السبت، 12 أكتوبر 2024

الإعلام كأداة تنوير واستنهاض لقضايا الإصلاح السياسي

 

د.منى عباس فضل

 الحديث عن التنوير والاستنهاض لقضايا الإصلاح السياسي يعني ما يعنيه من وجود خللاً ما في المنظومة السياسية والمؤسساتية للدولة، هذا الخلل غالباً ما يترافق بدعوات للإصلاح من قوى التغيير في المجتمع كالأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية والمثقفين والمفكرين الذين يعبرون عن حاجة المجتمع إلى إحداث التغيير والانتقال به إلى وضع أفضل في الأداء السياسي والمؤسساتي للدولة، بل وإنجاز أهداف تحقق تطلعاته واحتياجات أفراده الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. 

بهذا المعنى يمكن القول؛ أن الاصلاح السياسي مفهوم دينامي يعبر عن رغبة ملحة في التغيير واستبدال الوضع السياسي القائم بوضع آخر أفضل منه؛ وبالتالي تحقيق أوضاع سياسية تلبي تطلعات قوى المجتمع واحتياجات أفراده وترتقي بهم، ما يعني أن الإصلاح السياسي حركة ارتقاء من وضع يشوبه الخلل والفساد وسوء إدارة مؤسسات الدولة وتوزيع الثروات العامة وغياب العدالة والمساواة في الفرص المبنية على القدرات والكفاءات، إلى وضع يحد من كل هذا الاختلال والفساد وسوء الإدارة ويحقق عدالة أكبر في التوزيع وتكافؤ الفرص.

كما يستند الإصلاح السياسي على ركائز للبناء الديمقراطي، لها علاقة بحرية الرأي والتعبير خصوصاً حرية الصحافة والنشر والإعلام، والتي يمكن قياسها عبر التعرف على مستوى سيطرة الدولة على وسائل الإعلام وممارسة دورها الرقابي على أداء السلطة التنفيذية، فضلاً عن التعددية السياسية والحزبية؛ إذ لا ديمقراطية من دونها، فهي التي تفضي إلى خلق تيارات وأحزاب وتكتلات وجماعات ضغط ومصالح، تنخرط في آليات العمل الديمقراطي الانتخابي، أما الركيزة الثالثة فتتمثل بوجود برلمان يراقب ويشرف على السلطة التنفيذية ويخطط معها، وقوانين انتخاب تحد من تدخل السلطات في العملية الانتخابية وتوجيهها، إلى جانب مؤسسات المجتمع المدني، حيث لا يمكن إرساء قواعد الشفافية والمساءلة، دون نشاط الأخيرة الرقابي وبدون عوائق وضغوط. 

في هذا الشأن يشير الباحثين إلى إن من أصعب مراحل عملية الإصلاح السياسي، هو إحداث التغيرات البنيوية والقيمية المشار إليها والتي تمس البني الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، ذلك لأنها -أي عملية الإصلاح- مركبة ومعقدة ومتشعبة تتداخل فيها المصالح، وتختلف حولها الآراء والتصورات التي تتجاذب القوى السياسية والاجتماعية على اختلافها، وبالتالي فهي -أي قضايا الإصلاح السياسي-  بحاجة إلى تحديد رؤية واضحة بشأنها وأهداف محددة وخطة عمل طويلة، بل وتعاون وثيق ومستمر بين القوى السياسية والاجتماعية والفعاليات الاقتصادية ومؤسسات المجتمع المدني ومراكز صنع القرار السياسي؛ من أجل تقديم حلول للمشكلات التي تواجه المجتمع، هذه الرؤية لابد وأن تكون مدعومة بدارسات منهجية تحدد مكامن الخلل وماهيته في المجتمع السياسي السائد، كما تحدد القوى الاجتماعية المستفيدة من هذه العملية، بتحليل أولوياتها ومصالحها والبحث عن الآليات والمقاربات الإعلامية اللازمة لتنويرها وتوعيتها بشأن قضايا الإصلاح السياسي(1). 

وعليه لا عجب إن تعددت مسارات الإصلاح السياسي في المجتمعات وتداخلت بالمسار السياسي والاجتماعي والقانوني والإداري والاقتصادي، وذلك ضمن توازنات سياسية لها علاقة بتعديل التشريعات والأنظمة الانتخابية وإصلاح قوانين الأحزاب التي تعزز من هذه التعددية إضافة إلى الحريات الصحفية والإعلامية كشرط وذلك بإفساح المجال لها للنقد والمراقبة الجادة للسياسات والخطط والممارسات العامة لرموز الأنظمة الحاكمة، وإعادة ترتيب الأولويات التي تتبنى برامج تركز على مسارات الإصلاح السياسي والإداري والقانوني وبما تتطلبه العملية الإصلاحية برمتها من مهارات سياسية تعمق من نهج التوافق السياسي العام.

بين الإصلاح والإعلام

في هذا الشأن نجد إن بروز قضايا الإصلاح السياسي والمطالبة به برزت في بلداننا العربية خلال العقدين الأخيرين اللذين تخللتهما الاحتجاجات الاجتماعية والسياسية وتفجرت فيهما الانتفاضات المتكررة بالمطالب النقابية والسياسية المعارضة لأنظمة الحكم، والتي تسبب فيها انتشار آفة الفساد واحتكار طبقة أو فئة قليلة بالثروة واتساع شرائح الطبقات الاجتماعية الفقيرة والمحرومة من الخدمات الأساسية كـ"التعليم والصحة والعمل والضمان الاجتماعي ومن نصيبها في الثروة الوطنية" في ظل تقييد للعمل السياسي وتصحير لنشاط مؤسسات المجتمع المدني وتقييده، والحد من حرية الصحافة واحتكار وسائل الإعلام التي تعمل بلا هوادة على تدجين الرأي المجتمعي، حيث تؤطر الدولة النشاط الإعلامي وتخضعه بما يحدث من تشويش وإدارة من الدولة العميقة له؛ فأكثر الدول فساداً كما تفيد دراسة حديثة: "هي تلك البلدان التي يغيب فيها دور الإعلام كسلطة رابعة، وذلك لكونه مملوكاً للدولة ويبرّر سياساتها، وإمّا مملوكاً لمن يدورون في فلكها من أقارب ورجال أعمال لتحقيق الكسب الاقتصادي". 

وقد لاحظنا كيف إن مطالب الإصلاح والتغيير قد بلغت مداها في سياق ما أطلق عليه "بثورات الربيع العربي" ومع تأثيرات الأزمات الاقتصادية وانخفاض معدلات النمو ومع انتشار الجائحة؛ فكل هذه الأزمات وتلك كانت ولا تزال تنذر بكوارث مفتوحة تتسع دوائرها بما تكرسه من فوراق اجتماعية وطبقية وما تنتجه من فقر وهشاشة اجتماعية في ظل الفساد وسوء الإدارة؛ والحال هكذا يجوز طرح السؤال عما يمكن للإعلام القيام به من دور كأداة للتنوير واستنهاض لقضايا الإصلاح السياسي؟

التحولات الإعلامية

تتنوع وسائل الإعلام في مجتمعاتنا العربية كما غيرها، وتتعدد في أشكالها ما بين "التلفزيون والإذاعة والصحف والمجلات رغم تراجع دورها الورقي مع تقدم الإعلام الرقمي، والإعلام الرقمي من "ويب ومنصات التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية" التي توفر محتوى متنوع وتفاعلي من خلال تبادل الأخبار والفيديوهات والمقالات والصور، إلى جانب الوسائل الاجتماعية "فيسبوك، منصة أكس، الانستغرام، ولينكدان..إلخ"، وهي تستخدم للتواصل الاجتماعي ومشاركة المحتوى الشخصي والمهني، وهناك الأفلام والسينما، التي تعد أيضاً وسيلة لنقل القصص والتعبير عن الفن والثقافة، والكتب التي لا تزال وسيلة هامة لنقل المعرفة والثقافة سواء أكانت مطبوعة أو إلكترونية ووسائل الاعلام الاجتماعية، بما تشتمل عليه من "YouTube, TikTok, Snapchat" وغيرها من المنصات التي تسمح للأفراد بمشاركة مقاطع الفيديو والصور والمحتوى القصير وتلعب دوراً كبيراً كأداة تنوير وتشكيل للوعي المجتمعي وبلورته واستنهاضه نحو قضايا المجتمعات وأبرزها قضايا الإصلاح السياسي. 

تتفق الكتابات الكلاسيكية على اضمحلال الحدود وتقارب المسافات لعبور الأدوات الإعلامية مرحلة جديدة من التحولات الجذرية بسبب التقدم التقاني والثورة الاتصالاتية والذكاء الاصطناعي، حيث أصبحت المنصات الإعلامية وأدوات التواصل الاجتماعي تقوم بدوراً مهماً وأساسياً في بناء الوعي وإعادة تشكيله من خلال استقبال المعلومات وإعادة بثها، وبالتالي فأن لدورها تأثيراً كبيراً في انتقاء محتوى المادة الإعلامية وتدويرها والارتقاء بالوعي أو الانحطاط به عبر نشر الشائعات وتزوير الحقائق وتزييف الوعي وتدجينه، لم لا والدور الذي تؤديه خطير في نقل الآراء والمواقف والأخبار بشكل متداخل فيما بينها؛ بصورة إيجابية أو سلبية، فهي أما أن تساهم في تعزيز الوعي الجمعي نحو قضايا الإصلاح السياسي وما يدور حولها من تداول ونقاش منتج واحترام الرأي الآخر وافساح المجال للمشاركة والمتابعة وتبادل الآراء؛ وأما أن ترسخ عبر ممارساتها وأهدافها من قيم واتجاهات سلوكية لا تتناسب وما تعمل عليه برامج الإصلاح السياسي، خصوصاً وإن أصحاب المصالح والمتنفذين في دوائر السلطة الرسمية ممن يحتكرون الإعلام ويسيطرون على المادة الإعلامية السياسية المتداولة والإيديولوجية أو التجارية التي يتم توجيهها للأفراد ولتشكيل الرأي العام للجماعات؛ وهم قلة قليلة، هذا من ناحية.

إشكالية أداة الإعلام

ومن ناحية متصلة، تؤكد الدراسات المتوفرة، بأن الشفافية وما ينتج عنها من قدرة على المساءلة تعتمد -إلى حدّ كبير- على وجود إعلام حرّ قادر على نشر الأخبار وإجراء التحقيقات، وكشف الأخطاء، فالإعلام المسموع والمرئي والمكتوب تتمثل مهمة أعضائه في تحفيز السياسيين على النزاهة والأمانة من خلال طرح الأسئلة بأشكالها ومتابعة الإشاعات والتدقيق على الإجراءات وتمحيص العقود والمناقصات، وعدم القبول بالإجابات العامة وغير المقنعة، فالإعلاميون كما يقول أحد المختصين –"يمكنهم تحويل الفساد من سلوكٍ ذي مخاطرةٍ منخفضةٍ وربح مرتفع إلى سلوكٍ عالي المخاطرة ومنخفض الربح"، وكذلك هم الذين يبثون روحاً في المعلومات إذا توفرت عبر نشرها على نطاق واسع، وتحليها وعرضها على المجتمع بأكمله، مما يلزم بقية المؤسسات -كالقضاء- بمتابعة من نشير هذه المعلومات إلى تورطه في الفساد، وينقل عن نيلسون مانديلا قوله في كلمه له في براغ عام 1992: "لا أستطيع أن أضع ثمناً على أهمية الإعلام الحر والمستقل.. فهذا الإعلام هو الذي يهذّب غرائز الحكومات في مراكمة النفوذ على حساب المواطنين"(2)، ويجمع الباحثين إلى أن أغلب وسائل الاعلام في بلداننا العربية لا تتمتع بأي استقلالية حيث تسيطر عليها الحكومات وتحتكرها؛ "فأكثر من (70%) من القنوات الفضائية" تعمل تحت إشراف الدولة التي تمتلك وكالات الأنباء وتخضع لرقابتها(3). 

في السياق تشير الدراسات إلى أن الأفراد يقضون معدلات عالية من ساعات يومهم أمام وسائل الإعلام مما يجعل تأثيرها عليهم عميق وجوهري، فقد كشفت دراسة حديثة بأن الاستخدام اليومي لوسائل التواصل الاجتماعي قد زاد بنسبة (55%) مقارنةً بالعقد الماضي في عام 2013 بساعة واحدة و37 دقيقة، وإن إجمالي عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في العالم يُقدر بنحو (4.76 مليار) وهو ما يمثل (59%) من سكان العالم(4)، فيما يقول مدير قسم الاتجاهات الرئيسية لدى "غلوبال ويب إندكس": "بات مستخدمو الإنترنت يقضون أكثر من ست ساعات على الشبكة يومياً، وثلث هذا الوقت مكرّس لوسائل التواصل الاجتماعي،.. كما بات معدل التصفح اليومي لوسائل التواصل الاجتماعي موضوعا له أهميته، وتُعدّ المدة التي نقضيها على تلك المنصات يوميا إحدى أهم وسائل قياس هذا النشاط، وقد ساعد التطور الذي تشهده الهواتف الذكية في سهولة رصْد ذلك الأمر"(5). 

أهمية الإعلام وخطورته

وهذا يقود إلى الحديث عن أهمية وسائل الإعلام وخطورة دورها كأداة في تنوير واستنهاض للرأي العام في قضايا الإصلاح السياسي؛ ومن كونه أداة لإعلام أفراد المجتمع بما يحدث ونقل المعلومات والأخبار إليهم من مصادرها المتعددة وبسرعة قياسية، وبالتالي فهي تمكنهم من الاطلاع على مجريات الأحداث ووجهات النظر والتحليلات والأفكار حولها عبر وسائل الإعلام المختلفة، إضافة إلى توجيه واستقطاب انتباههم إلى قضايا الإصلاح السياسي ومواضيعه المهمة وإشكالياته، من خلال نشر التقارير والتحقيقات التي تساهم في تسليط الضوء على قضايا الشأن العام وتوجيه الاهتمام نحوها، إلى جانب توعيتهم بكافة القضايا الاجتماعية والبيئية والصحية والسياسية والاقتصادية بما توفره من معلومات تساعدهم على فهم تلك القضايا بشكل أفضل. 

ما يعني أن أداة الإعلام تلعب دوراً مهماً في تشكيل الرأي العام وتوجيه آراء الأفراد من خلال تقديم معلومات وتحليلات وآراء مختلفة مما يخلق تأثيراً في عملية اتخاذ القرارات والتحفيز على التفكير والنقاش، وهناك قضية مهمة يلعب فيها الإعلام دوراً مهما أيضاً في قضايا الإصلاح السياسي تتعلق بالمساءلة والشفافية عبر مراقبة الحكومات والمؤسسات والشركات وضمان المساءلة عند حدوث فساد ما أو سوء تصرف، كما يمكنه الكشف عنه والمساعدة في تحقيق الشفافية، وكل هذا وذاك يعزز من الممارسة الديمقراطية ومفهومها خصوصاً بتوفير المعلومات للناخبين وتشجيعهم على المشاركة السياسية والمدنية. 

على مستوى البلدان العربية، صحيح أن هناك تقدماً قد أحرز في تطوير البنية التحتية لوسائل الإعلام والاتصال الحديثة وتقانة المعلومات بل وفي انتشار التعامل مع الانترنت وتوسيع هامش الحرية ومحاولات الإصلاح والانفتاح السياسي، غير إن الواقع أثبت خلال هذين العقدين بأنه لا يزال كل ذلك محكوماً بأمرين مهمين الأول منهما: 

الأول يتعلق بتدخل الحكومات العربية في وسائل الإعلام وتحكمها فيه لأغراض الدعاية والتعبئة السياسية والاجتماعية والفكرية وللشحن العاطفي والنفسي لصالح الأنظمة والقادة وتوجهاتهم السياسية والإيديولوجية التي تعالجها بصورة مباشرة ومعلنة أو غير مباشرة ومضمرة؛ وفي كلتا الحالتين تسعى هذه الأنظمة إلى قولبة الفرد في أطر معينة محددة في ضوء الأهداف التي يتصورها قادة هذه الدول وفي مصلحة مشاريعهم للإصلاح السياسي بذاته، وبالتالي تبقى هذه الأدوات الإعلامية تعبيراً فاقعاً عن احتياجات الأنظمة لا الشعوب، حيث تستهدف قولبة المواطن العربي في ذهنية معينة وبأبعاد محددة قد تزيد من سلبيته وقلة مشاركته في الحياة السياسية. 

ويرى بعض المحللين؛ بإن مضمون الاتصال في عالمنا العربي سواء -أكان إعلامياً، أو جارياً في إطار التثقيف العام- لا يحتوي في الغالب على ما يحتاجه عامة الناس أو ما يساعد على تكوين شخصية الإنسان العربي ووعيه بمشكلاته وقضايا وطنه، إلا في حالات استثنائية، حيث ترى هذه النظم الاتصالية أن من مصلحتها اطلاع المواطن على ما تريده هي في ظل تجاهل وعدم اهتمام بالاحتياجات الأساسية لفئات عريضة من المواطنين، فالطرح أحادي البعد للمسائل الحيوية في السياسات العامة ولا يعبر في الأغلب عن الواقع وهناك تجاهل تام للقضايا والمشكلات الحيوية التي تمس المواطن؛ مقابل الانغماس في القضايا السطحية وتحويل الانتباه وتغييب الوعي عن القضايا الأساسية، كما ينتشر الاسراف المبالغ فيه في الاهتمام بالرياضة لقولبة الاهتمامات، ويعمل الإعلام الرسمي على إبراز الإنجازات وتضخيم الانا الوطنية بصورة غير موضوعية، والنتيجة تزييف للوعي العام(6). 

وأما الثاني، فيتمثل في شيوع المادة الترفيهية على حساب المهمات والخدمات الأخرى، الأمر الذي يجعل مشاريع الإصلاح السياسي في مواجهة تحديات صعبة في ظل التحولات العالمية والتبادل الحر للمعارف على شبكات التواصل. 

محددات وضوابط أداة الإعلام

من هنا وحتى يلعب الإعلام دوراً مهماً ورائداً في استنهاض الوعي العام لقضايا الإصلاح السياسي، لابد وأن يقوم بمعالجتها وأن تحكمه محددات وضوابط من خلال خطاب واضح لقضايا الإصلاح السياسي وأن يترافق الأخير بممارسة ديمقراطية ضمن نموذج دستوري وسياسي كأولوية، فضلاً عن تشريعات وقوانين تعزز من هذه الممارسة وأن تطلق حرية عمل الأحزاب السياسية وتعددها وتمكين النقابات ومؤسسات المجتمع المدني من ممارسة أنشطتها بحرية؛ ولابد أن يكون لقضايا الإصلاح خطة متكاملة ذات أولويات واضحة، وحلول تتناول تعديل الدستور والنظام الإداري والقوانين والتشريعات. 

إن آلية الإعلام التي يمكنها مواجهة تحديات الإصلاح السياسي يستوجب أن تتوافر على سمات وشروط محددة للتأثير في استنهاض الرأي العام حول قضاياه وأهميتها(7)؛ ومن أبرز تلك السمات ما يلي: 

1.أن تتسم هذه الآلية بالدقة وبالكفاءة والفعالية والشفافية في إمداد الرأي العام بالحقائق التفصيلية المتعلقة بقضايا الإصلاح السياسي وفي قدرتها على التعبير بصدق وشفافية عن الحقائق والأحداث دون تحريف أو تزييف للمعلومات، فضلاً عن قدرتها على تحليل الأحداث وتقديم تفسيرات مفهومة وموضوعية للناس، ومواجهة نشر الشائعات والاهتمام بنقل الأحداث بالتواجد في مناطقها والاهتمام بالمادة المصورة المعبرة عن حقيقة الموقف. 

2.الاهتمام بالتقارير والتحليلات والتعليقات الإخبارية المتعلقة بقضايا الإصلاح السياسي وبالمواد الوثائقية المصاحبة للتغطيات الإعلامية والصحفية التي تفسر أهمية المشاركة في برامج الإصلاح السياسي. 

3.الاهتمام بالتصريحات الرسمية والسياسية التي تساعد على تشكيل اتجاهات الرأي العام تجاه قضايا الإصلاح السياسي، والبحث والاستقصاء للعثور على القصص والأحداث الهامة ذات المغزى الذي تفيد الناس والتفاني، بجدية واجتهاد في نقل الأخبار بدقة وموضوعية وتحقيق التوازن في التغطية. 

4.مواجهة التحديات والتهديدات والانتقادات والمشاكل التي قد تنشأ نتيجة تقديم المعلومات الصادقة والدقيقة، مع الحرص على تبيان النواقص والاختلالات لكسب المصداقية والتعامل بموضوعية مع الأحداث. 

5.الالتزام بالنزاهة وبمبادئ وقوانين وأخلاقيات مهنة الصحافة ومعاييرها وتجنب الفساد والتحيز وحماية خصوصية الأفراد. 

6. المحافظة على الاستقلالية وعدم التأثر بالتوجهات السياسية أو الاقتصادية أو الشخصية، خصوصاً وإن للإعلام تأثير كبير على المجتمعات في مجال خلق الرأي العام وما يبثه من رسائل ضمنية -عبر من يتحكم فيه من ممولين أو متنفذين أو عامل خارجي- يؤثر على المجتمع مباشرة وتوجيه الرأي العام نحو قضية ما. 

7. الالتزام قدر المستطاع بالمصادر الموثوقة؛ ومواجهة الضغوط والتهديدات التي قد يتعرض لها الإعلامي أثناء تغطيته للأحداث. 

8. المتابعة المستمرة، بفتح قنوات الاتصال المباشر بين وسائل الاعلام والجمهور لتلبية حاجتهم إلى الفهم والمعرفة، والتوازن في عرض وجهات النظر المختلفة وإتاحة فرص الحوار والنقاش حول ما يحدث على الساحة السياسية. 

خلاصة الأمر؛ الإعلام أداة تنوير واستنهاض لقضايا الإصلاح السياسي الذي يمثل مرتكزاً في البناء الديمقراطي في أي مجتمع من المجتمعات، ولا يمكن لهذه الأداة المهمة والخطيرة القيام بدورها بكفاءة وفعالية في هذه العملية دون إعلاميين ملتزمين بنزاهة وأخلاقيات المهنة بعيداً عن الفساد والمحسوبية والتفاهة.

- شاركتُ بهذه الورقة في مؤتمر الإعلاميات العربيات التاسع عشر في العاصمة عمان بالاردن في الفترة ما بين 7-8 أكتوبر 2024، والذي أقيم تحت شعار "فرسان الحقيقة". 

المصادر والمراجع: 

1.  خالد رحموني، الصراع السياسي حول الإصلاح: المنظور، أنماط الخطاب وتدبير المصالح، 11 فبراير 2013، أنظر رابط هسبريس:

https://www.hespress.com/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B8%D9%88%D8%B1%D8%8C%D8%A3-116062.html

2.  د.يوسف خليفة اليوسف، الفساد في البلدان العربية النفطية: رؤية شاملة، ط1، جسور للترجمة والنشر: بيروت، لبنان 2020، ص 101.

3.  غدنز (أنتوني)، علم الاجتماع، ط4، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2005، صفحة 500.

4.  أنظر "المتوسط العالمي ساعتان ونصف يوميا .. أطول الدول قضاء للأوقات على مواقع التواصل الاجتماعي"، 2023/08/20

https://www.argaam.com/ar/article/articledetail/id/1664765

5.  أنظر؛ ما الدول التي يقضي سكانها أطول الأوقات على مواقع التواصل الاجتماعي؟ 10 سبتمبر2019، https://www.bbc.com/arabic/art-and-culture-49639603

6.   شجن العلك، دور الإعلام في مواجهة الأزمات السياسية pdf2019.

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق