجل للرفيق الراحل مشاركته في جولات متعددة من الحوار الوطني الفلسطيني، ومساهمته في حوارات المصالحة في القاهرة في عامي 2017 و2021، فهو الذي طالما اعتبر أن "الوحدة على قاعدة المقاومة المسلحة هي السبيل الأنسب لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني"، وقد ظل متابعاً لتطورات النضال الفلسطيني والمقاومة وحرب الإبادة التي ينفذها العدو الصهيوني على قطاع غزة حتى أواخر حياته  ومن خلال حضوره ومشاركته الفعالة في كلّ المحافل والمنابر العربية والدولية وكان آخرها في فعاليات المؤتمر القومي العربي الثالث والثلاثون في بيروت عام 2024 كل همه كان في إبراز قضية فلسطين ومعاناة الشعب الفلسطيني ونصرة غزة وإسناد المقاومة رغم معاناته الصحية وظروف الشتات ومخاطرها وحتى في الظروف العصيبة التي مرت بها القضية.

 

وفي هذه اللحظة الحزينة بألم الفقد، نستذكر للرفيق تواصله الدائم وحرصه على متابعة أوضاعنا في البحرين وقضاياها واهتمامه بتوثيق العلاقة مع شعبنا بما يدعم المقاومة الفلسطينية وصمودها وعلى قاعدة النضال العربي المشترك في مواجهة الاحتلال وضد التطبيع مع كيان العدو الصهيوني ومشروعه العدواني الاستيطاني، والإيمان بمركزية القضية الفلسطينية وعدالتها.


وإذ يحزننا اليوم ويبكينا هذا الرحيل لأبرز قادة الثورة الفلسطينية ومقاومتها في هذا المنعطف التاريخي، وبعد مسيرة كفاحية حافلة؛ تميّزت بالصلابة والمبدئية والتواضع والبذل والتضحيات والتي أفنى فيها المناضل القائد "أبو أحمد فؤاد" عمره في خدمة فلسطين وشعبها وقضيتها، فأننا نتقدم للرفاق في الجبهة الشعبية وإلى عائلة الرفيق وعموم أصدقائه ومحبيه؛ بخالص التعازي والمؤاساة.

المجد للمقاومة وعاشت فلسطين.


المنامة – 17 يناير 2025

الخميس، 2 يناير 2025

ليس الحدث رياضياً بحتاً



منى عباس فضل

 

اليوم هو الثاني من العام الجديد المشتعل 2025، منذ طوفان الأقصى وحروب الإبادة في غزة وجنوب لبنان وضاحيته الجنوبية والمشاعر تختلط علينا، حزن وغصة يتمازج فيها الخاص بالعام، يتداخل فيها المحلي بالعربي بالإنساني الموجع ونحن نشاهد الكوارث ونتابعها ونعيش انعطافة التاريخ الصعبة والقاسية في أوطاننا التي فقدت سيادتها واستُبيحت فيها دماء شعوبنا العربية وأرواحها في ساحات الإبادة والقتل المتوحش.

كل ما يدور حولنا هائل وكارثي؛ أدمغتنا لم تعد تتحمل المزيد؛ نترقب بارقة الأمل وهي بعيدة المنال؛ في الأثناء؛ يأتي فريق منتخبنا الوطني البحريني لكرة القدم وبما يحققه من فوز تلو الفوز ويتأهل للنهائي في دوري كرة القدم الخليجية، تنتفض جماهير شباب الخليج العربي في الملاعب؛ تضج فيديوهات "اليوتيوب والتك توك" وغيرها في وسائل التواصل الاجتماعي، تضج بأهازيجهم وشيلاتهم واستعراض رقصاتهم الحماسية، ينغمس شباب البحرين في الحدث؛ تنقلهم الحافلات بالمئات إلى الكويت الشقيق لتشجيع المنتخب، فهم في "معركة كروية" وهم ليسو استثناء إذ معهم في ذلك عامة شباب الخليج.

يتبادلون عبارات التنافس "الرياضي" بعضها بروح رياضية مرحة تعبر عن محبة وتبادل رسائل سلام؛ وبعضها الآخر يضمر في ثناياه حصيلة ثقافة شعبية وسياسية مركبة ومعقدة يتم التعبير عن مكنوناتها بتلقائية في تشجيع الفرق الرياضية، ولا يمكن إغفال ما للشابات من نصيب في هذا الحضور والظهور المتميز؛ وقد طالتهم "الذهنية الذكورية" حتى من الأطفال المشجعين في الأستاذ الرياضي؛ يقول أحدهم:

-       بأن فريق الكويت خسر أمام البحرين في المباراة، لأن مشجعيه أغلبهم نساء؟! 

- لا تعليق!

للحقيقة المشهد يستحق الوقوف أمامه من اختصاصي علم الاجتماع والسياسة في الخليج؛ فهو يمثل ظاهرة اجتماعية سياسية اقتصادية بامتياز وإن بدت هذه الظاهرة؛ صوتية وعشوائية بمفارقاتها ودلالات مضامينها؛ لكن في جوهرها تعبيراً عن واقع تعيشيه شعوب هذه المجتمعات الاستهلاكية المضغوطة وكأنها في طنجرة طبخ بخارية، وبواقع فوارقها الطبقية وتفاهات الثقافة.

 يصدح صوت المعلقين الرياضيين وتحليلاتهم في الملاعب وبرامج الشاشات الفضائية ولقاءاتها كما تتنقل الميكرفونات الإعلامية بتنوعاتها الصحفية والتلفازية بين الشباب الخليجي المتحمس الغارق في المعارك الرياضية التي يخوضها، فالكأس هو الهدف النهائي وما بعده الطوفان!

وثمة أمر مهم، ليس الحدث رياضياً بحتاً، إذ في ذات التوقيت؛ نتابع ما يحدث في غزة وسوريا ولبنان والسودان.. إلخ؛ مسموح للشباب الخليجي التغني بالكرة وترديد أهازيجها ورفع أعلام الأوطان عالياً مع الكرة المدورة؛ بيد إن رفع علم فلسطين ممنوع، أو المطالبة بوقف مشاريع التطبيع مع كيان العدو الصهيوني أو التغني بما يوجع ويكشف قيح وقبح أوضاعنا العربية وما ترتكبه آلة الإبادة والتطهير العرقي الأمريكية الصهيونية في الأراضي المحتلة وغزة من مجازر وإبادة وتدمير وتصفية عرقية وحروب أهلية قائمة على الهوية..

من أسف، حالنا كحالهم لا نملك من أنفسنا إلا الهمس والتعبير المضمر عن القهر والذل وكما يقول "ميلان كونديرا":  "الإنسان كائن يسعى للوصول إلى نوع من التوازن، لذلك نراه يوازن ثقل السوء الذي يرهق كاهله، بوزن الحقد الذي يحمله.. من كتاب المقاومة بالحيلة لجيمس سكوت"؛ لا نقوى في هذا الطقس المشحون إلا على الانسياق وراء مشاعرنا المتحفزة حين يطرق إلى مسامعنا هذا اللحن الجميل والكلمات المعبرة التي تلامس شغاف قلوبنا وعقولنا فيما يتعلق بأوطاننا التي نعشق ونحب..

 "تبين عيني لك عيوني أنا وكل ما أملك فدا أرضك يا شوق إلى إذا أبعد يناديني يقول أنت عزيز الرأس وأهلك من أعز الناس.. يقول أنت بحريني يقول أنت بحريني. ألا يا ساحل البحرين، يا ريحة هلي الطيبين، أشمك طيب كل عمري، يا أغلى من نظير العين، يا دانة كل مداينها، أهي مني وأنا منها، يا شوق إلي إذا أبعد يناديني، إذا غربت أو شرقت، أشيلك حرزى يا الدانة، يا مركب في بحور الحب، خفق في صدري ربانه، وأنتي بالزمن نخلة، زرعها شعبنا كله، يا شوق إلى إذا أبعد يناديني...إلخ"...

عبارات أغنيتنا البحرينية المعبرة تمتزج بصدى ملاعب كرة القدم الخليجية، وهي تُبقي عقولنا مفتوحة على مصراعيها لما يحدث في أوطاننا من إخماد لحريات الرأي والتعبير، وللقوانين المقيدة والمكبلة لحرية الناس والمؤسسات، مفتوحة تراقب الفساد والبطالة التي يعاني منها شباب وشابات لا حول لهم ولا قوة، وللفقر الذي بدأ يتمدد ويرفع من مستويات الشرائح الدنيا للطبقة الوسطى، وإلى تردي خدمات الصحة والتعليم وارتفاع مستويات الضرائب والأعباء الملقاة على كاهل المواطنين مع ارتفاع مستويات المعيشة والتوحش المعولم؛...

ومع ذلك عام جديد عل الأمل يصحو فيه متجدداً بسواعد جيل الشباب والشابات نحو مستقبل أفضل لأجيالنا القادمة ولأوطاننا.


المنامة – 2 يناير 2025   


https://youtu.be/OIBbeqIdF8E?si=9WmSIcwlmgbeKBlc

رابط أغنية "تبين عيني"