منى عباس فضل
غادرتنا اليوم رائدة من رائدات العمل النسائي ومؤسسة من مؤسسات جمعية نهضة فتاة البحرين العريقة. رحلت سيدة من سيدات الزمن الجميل الزاخر بالعمل الاجتماعي والتطوعي اللواتي عرفن بعمق إنتماءهن للوطن.
رحلت الفقيدة "فائقة خليل المؤيد" التى تميزت بعطائها الإنساني وتفانيها الذي دونته في كتاب سيرتها قبل الرحيل وجسدت بين ثناياه ذكرياتها وبصماتها، وهو يعد مرجعاً توثيقياً لمراحل التغيير والتطور الذي مرت به النساء في مجتمعنا المحلي الصغير، فقد مثلت وغيرها من الرائدات أنموذج وملهم لجيل من النساء اللواتي تمردن على زمناً لم يكن بصفهن في أغلب الأحيان ومع ذلك استطعن بقدراتهن اختراقه وبما توفر لهن من وعي وفرص.
نالت الفقيدة شهادتها الابتدائية من مدرسة عائشة أم
المؤمنين في الوقت الذي كان الأهالي يعارضون إرسال بناتهم إلى المدارس، ثم أكملت
تعليمها الجامعي بعد الزواج وتحمل مسؤولية أسرتها الصغيرة فنالت ليسانس الآداب من
جامعة بيروت 1976، وأسست لاحقاً مشروعها الخاص وبدعم من زوجها "روضة البراعم
الصغيرة"، بشأنه تذكر: "بدأت مشواري مع الروضة التي كانت تعمل على مدار
السنة وأيام العطل لحل مشكلة الأم العاملة وتوفير المواصلات برسوم رمزية ولم يكن
هدفي إنشاء مشروع تجاري مربح بقدر تقديم رسالة اجتماعية مهمة نحو وطني، ولم تخل
مسيرة هذا المشروع من عقبات وعثرات".
عن نشاطها في النهضة تسجل شهادتها فتقول: "بعد
إغلاق نادي السيدات عام 1953، بدأت السيدة عائشة يتيم إلى جانب عدد من سيدات
المجتمع وأنا من بينهن بتأسيس تجمع نسائي بحريني أطلق عليه منذ البداية اسم جمعية
نهضة فتاة البحرين، وكان ذلك في عام 1955 بهدف نشر الوعي الاجتماعي والصحي العام
للأسرة والمرأة والطفل، إضافة إلى محو أمية النساء ومساعدة الأسر الفقيرة
والمحتاجة، ومكافحة الأمراض المختلفة، وقد خرجت إلى النور لتصبح أول جمعية نسائية
تؤسس في البحرين والجزيرة العربية، وبعد اعتذار السيدة عائشة يتيم عن رئاسة
الجمعية لظروف صحية ألمت بها، تم ترشيحي لمنصب الرئاسة، ثم بعد سنوات تركت المهمة
للجيل الصاعد، ولا أنسى هنا دور زوجي رحمه الله في تشجيعي على إنشاء هذه الجمعية،
ومساندتي في عملي التطوعي...".
وتستدرك الحديث عن نشاط زوجها السياسي قائلة: "لقد
كان رحمه الله من النشطاء السياسيين في تلك الفترة الحرجة من تاريخ البحرين والأمة
العربية عموما، حتى أنه في عام 1956 تم اعتقاله مع مجموعة من الشباب ونفيه إلى
المعتقل السياسي في جزيرة جدة، حيث قضى هناك ما يقارب السنة، وكنت في تلك الفترة
حاملا، وأنجبت صبيا أسماه زوجي في معقله جمال، تيمنا بالزعيم جمال عبدالناصر، حيث
كان من أشد المؤمنين بالقومية العربية".
في السياق تتحدث الفقيدة فائقة رحمها الله، عن أجمل ذكرياتها وهي تقضي وقتها مع عائلتها في مصيف سماهيج: "أتذكر أننا كنا نتعايش مع الطائفة الأخرى التي تقطن هذه المنطقة بكل محبة ومودة وتراحم، ولم يكن هناك أي ذكر للطائفية أو حتى شعور بها، وكان أهالي المنطقة يستقبلوننا بكل فرحة وسعادة وحب، فحين يرون سيارتنا من بعيد يهرولون إلينا لاستقبالنا بكل حفاوة، وكانت تجمعنا بهم جلسات وسوالف جميلة، وكنا ننتظر هذه الأيام بفارغ الصبر، ونفرش البساط ونجلس طوال الليل نسرد حكايات وقصصا أرويها الحين على أحفادي، وإلى اليوم تجمعني صداقات وعلاقات قوية بنساء كثيرات من هذه الطائفة".
أما عن كفاح المرأة البحرينية ونضالاتها للحصول على
حقوقها السياسية في البدايات؛ فتسرد: "عندما صدر القانون الانتخابي لعام 1972
والذي أسقط حق المرأة البحرينية في المشاركة في الحياة السياسية، تصدت لهذا الأمر
كل من جمعية نهضة فتاة البحرين وأوال النسائية، والرفاع الخيرية الثقافية، وقمنا
بتحركات واسعة وأنشأنا تحالفا كبيراً من مؤسسات المجتمع المدني، وتوجهنا إلى مبنى
دار الحكومة، حيث قمنا بتقديم عريضة عن حقوق المرأة السياسية..." وبالنسبة لمواجهة
الأصوات المعارضة لخروج المراة من المنزل حينئذ؟ تضيف: "أذكر عند إنشاء نادي
السيدات سارعت جماعة الدعوة إلى الإسلام وأصدرت بيانا وسط الفرح العارم بتأسيس
النادي، وكان يطفح بالشتائم والألفاظ البذيئة، واختتم بنداء لمقاطعة هذا المنكر،
ومحاربته وقتله في مهده، وهنا انطلقت معركة اجتماعية طاحنة بين مؤيد ومعارض
للنادي، ولكنه وعلى عكس المتوقع صمد النادي ونشط بدرجة أكبر، وبرز دوره في العمل
الاجتماعي والخيري والتطوعي"؛ هذا وكرمت الفقيدة عدة مرات أهمها حصولها على وسام
الكفاءة من الدرجة الأولى من صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسي آل خليفة.
اليوم واذا نستذكر سيرة الفقيدة الفاضلة فائقة المؤيد، فإننا نقف اجلالا وتقديراً لعطائها وعرفاناً لجهودها وانسانيتها، نترحم على روحها الطاهرة راجين لها الرحمة والمغفرة من رب العالمين.
المنامة – 19 فبراير 2021
ربنا يرحمها ويغفر لهاويدخلها فسيح جناته كانت كريمه وعظيمه وانسانه خلوقه
ردحذف