د.منى عباس فضل
- التغيرات الاجتماعية العظيمة مُستحيلة دون ثورة
نسائية، وتقدم أي مُجتمع يُقاس من خلاله وضع المرأة فيه. "كارل ماركس-فيلسوف
ألماني".
- إن المرأة يصيبها إحساس أليم عندما تكتشف تفاهة
الرجل الذي أحبتُه.
"جان
بول سارتر-فيلسوف فرنسي".
- في كل مرة تقف فيها امرأة لتدافع عن نفسها وتدعم
ذاتها، فإنها تدافع عن جميع النساء. "مايا انجيلو- كاتبة وشاعرة أمريكية مدافعة
عن حقوق المرأة".
يبدو أن قوة حملة "معلقات ينتظرن الإنصاف"
وشدتها؛ وتجاوب الرأي العام المحلي والدولي معها، قد استثارت القائمين على حراسة
الفقه والأحكام الشرعية، ناهيك عمن نصبوا أنفسهم مدافعين بالمطلق عن القضايا
الوطنية دون
سواهم.
مخالعة بالابتزاز
يمكن القول أن الحملة حققت عبر وسائل
الإعلام والتواصل الاجتماعي تجاوباً وتفاعلاً مجتمعياً ودولياً وشكلت موضوعاً
رائجاً "ترند"، خصوصاً وقد تخللها عرض لحالات تحدثت لأول مرة عن نفسها وعبرت
عن معاناتها وكيفية تعليق قضاياها التي لا تزال في المحاكم ومنذ سنوات طويلة بسبب
شروط المخالعة التعجيزية التي وضعت أمامهن للحصول على الطلاق، ناهيك عن معاناتهن
عند تسجيل أبنائهن في المدارس أو تلقي العلاج بسبب احتفاظ "الأزواج"
بالوثائق الرسمية الثبوتية من جواز سفر وهويات حتى لو كانت الحضانة عند الأم
المعلقة مما يشكل جريمة وانتقاماً بحق الأطفال.
تميزت الحملة بتصدرها وبحماس من الشابات والشباب؛ ومن منطلق الإيمان الراسخ من الجميع بضرورة وأهمية إيجاد حل جذري لمعضلة "المعلقات البحرينيات" ومعاناتهن في المحاكم الشرعية. نوه المدافعون النشطاء في الحملة بأنهم اعتمدوا مصطلح "معلقات" بمعناه اللغوي والرمزي الذي ولد من رحم المادة "95/2أ" في قانون الأسرة والتي يشترط من خلالها حصول الزوجة على موافقة زوجها ودفع عوض مادي له ليتم تطليقها منه، وقد درج بين الرجال التعنت بمنح موافقتهم على إنهاء العلاقة الزوجية إلا مقابل مبالغ مادية وشروط تعجيزية استهدفت في الأغلب الانتقام والمساومة التي تبقى بموجبها القضايا قابعة دون حراك ضمن ملفات المحاكم، وتبقى معها المرأة ولسنوات في حال، لا هي في وضع متزوجة ولا هي مطلقة، وبالتالي لا يمكنها نيل الحقوق المترتبة من كلا الوضعين.
معاناة متجددة
ومنه فالحملة لم تنزل ببرشوت من الخارج أو
بإيعاز من طرف داخلي؛ إنما انطلقت من منصة شملت عدداً من المعلقات اللواتي يعانين
من أحكام المحاكم الجعفرية، حيث تنعدم البيانات الاحصائية الرسمية بشأنهن، ومع ذلك
استطاعت تقديم حالات مسجلة لدى بعض مراكز الاستشارات التابعة للجمعيات النسائية
فضلاً عن استعانتها بما نشر في الصحافة المحلية التي قدرت مجموع المتضررات على مر
السنوات بالألوف. ماذا يعني هذا؟ يعني ببساطة شديدة، أن المعاناة متجددة ومستمرة.
وعلى الرغم من أن مدافعي الحملة قد نوهوا بوعي ومسؤولية عالية بأن الحملة ومنذ بداياتها لا تسعى إلى التشهير وكسب الرأي العام أو نشر القضية اعبتاطاً حتى وإن ركب موجتها من هو ليس أهلاً لها، وإنما تسعى في الأساس إلى التعبير عن التضامن والتآزر مع جميع الحالات اللاتي يحملن معاناتهن منذ سنوات، إلى جانب محاولة إحداث تغيير فعلي في القانون بما يحفظ للنساء العدالة في قرار الانفصال، إذ لايكفي حل مشكلة عدد من النساء راهناً، فيما يستمر تجدد المشكلة بسبب الثغرات الموجودة في قانون الأسرة.
إتهامات باللادينية
رافق الحملة ردود أفعال متشنجة لا تعالج
قضايا تعليق الطلاق وغيرها، باجتراح حلول جذرية موضوعية، إنما تتعداها إلى مساجلات
وتوصيفات وكيل اتهامات على شاكلة؛ أن من يقود المدافعة هم من تيار
"اللادينية" و"الفكر النسوى" أو "إن وراءها أجندة حكومية
أو خارجية تستهدف منظومة المؤسسة الدينية وقواعدها..إلخ التوصيفات بالقول بأنها "حملة
تحريضية" تتنافى وفتوى المراجع الدينية والمذهبية، بل والمراد منها "هدم
العلاقات الزوجية وتفكيك الأسرة"، فضلاً عن التشكيك في توقيت الحملة واتهام
الاتحاد النسائي البحريني كجهة مدافعة عن حقوق النساء، بأنه نخبوي بدون فاعلية ولا
أرضية شعبية له وإن ما يثيره مجرد زوبعة بدعم رسمي حول فزعة "المعلقات"،
كما تم زجر المدافعات والمدافعين بالقول: "لاتعبثوا بشرع الله..واتركوا الفقه
الجعفري للفقهاء والعلماء..هم يعالجون المشكلات..، لا تكونوا سيفاً بيدهم لضرب
فريق المعارضة..". في كل الأحوال ردود الأفعال هذه أغلبها فقاعية هدفها حرف
الرأي العام عن لب القضية وجوهرها المتمثل في الظلم والتعسف الواقع على
"المعلقات"، بل والتعامل مع قرار الانفصال "بالطلاق" كحق
منفرد للزوج.
في السياق وفي محفل رده على "حملة المعلقات" والقائمين عليها؛ نشر الشيخ هاني البناء عبر قناته في اليوتيوب رداً مطولاً وبالتفصيل على الحملة منطلقاً من خلفيته الشرعية وخبرته في القضايا الأسرية وحلها، معرفاً المعنى الشرعي للمعلقات ومدعياً بأن من وصفن بالمعلقات في الحملة لا ينطبق عليهن الوصف، كما تحدث عن التطليق "للضرر" والمنصوص عليه في قانون أحكام الأسرة والمأخوذ كما ذكر من أحكام الشريعة التي استفاض في شرحها، قائلاً بأن النساء قد تحصلن على هذا النوع من الطلاق وقد تفشلن لأسباب أهمها "صعوبة إثبات الضرر".
دليل إثبات تعجيزي
هنا يستوجب التوقف عند اقراره "بصعوبة
إثبات الضرر" الذي على أساسه يتم رفض التطليق ومن ثم يحكم على المرأة إنها
ناشز إن تمسك الزوج بطلب رجوعها إلى بيت الزوجية؛ وبالتالي تحرم الزوجة على ضوء
هذا الحكم من نفقتها وتدخل في دوامة من الصراعات القضائية والأسرية، مضيفاً بأن على
القاضي أن يحكم بدليل، ما يعنى بأن النساء اللاتي ليس لديهن دليل على الضرر أو
دليلهن غير مقبول من المحكمة لسبب ما أو آخر ليس لديها من حل سوى اللجوَ إلى طلب
الخلع، على الرغم من تأكيده بأن الخلع الواقع من ضرر لا يصح خلعاً، وبالتالي ستبقى
حريتها وحقها في الطلاق مرتهنا في يد الزوج حتى لو كان منحرفاً سلوكياً وغير قادر
على الإيفاء بالتزامات الحياة الزوجية أو ممارسا للعنف عليها، لاشك إن الشروط
التعجيزية "بإثبات الضرر"، ستجعل المئات من الحالات "معلقات"
لسنوات لا هن متزوجات ومستقرات، ولا هن مطلقات يستطعن العيش باستقرار وبشكل إنساني
وطبيعي.
كذلك رسم الشيخ أحد الحلول في حال عدم إثبات الضرر للتطليق حتى تتجنب المرأة وضع الخلع، أن لا تكون وكيلة نفسها في الطلاق، وذلك من منطلق أن النساء في الغالب قد "يتعجلن" ذلك، وإدخال وساطة للإصلاح بين الزوجين "بتوكيل من يطلقها" وكأنها قاصرلا أهلية لها لعدم توافرها على القدرات العقلية والنفسية والجسدية السوية لاتخاذ قراراتها لنفسها وبنفسها، لاسيما وإن الرجال تبعاً له؛ غالبا "أكثر اتزاناً في اتخاذ القرار، فيما المرأة غالباً الأكثر انسياقاً لعاطفتها".
نجد أن الحكم بالإتزان والعاطفة مسألة نسبية، ومن غير الإنصاف إطلاق هكذا أحكام على النساء فيما اثبتن في العالم قاطبة دورهن المتميز في الإرتقاء بمجتمعاتهن ومحيطهن الأسري وحققن عبر مسيرة حياتهن أعلى المراتب من النجاحات العلمية والمهنية، وبالتالي لا يجوز البتة وصفهن بالنقص لملكة التعقل والحكمة ووزن الأمور لما هو في صالح الأسرة والمجتمع وحرمانهن من حقهن في تقرير مصيرهن عند استحالة الحياة الزوجية، وبالمقابل منح الرجال حق تعليق المرأة وابتزازها بذريعة الإتزان. إن في ذلك تشوياً للوعي الجمعي وحرفه عن مسار إيجاد حل جذري لهذه المعضلة اللانسانية. في المحصلة يبقى هذا الخطاب عاجزاً عن تقديم حلٍّ عادلٍ للمعلقات لا سيما ممن أفصحن عن معاناتهن أو لتلك الحالات التي لا تزال قضاياها حبيسة الأدارج أو أروقة المحاكم الشرعية.
منطقياً وقيمياً إن هذا لا يصح البتة، فنحن لسنا بصدد تطبيق "مبدأ العين بالعين والسن بالسن، إذ لو كان الأمر كذلك فعلى الرجل أن يسترجع المهر فقط ولا غير ذلك"، ومن غير الموضوعية أيضاً استحضار مثال "مؤخر الصداق" لماذا؟ لسبب بسيط، كونه لا يشكل تقليداً متبعاً في العرف المحلي ونادراً ما وضع كشرط في عقود الزواج، حيث يؤخذ به فقط عند بعض الأسر من أصول فارسية، وبالتالي لا تتمتع البحرينيات بهذه الميزه التي لا يجوز تعميمها والحكم عليها وهي خارج سياق إيجاد حل عادل للمعلقات.
أين الحل؟
خلاصة الأمر؛ سيبقى هذا الخطاب وعليه ردود
الأفعال المتشجنة أمام محك عملي شديد ومحرج للغاية، لماذا؟، لأن عليهم بداية الاعتراف
بوجود مشكلة قائمة وصفها النائب السابق في البرلمان عبدالجليل خليل في تغريدة له
"بالجريمة"، فهي باختصار مشكلة لابد من التفكير في حلها بشكل عاجل
وبأفضل الممارسات والإجراءات القضائية التي تتناسب والمتغيرات المجتمعية التي تُعْلِي
من مكانة المرأة، وإشراك الأطراف المعنية حرصاً على تحقيق العدالة والانصاف، فالزيجات
الفاشلة العالقة في المحاكم منذ سنوات، والتي تطالب فيها النساء بالطلاق ليست
ثابتة على حال، إنما هي متجددة ومستمرة، وغالباً يأتيهن الجواب على شاكلة: "لا
طلاق إلا بإثبات الضرر"، بغض النظر عن المعاناة الإنسانية وصعوبة إثبات
الضرر المطلوب تبعاً إلى معايير المحاكم الشرعية التعجيزية، أو دفع مبالغ خيالية
"ابتزاز"، أو العودة التعيسة للعش الزوجي الذي صار جحيماً وليس عشاً ذهبياً.
النتيجة، الحملة سعت ولا تزال إلى إنصاف المعلقات وغيرهن من المتضررات، ومن غير العدل الحفاظ على الوضع الشاذ بتقديم تبريرات لا تتناسب وما وصلت إليه المرأة البحرينية من مكانة وما حققته من تقدم، ناهيك عن محاولة حرف المشكلة إلى قضايا السياسة التي لها مجالاتها وأطرها الخاصة بها، كما ليس من الحق حرف مطلب الحملة في تغيير مادة المخالعة "95/2أ"، بقانون الأسرة لمنع تعنت الأزواج، بآراء تطعن في الحركة النسائية وتشويه أهدافها والتحريض عليها، ذلك لأن هذه الحركة ستبقى بمنظماتها وبرغم التحديات مدافعاً مناهضاً للظلم والتمييز الذي تعاني منه النساء البحرينيات وستسعى دائما نحو تحقيق المساواة لما فيه صلاح المجتمع واستقرار الأسرة كونها تتمتع بوعي وإدراك بمسؤولياتها ودورها الريادي. قدموا "الحلول الجذرية" وأوقفوا تعسف الأزواج باستخدام مواد القانون.
المنامة – 12 أكتوبر 2021
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق