الأحد، 14 يناير 2018

بين فرض الضرائب ورفع الأسعار

لو استغنى المواطن الفقير عن السيارة، تداعيات ارتفاع سعر البترول تلاحقه"...منقول"
منى عباس فضل

قبل أسبوع اتخذت البحرين إجراءات تقشفية ضيقت فيها الخناق على مالية المواطن وسعت من ورائها تحميله وزر مواجهة الدين العام البالغ "10 مليارات دينار". ورفعت سعر البنزين بنسبة "25%" بالإضافة إلى أسعار الديزل والكيروسين.

هي ليست المرة الأولى؛ فقبلها رفعت أسعار المحروقات والطاقة في 2016، ويتداول الحديث الآن بشأن زيادة أسعارها للمرة الثالثة بنسبة "5%" مع التزام دول مجلس التعاون تطبيق ضريبة القيمة المضافة على أغلب السلع والخدمات خلال هذا العام.

ليست البحرين وحدها فهناك الشقيقة الجارة التي رفعت الدعم عن المحروقات والكهرباء والماء وقلصت فاتورة مخصصات المنح المالية والعلاوات والاعفاءات من تكلفة الكهرباء والماء وبدلات السفر في الوقت الذي دفعت فيه المليارات كتعويض تسكيني مؤقت لمعالجة غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، وحتى في دول أخرى غنية بالنفط والغاز واحتياطيات الأجيال رفعت أسعار الوقود بنسبة "3%" ليصل مجموع الزيادة فيها إلى "15%" خلال أقل من عام.

***
في بلدان عربية كالأردن يعاني من احتقان شعبي سببه ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، فرضت الحكومة الضرائب على نحو "100 سلعة" شاملة الكهرباء والماء، كما زادت أسعار البنزين والديزل إلى "7 دنانير أردني" ورفعت الدعم عن سلع أساسية كرغيف الخبز الذي ترك تحديد سعره للسوق، كل ذلك بهدف سد عجز الموازنة الذي وصل حسب التقارير إلى "ملياري دولار" في ظل استشراء الفساد وتفاقم الفجوة بين الأغنياء والفقراء. مثله حكومة السودان قامت بتعويم العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، فهبطت قيمتها مقابل الدولار، وألغت الدعم عن الخبز الذي ارتفع سعره للضعف وتسبب في اختفائه من المخابز مما أدى إلى تظاهر آلاف السوادنيين احتجاجاً.

أما في تونس وتبعاً لمتطلبات صندوق النقد الدولي وشروطه، أقرت الحكومة إجراءاتها لخفض عجز الموازنة الذي تفاقم إلى "25 مليار دينار تونسي"، مما أدى إلى ارتفاع أسعار العديد من السلع وجعل العديد من المدن تتظاهر احتجاجاً فانتشرت أعمال التخريب والسرقة وسقوط قتلى وإصابات، فيما تغرق مصر في الأزمات المتراكمة بسبب الغلاء وارتفاع أسعار الخدمات العامة وانخفاض الأجور وتفاقم معدلات البطالة إضافة إلى وضع الشارع الفاقد لحرية التعبير والتنفيس عن معاناته جراء الإجراءات التقشفية.

المكشوف والمفضوح
إنه غيض من فيض الواقع العربي، فثمة أسئلة ونقاشات تتناول الأسباب التي أدت إلى هذه الإجراءات وفي هذا الوقت بالذات، أهي المؤامرات الخارجية؟ أم تراجع دورة الاقتصاد؟ هل يجوز مقاربة الظاهرة عربياً مع اختلاف الاقتصاديات لاسيما وهناك دول غنية منتجة للنفط والغاز ناهيك عن صناديق احتياطياتها للأجيال، فيما هناك من ليس لديه هذا ولا ذاك؟ هل التدهور يعود لتراجع أسعار النفط وعائداته خلال السنوات الأخيرة؟ أم له علاقة بالفواتير عالية الكلفة التي تسدد لتمويل حروب الاستنزاف بالوكالة والرضوخ لابتزاز الغرب والولايات المتحدة؟

لاشك إن المكشوف والمستور انفضح، وباتت الشعوب تواجه الحقيقة الصادمة بأن خزائن دولها تعاني من ديون متراكمة وعجوزات تصل إلى عشرات المليارات وبعضها قارب على الإفلاس؛ لم لا والبلدان العربية لا تزال في حال انعدام توازن واستقرار وتسودها الفوضى الخلاقة التي بشرت بها الولايات المتحدة والغرب وأصبحت في إطارها البلدان مفتوحة على أسوأ الاحتمالات المظلمة والكئيبة، فلا إصلاح اقتصادي أتت ثماره ولا تحول ديمقراطي حدث، وأنظمة القبضة الحديدية لاتزال تحكم بالنار والحديد وهي التي تعاني من أزمات بنيوية ومشكلات مزمنه في هياكلها وسياساتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهذا ما يجعل الحديث عن عجز الموازنات وسداد كلفة الدين العام من جيب المواطن المسكين هو الحديث الطاغي على المشهد العام لاسيما مع قلة الحيلة وهيمنة الشعور بالظلم وغضب الشعوب ونقمتها لما وصل إليه حالها من تدهور مستويات المعيشة وانعدام الحريات العامة وتحميلها نتائج سياسات الفشل في إدارة الدولة.

صحيح أن هذا الوضع المتراكم تقاطع ومنذ القرن الماضي مع متطلبات العولمة وتأثر بتقلبات السوق العالمية المحكومة بالشركات المتعددة الجنسية والسياسات القسرية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية وتدخلاتهم فيما أطلق عليه مشاريع الإصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي التي تُسوغ في شكل إرشادات وتوجيهات وحلول جاهزة أثبت الواقع عدم ملاءمتها وطبيعة المنطقة وتكوينها، لكن الصحيح أيضاً أن ما شهدته بعض البلدان المنتجة للنفط من مظاهر الرخاء بسبب الطفرة النفطية وتنامي عوائدها المالية وما قاد إليه من تحولات اجتماعية واقتصادية أثرت على أنماط حياة الناس وسلوكياتهم الاستهلاكية قد اقترن في نفس الوقت بفساد منظم وغياب للخطط والبرامج وانعدام للشفافية وتهميش للشعوب، وكل ذلك ساهم بشكل مفزع في ضياع الثروات والفشل في إدارة الاقتصاد وعجز الموازنات عن سداد ديونها.

صمت الفقراء مخيف
أحدثت أنظمة الاستبداد والدكتاتورية والعولمة انتكاسات بسبب احتكارها لعائدات الاقتصاد وما أدت إليه من تراجع لدور الطبقة الوسطى التي تآكلت شرائحها الدنيا مع تنامي طبقة الملاك والمتنفذين الذين تصدروا مشاريع النهب لأملاك الدولة واستولوا على عقود الصفقات الفاسدة وما أدت إليه من تراكم خيالي في حساب ثرواتهم الشخصية واستحواذهم على مفاصل المال العام وتبديد الثروات وتفشي ظاهرة الاستزلام والرشاوى واستشراء آليات الفساد المنظم الذي نخر في عظم المجتمعات العربية ورسخ من مفهوم الدولة الغنائمية في علاقتها بالموطن.

إن مستوى هذا الواقع بالتأكيد يختلف من بلد عربي إلى آخر، لكن الثابت أن جميعها تتشارك في مظاهر هذه الأزمات والمشكلات باحتكار السلطة وتوريثها وتضييق دوائر المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار التي يتربع عليها الأقرباء والموالون وتستبعد عنها فئات عريضة من الشعب فيما يجرى تقييد الحقوق والحريات العامة والفردية وحرية النشاط السياسي وتزوير الانتخابات وخنق أي صوت بارز للمعارضات السياسية وتغييب مؤسساتها، فليس للمواطن أي حق في التعبير عن الاحتجاج على إجراءات التقشف إلا بالقول:

-        "المشتكى لله"، ثم الغرق في صمت مخيف.  

***
اقتصادياً تميز النظام العربي في ظل العولمة بالضعف والتوجه نحو الخصصة وعدم تنويع مصادر الدخل القومي لاسيما في البلدان المنتجة للنفط التي اعتمدت عليه كمصدر وحيد فتعرضت اقتصادياتها إلى تقلبات أسعاره وتأثرت إيرادت موازناتها على الرغم من أجراس الإنذار التي قرعها الخبراء وحذروا من مغبتها لكن "أذن من طين وأخرى من عجين".

في سياق الأزمات المالية العالمية وحالة الانكماش وتنامي البيئة الطفيلية وزيادة نسب التضخم واتساع نطاق أحزمة الفقر تراجع دور الدولة الاجتماعي ومجالات حمايتها، وتقلصت معها سياسات الدعم وتوفير فرص العمل في الوقت الذي تتحصّل فيه الضرائب من جيوب المواطن وتزيد عليه الأسعار، مع تفاقم الفقر وارتفاع البطالة بنسب متفاوتة بين الشباب العربي الذي يشكل أكثر من "60%" من السكان، أما مشاريع التدريب المهني والتقني وبرامج الإقراض الصغيرة والمتوسطة التي سعت إلى إنتاج فرص عمل جديدة بحسب تعليمات صندوق النقد الدولي وبيوت الخبرة الأجنبية، فلم تستطع من أسف تحقيق تقدمٍ نوعيٍ يمكن التعويل عليه في تنويع مصادر الدخل، ومما يزيد الوضع سوءاً؛ الطابع الغنائمي للدولة واحتكارها لسلطة القرار وتبعيتها للخارج وتنامي الفساد والتمييز وانعدام الشفافية التي أدت إلى الاستحواذ على ثروات الشعوب والمال العام وتبديدها دون رقابة شعبية لتأمين أكلاف الحروب الدولية التي تدور بالوكالة في المنطقة، حيث تضاعفت ميزانيات الأمن والتسليح وتضخمت عقود صفقات الأسلحة وتوسعت الشركات الأمنية الخاصة وتجهيزاتها ومستشاروها.
***
النتيجة؛ يمكن رصدها في العجز عن الإيفاء بالوعود وتلبية حاجات الشعوب في تحسين وضعها وعدم المساس بمكتساباتها المعيشية، والأسوأ منه التلاعب بالرأي العام في تزوير الحقائق ومحاولة تسويغ إجراءات التقشف ومسببات فرض الضرائب ورفع الأسعار، ومن يفترض أن يتحمل مسؤوليتها. إن ما يحدث هو نقيض لأحلام الشعوب وطموحاتها في توفير التعليم والطبابة وفرص العمل وحفظ الكرامة والمساواة في المواطنة القائمة على سيادة القانون الذي يضرب به عرض الحائط.

التاريخ يعلمنا أن الذي يقود الشعوب إلى أفق مسدود، قد ينقل مزاجها العام المشبع بالإحباط والعجز وقلة الحيلة في لحظة تاريخية مدمرة إلى ما لا يحمد عقباه. 

المنامة – 14 يناير 2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق