منى عباس فضل
من الواضح إن المؤلف يميل في مقاربته إلى مفهوم الفقر الذي
يُحدد بالنقص الحاد في الموارد مقابل حاجات الفرد الأساسية، بمعنى تدنى مستوى
المعيشة وانخفاض استهلاك الغذاء وتدنى المستوى التعليمي والوضع الصحي والحرمان من
السكن ومن توفر وامتلاك السلع والبطالة وأشياء كثيرة؛ بيد إن الدراسات بينت أن
خطوط الفقر تختلف أختلافاً كبيراً بين الدول، وإن الدول الغنية لا تنكر وجوده وتستخدم
معايير أكثر سخاء من الدول الفقيرة، ويُعتمد فيها مقاربات وأساليب متعددة لقياس
الفقر ومؤشراته؛ كمقياس المنافع والمساعدات، وقياس حصة الفرد من السعرات أو
البروتين التي يؤخذ عليها كنظرية إغفال متطلبات الفرد الأساسية في الصحة والتعليم،
وقد برز حديثاً مؤشر الفقر المتعدد الجوانب الذي أطلقته "جامعة أكسفورد"
لقياس مستويات الفقر والمساعدة في وضع برامج إنمائية تستهدف الفئات التي تعاني منه،
وهو يعتمد عوامل متعددة على مستوى الأسرة، كالتعليم والصحة والممتلكات والخدمات
الأساسية كالكهرباء والصرف الصحي وغيرها مما ينظر إليها بصورة متكاملة.
فقر البحرين
على المستوى البحريني، غالباً ما يُحاجج حول وجود الفقر
من عدمه، وحيث يصعب الأخذ بمفهوم الفقر المطلق الذي يحدد خطه قياساً على مدى توفر
الحاجات الضرورية للفرد، وهذه نسبية، خصوصاً وبعض الاقتصاديين يجدونه نسبي ويمكن
قياسه على أساس نسب معينة من مقياس الرفاه "كالدخل الوسيط"، ولهذا فأن
ما خلص إليه تقرير "الأسكوا" بوجود فجوات كبيرة في الإنفاق وتكلفة
المعيشة لكل أسرة بين بلدان مجلس التعاون الخليجي، يعكس وجه من أوجه عدم المساواة،
فقد ذكر بإن البحرين تحتل المرتبة الثالثة بنسبة فقراء تبلغ (7.5%) عام 2022
مقارنة ب(6.8) عام 2010، وفي هذا تأكيد على وجود فقر وفقراء لمن ينكرون ذلك، وأن تقديرات
"الأسكوا" لمتوسط الإنفاق الشهري للأسرة البحرينية يبلغ (1,548د.ب) فيما
خط الفقر الشهري المقدر لها يمثل (490د.ب)، مضيفاً بأن معدل فقر الدخل لدى
المواطنين في بلدان مجلس التعاون الخليجي قد انخفض منذ عام 2010، باستثناء الكويت
والبحرين التي زاد فيها على نحو طفيف. هنا يحذر البعض من فخ البيانات الإحصائية
بشأن تراجع معدلات الفقر؛ ليس في هذا التقرير فقط وإنما في التقارير الوطنية والدولية
أيضاً، حيث يشكل الفقر ظاهرة مركبة اقتصادية، اجتماعية، سياسية، نفسية، وثقافية؛
وغالباً ما يُخضع في دراستها وتحديدها لاعتبارات الوضع السياسي وما يحدده من مؤشرات
بما لا تعبر عن حقيقة الفقر وتنوعه.
مؤشرات الأسكوا
عند مقاربة مؤشرات "الأسكوا" وما كشفته إحصاءات
الدخل الشهري للبحرينيين العاملين من الجنسين لعام 2022 كما في الجدول والشكل
التالي؛ سنجد أن أعلى نسبة منهم بعدد (45,160) ونسبة (46%) لا تتجاوز مداخيلهم
الـ(500 د.ب) وهم نسبة كبيرة يتطابق وضعها وخط الفقر الشهري الذي قدرته الأسكوا
للأسرة البحرينية، اللافت أن أقلهم دخلاً هن النساء اللاتي يمثلن نسبة (36%)
مقارنة بالرجال الذين يمثلون نسبة (64%).
لامساواة بالمظلة الحمائية
وماذا عن أوضاع المتقاعدين المعيشية من حيث المداخيل؟
تكشف إحصاءات هيئة التأمينات الاجتماعية لمن يعتاشون على
مرتباتهم التقاعدية من القطاعين العام والخاص إنهم بلغوا (76,685) من الجنسين
وبمتوسط معاش تقاعدي (789 د.ب) وتصل نسبة النساء منهم (36%) فقط، فيما يتبين أن
الوسيط للمعاشات الشهرية لهذه الفئة في القطاع الخاص بلغ (413 د.ب)، ماذا يعني
هذا؟
يعني أنه مؤشر لدخل أدنى من خط الفقر الشهري الذي قدرته "الأسكوا" للأسرة البحرينية ومستوى انفاقها شهرياً حتى مع افتراض أن الزوجين يعملان وينفقان معاً على الأسرة، مع ملاحظة أن أغلب أصحاب المعاشات التقاعدية هم من القطاع الخاص الذي يتسم بتدنِ المداخيل التقاعدية مقارنة بالقطاع العام، وهناك ما مجموعه (22,702) فرداً من المستحقين من "الأرامل واليتامي وآخرين" للمعاشات التقاعدية ممن تقل مرتباتهم الشهرية عن (359 د.ب) في القطاع العام و(279 د.ب) في القطاع الخاص، وهؤلاء أيضا يقعون في مستوى تحت خط الفقر المحدد "للأسكوا".
وقس على ذلك فيما ذكره مؤخراً الدكتور حسن العالي في مداخلة له بأن "إجمالي عدد البحرينيين من (سن 15 فما فوق) يمثلون (496 ألف) منهم (245 ألف) نساء و(95 ألف) منهن يعملن وإن (70 ألف) منهن يعملن بأجر، ومؤمن على (58 ألف) منهن فقط، أما (12 ألف من هؤلاء ممن يمثلن نسبة 17%) هن من العاملات بأجر وغير مؤمن عليهن؛ وبالتالي يمكن تصنيفهن ضمن خانة العمل غير النظامي"، أي بمداخيل متدنية وغير ثابتة وشحيحه، وهناك "(14 ألف) يعملن لحسابهن الخاص مؤمن على (554 منهن فقط) و(7 آلاف) بتصنيف صاحبات عمل والعاملات لحسابهن الخاص المؤمن عليهن بعدد (1855) فقط ويتضح أن غالبيتهن غير مؤمن عليهن، فيما بلغت ربات البيوت (78 ألف) ربة بيت و(9 آلاف) عاطلة عن العمل، مقارنة بعدد من العاطلين (3 آلاف)، والفئات الأخيرة بالطبع دون مداخيل شهرية، ما يعني افتقاده لأي مظلة اجتماعية حمائية توفر لها الاستقرار المادي.
إلى
هنا مظاهر الفقر في البحرين تفقع العيون ودلالتها تكمن في المؤشرات الرقمية التي
عرضت أعلاه وبحاجة إلى تمحيص ورؤية نقدية وجدية في النظر إلى واقع هذه المعضلة لاسيما
مع تقلص مستوى المساعدات الاجتماعية وخفض الرسوم والفشل في تنفيذ سياسة بحرنة
الوظائف وخفض نسب البطالة، وعدم المساواة بين المواطنين في ميزات مظلة الحماية الاجتماعية،
لاسيما الذين يعملون في العمل غير المنظم، ولا يمكن لبعضهم امتلاك البيوت والسكن
بسبب هشاشة "مداخيلهم" وعدم قدرتهم على تسديد إيجارات المساكن والتخلف في دفع أقساطها أو
أقساط القروض المصرفية والسيارات وفواتير الكهرباء وتأمين المواصلات، وبرغم إن
التعليم إلزامي هو والرعاية الصحية حيث يقدمان بالمجان أو شبه المجان، إلا إن تدني
مستويات الخدمة الصحية والمخرجات التعليمية وجودتها باتت تستهلك مداخيل المواطن البحريني
وتؤثر على مستوى معيشته باللجوء إلى خدمات الطب والتعليم الخاص، في ظل ارتفاع مطرد
للأسعار وتدني الأجور وتزايد الاقتراض الاستهلاكي لسد
الاحتياجات.
وعليه تبقى
الخيارات مفتوحة ومتاحة لمن بيدهم قرار الحد من الفقر والقضاء عليه، سواء باعتماد
نظام ضريبي عادل ومنصف يخفف من آثار القيمة المضافة عبر الإعفاءات المستهدفة
للأغذية والأدوية الأساسية، ويفرض الضرائب على أرباح الشركات والمؤسسات والتحويلات
المالية للأجانب، فضلاً عن زيادة كفاءة الإنفاق العام وإصلاح الدعم وتنويع النمو
والمساعدة في التوظيف استناداً إلى الكفاءة والأحقية والحد من الفوارق الاجتماعية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق