منى عباس فضل
قبل ثلاثة أعوام وفي إطار حملته الأوسع
لمكافحة الفساد أمر رئيس تنزانيا بفصل أكثر من (9900) موظف مدني بعد اكتشاف وجود
آلاف منهم بشهادات مزورة، لم يكتف بذلك بل أقال مسؤولين بارزين من مناصبهم، وفي السياق
تبين وجود أكثر من (19,700) موظف وهميين يتقاضون رواتب من القطاع العام وقال:
"في حين نعمل بدأب لخلق فرص عمل جديدة، هناك من يعملون في الحكومة بدرجات
علمية مزورة، الحكومة بهذا تخسر ما قيمته "107 ملايين دولار" سنوياً في
دفع رواتب لموظفين وهميين أقيلوا الآن من القطاع العام، وأمر المسؤولين بإعلان
أسمائهم وفضحهم لأنهم تقدموا بأوراق مزورة..؛ مضيفاً:
- هؤلاء الناس شغلوا مواقع حكومية دون مؤهلات
كافية... لقد سرقونا مثل المجرمين.
في 2011 قدم وزير الدفاع الألماني "كارل
تيودور تسو جوتنبرغ" استقالته من منصبه وهو الأكثر شهرة حيث كان مرشحاً
محتملاً لمنصب المستشار الألماني، لماذا؟ بسبب "فضيحة" أكاديمية كشفها
أكثر من 200 أستاذ جامعي طالبوا الوزير بالاستقالة منتقدين دعم ميركل له، أما جامعة
بايروث التي منحته الدكتوراة أقرت بأنه "انتهك المتطلبات العلمية إلى درجة
كبيرة". هل من حكمة في سرد الحكايات أعلاه؟
- نعم وخصوصاً للجادين في مكافحة التزوير
وبناء منظومة إجراءات رادعة لهذه الجريمة.
مافيا التزوير
في مصر تشير صحافتهم إلى أن جامعاتهم منكبّة
في مواجهة الشهادات العلمية المزورة، ويقول عميد كلية الحقوق بجامعة القاهرة، إن
الأمر تم رصده بكثافة فيما يشبه المافيا، وطبقا للقانون تعتبر هذه الشهادات تزويراً
فى محررات رسمية، وعقوبتها قد تصل للأشغال الشاقة المؤقتة، مضيفاً؛ إن الجامعة
اتخذت إجراءاتها الاحترازية، واتفقت مع إحدى الجهات السيادية "القوات المسلحة"
على استصدار شهادات التخرج مع بداية العام الدراسى، أما جامعة عين شمس فاستعانت بخبرات
أجنبية لمحاربة التزوير ومنعه من خلال استيراد أوراق "نماذج الشهادات"
من اليابان تتميز بعدم قابليتها للطى والتلف، وهي خطوة تبعاً لهم جيدة وناجحة
لمحاربة مافيا التزوير، فيما تكشف تقارير أخرى شن وزارة الداخلية حملات أمنية على
مراكز علمية وهمية، تقوم بإصدار شهادات مزورة وتم تشميعها وتحرير محاضر ضد أصحابها
بتهمة النصب والاحتيال، وألقي القبض على عاملين بالجهاز الإدارى للدولة بتهمة التزوير
لاسيما أحدهم الذي اشتهر بتزوير"11" شهادة دكتوراه. هل هذا يكفي لمكافحة مافيا التزوير؟
غش وتدليس
كتب مواطن سوداني مقالة له بحرقة قلب
كاشفاً من خلالها عن عقود أبرمت لعراقيين يحملون تخصصات يحملها عشرات السودانيين العاطلين
عن العمل، وأن فضائح التزوير في الألقاب العلمية مرتبطة بوزارة التعليم العالي
وكليات التعليم التقني والبحث العلمي وإنه وحسب المستندات التي فحصها وتأكد منها؛
هذه الهيئة تغوص في بركة من الفساد وتساءل عمّن يراجع الأوراق ويحقق في العقود
والألقاب التي توزع على كل من هب ودب علينا من أية دولة عربية شقيقة أو أخرى؟ وساق
مثالاً عن تعيين دكتور عراقي بقرار وزاري عميداً لكلية الجريف شرق التقنية وهو
المتخصص في الاحصاء -أي في مجال يحمله عدد كبير من المواطنين- ورغم ذلك تم التعاقد
معه بعقد دولاري كبير دون تمرير العقد للمستشار القانوني لوزارة التعليم العالي
إنما عبر وزارة الزراعة، الغريب أن الرجل لا يحمل إلا درجة الماجستير وقت توقيع
العقد معه على إنه "دكتور" وتبين أن شهاداته غير موثقة من الخارجية
العراقية مما يعد مخالفة للائحة الخدمة المدنية، وتتابع فصول الفضيحة حسب وصفه
باختيار هذا العميد نائباً له من نفس جنسيته بزعم أنه دكتور ورئيس لقسم علمي ويوقع
معه عقداً بنفس الطريقة عام 2007 فيما حصل على الدكتوارة في 2010 من جامعة
النيلين، وفي هذا تلاعب فاضح. وأضاف: "تحدث تلك التزويرات الخطيرة والألقاب
الوهمية في مؤسسات تعليم عال يرسل أهلنا المواطنون أبناءهم فيها ليتعلموا وينالوا
الدرجات العلمية، فهل ينجح صاحب الدرجات الوهمية في تخريج طلاب يحملون درجات علمية
حقيقية؟ وأي فساد هذا الذي يحدث في مؤسسات التعليم وأي استهتار؟ وكيف ستكون المعالجة؟
ويختتم: "سادتي ولاة الأمر في بلادنا
هل تقرون بتوزيع الألقاب على الناس مثل توزيع مطبقات الاعلانات في شارات المرور،
ولو كانت الدرجة العلمية تؤخذ هكذا مثلما يأخذ أحدهم احتياجاته من أرفف السوبر
ماركت؟ وأين وزراة العدل وديوان شئون الخدمة ووزارة العمل"؟!! أنتم أخوة
أشقاء نعم؛ ولكن بلادنا ليست سايبة؛ بلادنا مليئة بالعلماء الحقيقيين وحملة أرفع
وأكبر الدرجات العلمية ياهؤلاء، أما تهاون وزارة التعليم العالي وما يسمى بهيئة
التعليم التقني فإن إقالة هؤلاء بالجملة لن تكفي لإصلاح هذا الكسر العميق في ساق الأمانة
العلمية".
التزوير جناية
في دولة الإمارات تشهد المحاكم قضايا كثيرة سنوياً حول تزوير
الشهادات، وهي تعتبر قضايا "جناية" يحاكم فيها المتهم ويعاقب فيها
المزورون بالسجن مدة لا تزيد عن عشر سنوات، كما يعاقب بالسجن كل من زور صورة محرر
رسمي وتم استعمال تلك الصورة مدة لا تزيد على خمس سنوات، وفي أبوظبي وحدها كشفت
النيابة العامة عن إحالة "100" قضية بتهمة تزوير محررات رسمية خلال 2014
تمثلت فيها الشهادات الدراسية المزورة نسبة "40%"، أما وزارة التعليم
العالي والبحث العلمي فكشفت عن ضبط "33" شهادة مزورة خلال الأعوام من
2011-2013.
في الكويت التي اهتزت مؤخراً بفضيحة بيع
"200" شهادة جامعية مصرية مزورة مقابل 4 آلاف دينار عن كل شهادة. انكشفت
خيوط الجريمة باعتراف حامل شهادة مزورة في الحقوق بحصوله عليها دون دراسة وبالتعاون
مع وافد مصري يعمل في وزارة "التعليم العالي". إثرها تصاعدت دعوات نواب بمجلس الأمة تطالب بسرعة
محاسبة المسؤولين والمتورطين، واقترحوا سن قانون للحبس والغرامة والعزل للمتورطين،
وطالبوا الحكومة بفضح المتنفذين الواقفين بوجه تحركات وزير التربية والتعليم المنطلقة
من مسؤوليته الدستورية والقانونية للقيام بواجب إحالة المتورطين للنيابة،
خصوصاً وقد تبين أن بعض من رفض اعتماد شهادات إحدى
الجامعات غير المعترف فيها، قد تعرضوا للضغط والتهديد وتم دفعهم للتخلي عن مناصبهم،
وأضاف أحد النواب: "عندما تكون الحكومة ضعيفة ولا يتم محاسبة الفاسد،
طبيعي سينتشر الفساد وكذلك التزوير سواء في الشهادات أو المعاملات (من أمرك.. قال
من نهاني)، متسائلا هل سيتم ملاحقة ومحاسبة أصحاب الشهادات المزورة" أم فقط
الوافد؟! "ورونا مراجلكم يا حكومة".
رسمياً الحكومة الكويتية لم تدفن رأسها كالنعامة، لم تلوذ بالصمت
وتجاهل الأصوات المحتجة، بل صرحت على لسان أحد مسؤوليها، إن جهود كافة الجهات في
مكافحة الشهادات المزورة، تحظى بدعم كامل من رئاسة الوزراء وبأن إحالة الملف إلى
النيابة العامة هو استكمال للإحالات السابقة، واستكمال للخطوات التي اتخذتها
الأجهزة الحكومية في مواجهة التزوير ومكافحة الفساد، لم لا وقد بينت التحقيقات أن هناك
ما لا يقل عن (100) مواطن حصلوا على شهادات مزورة في "الحقوق" من ضمنهم
من يتقلد مناصب قيادية ومحامون، والأنباء تتوارد عن استدعاء المباحث لهؤلاء
للتحقيق معهم وتم إحالة 20 ملفًا للنيابة بانتظار إحالة 30 ملفًا آخرين.
أما هنا وإذ تتشابه حكايات تزوير الشهادات والجامعات الوهمية بما
سبقها؛ وهي آخذة بالتفاقم والتداعي مع غياب الشفافية والتحقيق والمحاسبة واستمرار إنشغال
الشارع ومواقع التواصل الاجتماعي بمن تورط فيها من مواطنين أو أجانب ممن يشغل
بعضهم وظائف قيادية، يبدو أن القضية الكارثة دخلت كغيرها دائرة التمييع، ويبدو أن الجهات
المعنية بها والتي تستجلب الوافدين والأجانب لمهنة التعليم ومنهم من زور مؤهلاته وشهاداته؛
وكأن البلد خلت من الآف المعلمين المواطنين المؤهلين العاطلين، يبدو إنها في سبات
عميق وكأن الأمر لا يعنيها، الأسوأ منه تحوير دفة معالجة تزوير الشهادات والجامعات
الوهمية والفساد في التعينات الوظيفية المستندة على
التزوير باتهامات الخيانة والعمالة؛ صحيح هذه الظاهرة لا وطن لها، لكن الصحيح أيضا إنها
قابعة كالفيل في ركن الغرفة، يعني "تطز العين".
المنامة – 25 أغسطس
2018
منى عباس فضل
الأسوء هو السكوت عن الخطأ وهو عمدا . كان نقول الله نحن نعلم ولكننا لا نهتم
ردحذف