منى عباس فضل
عقدت ورشة المشاورات الإقليمية حول
"حرية الإعلام" بالتعاون بين الاتحاد الدولي للصحفيين والمكتب الإقليمي
لمفوضية الأمم المتحدة السامية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبمشاركة فعالة من
خبراء وخبيرات في الإعلام وممثلي وممثلات عن الجمعيات الإعلامية ومنظمات المجتمع
المدني في العاصمة بيروت بين 16- 17 نوفمبر 2022.
تناولت الورشة بشكل أساسي مناقشة تقريراً أعدته
مؤسسة مهارات ومقرها بيروت حول "الحريات الإعلامية في المنطقة العربية"
والتحديات التي تواجه حماية حرية التعبير، فيما ناقشت المقررة الخاصة المعنية
بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير ايرين خان، محور حرية وسائل الإعلام
الفرص والتحديات والتهديدات التي تواجه وسائل الإعلام في العصر الرقمي.
استعرضت ايرين خان أبرز ما جاء في التقرير الذي قدم إلى
مجلس حقوق الإنسان في دورته الخمسون في شهر يوليو من هذا العام، من خلال تسليط الضوء
على الأهمية المجتمعية لوسائل الإعلام الإخبارية المستقلة والحرة والتعددية، حيث يبحث التقرير فيما يتعرض إليه الصحفيين من هجمات عنيفة ومن الإفلات من العقاب، فضلاً عن العنف
القائم على النوع الاجتماعي على الإنترنيت، والمضايقات القانونية والمراقبة
المستهدفة للصحفيين والرقابة على المحتوى والتلاعب بالسلطات التنظيمية التي تفاقمت
وزادت من خلال التكنولوجيا الرقمية، أما أبرز التوصيات التي رفعها التقرير في هذا
الشأن، تمثلت في المطالبة بمواءمة القوانين والسياسات مع القانون الدولي لحقوق
الإنسان، وإلغاء تجريم التعبير إلا ما ينطوي على العنف والكراهية، ويضر بالخطاب
الديمقراطي، فضلاً عن توطيد سيادة القانون، ووقف استخدام المحاكم سلاحاً ضد
الصحفيين وحماية الصحفيات من العنف الجسماني على الإنترنيت وحظر المراقبة الرقمية
وكفالة استقلالية وسائل الإعلام وتعدديتها.
وفي محور التضليل الإعلامي وحرية الرأي
والتعبير، أشارت ايرين خان إلى التهديدات التي يشكلها التضليل الإعلامي على حقوق
الإنسان والمؤسسات الديمقراطية وعمليات التنمية، وإنه لابد من الاعتراف بالتعقيدات
والتحديات التي يطرحها التضليل في العصر الرقمي، داعية إلى أهمية استجابة الدول
والشركات إلى الأسس التي تستند إلى الإطار الدولي لحقوق الإنسان لمواجهة ذلك،
وضرورة مراجعة نموذج أعمالها لإعادة ضبط استجاباتها للتضليل، وتعزيز دور وسائل
الإعلام الحرة والمستقلة والمتنوعة، والاستثمار في وسائل الإعلام والرقمية، ومحو
الأمية الرقمية وتمكين الأفراد وإعادة بناء الثقة العامة.
من أهم الاستنتاجات التي تناولتها أيضاً، بأن
التضليل الإعلامي خطير ويمثل ظاهرة معقدة ومتعددة وهو يدمر ثقة الناس في المؤسسات
الديمقراطية، كما إنه ينتعش حيثما تكون نظم الإعلام ضعيفة والصحافة الاستقصائية المستقلة
مقيدة، مضيفة بأن الدول لجأت إلى تدابير غير مناسبة كإغلاق الانترنيت والقوانين
الغامضة والفضفاضة لتضييق الحيز المدني، وقالت بأن التحدي الذي تواجه الدول
والشركات يتمثل في استعادة ثقة الجمهور في سلامة نظام المعلومات، وفي معالجة
التضليل الإعلامي حيث ينبغي ألا تستخدم الدول القانون الجنائي إلا في ظروف استثنائية
"التحريض على العنف والكراهية والتمييز"، وألا تجبر الشركات على إزالة
أو حجب المحتوى المشروع بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، وتنظيم وسائل التواصل
الاجتماعي من خلال إنفاذ الشفافية وحقوق المستخدمين في الإجراءات القانونية
الواجبة، وحماية البيانات باعتماد قوانين الحماية وتحديث القوانين الانتخابية
وغيرها من القوانين للحد من انتشار وتعقب واستهداف الأفراد وأنشطتهم على الانترنت.
كما ينبغي امتثال ممارسات الشركات ممارسات في جمع البيانات وتجهيزها إلى المعايير
الدولية وحسب مضامين (المادة 19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية
والسياسية، إضافة إلى اعتماد سياسات واضحة ومحددة بشأن المحتوى والإعلانات فيما
يتصل بالمعلومات المضللة والمغلوطة وبما يتماشى مع القانون الدولي، ويكون
للمستخدمين سبل انتصاف فعلية.
تقرير حرية الإعلام
من جهة متصلة، تناولت السيدة ليال بنهام من مؤسسة مهارات أربع محاور رئيسية في التقرير الذي أعدته وتم الإستناد على محاوره ونتائجه في المناقشات التي درات في الورشة، وهو يتعلق باستقصاء شمل (11) بلداً عربياً من بينها المغرب والجزائر والعراق والأردن ولبنان والكويت والبحرين وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. استهدف بدء الحوار بشأن تعزيز حرية وسائل الإعلام وتشجيع الدول ومؤسسات المجتمع المدني على التعاون بهدف اتخاذ إجراءات تنسيقية فيما بينهم. في المضمون التقرير يستعرض القوانين والسياسات والممارسات التي تنظم حرية الإعلام في هذه الدول، كما يحدد التحديات ونماذج لأفضل الممارسات الضامنة لحرية الإعلام، كذلك يتناول الاتجاهات والتحديات تبعاً لظروف كل بلد، وقد نوهت مهارات إلى الخلاصة التي توصل إليها الفريق المعد؛ بأن هناك مظاهر مشتركة بين هذه الدول؛ تتمثل في القيود المفروضة على الإعلام وهي ذات طبيعة سياسية ومحافظة تتعلق بأنظمة الفساد وارتهان المؤسسات إلى مفاهيم مطاطة وملتبسة وإن درجة القيود على حرية الإعلام مختلفة كما إن هذه البلدان تتسم باختلاف جهودها المبذولة ومبادراتها الذاتية لتنظيم الإعلام، أما أهم المحاور التي ناقشتها في الورشة فهي على النحو التالي:
1.
المواثيق الدولية وآلياتها لكون الالتزام بها وتنفيذها يعد مؤشراً إيجابياً، ووجدوا
أن (8) دول فقط من أصل (11) دولة وقعوا على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية
لاسيما وإن العهد يتضمن المادة (19) المشار إليها أعلاه، مشيرة إلى أن العديد من
الدول لديها استعراض دولي شامل تتشارك فيه مع تقارير الظل، وهناك توصيات يتم
وضعها، لكن أغلب هذه البلدان التي شملها المسح لا تأخذ بها مؤكدة بأن تطبيق هذه التوصيات حتما سيؤدي
إلى تغير في الموقف.
2.
الأحكام الجزائية المطبقة على العمل الإعلامي: تم فيه تحليل القوانين المستخدمة لتجريم عمل الصحفيين،
حيث تستخدم بعض القوانين الجزائية الأخرى لتجريم الرأي وعمل الصحافي، وهناك تقييد
لأي نقد ولأي موظف عام. وللتعامل مع خطاب الكراهية، تختلف الدول فيما بينها، فبعضها
لديه قوانين لكن لا يتم الحديث عنها كثيراً خصوصاً في فترة الجائحة حيث تم
استخدامها لتغطية بعض الممارسات أثناء اتخاذ تدابير لمواجهة الجائحة، كما إن هناك تعبيرات فضفاضة
في نص القوانين التي تؤدي في نهاية المطاف إلى المزيد من القيود خصوصاً مع غياب
استقلالية القضاء، وذلك لأن هذه القوانين لم تؤسس بروحية المواثيق الدولية.
وبالنسبة
لملاحقات الصحفيين فهي تتم أحياناً في محاكم خاصة أو عسكرية أو جزائية وهناك
عقوبات قاسية قد تصل إلى الحبس والغرامات المالية الكبيرة ويتم الاستخدام المطاطي لقوانين مكافحة الإرهاب أو أي عمل له علاقة بالنظام العام أو النعرات الطائفية
الموجودة في بعض القوانين وقد أفسح انتشار الانترنيت المجال لرفع مستوى النقد، بيد إن ذلك يتم ملاحقته خصوصاً عند تغطية المظاهرات أو الاحتجاجات المتعلقة
بالفساد وحقوق النساء وبسبب هذه القوانين فأن الصحفيين يمارسون رقابة ذاتية صارمة
على أنفسهم وهذا ما لاحظه الفريق المعد للتقرير من خلال المسح الذي نفذوه.
3.
حماية الصحفيين: تعاني التشريعات العربية من نقص شديد في حماية
الصحفيين، حيث وجدوا أن بعض الدول التي شملها التقرير، ومنها العراق تتمتع بقانون للحماية، لكن الحماية الفعلية لا تتوفر فيها، فالاعتداءات على الصحفيين مستمرة ولا يتم محاسبة أحد، وبالتالي
هناك إفلات من العقاب ورقابة دائمة على عمل الصحفي، وبعض الدول لديها أساليب
مراقبة من خلال البرمجيات، ووجد التقرير بإن هناك تأثير لرجال الدين والمجموعات
المحافظة التي تضع تابوات وموانع لتغطية بعض المواضيع عن الصحفيين، ويتعرض فيها
الصحفي إلى عدم الحماية بسبب هذا التأثير كما تغيب الحماية عن مصادر الصحفي ولا يوجد قوانين تغطي هذا الجانب.
4.
القوانين المراعية للتنظيم والوصول إلى المعلومات: تعاني القوانين من التباس حول من يحق له النشر، ونوعية
التراخيص..إلخ، فالدول تتدخل بشكل كبير في الإعلام ولا يوجد مبادرات للتدخل الذاتي
وقبضة الدولة على النقابات قوية فهي تتدخل في تشكيل هيئة الإعلام في ظل نقص
القوانين وانعدام الشفافية المتعلقة بالملكية ولا يعرف أحياناً من يملك هذه
المؤسسات كذلك بالنسبة للتمويل والجمهور، وهذه ممارسات منتشرة في العالم العربي، وهذه
الهيئات تابعة وقريبة من السلطات السياسية بسبب شدة القبضة.
أما قانون الوصول
إلى المعلومات، فقد تم إقراره من قبل أغلب البلدان العربية التي تناولها
التقرير، مع بعض الاستثناءات والتفسيرات الملتبسة التي تؤدي في نهاية المطاف إلى
التعارض مع روح القانون، وهي متباينة في جودتها وأغلبهم يفتقد لإمكانية ممارسة
الصحفي مهنة الصحاف بشكل "Free lance"، ولا يوجد أي قوانين تعنى بتوفير الحوافز للمؤسسات
الإعلامية الناشئة.
من أهم
التوصيات التي قدمها التقرير إلى الدول والجهات الفاعلة لاتخاذ الإجراءات التي تستهدف دعم القوانين والسياسات والممارسات التي تعزز من التمتع بحرية وسائل الإعلام في هذه البلدان وفي غيرها من بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ مطالبة البلدان بالانضمام إلى العهد الدولي الخاص
بالحقوق المدنية والسياسية والمصادقة عليه، ودعم المبادرات الدولية من خلال
المشاركة فيها والإلتزام بها كالحكومة الدولية، والميثاق العربي لحقوق الإنسان، وإعلان صنعاء حول تعزيز الإعلام العربي المستقل والتعددي، وتطبيق التوصيات
التي ترفع بعد كل استعراض دولي شامل والالتزام بها، واعتماد تدابير مناسبة
لحماية الصحافيين، وضمان وجود بيئة آمنة بعيدة عن التصنيف والتخويف والتهديد فضلاً
عن ضمان عدم الإفلات من العقاب ومراجعة قوانين الإعلام الإلكتروني وعمل الصحفي
وإلغاء القيود عن الصحافة الإلكترونية.
بيروت - 17 نوفمبر 2022
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق