منى
عباس فضل
الزواج المبكر لا
يمثل ظاهرة في المجتمع، الطلاق لا يمثل ظاهرة محلية، العنف ضد المرأة لا يمثل
ظاهرة، البطالة لا تمثل ظاهرة..إلخ النغمات. إنها بضعة أرقام لا تشكل إلا حالات،
فقط حالات وفكونا!
الوضع مستتب
ويمكن كما قيل "وصف المجتمع المحلي بأنه واع ومتعلم ومستقر اجتماعياً
واقتصادياً...إلخ، وقيل أيضاً "أن هناك ارتفاعاً في متوسط سن الزواج
للبحرينيات، وغالباً ما يكون في الفئة العمرية من "21-25 سنة"، وبالتالي
ما عندنا زواج مبكر، فهمتوا؟!.
درجنا على سماع الخطاب
أعلاه طيلة عقدين من الزمن أو أكثر في سياق تصريحات دفاعية عن حال بات مكشوفاً ويراد
تلميعه أو لملء فراغ في الوقت الضائع، بيد إن هذا لن يخفي حقيقة الواقع. لماذا؟
لأن واقع الحال
سنجده ناصباً وضعه ومتربعاً في أروقة المحاكم وفي أعداد النساء في طوابير الانتظار
للبت في قضاياهن المتعلقة بالطلاق، الخلع، النفقة، حضانة الأبناء، الحصول على
جنسية لأبناء وبنات الأم "المواطنة" المتزوجة من أجنبي، قضايا التعدي
بالضرب واللطم والشتم والحرمان والهجران وووو إلى آخر قوائم العنف النفسي والجسدي
والجنسي الواقع على الضحايا من النساء.
البيانات
الإحصائية التي تُصدق أو تُخالف حقيقة أن لدينا الظواهر السابقة من عدمها، غالباً
ما تأتي مبتورة في غير سياقاتها التي تعالج أضرار هذه الممارسات أو تتعاطى مع تأثيراتها
على الضحايا، غالباً ما تعكس رؤية حالمة أو لامبالية تُهوّن من طبيعة المشكلات
التي تعاني النساء منها فيما يتعلق بحصولهن على حقوقهن الإنسانية وما تخلفه على
استقرار الأسرة وتماسكها في ظل صعوبات وضغوطات الحياة اليومية.غالباً ما يتم
الحديث عن خصوصية المجتمع المحلي وثقافته وانفتاحه وموقفه الإيجابي إزاء المرأة،
نعم حفظنا الدرس نظرياً من خلال الخطاب الإعلامي التقليدي وعبر تقارير جامدة
بأرقامها الصماء واستيراتيجياتها الورقية المنمقة، بيد إن واقع الأمر يشئ إلى ما
لا يمكن تجاهله والتغاضي عنه بشأن حقوق المرأة ومساواتها كمواطنة وفي قضايا الزواج
المبكر والطلاق والعنف ضد النساء.
لم تعد القضية المعضلة
ما إذا كانت هذه أو تلك تمثل ظاهرة مجتمعية أم حالات، مجرد حالات كما يقولون، ففي
نهاية المطاف هناك ضحايا، هناك معاناة وألم، هناك متضررون يستوجب مساندتهم في حل
مشكلاتهم وفي الحصول على حقوقهم، نساءً أم رجالاً، هناك قوانين يجب وبالضرورة
تعديلها أو استحداثها، مثل ماذا؟ مثل توحيد سن الطفولة في القوانين المحلية، حيث
إن "اتفاقية الطفل" الموقع عليها رسمياً تحدد أن الطفل في المادة رقم
(1) "هو كل إنسان لم يتجاوز (18 سنة).."، فيما قانون العقوبات ينص على
(15 سنة) وفي قانون أحكام الأسرة (16سنة)، والأكثر معقولية وحماية للطفولة من أي
زواج مبكر، أن يكون (18 سنة) على أقل تقدير، إضافة إلى التنوية ومن منطلق الإلتزام
بأهداف التنمية المستدامة يستوجب تقنين إلزامية التعليم حتى المرحلة الجامعية وعدم
اقتصار الإلزامية كما هو الحال الآن على التعليم الأساسي فقط، إذ أن ذلك يفتح
المجال لتسرب التلاميذ والتلميذات الصغار من مدارسهم ودخولهم في قفص الزوجية مبكراً
وبما تخلفه من مشكلات قد تؤدى إلى الانفصال أو الانتحار كما حدث مؤخراً لفتاة
تزوجت وهي بعمر (15 سنة).
تنامي
نسب الطلاق
في جولة قراءة
لأرقام الطلاق تبعاً لوزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف نجد أنها شهدت
ارتفاعاً بلغ "30%" مقارنة بحالات الزواج في عام 2009
وبمعدل"1400" حالة طلاق في السنة من أصل "4400"عقد زواج وأن
ما بين"3-4" حالات طلاق تحدث يومياً[1].
أما في 2012 وصلت نسبة الطلاق إلى "27%"[2]،
وفي تتبع لعدد القضايا في المحكمة الشرعية تبين أنها في ازياد سنوي من "940
قضية إلى 1905 فـ2588، 3063، 2788، 4210" خلال السنوات من 1995 و2004 و2006
و2008 و2011 و2012[3]،
كما وهناك (2513) قضية حتى منتصف عام 2013 فقط، وغالبية هذه الدعاوى تمثل قضايا
منازعات أسرية خاتمتها الطلاق وتفكك الأسرة.
في ذات السياق
أشار الشيخ حميد المبارك رئيس محكمة الاستناف العليا الشرعية الجعفرية خلال لقاء
نظمته جامعة البحرين مع طلبة مقرر أحكام الأسرة إلى أن عدد القضايا أمام المحاكم الشرعية
يتراوح ما بين "15 إلى 20" قضية يومياً أي ما بين أكثر من "3500
إلى 5000" قضية في العام، حيث تبقى العديد منها معلقة أمام المحاكم دون حل
مما يضر كثيراً بالنساء[4]،
كما خلص تقرير صحفي إلى أن نسبة (43%) من قضايا الطلاق سببها العنف الأسري مقابل
(27%) من علاقات خارج الزواج و(23%) بسبب المرض النفسي للزوج أو لهجره زوجته[5]،
سيقال إن ذلك حدث سابقاً، لكن هذا الوضع وهذه الأرقام تتراكم وتفرز واقعاً لا يمكن
تجاهله أو الطبطبة الحنونة عليه.
زواج
الصغيرات يؤدى إلى الطلاق
كشفت الإحصائيات
الرسمية من عام 2009 إلى 2015 عن تعطل "12 ألف" قضية في المحاكم تراوحت بين
نفقة وحضانة وطلاق وخُلع، إضافة إلى وجود "3000" قضية طلاق للضرر معلقة
منذ عام 2011[6]،
كما اتضح من واقع المرأة البحرينية في المحاكم، أن القضايا تبقى عالقة فيها. مؤخراً
في يونيو 2019 نُشر في أحد حسابات الانستغرام وعلى لسان محامية معروفة "بأنه
وبعد 7 سنوات" من طرد زوجة بحرينية من منزلها حصلت على حكم بطلاقها من زوجها
الذي اعتاد إهانتها والتعدي عليها مراراً وتكراراً لفظياً وبدنياً ولم تسلم من
طعنها في الشرف.." تقول محاميتها: "بأن موكلتها تعرضت لكافة أشكال
الاهانات من زوجها بتعديه بالضرب المبرح عليها أمام أبنائهما وصفعها بقوة على الجدار
وتهديدها مرة بالقتل، وطعن في شرفها ومنعها من رؤية أبنائها، فطلبت الطلاق
لاستحالة العشرة بينهما إلا أن محكمة أول درجة رفضت تطليقها، وقدمت استئنافاً وحضر
الشهود وتراجع الزوج عن الاتفاق على الطلاق مرات عدة.." كل ذلك تحملته الزوجة المسكينة طيلة 7 سنوات
"تخيلوا" سبع سنوات حتى تحصل المرأة على حريتها.
على ماذا يؤشر
هذا؟
بالطبع على خلل ما
في القانون، في مراحل التقاضي بالمحاكم، يؤشر على معاناة ولا إنسانية بسبب استمرار
التعنت في منح المرأة حقها في الطلاق، وفي بطء تنفيذ الأحكام الصادرة في قضايا
الأحوال الشخصية أحياناً، كأحكام حق الزيارة ورؤية الأطفال في حال الطلاق وتقرير
حضانة الأب، حيث لا تأخذ المحكمة إجراءً سريعاً عند تعنت الأب وامتناعه عن تنفيذ
الحكم، وتقضي الأم وقتاً طويلاً "امتد في بعض الحالات إلى سنتين"[7]
أو "7 سبع" سنوات كما أشرنا في
ردهات المحاكم دون أي طائل.
ثمة مؤشر آخر
بأن زواج الصغيرات يقود إلى الطلاق. عند الحديث عن تحديد سن الزواج في قانون
الأسرة البحريني نجد أن المادة (20) تنص على (لا تزوج الفتاة التي يقل سنها عن ست
عشرة سنة ميلادية إلا بإذن من المحكمة الشرعية بعد التحقق من ملاءمة الزواج)، ما
يعني إنه يجوز تزويج الصغيرة بموافقة المحكمة الشرعية، هذا الأمر يترك الباب
مفتوحا للاجتهادات الفردية وعدم تقييد زواج الصغيرات بنص قانوني ناهيك عما يتركه
من آثار يتجسد أبرزها في حالات النزاع والتفكك الأسري المؤدية إلى الطلاق. الاتحاد
النسائي والفعاليات الحقوقية تطالب بتحديد سن الزواج بـ( 18 سنة) كما هو متعارف
عليه دولياً وعلى أقل تقدير لكلا الزوجين واعتبار أي زواج لمن هم دون هذا السن
باطلاً لا يترتب عليه أي أثر قانوني لهما وأن لا يرد في النص أي استثناء بل إيقاع
عقوبة لكل من يزوج طفلاً أو طفلة.
في
الحقيقة المؤشرات التي يبرزها تقرير صحفي[8] يبعث على القلق بشأن المرأة
خاصة وأفراد أسرتها عامة فيما لو استمر تراكم هذه المشكلات "الحالات" عاماً
بعد عام دون وضع حلول عملية ودون إعادة النظر في بعض نصوص "قانون أحكام
الأسرة" إلى جانب الاستمرار في تلميع واقع يتسم بنواقصه في التشريع وإجراءات التقاضي وعليهم
نظرة المجتمع التقليدية ومواقفه تجاه المرأة كإنسان ومواطن.
نجد
في التقرير إشارة لإحصائية رسمية صادرة عن وزارة العدل والأوقاف والشؤون الإسلامية
تكشف عن وجود (3) حالات فقط لعقود زواج مواطنات للفئة العمرية (أقل من 15 سنة)،
و(3) لأجنبيات ما يعني إنها حالات تتجاوز القانون ولا قانون لردعها عن تزويج
الصغيرات. أما بالنسبة للفئة العمرية من (15-19) سنة فقد سجلت الإحصائية وجود
(720) حالة زواج منها (123) للذكور و(597) للإناث أي إن نسبة الإناث الصغيرات
اللاتي تزوجن مبكراً يشكلن الأغلب بنسبة (83%)، وأما عقود الطلاق في هذه المرحلة
العمرية فهي (57) للنساء و(7) للرجال وعليه فإن نسبة حالات طلاق النساء مقارنة
بزواجهن تؤشر على (10%) فيما تمثل نسبة الرجال (6%)، أما مجموع زواج البحرينيين
للفئة العمرية (20-24 سنة) فقد بلغت (3461) حالة منها (1,965) للنساء بنسبة (57%)
و(1,496) للرجال بنسبة (43%)، فيما كان مجموع عدد حالات الطلاق لهذه الفئة من
البحرينيات (462)، وبالتالي فإن نسبة الطلاق لهذه الفئة حوالي (13%)، وطلاق النساء
منها (308) حالة بنسبة (57%) فيما وصل عدد حالات الرجال المطلقين (154) حالة بنسبة
(33%).
وعند
النظر لبيانات عقود الزواج والطلاق كما تعرضها البيانات الرسمية لعام 2018 سنجد أن
إجمالي عدد عقود زواج الذكور بلغ (5,014) مقابل عقود طلاق قدرها (1,667) وهي بنسبة
(33%)، فيما عقود زواج الإناث وصلت (4,330) مقابل عقود طلاق قدرها (1,518) بنسبة
(35%)[9]. في المجمل، هذه نسبة
مقلقة عند الحديث عن وضع الطلاق في الأسرة البحرينية وتأثيره على أفرادها من أزواج
وزوجات وأطفال.
منى عباس فضل
المنامة – 22 يونيو 2019
[3] مصرد
بيانات عام 2004 و2008: ياسر خميس/مكتب التوفيق الأسري، ورشة "مناهضة العنف
ضد الأسرة" لجمعية نهضة فتاة البحرين في 25-26/11/2008، وبيانات 2009، من
صحيفة الوقت 2فبراير 2010، وبقية البيانات من موقع وزارة العدل الإلكتروني.
[9] أنظر جدول T:05،
عقود الزواج والطلاق حسب فئات السن، الجنسية والنوع، 2018، من موقع هئية المعلومات
والحكومة الإلكترونية www.iga.gov.bh,
Statistics@iga.gov.bh
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق