الاثنين، 28 يناير 2019

بين عام العار والانتفاضات الشعبية

منى عباس فضل

انتشر خلال هذه الأيام تقرير لمنظمة العفو الدولية بعنوان "عام العار" الذي يتحدث بإسهاب عن حملة الاعتقالات المشينة التي جرت خلال عام 2018 في إيران والتي تم فيها سحق الاحتجاجات باستخدام الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه والاعتقال التعسفي لما يزيد عن سبعة آلاف من المعارضين والمعارضات من طلاب وصحفيين ونشطاء بيئة وعمال ونقابيين ومدافعين عن حقوق الإنسان ومحامين وناشطات في حقوق المرأة ومن الأقليات، حيث نالهم جمعياً السجن والجلد والتعذيب وظروف اعتقال مريبة حسب وصف التقرير.


في التقرير أيضاً، أن المعارضين والمعارضات الإيرانيين رفعوا شعارات صارخة ضد الفقر والفساد والاستبداد والحجر على الحق في حرية الرأي والتعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي، ووجهوا باتهامات بينها نشر الأكاذيب والخيانة للوطن، ويضيف التقرير بأن النساء المدافعات عن حقوق المرأة تظاهرن في الشوارع ووقفن على أسطح المباني المرتفعة في الأماكن العامة ملوّحات في صمت بغطاء رأسهن على طرف العصى تعبيراً مضاداً للقوانين المسيئة والتمييزية الخاصة بارتداء الحجاب الإلزامي، الأمر الذي جعلهن عرضة لرد فعل قاس ومواجهة اعتداءات عنيفة على أيدي السلطات، حيث تواجه العديد منهن تهماً تتعلق بالأمن القومي والأحكام القاسية بالسجن والإعدام.


ذليت الناس يا رقاص
في نفس الفترة ثمة أخبار ومشاهد متقاربة في الشكل والمضمون طالعتنا بها وسائل الإعلام وهي تحدث في مجتمعات عربية وإقليمية؛ منها الانتفاضة السودانية التي انطلقت من مدينة العمال الفقيرة "عطبرة" وتصدرت فيها النساء حمى المشاركة الاحتجاجية في الشوارع، فيما تداولت وسائل التواصل الاجتماعي مقطعاً هتافياً حماسياً بصوت "مروة جبريل" يدوى: تسقط...تسقط..تسقط بس، حكومة الفقر تسقط بس، حكومة الذل تسقط بس، حكومة الموت تسقط بس، حكومة الجوع تسقط بس، حكومة العسكر تسقط بس، تسقط بس تسقط بس وتسقط..تسقط..تسقط بس" وهتاف  آخر يصدح به المحتجون: "يا خرطوم ثوري ثوري ضد الحكم الدكتاتوري، جوعت الناس يا رقاص، ذليت الناس يا رقاص، شردت الناس يا رقاص...إلخ".


 النساء السودانيات حالهن حال العربيات في ثورات الربيع العربي، استجبن لهبة ثورة الجياع وشاركن في الاحتجاجات الشعبية مع قوى الشعب ضد نظام الفرد الدكتاتوري وضد تكميم الأفواه وكبت الحريات وضد الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعيشية التي لم تعد تطاق مع ارتفاع نسب البطالة والفقر وتدهور الحياة المعيشية وزيادة الفساد في مؤسسات الدولة وفرض قوانين تقشفية جائرة ومذلة تمس لقمة العيش اليومية في ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية كالكهرباء إضافة إلى القوانين المذلة والمهينة للمرأة وما تتعرض إليه النساء من عوز وفقر مضاعف بسبب الاضطرابات السياسية والحروب.


وتماماً كما في حال الإيرانيات، تعرضت السودانيات للقمع الوحشي ولحملات القتل والاعتقال والترهيب بهدف كسر إرادتهن وكل ذنبهن هو المطالبة بالحريات والعدالة الاجتماعية والمدافعة عن كرامة الإنسان، حيث وثقت المنظمات الحقوقية اعتقال ما يزيد عن (60) مدافعة عن حقوق الإنسان من محاميات وقياديات في الاتحاد النسائي السوداني وصحافيات وطبيبات وغيرهن، ولا يزال بعضهن يعاني من إساءة المعاملة في مراكز الاحتجاز الأمنية سيئة الصيت ويتعرضن للتحرش والاغتصاب والتخويف لكسر شوكتهن والتهديد بتشويه السمعة، يحدث هذا ولا يزال أمام ناظر المجتمع الدولي والعربي الذي وقف بعضه بوقاحة ونفاق لا نظير له إلى جانب النظام.

البطش لا يسكت الشعوب
إذن حال "العار" الذي تناوله تقرير منظمة العفو الدولية لا يقتصر على إيران، إنما يمتد ويتسع مداه إلى كافة البلدان التي تعاني شعوبها من مرارة الظلم واللاعدالة والفقر والفساد. إن الحقائق التاريخية الدامغة تثبت يوماً بعد يوم، أن "فعل العار" في قمع الشعوب وانتهاك حقها في الحريات تتورط فيه غالبية البلدان التي تحكمها وتديرها أنظمة دكتاتورية استبدادية في فكرها وثقافتها وبما يشيع في أوساطها من حكم الفرد والفساد المالي والسياسي وغياب العدالة والتمييز ونهب ثروات الشعوب الذي تقاسي في ظله النساء وفئات الشعب الأخرى المرارة والعذاب أثناء نضالهم اليومي للحصول على الحرية والكرامة وتقرير المصير من الانتهاكات والاعتقال والظلم. وبالتالي فإيران القمعية في ظل نظام الملالي الأوتوقراطي ليست استثناء عن حالة الأنظمة الدكتاتورية الاستبدادية أو الدينية أو الطائفية أو الجمهورية في انتهاك الحريات وتكميم الأفواه، كلهم في الهم سواء.


التاريخ يعلمنا أن العنف والبطش لا يسكت أصوات الشعوب وصداها، بل يضعنا أمام مشهد عميق في مغزاه، بأن للمرأة دائماً حصة كبيرة في المشاركة الفعالة في تحريك احتجاجات الميادين والساحات، كما لها بالمقابل حصة لا يستهان بها من الانتهاكات التي تمارس من قبل أجهزة الأمن أثناء التظاهر والاعتقال والإختفاء القسري وتلقى التهديدات والتحرشات والاغتصاب أثناء الاعتقال والاستجوابات.

التغيير سيرورة التاريخ
يبقى أن التغيير والتجديد صيرورة التاريخ وضرورة إنسانية وظاهرة صحية لاسيما حين يكون ثورةً وانتفاضةً واحتجاجاً على الفساد والمفسدين. صحيح أن لكل ثورة وحركة احتجاج خصائصها وسماتها المتعلقة بطبيعة النظام السياسي وتركيبته ومؤسساته الأمنية وطبيعة بنية المجتمع ومكوناته من نسيج طائفي وعرقي أو قبلي..إلخ، إلا أن هناك بالمقابل قواسم مشتركة بين الشعوب الثائرة كالشعور بالظلم وبضرورة التحرر من الاستبداد وفق مفاهيم الحرية والمواطنة والعدالة والحق. وعليه يرى البعض: "بأنه لا يمكن وضع كل الثورات والانتفاضات في بوتقة واحدة، رغم تأييدها والتضامن معها، ذلك لأن المعيار ليس المعارضة فقط أو أسلوب المسيرات الشعبية، بل الأساس لرؤية أيّ منه يكمن في السؤال عن هدف هذه الانتفاضات؟ وعن هويّة القائمين عليها؟ إذ يرى البعض هنا وجود أيادٍ خفية مشبوهة تلعب في المشهد الاحتجاجي من الداخل وله علاقة بالخارج لافتعال حالة التمرد والأزمات والانقلابات العسكرية الدموية".

أما الرأي الآخر الذي خلص إليه وائل قنديل في مقالته "أسئلة الامتحان السوداني الصعب" جاء عبر إشارته "إلى أن هذا الوضع يفرض امتحاناً صعباً وأسئلة كاشفة للمواقف الحقيقية والانحيازات الصريحة، مع الشعوب وضدها، ومع المبادئ وعكسها، وهو الامتحان الذي أظهر مساحة هائلة من التناقضات وازدواجية المعايير، والتواطؤ، الصامت أحياناً، والصارخ في أحيان أخرى" ويتساءل: "كيف تكون مع حق السوريين في الغضب والثورة، والسعي إلى الانعتاق من الاستبداد، ثم تتخذ موقفاً سلبياً، متواطئاً، ضد حق السودانيين في المطالبة بالتغيير، والتحرّر من استبداد ثلاثة عقود متواصلة؟ ...لماذا يكون الحراك الجماهيري في سوريا سعياً إلى الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية، بينما الحراك السوداني تعتبره تخريباً وعنفاً وهدماً لمقومات الدولة السودانية؟ كيف تكون مع الثورة الشعبية في نقطة، وضدها في نقطة أخرى؟".

وعليه، بحق كيف تكون مع ثورة شعبية هناك وضد ثورة شعبية أخرى هنا؟! كيف؟! 

منى عباس فضل

المنامة – 28 يناير 2019



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق