منى
عباس فضل
لايزال
الجدل قائماً حول مشروع "قانون التحويلات المالية" للأجانب الذي تم
التصويت عليه في البرلمان؛ بين الحكومة والنواب حيث أطلق بعضهم تحذيرات بشأن
التداعيات السلبية التي تخلفها هذه الضريبة، فيما استنفر الفريق المؤيد لها
مستغرباً موقف الحكومة المناهض بحجة أنه يخالف الدستور ومبدأ الحرية الاقتصادية.
خلاصة آراء
بعض النواب "إن الأجانب في البحرين يستفيدون ولا يفيدون..وإنه عند فرض الضريبة
سنحصل على 20 مليون دينار سنوياً، هي كفيلة بعودة زيادة المتقاعدين..وإنه لا
عنصرية في فرض الضريبة على تحويلات الأجانب التي تبلغ "2.7 مليار دولار"
سنوياً ومن دون أي عائد على خزينة الدولة، كما استنكر آخرون سياسات الحكومة
المنحازة للوافدين على حساب المواطنين. إلخ". ترى هل سيمر إقرار مشروع
القانون في الغرفة الثانية "مجلس الشورى" كما حدث في البرلمان؟ وهل فعلا
الحكومة لا ترغب في فرض ضريبة على تحويلات الأجانب؟ وما هي الأبعاد الموضوعية التي
غابت عن مناقشة البرلمانيين لهذه القضية؟
في
حقيقة الأمر وتبعاً لتقارير متعددة، اختلاف الآراء حول فرض ضريبة على التحويلات
المالية إلى الخارج ليس قصراً على البحرين وإنما سبقتنا إليه دول خليجية أخرى كالكويت؛
وهناك بلدان كسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية والإمارات والولايات المتحدة؛ تفكر
جدياً بفرضها، وقد مرت بلدانهم بذات السجالات التي يحذر فيها الخبراء والسياسيون
والمنظمات العالمية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي من تداعياتها،
كما إنها قضية تناقش من وجهة نظر اقتصادية تأخذ في اعتبارها إن الاقتصاد المحلي
جزء لا يتجزأ من الاقتصاد الحر المكبل بالاتفاقيات الدولية والأنظمة التي تحكمه
وتتحكم فيه. كيف؟ لنرى.
مزايا وعيوب
تجمع
الآراء بأن لهذه الضريبة عيوب ومزايا، فهي من جهة تمثل فرصة من فرص تنويع مصادر
الدخل الاقتصادي قصير المدى، ومن جهة أخرى تفرض تحديات بعيدة المدى لها علاقة بالاقتصاديات
وأسواق العمل.
في
تقرير نشر في السنوات الأخيرة للخبير في البنك الدولي "ديليب راثا"، أورد
فيه أهم الأسباب التي تجعل من فرض هذا النوع من الضرائب فكرة سيئة؛ فهو يرى:
"بأنها تخلق ازدواجية ضريبية لدافعي الضرائب من المهاجرين؛ لماذا؟ لأنهم
بالأصل خاضعين فعلياً لمبدأ الضرائب المباشرة وغير المباشرة في البلد المضيف، وبالتالي
فإنهم يتحملون عبء هذه الضريبة مرتين خصوصاً إذا كانوا من الفئات التي ترسل
تحويلاتها إلى الأسر الفقيرة"، آخذين في الحسبان أن هناك أكثر من "25
مليون" وافد يعملون في بلدان الخليج أغلبهم يشغل وظائف ذات مهارات
متدنية".
ويضيف؛
"بأنها ستؤدي إلى زيادة تكلفتها؛ وهي تتعارض بشكل مباشر مع التزامات مجموعة
العشرين، وهدف التنمية المستدامة المتمثل في القضاء على عدم المساواة بين البلدان والسعي
إلى خفض تكاليف التحويلات إلى "3%" في غضون عام 2030، وزيادة تعميم
الخدمات المالية؛ مشيراً إلى أن متوسط تكاليف معاملات إرسال التحويلات قد بلغ "30
مليار دولار سنوياً"، وإن هذه التدفقات الحيوية التي يرسلها أكثر من
"200 مليون" عامل مهاجر، تساعد الأسر على رفع مستوى معيشتهم وتحسين
الصحة والتعليم والسكن، وتعزز إمكانية الاستفادة في تنظيم المشاريع خصوصاً في
البلدان الأشد فقراً".
إلى
جانب أن رسوم التحويل من وجهة نظره تعتبر أعلى في البلدان الأكثر فقراً، وقد حذر
من أن هذه الضريبة ربما تحفز على تجنب التحويل عبر القنوات الرسمية والقانونية
المرخصة والآمنة كـ"المصارف وشركات الصرافة والحوالة" للتدفقات المالية واللجوء
عوضاً عنها إلى تحويل الأموال نقداً عبر الأصدقاء والأقارب والأخطر عبر المعاملات
الرمادية غير الرسمية كـ"السوق السوداء" التي يصعب رصدها وتتبعها في
عمليات غسيل الأموال والتزوير؛ وكلها في نهاية المطاف مخاطر أمنية على المدى
البعيد، وهذا فعلاً ما حذر منه البعض واستنكره المؤيدون بالقول إن على الحكومة أن
تضبط إجراءاتها الأمنية والرقابية حين تنفيذ القانون.
من
ناحية متصلة؛ يجد "ديليب راثا" أن هذا النوع من الضرائب سيوثر سلباً على
الأنشطة التجارية والسياحية والاستثمارية والأعمال الخيرية؛ وقد يؤدي إلى إعادة
توجيه تدفقات التحويلات عبر بلدان ثالثة، مما يضطر المهاجرين إلى سداد رسوم
التحويل مرتين؛ أما الإيرادات المتحققة منها فهي ضئيلة مقارنة بمستوى إيرادات
الدولة العامة؛ وهذا ما دللت عليه تجارب مثل الغابون عام 2008 وبالاو في عام 2013،
ناهيك عن تأثيرها السلبي على أعمال مقدمي خدمات التحويلات، وتأثيرها تباعاً على ما
سيدفعونه من ضرائب مستحقة عليهم. الأهم إنها ستؤدى إلى هجرة رواد الأعمال، وفقدان أسواق
العمل الخليجية لجاذبيتها على المدى البعيد وهي التي تعتمد على العمالة الآسيوية التي
تشكل مكوناً رئيسياً في الاقتصاد.
بالمقابل
يقترح الخبير الاقتصادي "إم آر راغو" على الحكومات عوضاً عن فرض الضريبة؛
اتخاذ تدابير تحفيزية أكبر للاستثمارات المحلية وفتح الاقتصاد والسوق للأجانب بل وزيادة
الفرص لتجميع العائلات الذي يقلل من رغبتهم في التحويلات المالية، وأظن أن هذه
النصيحة مثيرة للجدل ولا تتناسب والواقع البحريني، فالسوق متشبع ومفتوح على
مصراعيه والمساحة الجغرافية فاضت بما تتحمله من عمالة مهاجرة ذات مهارات متوسطة
ومتدنية تشكل عالة مرهقة على الاقتصاد والبنية التحتية وعلى الخدمات التي تقدمها
الدولة.
بيانات رقمية
على مستوى الدول المصدرة للتحويلات المالية تُعد الولايات المتحدة من أكبر البلدان المصدرة إلى أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، فضلاً عن روسياً خصوصاً بعد الحرب مع أوكرانيا في عام 2022 حيث شهدت التحويلات منها زيادة هائلة وصلت إلى (111.2 مليار دولار) وفقاً لبيانات شراكة المعرفة العالمية بشأن الهجرة والتنمية التابعة للبنك الدولي (KNOMAD)، أما على مستوى منطقتنا العربية، فتحتل دول مجلس التعاون الخليجي المرتبة الثانية، وهي تُعد الأكبر بفارق كبير عند قياس التحويلات المالية بإجمالي الناتج المحلي، حيث تتجاوز نسبة العمالة الأجنبية فيها "90%" من عدد السكان، وتعد الإمارات والسعودية (47.5 و40.7 مليار دولار) من أكبر المصدرين للتحويلات إلى جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا وشمال إفريقيا. وتبعاً لتقديرات البنك الدولي؛ فقد حول المغتربون بدول مجلس التعاون مجتمعة؛ أكثر من "100 مليار دولار" في عام 2015 وهذا يمثل "7.7%" من الناتج المحلي الإجمالي المشترك لهذه الدول، وهو يعد رقماً كبيراً، فيما تشكل التحويلات من الولايات المتحدة "0.7%" وفي بريطانيا "0.9%" من الناتج المحلي الإجمالي.
يذكر "ديليب
راثا" في تقريره آخر بأن التحويلات العالمية إجمالاً سجلت رقماً قياسياً في
عام 2022 بلغ "647 مليار دولار" وهو بمعدل ثلاثة أضعاف حجم المساعدات
الإنمائية الخارجية، وفي الحقيقة والقول له؛ قد تتجاور قيمة التحويلات هذا الرقم؛
لأن عدداً كبيراً من الأشخاص يرسلون أموالهم عبر قنوات غير رسمية لا ترصدها
الإحصائيات الرسمية، ويدلل على أهمية هذه التحويلات؛ حيث يتجاوز ما تتلقاها مصر مثلاً
إيرادات قناة السويس، وفي سريلانكا قيمة صادرات الشاي والتحويلات إلى المغرب هي
أكبر من عائدات السياحة فيها، وإن الهند تمثل أكبر متلق عالمي للتحويلات المالية،
حيث تلقت في عام 2022 أكثر من "100 مليار دولار" يليها المكسيك والصين
والفلبين؛ فيما تتجاوز قيمة الأموال التي يرسلها المهاجرون خمس إجمالي الناتج
المحلي في كل من "طاجيكستان ولبنان ونيبال وهندوراس وغامبيا واثنى عشر بلداً
آخر"، ويعزو الاقتصادي "إم آر راغو" في مقال له نشر في صحيفة
"ذي ناشيونال"؛ بأن أحد أسباب ارتفاع قيمة تدفقات التحويلات المالية هو النقص
في فرص الاستثمار في البلد المضيف إلى جانب الافتقار إلى الضرائب، الأمر الذي يدفع
الوافدين إلى توفير المال وتحويل مدخراتهم إلى بلدانهم الأصلية بدلاً من الدول
المستضيفة".
الخلاصة
ماذا
يعني كل ذلك؟
يعني
إننا أمام قضية شائكة ومعقدة تتجاوز رؤيتنا لها من زاوية محلية صرفة، لاسيما ونحن
شركاء في خطط التنمية المستدامة شئنا أم أبينا، والتحويلات المالية التي ترسلها
العمالة المهاجرة إلى أسرها توفر دخلاً مهماً لملايين البشر في الاقتصادات
النامية، وإن العالم يواجه تحديات زيادة الفجوة في المداخيل بين البلدان الغنية
والفقيرة إضافة إلى الضغوط الديمغرافية والمتغيرات المناخية وما تفرزه من زيادة معدلات
الهجرة.
ومنه ينبغي
على متخذي القرار دراسة الحالة المحلية في خضم الواقع المتشابك من كافة النواحي والنظر
للبدائل؛ فما يقترحه بعض الخبراء من إتاحة فرص الاستثمار والتملك أمام الوافد الذي
لا يجد ما يغريه في ادخار أمواله بالبلد المضيف، أن يناقش بجدية أعمق تتطلب مزيداً
من الشفافية في المعلومات والبيانات الإحصائية للأجانب ومستويات مداخيلهم والتي
يمكن القياس عليها في تحديد جدوى هذه الضريبة، والإجابة عل الأسئلة عما إذا كنا مستعدين
للمزيد من هكذا حلول وإجراءات وضغوط خصوصاً مع احتكار الأسواق وضخ العمالة الأجنبية
غير المنتجة في الاقتصاد والفساد وضعف الإجراءات الإدارية والرقابية والإفقار التي
يتعرض له المواطن وغيرها الكثير.
المنامة - 11 يناير 2024
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق