د.منى عباس فضل
تمييز ولامساواة قانونية
عربياً حتى لا نقول محلياً، تعد قوانين الأسرة
والأحوال الشخصية نموذجاً بارزاً للتمييز بين الجنسين، وبرغم تأكيدنا على التقدم
المتحقق في الجوانب التشريعية المتعلقة بقضايا النساء، إلا إن قوانين "كقانون
الأسرة والحماية من العنف الأسري، والعقوبات والجنسية" وغيرها لا تزال جامدة
نسبياً لجهة تحقيق مبدأ المساواة، وهي تواصل تقويض الشخصية الكاملة للمرأة
ومكانتها، إضافة إلى إنه لم يمسها التغيير بعد مضي سنوات من نفاذها والعمل بها كما
هو مع "قانون الأسرة البحريني" الذي صدر في 19 يوليو 2017.
التمييز في قانون
الأسرة البحريني: الزواج والطلاق
من خلال مواد القانون المتعلقة بالزواج والطلاق
يبرز التناقض بوجود نظامين متوازيين وغير متكافئين بين الجنسين، فحسب الفقه السني
في القانون تشترط المادة (28-أ) إذا كانت الزوجة بحرينية ينبغي الحصول على رضا
الولي عند إثبات عقد الزواج، وهذا بالطبع ينال من رضا المرأة وفيه تمييز ضدها ولاينسجم
مع مقتضات المادة (16-أ/ب)، من "اتفاقية السيداو".
خيارات المرأة في الطلاق
وحين يسعى الزوج إلى الطلاق فهو يوقعه متى ما شاء إلى
حكم الرجعة في القانون الذي يكرس حقه في الطلاق بإرادته التحكمية المنفردة دون علم الزوجة وحضورها مما يخلق العديد من
المشكلات، فيما يتوجب على المرأة خوض غمار إجراءت قضائية معقدة مثقلة بالصعوبات
ومستهلكة للوقت وباهظة التكاليف، كما إنها تفاضل بين خيارين، أحلاهما مر؛ أولهما
طلب التطليق للضرر والشقاق بما يستغرقه من وقت طويل نسبياً لكنه يسمح لها الاحتفاظ
بحقوقها المالية؛ إذا ما تم تنفيذ أحكام دفع النفقة وإعالة الأطفال، وعليها تقديم أدلة إثبات للعيب والضرر الذي لحقها، وكثيراً
ما يكون ذلك بناءً على شهادة شهود عيان، وبعد المرور بعملية التوفيق الأسري الإجباري،
وتقديم هذه الأدلة يشكل عبئاً ثقيلاً يقع على كاهلها لإثبات استحالة دوام العشرة
مع زوجها، مع ملاحظة أن شهادتها تعادل نصف شهادة الرجل، وتعتبر ضرورة تقديم الشهود
عائقاً كبيراً أمام حصولها على الطلاق بسبب الضرر الجسدي، وهنا ننوه إلى أن
القانون في الشق الجعفري لا ينص على حق المطلقة في التعويض في حالة الطلاق
التعسفي.
قصور المخالعة
تلجأ بعض النساء إلى الخلع وفي تصورهن أنه
أسرع من التطليق لضرر، ولأنهن غير مطالبات بتقديم الأدلة على وقوعه أو توفير
الشهود، وقد يدفع بعضهن إلى الاستدانة لتغطية تكاليف الحصول على حريتهن، وعليه إذا
كان المقصود بالخلع هو الإسراع بعملية الطلاق وتيسيره وتقصير إجراءاته، فإنه ومن
خلال وضع "المعلقات" وجدنا أنه يستغرق وقتاً طويلاُ بسبب المنازعات حول مبلغ البذل الذي يتعنت
بشأنه بعض الأزواج والإصرار على طلب بذلٍ يفوق المهر بسبب ما منحه القانون لهم،
حيث تتعرض الزوجات إلى الابتزاز الذي دللت عليه شهادات "المعلقات"
اللواتي تحدثن عن معاناتهن، الأمر الذي يضعنا أمام وضع تعجيزي خصوصاً عند عدم رغبة
بعض القضاة في الحكم بطلاق الخلع.
تطور الحراك النسائي
الحقوقي
استناداً إلى ما سبق، نجد أن القوانين
والتشريعات المرتبطة بقضايا المرأة تقع في طليعة أجندة المدافعة للحركة النسائية عن المساواة، ولهذا
تنظم الحملات منذ سنوات من أجل إيجاد القوانين وإجراء المزيد من الإصلاحات عليها
بما يتناسب وتعدد أدوار المرأة ومساواتها بالرجل، لاسيما وأن القوانين القائمة ونموذجها
"قانون الأسرة" تعتريها النواقص وهي موضع اختلاف في وجهات النظر والرؤى
بسبب المواقف الدينية المحافظة التي تتعامل مع موادها بقدسية وجمود يقوض حقوق
المرأة.
استغلال قضايا المرأة
مع حركة التغيير التى يمر بها المجتمع، أدركت
الحركة النسائية أبعاد الاهتمام العالمي بالمرأة وتمكينها من حقوقها وأدوارها في
كافة المجالات السياسية والقانونية والاقتصادية في ظل حراك سياسي وطني ومناخ ثقافي
طالما سعى إلى إرساء مجتمع ديمقراطي يرتكز على أسس المساواة في المواطنة بين أفراده؛
ومع إن القضايا الحقوقية للنساء ظلت معزولة نسبياً عن أجندة العمل السياسي ولم
تدمج في برامج عمل الجمعيات السياسية إلا في حالات استثنائية ومحدودة، ومرجع ذلك باعتقادنا
إلى عوامل ذاتية تخص طبيعة تكوين الحركة النسائية وتوجهاتها، وموضوعية تحكمها القيود
والقوانين التي تتظم أنشطة الجمعيات الأهلية والتي تحرم عليها ممارسة النشاط السياسي،
على الرغم من أن بعضها على علاقة وطيدة غير معلنة بمواقف بعض الاتجاهات الفكرية والإيديولوجية
والسلوكية في الجمعيات السياسية سواء تلك التي تناصر قضايا المرأة أو التي يفتقر
أغلبها إلى مواقف محددة فيما يخصها أو من يعبر منها عن مواقف التيارات الدينية، ففي
كل الأحوال هناك اختلاف في الآراء والمواقف حتى في داخل الجمعية السياسية نفسها
حين يتم عرض قضايا المرأة التي غالباً ما تتحكم فيها المواقف الظرفية والآنية أو الاستهلاك
الخطابي والديني والتوظيف السياسي الضيق الرؤية خصوصاً في فترات الانتخابات
للاستفادة من أصوات النساء.
لحظة تحول نوعي
وهي اليوم تواصل جهودها التي لمسناها عبر "حملة المعلقات"، حيث تضاعفت الأصوات النسائية وشكلت لحظة مفصلية من لحظات التحول في المدافعة عن الحقوق والانتقال من ضغط الواقع والشكوى منه إلى المطالبة المباشرة بزيادة الضغط على الدولة لإحداث إصلاح في النظام القضائي لإنصاف المعلقات وممن يتعرضن للعنف؛ إنها في مرحلية قطيعة مع الظلم واللامبالاة والتعسف باستخدام القانون، ومع الخطاب الذكوري المزدوج بشأن دور المرأة وحقوقها، وجاءت تمثلات ذلك في الجرأة والموضوعية برفع سقف المطالبة والمحاججة تجاه مواقف وردود أفعال التيار الديني المحافظ، كما ووضعت الجانب الرسمي أمام مستوجباته؛ مطالبة إياه ببذل المزيد من الجهود والتسريع بإحداث التعديلات لسد النواقص في التشريعات والقوانين المناهضة للعنف والمعنية بحقوق المرأة ومساواتها بالرجل "كقانون الأسرة" و"قانون الانتخاب" و"قانون الجنسية" بما يسمح بمنح الأم جنسيتها لأبنائها عند زواجها من أجنبي وإلغاء المادة "353" من "قانون العقوبات" المتعلقة بالاغتصاب، وسعياً وراء توسعة حقوق المرأة وحمايتها مع الطفل والأسرة، والتزاماً بنصوص الدستور والميثاق الوطني في حق المرأة بالمواطنة الكاملة، وتحقيقاً لمستوجبات المعاهدات الدولية التي وقعت عليها.
ومنه يمكن القول أن الحركة النسائية البحرينية قد حققت في مساعيها اختراقاً نوعياً لحالة الظلم واللاعدالة التي جسدتها حالة المعلقات والمطلقات والمعنفات وتقييد حقهن في الطلاق والانتقاص من أهليتهن في منح جنسيتهن لأبنائهن وغيرها، إن مطالباتها بتعديل القوانين والتشريعات تحقيقاً للمساواة يمثل حاجة أساسية تتعلق بمبدأ المواطنة الكاملة والشاملة للمرأة البحرينية وأي تطور يحدث بشأنها لاشك يمثل إنجازاً مهماً وعملاً جريئاً على طريق الدفاع عن حقوق الإنسان، لم لا وقضايا البحرينيات اليوم ومعاناتهن تفرض نفسها بحدة على الساحة المحلية وتستقطب اهتمام المجتمع وتجاوبه.
لجم الحراك النسائي
إزاء هذا الواقع نجد أن هناك من يحاول وقف عقارب الساعة، وكبح لجام الحراك النسائي ومطالباته بتعديل التشريعات وإنصاف المرأة؛ بإضفاء طابع القداسة على "قانون الأسرة" وتعزيز رؤيته التقليدية بشأن دور المرأة باستحضار النص الديني والموروث المذهبي وفتاوى المرجعيات الدينية لترسيخ منطق الوصاية والتشكيك في أهلية المرأة التي يتم التسويغ لها بما يعرقل آلية الدفع بقضايا المرأة ومشكلاتها إلى الأطر الرسمية أثناء إعداد مشاريع القوانين والتشريعات أو تعديلها بالاستعانة بمرئيات الاتحاد النسائي والجمعيات النسائية، إن هذا يعرقل نمو المجتمع وتطوره ويعمل على تكريس دونية المرأة وتهميش دورها فيه، فوضع المعلقات لا يبعث على الارتياح وهو مرفوض من الناحية الإنسانية والقيمية، وهو يعني في ذات الوقت أن هناك مسألة جوهرية لم تتغير بعد إقرار "قانون الأسرة" ونفاذه، وإن المرأة لا تزال تفتقد للتعامل معها كذات فاعلة تحقق كيانها كمواطنة تتمتع بكامل الأهلية والحقوق وتتحمل كافة الواجبات كما نص عليها الدستور وأقرتها الشرعة الدولية.
لقد انقسم المواطنون بشأن المعلقات إلى من هم مع رفع الظلم من حيث المبدأ، ومن هم معارضون للحملة؛ وجزء كبير من التوجه المعارض يستند إلى رؤية عقائدية طائفية محافظة يستحضر الدين والنص والتأويل ويقدم مفهوماً ينظر إلى المرأة من خلال تلك الأقنعة التي تجعل منها ذاتاً تابعة للرجل، وثمة من يلجأ فيهم إلى تهميش قضاياها ويشوهها ويفرغها من محتواها، وهي رؤية تتخطى أصحابها وراء العادات والتقاليد وهوية الانتماء الفرعى والقيم الثقافية والدينية في وجه المطالبة بأي تعديل وتغيير لتطوير وضعية المرأة والتشريعات المتعلقة بمساواتها لاسيما في "قانون الأسرة"، فكل تلك القضايا بالنسبة لهم لا تمثل أولوية.
يقابل ذلك؛ الرؤية التي يتبناها الحداثيون في محاولتهم وضع قضية المرأة ضمن كفاحها ونضالها السياسي والاجتماعي والاقتصادي العام، ومن منطلق أن تحرر المرأة وحصولها على حقوقها لا ينفصل عن التحرر المجتمعي العام، وهي تتماهى ورؤية المدافعات في الحراك النسائي في شقه الحداثي الذي يعمل على مناهضة العنف الموجه ضد النساء وحمايتهن من مختلف أشكاله، ونشر ثقافة المساواة كقيمة وممارسة وإحداث تغير في مختلف القوانين والتشريعات التي تكرس التمييز ضدها، فضلاً عن تمكينها من المشاركة الحقيقية في مواقع القرار السياسي والتشريعي وتعزيز الصورة الإيجابية عنها في وسائل الاعلام والتربية، لهذا فإن أبعاد الخطاب النسائي الحداثي يتمحور حول إقصاء المرأة وتهميشها والعنف الذي يطالها، على الرغم من التنميط الذي تعمل على أسسه الحركة النسائية وضعف دينامية هياكلها التنظيمية في عملية المدافعة وقصورها في بناء شراكات فاعلة بين أطراف المدافعين عن حقوق النساء وبتأثير من تعدد الخلفيات الثقافية والمرجعية للجهات القائمة عليها وغاياتها التي يتشابك فيها أحيانا الشخصي بالعام.
الخلاصة
في نهاية التحليل يتضح أن الحركة النسائية البحرينية تجاوزت مستوى المطالب، بتقديم مرئياتها ووجهات نظرها بجرأة أكبر وأكثر تنظيماً وإصراراً ووعياً معرفياً يستند إلى مرجعية حقوقية مفاهيمية تعطي قوة للمطالبات في تطوير التشريعات والقوانين التي تمس حقوق المرأة، وهذا ما يمكن تلمسه من خلال تأسيس مراكز للاستماع والتوجيه الأسري والقانوني والنفسي في الجمعيات النسائية سعياً وراء كسر الصمت وصيانة لكرامة المرأة وانسجاماً مع هويتها ورفع مكانتها وبما يتوافق ومنظومة المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وبالتالي فإن حملات المدافعة عن قضايا النساء، تنطلق من مرجعية حداثية توافقية تتقاطع بحكم حراكها الحقوقي بشكل مباشر وغير مباشرة مع النشاط السياسي والثقافي ومع التطور الاجتماعي والاقتصادي الذي يمر به المجتمع، وهذا حتما يتقاطع مع مواقف الحكومة ويتشابك مع مضامين المرجعيات التنموية والحقوقية الدولية في جوانب متعددة، مما يتراءى للبعض بأنها صوت صدى للحكومة أو إنها لا تبالي بأوضاع النساء السياسيات وتهمل قضاياهن، في الوقت الذي سجلت فيه حضورها ومواقفها التاريخية في كل المنعطفات السياسية وشاركت بقدر ما سمح لها الظرف في الحراك السياسي ووثقت مواقفها في الدراسات والإصدارات ومنها تقارير الظل الأول والثاني للسيداو وغيرها.
لقد استطاعت حملات المدافعة عن النساء توسيع دائرة المساندة والتضامن باستنهاض جرأة الحالات التي تعرضت إلى العنف والتعسف من استخدام القانون، فعبرت بأصواتها الجريئة عن حالها المعلق منذ سنوات وما تتعرض إليه من ابتزاز مادي وأخلاقي، الأمر الذي استفز المشاعر واستنطق العواطف الإنسانية وأثار الاستنكار حيال ما تعانية المعلقات من تعسف وعنف ولامساواة وفي هذا مكسب للحركة النسائية البحرينية.
إن ذلك يستوجب على الدولة تبني إصلاحات تشريعية وقضائية وإدارية تضمن تكافؤ الفرص أمام النساء للحصول على الطلاق، والإسراع في معالجة الإجراءات القضائية التحيزية التي تعطل حصولهن عليه، خصوصاً لجهة القوانين والإجراءات التمييزية التي تضع العراقيل أمام المرأة وذلك بهدف تعزيز قدرتها في السيطرة على حياتها وجسمها ومما يمنحها القوة ويقلص مساحة الإفلات من العقاب التي يتمتع بها الرجال حالياً في علاقتهم مع النساء، وأن لا يكتفي المجتمع بالردود التي جاءت في سياق احتواء الوضع واستيعابه في الإطار الديني والطائفي بالاعتراف بوجود مشكلة لكن تفسيرها ووضع الحلول لها لا يزال يدور في رحى إعادة إنتاج السلطة الذكورية ومنظورها التي ترى مكانة المرأة ودورها ينحصر كربة أسرة وأم فقط.
المنامة – 18 نوفمبر 2021
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق