منى عباس فضل
يقول أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة :"إن تحقيق
المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات من الأعمال غير المنجزة في عصرنا، وهي
من أعظم التحديات المطروحة في مجال حقوق الإنسان في عالمنا"، وفي رسالة صوتية
بمناسبة اليوم العالمي للمرأة أشار "...إلى سيطرة الرجال وسيادة ثقافة
الهيمنة الذكورية، وإن المسألة الأساسية المتعلقة بالمساواة بين الجنسين هي مسألة
"سلطة"، لهذا فأن تمكين المرأة يمثل أهم أهدافنا..."، مضيفاً
"...إن غايتنا هو تحقيق التكافؤ على جميع المستويات في الأمم المتحدة...وذلك
بمثابة أداة رئيسية تمكننا من مكافحة الاستغلال والتحرش والانتهاك الجنسي وبعدم
التسامح اطلاقاً بشأنه...إلخ". وماذا بعد؟
دعم غير مسبوق
في انطلاقة الاحتفالات السنوية بيوم المرأة العالمي 8 مارس والنضال الدؤوب
لإحداث التغيير في واقع النساء وتحسين ظروفهن، يدفع زخم المناسبة للتأمل في أحوال
المرأة العربية ومقاربته بواقع الحراك العالمي غير المسبوق الداعم للعدالة ولحقوق
النساء ومساواتهن، فضلاً عن التصدى لممارسة العنف والتحرش والتمييز ضدهن، لم لا
وقد تضمنت أجندة أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 هدفاً خامساً يدعو "للمساواة
بين الجنسين وتمكين جميع النساء والفتيات".
في إطار هذا الهدف، تسعى الجهود الدولية إلى تحقيق خمسة غايات؛ يتصدرها
ضمان تمتع الجنسين بتعليم مجاني منصف وجيّد يؤدي إلى تحقيق نتائج تعليمية ملائمة
وفعالة، فضلاً عن ضمان إتاحة فرص حصولهم على نوعية جيدة من النماء والرعاية منذ مرحلة
الطفولة المبكرة والتعليم قبل الابتدائي وليكونوا جاهزين للتعليم الابتدائي، إلى
جانب القضاء على التمييز ضد النساء والفتيات في كل مكان وعلى جميع أشكال العنف
ضدهن في المجالين العام والخاص بما في ذلك الاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي وكل
أنواع الاستغلال؛ وأخيراً القضاء على الممارسات الضارة، كزواج الأطفال
والزواج المبكر والقسري، وختان الإناث، بيد إن السؤال المتداول عما إذا كان واقع النساء
العربيات يتناسب واتجاهات تحقيق هدف المساواة بحلول 2030؟
لا وزارات سيادية للعربيات
في سياق المتابعة والرصد خلصت عدة دراسات بحثية كدراسة صدرت 2017 للباحثة
د.فاطمة خفاجي من الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية؛ إلى إن واقع المرأة العربية لا يزال بعيداً عن منال المساواة
التي تنادي به الحملات الدولية، والدلالة مستوى تمثيلهن في السلطة التنفيذية إذ لوحظ
إنه وبرغم الإرتفاع النسبي في تواجد النساء في مواقع اتخاذ القرار كما في الجزائر التي
حققت (20%) عام 2016 و(16%) لكل من المغرب وليبيا و(13.3%) لتونس، إلا إنه النسبة تتدني
بالنسبة إلى بلد كلبنان (3.4%) بل وتنعدم في بلد كالسعودية. وخلصوا إلى هذه النسب تعتبر
الأقل مقارنة بنسب الأقاليم الأخرى عالمياً، فيما تتذبذب نسب تواجدهن في المناصب الوزارية
من وزراة لأخرى وغالباً ما يتقلدن وزارات تقليدية، الأهم من هذا وذاك أنه لم يخصص قط
لهن أي وزارة من الوزارات السيادية كـ"الداخلية والدفاع والخارجية"، والأسوأ
منه إنه غالباً ما تخصص لهن وزارات بدون حقائب وزارية، كما ولاتزال عملية تعين
المرأة في المناصب تعتمد على الولاء السياسي والقبلي والطائفي والمذهبي لا على المستوى
التعليمي والكفاءة والخبرة مع وجود بعض الاستثناءات بالطبع.
تطور بطئ وتمييز
ثمة مؤشر آخر يتعلق بتمثيلهن في السلطة التشريعية
"البرلمانات" إذ تؤشر النتائج إلى إن النسب تتزايد، لكن وصولهن إلى
مواقع صنع القرار لا يزال بطئ مقارنة بمناطق أخرى عالمياً برغم إرتفاع حصتهن في البرلمانات
من (12.7%-17.50%) من 2013–2016، حيث حققت تونس أعلى نسبة في 2016 (31.3%) والمغرب
(21%) والجزائر(25.8%)، ولم تأتي هذه النتائج برأي المتابعين إلا بعد تطبيق آلية "الكوتا"
التي طبقت بثلاثة أنواع أولها تخصيص نسبة أو عدد من المقاعد للنساء في البرلمانات
والثانية بوضع الأحزاب لكوتا نسائية تطوعيه والثالثة باتباع كوتا نسائية تشريعية
على القوائم الانتخابية.
وهناك تباين أيضا في مشاركتهن في القضاء فحين ترتفع النسبة في لبنان بين
(50٪-60٪) والجزائربـ(32٪) والمغرب بـ(30٪) وتونس بـ(28٪) وفلسطين بـ(21%) وسوريا بـ(13.7%)،
فإنها تنخفض بشدة في مصر وتصل إلى (0.6%) فقط، وقد تميز القضاء المغربي بتطبيق الكوتا
أو "الحصة الجنسانية" في عضوية المجلس الأعلى للقضاء والبالغة نسبتها (30%)
فيما ينعدم وجود قاضيات في بعض البلدان، ويؤخذ على بعضها التي حققت تقدماً في عدد
القاضيات بأن عملهن يقتصر على بعض المحاكم دون غيرها مثل المحاكم الابتدائية
ومحاكم الأسرة والأحداث فقط، وفي هذا دلالة على هيمنة السلطة الذكورية في القضاء
والاصرار على التمييز ضد النساء، حيث لا تزال تردد الحجج: "بأن من طبيعة
المرأة أن تقدم العاطفة على مقتضى العدل" قائمة.
أما واقع العربيات في الأحزاب السياسية، فحدث ولا حرج وعادة ما تهمش المرأة
فيها حيث تشغل عدد قليل منهن المناصب القيادية في أحزابهن، وتلاحظ دراسة د.خفاجي
وجود زيادة في انتماء النساء في الأحزاب السياسية في بعض البلدان التي شهدت ثورات
وإصلاحات، مشيرة إلى رئاسة امرأة "لحزب الدستور" في مصر لكنها تركت
الحزب، وفي السودان هناك رئيسة لحزب الاتحاد الاشتراكي، وفي تونس أمرأتان على رأس
حزبين سياسيين ورئيسة لحزب فدا في فلسطين.
تمييز في بطون قوانين الأسرة
عند مقاربة وضع النساء العربيات مع قوانين الأحوال الشخصية، نجد أن
هناك مقاومة شديدة لتمدين القانون حيث تتجنب أغلب الحكومات المواجهة مع المؤسسة
الدينية ورجال الدين، وباستناء تونس والمغرب والجزائر الذين أصلحوا أجزاء من
قوانين أسرتهم نتيجة توافرهم على إرادة سياسية كما في تونس أو بسبب وجود حركة
نسائية قوية في المغرب، بيد أن هذه قوانين الأحوال الشخصية العربية عامة هي الأكثر
تقييدا لحقوق النساء وأكثر تمييزاً بين الجنسين في المجال الخاص، لم لا وأغلب
مرجعياتها دينية وطائفية ومذهبية وتتعاطى مع المرأة باعتبارها شخصاً فاقد للأهلية فهي
تميز بإباحة تعدد الزوجات وفي الإرث وقرار الزواج والطلاق والحضانة...إلخ.
إن التمييز القائم على النوع الاجتماعي في البلدان العربية يؤدي إلى ممارسة
العنف ضد النساء والفتيات، حيث تعاني الكثيرات من أشكال مختلفة من العنف بما فيها
العنف المنزلي، وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث وسفاح المحارم وجرائم الشرف
والاغتصاب والتحرش الجنسي والاتجار بالبشر...إلخ، وقد شهدت عدة بلدان ظواهر جديدة؛
كانتشار الجنس التجاري بسبب انتشار الصراعات المسلحة وتدهور الحالة الاقتصادية وارتفاع
نسب البطالة؛ وهذا النوع من العنف يؤدي إلى ما يسمى بجرائم "الشرف". ومن
حيث التشريعات فقد نجحت بعض البلدان كلبنان وتونس والجزائر في إصدار قوانين لوقف
العنف المنزلي، وقامت أخرى بإصلاح قوانينها الجنائية لتجريم أشكال محددة من العنف
التي تواجه النساء والفتيات، كما وضع بعضها الآخر استراتيجيات وطنية لإنهاء العنف،
بيد إنه لا يعد من المحرمات ولا تزال القوانين لا تنفذ وتسود ظاهرة الإفلات من
العقاب، فيما تفتقر الخدمات المقدمة لضحايا العنف للكفاية.
زواج الصغيرات عنف
بالنسبة لزواج الصغيرات العربيات؛ كثيراً ما يحدث انتهاكات للسن
الدنيا المحددة قانونيا للزواج، وفي بعض البلدان لا يحدد حتى الحد الأدنى لسن
الزواج، ولا تزال هناك بعض المشكلات لحالات من الزواج غير المسجلة رسميا والتي معها
تفقد المرأة وأطفالها الكثير من الحقوق، فقد كشفت الدراسة السابقة بأن (32%) من
فتيات اليمن يتزوجن قبل 18 عاما و(33٪) في السودان و(24٪) في مصر، كما لا تزال
ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث تمارس وبنسبة متفاوتة.
عند معاينة واقع العربيات في حالات النزاع المسلحة تشير الدراسة إلى
أن العديد من البلدان تواجه أشكالا مختلفة من العنف بسبب الاحتلال والأزمات
الاجتماعية والسياسية والاضطرابات والحروب الأهلية والإرهاب وانعدام الأمن الذي
يؤثر على سلامة المرأة وحراكها وقدرتها على المشاركة في الحياة العامة، وهي أيضا
لا تشارك بالشكل المطلوب في الحوارات الوطنية والدولية لحل هذه الصراعات؛ وإن
شاركت ففي عدد قليل جدا منها، وفي بعض الأحيان لا وجود لها على الإطلاق، إضافة إلى
عدم توفر خدمات كافية للاجئين والمشردين من النساء والأطفال مما ينتج أجيال غير
متعلمة وتعاني من سوء التغذية وسوء الصحة والأمراض الخطيرة وهي بيئة مولدة للإرهاب
ومع انتشار نطاق التعصب والتطرف الديني اتسعت هجمات الأصوليين على النساء والفتيات
الأمر الذي يهدد حرياتهن وحياتهن ومكاسبهن في مجال حقوق الإنسان، ناهيك عن ارتفاع
معدلات الأمية بين نساء الريف لتصل إلى (60%) وهن يفتقرن للموارد والقدرات
الأساسية لاسيما ملكية الأراضي والائتمان والقروض ونقص التدريب والمعلومات
التوجيهية.
خلاصة الأمر يمثل هذا الواقع الرمادي المتأرجح تحدياً كبيراً أمام الحركات النسائية العربية لاسيما مع ضعف التزام أغلب الحكومات في الإيفاء بالتزاماتها الدولية في قضية المساواة أوغيرها وللمستوى الذي لا تلتزم فيه بتقديم تقاريرها الدورية في المواعيد المحددة، كما تنعدام الشفافية في الإفصاح عن المعلومات وتهميش مؤسسات المجتمع المدني وتزييف الواقع خصوصاً فيما له صلة بشغل المرأة لمناصب اتخاذ القرار أو إصدار التشريعات وقوانين الحماية من العنف والتمييز التي تفتقد لمواد عقابية ضد جرائم العنف أو لوائح تفسيرية لتطبيق القوانين.
المنامة - 12 مارس 2018
خلاصة الأمر يمثل هذا الواقع الرمادي المتأرجح تحدياً كبيراً أمام الحركات النسائية العربية لاسيما مع ضعف التزام أغلب الحكومات في الإيفاء بالتزاماتها الدولية في قضية المساواة أوغيرها وللمستوى الذي لا تلتزم فيه بتقديم تقاريرها الدورية في المواعيد المحددة، كما تنعدام الشفافية في الإفصاح عن المعلومات وتهميش مؤسسات المجتمع المدني وتزييف الواقع خصوصاً فيما له صلة بشغل المرأة لمناصب اتخاذ القرار أو إصدار التشريعات وقوانين الحماية من العنف والتمييز التي تفتقد لمواد عقابية ضد جرائم العنف أو لوائح تفسيرية لتطبيق القوانين.
المنامة - 12 مارس 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق