الجمعة، 10 نوفمبر 2017

كيف تُهزم الكراهية؟


منى عباس فضل

كيف تُهزم الكراهية؟ عبارة تذكرنا بقدرة الإنسان الهائلة على هزيمة وحش الكراهية القابع بدواخل النفس البشرية.

كثيرة هي القصص والحكايات التي هزمت هذا الشعور وشكلت منبع إلهام للكثيرين في الأوقات الحالكة واللحظات العصيبة والحزينة، كما عكس بعضها محطات مقاومة ناضلت فيها النفس ببسالة واقتدار لتحقيق انتصاراتها على الذات وضعف الإرادة، وأيضاً على كل أشكال الكراهية المرضية التي يتعرض إليها المرء، سواء أكان ذلك بالالتحام العاطفي والذهني مع نماذج سلوكيات الخير أم عبر تجسيد مشاعر السلام من خلال التفكير في الأشياء الحقيقية الجميلة ذات المعاني والقيمة النبيلة وتغذية العقل الباطني بها.

الغيرة والأنانية والكراهية تجاه الآخرين وحش قابع في نفوس البشر، وهي مشاعر قوية تُكتسب وتترسخ في أعماق الذات منذ الطفولة المبكرة حتى تبرز تأثيراتها السئية والمدمرة للمرء ولمن حوله عبر مسيرة الحياة الحاضرة.  

في كتابه "قوة عقلك الباطن" يحرك د. جوزيف ميرفي مفاتيح أسئلة عديدة ومتنوعة كي يقربنا من فكرة تحريك قوة العقل الباطن للحصول على أقصى ما نريد من خير وسلام ومحبة في حياتنا الحاضرة، يحثنا في هذا السياق على نبش الكنز الذي بدواخلنا كي يجعلنا نصنع المعجزات ونشفى من أمراض الأنانية والكراهية والتخلص من الخوف والقلق وتحقيق النجاح والتميز والسعادة لنفوسنا ولمن حولنا بالتآلف في العلاقات الإنسانية والصفح، وكلها أفكار يناقشها عبر مفاتيح أسئلة مفادها:

-        لماذا يوجد إنسان سعيد وآخر حزين؟ لماذا يحقق إنسان نجاحاً باهراً بينما يفشل آخر فشلاً ذريعاً؟ ولماذا يوجد إنسان مفوهّ يحظى بالشهرة بينما يوجد إنسان آخر مغمور يعيش حياة عادية؟ ولماذا يوجد إنسان عبقري في عمله أو مهنته بينما يوجد إنسان آخر يكدح طوال حياته دون أن يفعل أو يحقق شيئاً يساوى ما بذله من جهد ووقت؟ لماذا يتمتع أحدهما بقوة المغناطيس والثقة الكاملة بنفسه، ويحقق الفوز والنجاح، والآخر يفتقد لهذه القوة الجاذبة، ويملؤه الخوف والشكوك، والكراهية؟...الخ.
  
يجمع الكتاب في تحليلاته وأمثلته بين حكايات كونية بعضها مقتبس من كتب سماوية يرى بأنها ليست حكراً على أي معتقد أو ديانة بذاتها، وبين مبادئ شرحها بلغة بسيطة تفسر قوانين جوهرية وأساسية متداوله في الحياة اليومية الاعتيادية لا تقبل الشك.

يرى المؤلف بأن لكل إنسان حكمة وقوة مدهشة لا حدود لها تكمن في عقله الباطن "مخزن الذاكرة" الذي وصفه بالغرفة المظلمة؛ وبقدر ما يكون هذا العقل الباطن مسترخياً ويمد بالخيال الذي هو أقوى ملكات الإنسان وبالتفكير في الأشياء الحقيقية والأفكار المستنيرة والمشاعر الجميلة والنبيلة؛ بقدر ما يتحقق النجاح والتميز والتوازن والصحة للنفس والأفكار، وعلى النقيضِ بقدر ما يغذى العقل بالأفكار السلبية وبمشاعر الغيرة والخوف والقلق والتوتر، بالقدر ذاته الذي يدمر الصحة ويمزق الأعصاب والغدد ويؤدى إلى الإصابة بأمراض جسدية وعقلية وسلوكية من جميع الأنواع. والمؤلف هنا يفرق بين العقل الواعي والعقل الباطن الذي يوجهنا باستمرار إلى أهمية زراعة أفكار السلام والبهجة والسعادة والسلوك السليم والرضا والإزدهار في أرجاء غرفته المظلمة، لم لا وهذه الأفكار كما يعلمنا كالبذرة التي ستحصد محصولاً رائعاً طالما تم تخصيبه بالتوقع الإيجابي.

ثمة ثلاث خطوات لازمة ناقشها الكتاب لتحقيق النجاح والتميز؛ أولها إيجاد الشئ الذي نحب فعله ثم القيام به، إذ لا يمكن لأي منا أن يعتبر ناجحاً في عمله إذا كان لا يحبه وحتى إن كان كل من حوله يصفقون له على هذا النجاح، هذا الحب يستوجب أن يقرن بالرغبة والحماس والمثابرة والمتابعة، وأن يترسخ بالإيمان حد اليقين بما نحب أن نعمل فيه بثقة وقناعة.

أما الخطوة الثانية اللازمة لتحقيق النجاح، فتتمثل بالتخصص في مجال عمل بعينه والاجتهاد فيه برغبة ودافعية نحو تحقيق التفوق والنجاح، كما تتمثل الخطوة الثالثة وهي الأهم، بأن تكون الرغبة والدافعية بعيدة كل البعد عن الأنانية كي ترسم طريق الدائرة الكاملة، بمعنى أن تكون الرغبة مفيدة للبشرية وتتجه نحو خدمتها وإسعادها ما يجعل من قيمتها وفائدتها مضاعفة، أما إذا جاءت رغبة الفعل لمصالح شخصية وحققت نجاحاً ارتكز على سرقة جهود الآخرين وسلبها أو تسلق أكتافهم، فإن الرغبة لن تكمل دائرتها الأساسية وستجعل من صاحبها يعتقد بأنه ناجح، وقد يبدو كذلك بالفعل مظهراً، لكن حقيقة الجوهر تشئ إلى إن تلك الدائرة الناقصة التي تدور فيها حياة الأناني ستؤدى في النهاية إلى عجز أو مرض، ولهذا فإن قياس النجاح الحقيقي لا يكون بنسب ما ليس لنا أو من فعلنا، لأنه في واقع الأمر "إنك تسلب نفسك الكثير" كما يخلص جوزيف ميرفي.

ميرفي يوصي في سياق ما يناقشه من أفكار: "عندما تفكر في الخطوات الثلاث للنجاح، لا تنسى أبداً القوة الكامنة للقدرات الخلاقة في عقلك الباطن، فهي بمثابة الطاقة التي تحرك خطوات كل خطة للنجاح، ذلك لأن أفكارك خلاقة مع  الفكر المدعم بالإحساس يتحول في نهاية المطاف إلى إيمان ذاتي، لم لا وحياتنا تتشكل طبقاً لما نؤمن به.   

من أبرز ما توصل إليه في محطاته الإرشادية، بأن النجاح يعني حياة ناجحة ينعم فيها المرء بالسلام والسعادة والبهجة ويفعل ما يحب بعيداً عن الاستغراق في مشاعر الأنانية والغيرة والحسد والكراهية والغضب والفشل والقلق والخوف، ومن يسعى لأي نجاح عليه امتلاك الرغبة في حياة تخدم البشرية لا تدمرها وتقصيها، وهنا لا يوجد بالنسبة له نجاح حقيقي دون راحة بال معزز بتفهم نفسي وروحي، فمن ينشد النجاح عليه أن يفتح عينه كل صباح ويغمر نفسه بكلمات يرددها:
                                                                                                                                                                                                                                                                                                             
-        إنى أختار السعادة اليوم، وأختار الحب والنية الطيبة والسلام.

وكما السعادة لا تشترى بكل أموال العالم، هي أيضا لا تتحقق بمشاعر البغض والكراهية والأنانية والغيرة،  ذلك لأنها - أي السعادة- نتاج حصاد عمل حقيقي وعقل هادئ مغمور بأفكار المحبة والسلام والاتزان والأمان واحترام وجود الآخر، وهي تعبير مضمونه أن يقدم الإنسان أغلى وأفضل ما بداخله لإسعاد البشرية.

منى عباس فضل
المنامة - 10 سبتمبر 2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق