حيث لا ماء ولا غذاء ولا كهرباء، لا اتصالات لا
وقود لا إغاثة طبية، مخازنهم مليئة ولا توزع الطعام، تجويع الفلسطيني وكسره هو مبتغى
حرب الحصار والقمع والتجويع والإبادة التي تشنها إسرائيل، أي أزمة أخلاقية حضارية
تعيشها الإنسانية اليوم؟
في ليلة وحشية ظلماء للحملة الإسرائيلية
المسعورة، حُجب الإنترنت وأقيمت حفلة الدم والقتل بشراسة، صرخاتٌ وأشلاء أطفال وجثث تتراكم بعضها فوق بعض، دمار وخراب؛ أكثر من "8200" شهيد أغلبهم أطفال
ونساء، مسنين وشباب.
غزَّة عِزَّتنا ومدرستنا التي تدك أبنيتها
ومخازنها ومستشفياتها ومساجدها وكنائسها ومراكز اتصالاتها؛ كلها برمتها بنازحيها
بما لها وعليها في مرمى أهداف طائرات العدو الإسرائيلي اليومية؛ تقصف فيهم بهمجية،
بلا عقل ولا ضمير، والهدف يتمحور على تسوية غزة بالأرض ودفن سكانها أحياء وقتل كل
مظاهر الحياة فيها، طائراتهم وقنابلهم الفوسفورية تدك المنازل فوق رؤوس المدنيين وتحرقهم
في مواجهة لا توازن فيها، تحول أحياء غزة وطرقاتها إلى دمار، حرائق ودخان، قتل
جماعي، موت وخراب.
غزة مدرستنا التي تمارس فيها آلة الإعلام
الصهيو-أمريكية والغربية وبعض منها العربية؛ تُمارس فيها الأكاذيب وتضليل الرأي
العام العربي والدولي، لم لا وملحمة "طوفان الأقصى" لازالت حاضرة وصادمة
للصهاينة في لحظة تاريخية حطمت وهم الجيش الذي لا يقهر، وزعزعت الأمان فتمدد عليهم
الخطر الوجودي، فأما هم ودونهم لا وجود.
غزة مدرستنا التي أسقطت فيها المقاومة الفلسطينية
الباسلة "هيبة كيان متوحش"، مرغته في الوحل وهي مستمرة وتوجع أربابهم
وحلفائهم، غزة التي كشفت عن حرب إعلامية تضليلية عالمية تشنها إسرائيل لحجب
الحقائق المروعة وتشويه حق المقاومة؛ حرب شعواء خطورتها لا تقل عن خطورة الدور المنافق
الذي تمارسه المؤسسات الدولية في ازدواجية تطبيقها لمعايير القانون الدولي
والإنساني؛ حيث اختلطت هذه المعايير وتشوهت معها مفاهيم ثورات التحرر من الاحتلال،
وصار حق المقاومة لاسترجاع فلسطين المحتلة والعودة إليها في قاموسهم إرهاب، وانقلب
الجاني إلى ضحية.
كارثة غزة، فظائع محرقتها تفضح فشل النظام
العربي والدولي على وقف حرب "الإبادة الجماعية" المستعرة والتطهير العنصري
والعرقي ضد المدنيين الفلسطينيين وأطفالهم، حياة الفلسطيني أقل قيمة من حياة
الإسرائيلي، أليس هذا ما يفصح به عن يقين مفكريهم وينظر إليه فلاسفتهم، هكذا يرون أنفسهم
في المرآة بتعال عنصري مرضي.
مع "طوفان الأقصى" والمناضلين
المقاومين الشجعان تزعزعت صورة الوهم، تقوضت وتحطمت أساطير الردع الإسرائيلية التي
يُسوغ لها منذ سنين، اهتزت إثرها مشاريع التطبيع المذلة والسلام والديانة
الإبراهيمية التي يبشر لها المطبعين ويروج لها الفكر المتصهين الرخيص، غزة مدرستنا
وعزتنا التي تلحفت فيها أجساد أطفال فلسطين بالأكفان واصطفت بعضها على بعض تودع
حياة الكذب والتآمر والنفاق والقسوة والذل، لكن عيونهم ظلت شاخصة في عيوننا
بابتسامة لا تفارق الحياة، لا تفارقنا في الصحوة والمنام، تدق علينا اسم فلسطين
الممهور بالدم، المعمد بلهيب لا ينطفئ بحلم سيتحقق وحرية نتنفسها حين نتحرر جميعاً
من الاحتلال والاستعمار والخوف والاستبداد.
عاشت فلسطين، المجد للشهداء، والعزة
للمقاومة.
المنامة – 30 أكتوبر 2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق