منى عباس فضل
في تجليات الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش
ومن ثقل وطأة معاناة التشرد والغربة وضياع الوطن، كتب:
"آه يا جرحي المكابر وطني
ليس حقيبةً وأنا لست مسافرْ..إنني العاشق والأرض حبيبة..".
واستفاض وغرد "سجل..أنا
عربي أنا إسم بلا لقب يعيش بفورة الغضب.. جذوري قبل ميلاد الزمان رست وقبل تفتح
الحقب.. سجل أنا عربي.. أنا من هناك ولي ذكريات.. ولدت كما تولد الناس.. لي والدة
وبيت كثير النوافذ.. لي إخوة.. أصدقاء.. وسجن بنافذة باردة.. ولي موجة خطفتها النوارس..
لي مشهدي الخاص.. لي عشبة زائدة.. ولي قمر في أقاصي الكلام، ورزق الطيور، وزيتونة
خالدة.. مررت على الأرض قبل مرور السيوف على جسد حوّلوه إلى مائدة".
وهو ذاته الفلسطيني اليوم يغرد مع دوريش "أرضنا ليست
بعاقر كل أرض، ولها ميلادها.. كل فجر وله موعد ثائر..".
وهو ذاته الفلسطيني الذي
انطلق منذ أيام بحملته التويترية للعالم حاملاً جرحاً غائراً مستهدفاً حسابات
مسؤولين بريطانيين على رأسهم رئيسة وزارء بريطانيا تيريزا ماي التي لم تخجل وهي
تتجرد من إنسانيتها أمام العالم لاستكمال فصول التآمر وأول النكبات بجريمة الاحتيال
وخيانة الأمانة التي بدأتها بريطانيا بمساعدة الدول الاستعمارية قبل مئة عام وتحديداً
في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 1917 على يد وزير خارجيتهم آنذاك آرثر جيمس بلفور
الذي كتب خطاباً إلى أحد زعماء اليهود رؤتشيلد يعلن فيه تأييد حكومته إنشاء وطن
قومي لليهود في فلسطين.
بذلك وضع بلفور حجر
الأساس للعصابات الصهيونية التي أعدت وجهزت وتسلحت واغتصبت فلسطين بمساعدة
بريطانيا والدول الاستعمارية الأخرى وأوصلت فلسطين الأرض والشعب لما آل إليه الحال
اليوم.
وعد بلفور كان اللبنة
الأساسية في تكوين دولة إسرائيل على الأرض العربية الفلسطينية، وها هي اليوم في
زمن الذل وخذلان الأنظمة العربية تأتي تيرزا ماي مجدداً لتستفز المشاعر العربية
والفلسطينية حين تؤكد بأن بلادها ستحتفل "بافتخار" بمناسبة الوعد، أي
وقاحة وأي جريمة عصرية تضاف إلى جرائمهم، وأي كارثة استراتيجية لحقت بهذه الشعوب.
تقول ماي بأنهم فخورون
بالدور الذي لعبوه في إقامة دولة اسرائيل، يعني أنهم فخورون باغتصاب فلسطين وبتشريد
ملايين الفلسطينيين في الشتات وقتلهم وتجويعهم وإيداعاهم في سجون دولة الاحتلال
الإسرائيلية ومعتقلات كيان العدو العنصري الصهيوني.
هبت حملة الـ "هاشتاج (#Balfour100)"، بنشاط وهمّة لا تلين لتكسر
طوق الخذلان الذي تفرضه الأنظمة العربية الاستبدادية المتهافتة على التطبيع مع
كيان العدو الصهيوني لكي تفتح أبواب الأوطان له في تحد صارخ لشعوبها الرافضة لهذا
التطبيع والإذلال.
حملة الـ"هاشتاج (#Balfour100)" طالبت الحكومة
البريطانية بالإعلان رسمياً عن عدم شرعية وعد بلفور، والاعتذار رسمياً للشعب
العربي والفلسطيني على ما ألحقه وعدها المشؤوم بهم وما خلَّفه من نتائج ومعاناة
وأضرار، لاسيما لدور الاستعمار البريطاني في تسليح وتدريب العصابات الصهيونية التي
اغتصبت أرض فلسطين وشردت أهلها، طالبتهم بالاعتراف والإقرار بمسؤوليتهم التاريخية والأخلاقية
والقانونية والإنسانية عن كافة الأضرار، والتأكيد على حق العودة والحرية، وسعت للتوعية
بمعنى "تصريح بلفور" تاريخياً وسياسياً وقانونياً والكشف عن تفاصيله
الخفية، وحتى مقارعة الاحتفالات الصهيونية بهذه المئوية، وتأكيد مسؤولية الاستعمار
الغربي عامة والبريطاني خاصة عن وعد بلفور المشؤوم ونتائجه المدمرة.
نفضت الشعوب العربية
الحية عن إرادتها غبار القمع وتكميم الأفواه في نضالها، ونفذت العديد من الفعاليات
أمام السفارات البريطانية في عدة بلدان عربية وأجنبية، تصدرتها وقفات احتجاجية
أمام السفارات البريطانية، رفعوا راية الأعلام الفلسطينية ملوّحين بالكوفية وشارات
النصر، ومنهم من أكد في حملته رفضهم لوعد بلفور منددين بذلّ الحكومات التي أبرمت
المعاهدات مع العدو وبمن يزحف تجاه أبواب التطبيع، وهي بذلك - أي الشعوب - تميز في
لحظة تاريخية مواقفها عن موقف حكوماتها التي انغمس بعضها في طريق مصداقة إسرائيل
والتحالف معها على حساب الشعوب العربية التي لاتزال متمسكة بتحرير فلسطين وبحق
العودة لشعبها المشرد.
احتلال أرض فلسطين والتطبيع مع العدو المحتل وضعٌ
لا تقبله الشعوب العربية ولا يليق بها في عصر تحررت فيه شعوب العالم من نير
الاستعمار وتعاظمت فيه ثقافة حقوق الإنسان ودعوات السلام القائم على العدالة والحق
والمساواة، ومع أرواح الشعب
الفلسطيني تتغنى الشعوب العربية في نضالها اليوم بـ"نشيد الرجال" لمحمود
درويش وهي تستلهم القوة والإيمان العميق بعدالة القضية الفلسطينة.
"لا قهر ولا إذلال ..، لأجمل ضفة أمشي، فإمّا
يهترئ نعلي، أضع رمشي، نعم ..رمشي!، ولا أقفُ، ولا أهفو إلى نوم وأرتجف، لأن سرير
من ناموا، بمنتصف الطريق...، كخشبة النعشِ!، تعالوا يا رفاق القيد والأحزان، كي
نمشي، لأجمل ضفة نمشي، فلن نقهر ولن نخسر، سوى النعشِ!
وتبقى تغريدة الـ "هاشتاج (#Balfour100)"، طاغية الحضور مهيبة في معانيها، عام يرحل وآخر يأتي وكل شيء فيك يزاداد
سوءاً يا وطني... لكننا لا نتوب عن أحلامنا مهما تكرر انكسارها" لا نتوب عن حب
أوطاننا والدفاع عنها مرددين مع الفلسطيني:
"يما .. مويل الهوى
" يمّا .. مويليّا...........
منى
عباس فضل
المنامة-
4 نوفمبر 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق